<%@ Language=JavaScript %> خطاب صريح إلى الحركات الشبابية العربية عبد الاله بلقزيز
   

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين          

 

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                        

 
 

 

 

لا

للأحتلال

 

 

خطاب صريح إلى الحركات الشبابية العربية

 

 

عبد الاله بلقزيز

 

بعد أن ينتهي موسم المديح المسهب للحركات الشبابية العربية وإنجازاتها الثورية، وقد آن له أن ينتهي، سيكون علينا أن نخاطب شبابنا مخاطبة صريحة، لا مداهنة فيها ولا نفاق، لتنبيهه إلى ما قد يعترض سبيل نضاله الديمقراطي من معوقات وامتناعات موضوعية قد لا تلحظ في الخضم الحركي، وقد تلحظ ويستسهل أمرها، وتنبيهه، في الوقت عينه، إلى ما قد يقع فيه نضاله من أخطاء ارتكبتها أجيال وحركات قبله، وكان لها عظيم الأثر الارتدادي السلبي على نضالاتها . على خطاب الصدق والصراحة والحرص على أن يعلو مقاماً في مواجهة، وعلى أنقاض، خطاب الرياء والمجاملة وشراء المودة، إن كنا حريصين حقاً على نجاح عملية التغيير الديمقراطي في مجتمعاتنا العربية، وحريصين على صون المكتسبات النضالية لحركاتنا الشبابية من التبديد ومن السرقة والاختطاف، وإسناد مجهودها التاريخي العظيم بالرأي الصادق والنصيحة المفيدة من دون ادعاء وصاية أبوية على حركات راشدة اختارت طريقها بشجاعة، ومن دون أن تأخذ إذناً من أحد منا: ممن يداهنونها وممن يصارحونها على حد سواء .

تقتضينا هذه الصراحة، التي نزعمها، ولكن صادقين، أن ننبه شبابنا المنتصر في ساحات عربية، والمكافح في ساحات أخرى على سبيل الانتصار، إلى ثلاثة من أكثر الأخطار التي تتهدد عملهم ومكتسباتهم النضالية، التجريبية السياسية، العدمية القصووية، ثم الاختراق الخارجي . قد تجتمع الأخطار الثلاثة في حركة واحدة، وفي مرحلة من النضال واحدة، وقد تتفرق، لكنها - قطعاً - تمتحن مصير حركاتنا السياسية أسوأ امتحان يصل بها إلى الابتلاء: تجمعت فيها أو تفرقت . التجريبية من أكثر الأمراض فتكاً بالسياسة والعمل النضالي، وهي كناية عن إقامة الفعل السياسي، على مقتضى تحريره من أي “قيد” نظري أو فكري، وتمكينه من اختبار خيارات مختلفة بدعوى أن الواقع ما يحدد للسياسة برنامجها . ولسنا هنا في معرض تحليل فلسفي وايبيستيمي لمفهوم الواقع، للقول إن الواقع مفهوم نظري وليس معطى امبيريقيا Empirique، أو هو معطى مبني بناء نظرياً، وإنما نحن في معرض تحليل سياسي لظاهرة شديدة الأذى للسياسة مفادها فصل العمل السياسي عن الرؤية الفكرية - السياسية التي تؤسسه أو ينبغي أن تؤسسه . قال من قال في الماضي إن النظرية عرجاء من دون سياسة والسياسة عمياء من دون نظرية، ولقد صح ذلك في التاريخ ومازال يصح حتى اليوم . ومن دون نظرية للسياسة، أو رؤية سياسية كما بتنا نقول اليوم من باب تخفيف الوطأة، يمتنع اشتقاق البرنامج السياسي الذي هو بوصلة العمل السياسي وخريطة طريقه . وأخشى ما نخشاه من أن تصاب نضالات شبابنا بداء التجريبية وانعدام الرؤية والافتقار إلى برنامج العمل .

قد يُحْتَج علينا بالقول إن لحركاتنا الشبابية برنامجاً سياسياً معلناً في الشوارع والساحات وعلى المواقع الإلكترونية وتصريحات كبار نشطائها، وهو التغيير الديمقراطي وإقامة دولة المواطنة . نستدرك بالقول إن الشعار ليس البرنامج، لأن البرنامج رؤية سياسية تفصيلية وخطة عمل سياسية جامعة . وإذا كان لنا أن نسلّم بأن قوة اجتماعية تستطيع إسقاط نخبة حاكمة من دون أن يكون لها برنامج سياسي، فإن القوة إياها لا تستطيع إدارة ثورة أو بناء دولة من دون برنامج . لقد نجح شباب تونس ومصر في إسقاط نظامي الطاغيتين من دون مساعدة حزب أو مجموعة أحزاب . لكن الحقيقة التي يعرفها الجميع، وأوّلهم شباب تونس ومصر، هي أن الأحزاب السياسية في بلدي الثورة هي مَن ستقرر صورة البلد والدولة في مرحلة ما بعد الانتخابات حتى وإن لم يكن لها تأثير يُذكر في صناعة حدث الثورة . التجريبية قاتلة، وعلى شبابنا تداركها للحفاظ على مكتسبات ثورة قدّموا من أجلها الشهداء والجرحى والمعتقلين .

يناظر التجريبية خطراً المنزع إلى العدمية، وخاصة حينما تركب مركب التفكير القصووي فقد يُغري الكثيرين أن ينساقوا - تحت وطأة حماسة الحَرَاك الثوري - إلى اعتقادات سياسية مدمّرة، من قبيل أن اللحظة الراهنة بنت شروطها المباشرة، وأن ما قبلها عدم، وأن لا شيء تراكم في السابق ويُبنى عليه، وأن أي شيء من المكتسبات لم يتحقق في الماضي، وأن أرض السياسة بكْرٌ لم يَطَأها جيلٌ ولا حركةٌ ولا فكرةٌ قبل، كما لو أن التاريخ يبدأ اليوم: في مطالع العام ،2011 قد يكون الشعور هذا مفهوماً في أول انبثاقه حيث بشارات النصر تتلاحق من ساحة عربية إلى أخرى، غير أن إدمانه مخيف لأنه يهدد من يحمله بالاصطدام العنيف بحقائق الواقع، وأولها أن معارضات الأمس المستضعفة في ظل الديكتاتوريات، هي الأقوى شعبياً في الاقتراع العام، وأن الأفكار الديمقراطية التي راجت في البلاد العربية، منذ ثلث قرن، هي سقف الثقافة السياسية الأعلى بين السقوف اليوم، نحذر من هذه النزعة لأن كثيراً من الكلام قيل، في غير محله، عن معارضات سابقة أكل الدهر عليها وشرب كما يظن، وعن أفكار وبرامج لم تعد تقدم للمجتمع شيئاً كما يُعْتَقد، لقد كان على هذه العدمية أن تقرأ الواقع جيداً حتى لا تتفاجأ به . مثلما فاجأها في انتخابات المجلس التأسيسي في تونس .

تتضاعف معضلة العدمية حين يفكر أصحابها تفكيراً قصووياً، التفكير هذا هو الوليد الشرعي للعدمية: إذا كان عليك ألا ترى في الصورة إلا نفسك، أن لا تعترف للآخرين بسهم أو حصة، أن تنسب إلى نفسك كل شيء جرى، يكون لك حينها أن تطلب الحد الأقصى، لا مكان، هنا، لحقائق الأمر الواقع، لميزان القوى، للممكن السياسي والتاريخي، الكل أو لا شيء، وهذا معنى أسطوري للثورة يحل الإرادة محل الواقع، ولقد وقع بعض الفعل الثوري الشبابي العربي في هذا المطب حين رفع سقف المطالب بما ينوء الواقع، وبما تنوء الإمكانات والشروط الذاتية، عن حمله! وكانت النتيجة أن الهندسة السياسية لحقبة ما بعد الثورة، التي فرضت نفسها كجدول أعمال، لم تكن تلك التي وضعها الشباب في الساحات العامة، وإنما تلك التي وضعتها القوى السياسية القائمة والمعارضات السابقة، وهو عين ما يقال في البلدان العربية التي شهدت حراكاً شبابياً عارماً تحت سقف مطالب قصورية اصطدمت بحاجز الواقع السياسي .

أما المطب الثالث والأخطر، فهو الاختراق الخارجي لحركاتنا الشبابية من طريق “المساعدات” المالية، والتشبيك، والحوارات التي تفتحها السفارات الأجنبية معهم تحت عنوان معرفة رأي قوى الحراك والاستماع إلى مطالبهم، واحتضان مؤتمرات المعارضات في الخارج . . الخ، ليست هذه سياسة جديدة حيال مجتمعاتنا، وإنما جربت في الماضي القريب مع معارضات سابقة، وضخت أموال للمنظمات غير الحكومية، وتلقت وفود شبابية دورات تدريبية أو تكوينية على “العمل الديمقراطي” “في أمريكا خاصة)! ومع أننا لم نكن يوماً في جملة من شكك في استقلالية الحركات الشبابية وأصالة ثورتها في تونس ومصر، وفي بلدان الحراك الاحتجاجي العربية الأخرى، إلا أننا كنا -وما نزال - في جملة من يتنبهون كثيراً إلى مخاطر ذلك الاختراق الأجنبي الذي يتوسل المال، مستثمراً الضائقة المادية للجمعيات غير الحكومية، والذي يزعم نصرة الديمقراطية: التي وقف ضدها في جزائر العام 1991- 1992 وفي انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني حين أتت بحركة “حماس” والذي لم يناصر قواها حين ثارت ضد نظام بن علي المخلوع إلا بعد أن بلغت الثورة شوطها النهائي في يوميها الأخيرين .

إن مقتل حركاتنا الشبابية هو الاختراق الأجنبي لصفوفها عبر المال والعلاقات العامة، وهو الذي يجري، اليوم، باسم المصلحة المشتركة في الديمقراطية بين الجهات المانحة والمؤسسات والجمعيات الممنوعة، وإذا كان من الواجب القول إن الحركات الشبابية العربية مستقلة القرار في معظمها، ومدفوعة بنداء الواجب الوطني لتحرير بلدانها من الاستبداد السياسي وبناء النظام الديمقراطي، فإن من الواجب التنبيه إلى أن صفوفها مخترقة بالعديد من الجمعيات العريقة في العلاقة مع قوى التمويل الأجنبي، الذي لا يدفع لوجه الله، وعريقة في الصلة بالسفارات الأجنبية والمؤسسات السياسية الرسمية في الولايات المتحدة وأوروبا! والمشكلة تعظم أكثر حين يصبح بعض هذه الجمعيات في موقع من يقود الحراك الشبابي أو يتحدث باسمه .

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا