<%@ Language=JavaScript %> احمد برقاوي الثورات وعلاقات العرب بالعرب
   

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين          

 

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                        

 
 

 

 

لا

للأحتلال

 

 


الثورات وعلاقات العرب بالعرب

 


احمد برقاوي

 

مازالت العرب ـ أفراداً وجماعات، مفكرين وعاديين، فنانين وتشكيليين، عمالاً ورأسماليين ـ تفكر بيوم تكون فيه العلاقات العربية ـ العربية، على نحو تسمح للعربي أن يحمل حقيبته ويركب القطار من البصرة إلى الرباط من دون أن يسأله أحد: من أنت؟ ومن أين أنت؟ وهل حصلت على تأشيرة دخول... إلخ من هذه الأسئلة.
ولعمري أن حلماً كهذا مشروعٌ جداً وواقعي جداً، وقابل للتحقيق جداً إذا ما تغيرت طبيعة الحكم والسلطة وطبيعة الحاكم في الوطن العربي. ذلك أن النظام السياسي العربي قد أعطى معنىً جديداً لمفهومي السيادة والأمن لا مثيل له في التاريخ المعاصر. فالسيادة هي سيادة النظام السياسي على محكومية من دون سيادة للإرادة الوطنية، للقرار الوطني بل ومن دون سيادة على ثروات البلاد.
ولقد انحصر مفهوم السيادة في تفكير العربي دائماً أنه قادم إلى دولة. لسان حال السلطة يقول للعربي: اسمع أيها الأخ ستدخل أرضاً يتحدث أهلها العربية. وستجد عاداتك في بلدك هي عادات أهل الأرض الذين ستتعرف عليهم، وقد تجد أقاربك في استقبالك، وسيعتبرونك واحداً منهم. لكن إعلم أنك في دولة غير دولتك وإذا كنت مثقفاً ونسيت ـ بسبب وحدتك مع المثقفين على أرضنا فتذكر أنك لست من هذه البلاد. تذكر دائماً أننا سلطة ذات سيادة .
ولقد حدثني أحدهم فقال: «ذهبنا نحن مجموعة من أفراد الأمن العام في دورة تدريب إلى الولايات المتحدة الأميركية وكان هذا قبل 11 أيلول، وبعد عودتنا مغتنين بمعارفنا الجديدة وطرق التعامل مع الوقائع الأمنية استدعانا مدير الأمن العام وبعد التقريظ بنا سأل: ما أهم الخبرات التي حصلتم عليها فقلت له: سيدي أن في أميركا أجهزة رقابة غير مرئية يدخل الشخص إلى المطار فلا يقابل إلا خاتم الجوازات وأنا اقترح الاستفادة من هذه الواقعة».
نظر مدير الأمن العام إلي نظرة استهزاء وقال: إنك لغبي إذا لم نفتش محفظة القادم إلينا من العرب، ونثرنا محتوياتها على أرض المطار وحملناه على خلع حذائه فكيف سيتذكر أننا دولة.
تشير هذه الواقعة إلى مشكلة تعاني منها السلطة في الوطن العربي، وتأكيداً للسيادة الزائفة فإن منح الجنسية في دول السُلط العربية للعربي ضرب من المستحيل.
أما الأمن: فهو ليس الأمن الوطني، فأمن الوطن سيتاح بشكل لا مثيل له أيضاً في بلدان العالم، بل أمن السلطة الحاكمة فكل انجازات التقنية الغربية للأمن الوطني تستورد لتحقيق أمن النظام السياسي - أمن السلطة. وهذا كلام معروف وسؤالي: هل يمكن للثورات أن تغير من مفهومي السيادة والأمن السائدين لدى السلط المنهارة، وتعيد لهذين المفهومين أصلهما المفقود.
منطقياً الجواب بـنعم فإذا أنجزت الثورات العربية واقعة تداول السلطة وتحديد مدة الحكم فإنها قد حررت السلطة من طابع الملكية. فالحاكم يصبح موظفاً في دولة في عداد موظفين لهم فترة محدودة في الحكم. فتزول بذلك البنية القديمة القائمة على فكرة سيادة وأمن السلطة الدائمة. وعندها أيضاً تزول علاقة الخوف المتبادل السلطة والآخر ـ الشعب.
فلو حللنا العلاقة التي تقوم الآن بين السلطة والشعب في عموم الوطن العربي لوجدنا ما هو آتٍ. من حيث الشكل هناك دولة، فالدولة ـ بوصفها وسيلة إلزام وإكراه تتضمن جملة من القوانين تحدد السلوك الواجب أتباعه في كل مجالات الحياة المرتبطة بالحق والحرية. كما تحدد جملة العقوبات التي تمنع الناس من الاعتداء على الحق العام والحق الشخصي. وبالتالي فإن الدولة بسلطاتها الثلاث: التشريعية والتنفيذية والقضائية تحدد الواجبات والحقوق وفق دستور البلاد والعباد.
غير أن الذي حصل: أن «سلطة الدولة» تحولت عبر وعيها بالسلطة إلى «دولة السلطة» وبالتالي صار لابد من تعليق القانون ومنحه إلى أجهزة أمنية متنوعة تعمل وفق ما يسمى بالأحكام العرفية فالأحكام العرفية التي هي أحكام مؤقتة زمن الحرية تحولت إلى الأحكام الدائمة.
والأحكام الدائمة بوصفها الأحكام العرفية فقط، مصادرة قانون الدولة ـ زرعت عبر قمعها اللاقانوني، وإكراهها المناقض للدستور الرعب والخوف لدى الموطن العربي بعامة. وبالتالي صار الخوف من السفر واقعة مأساوية وهكذا حدت «دولة السلطة» من العلاقات العربية -العربية لاسيما أن كل دولة سلطة تخشى مثيلاتها.
إن من شأن الثورات العربية الراهنة أن تعيد إلى الأشياء منطقها أي قيام سلطة الدولة التي لا تستلبها أية قوة من قوى القمع الممكنة وبالتالي تعيد العلاقات العربية ـ العربية إلى ما يجب أن تكونه ومتطابق مع منــطق العـرب بوصفهم أمة. فسلطة الدولة وحدها القــادرة على أن تعمل من أجل مواطني الدولة. فيما دولة السلطة هي العدو الأكبر للإنسان. سلطة الدولة تقضي على حال الخوف المتبادل بين الشعب والسلطة. وزوال الخوف المتبادل يعني سيادة الأمن الحقيقي والحرية وفتح الدرب أمام نمط من دولة الأمة.

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا