<%@ Language=JavaScript %> عبد العال الباقوري الهزيمة مُرة .. والشعب يريد استمرار النظام !!
   

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين          

 

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                        

 
 

 

 

لا

للأحتلال

 

 

الهزيمة مُرة .. والشعب يريد استمرار النظام !!

 

 

عبد العال الباقوري

 

ما أبعد الفارق بين الهتافين ـ الشعارين ـ المطلبين: «الشعب يريد إسقاط النظام» و«الشعب يريد استمرار النظام» وفي المرتين كانت إرادة الشعب قاطعة حاسمة وتحولت في أرض الواقع إلى حقيقة.. الشعب يريد إسقاط النظام هو شعار ومطلب ثورة يناير 2011 الظافرة والشعب يريد استمرار النظام كان هدف الجماهير المصرية والعربية التي رأت بحسها البسيط والعفوي أن استمرار النظام، نظام قائدها عبدالناصر هو بداية الرد العملي والقوي على الهزيمة المرة في الخامس من يونيو يومئذ لم تكن الجماهير قد أدركت حجم الهزيمة ولا حقيقة الخسارة التي أفقدت مصر سيفها ودرعها في ساعات ولكنها أدركت أن قائدها الذي خاضت بقيادته معارك ضارية وحققت انتصارات هائلة تلقي ضربة قوية تدفعه دفعا إلى الابتعاد عن موقع القيادة ومن هذا الحس العفوي البسيط خرجت الجماهير بالملايين في المدن والقرى لتعلن «هنكمل المشوار» و«بالجيش والشعب هنكمل المشوار» و«بالروح والدم نفديك ياعبدالناصر» وأمام هذه الإرادة الصلبة الصلدة أصبحت الاستقالة مستحيلة وأصبح التنحي محالاً.

كادت أيام الهزيمة المرة ما بين 5 و8 يونيو ترسم من جديد خريطة الأعداء للمنطقة خريطة تكرس وتعمق «سايكس – بيكو» في 1916 وبسرعة كان الرد من جماهير الأمة العربية كلها في يومين مجيدين في 9 و10 يونيو كانا بداية السعي ـ الذي لا يزال مستمراً ـ لوضع خريطة المنطقة على قدميها بدلا من أن يوقفها الأعداء على رأسها.

ولا يدري المرء لماذا نتجاهل مليونية هذين اليومين ونحن نتحدث عن مليونية 25 يناير وما تلاها وتلاه.. إن مليونية 9 و10 يونيو هي الأب الشرعي لمليونيات ثورة يناير إنهما ثورتان متكاملتان ويكاد ما عداهما ـ إلا استثناءات معروفة على رأسها جولتا الاستنزاف والعبور ـ أن يكون شذوذاً في شذوذ.. وهذه الرؤية التكاملية للثورتين لا تنفي على مدى 44 عاما منذ الهزيمة المرة فإن كل عام منها شهد متغيراً ما في مجرى الصراع العربي - الصهيوني أحيانا كان هذا المتغير كبيرا ملموسا وأحيانا كان عابراً غير محسوس. أحيانا كان متغيرا عسكريا وأحيانا كان سياسيا أو اقتصاديا.

ودون الدخول في تفصيلات هذه المتغيرات وتأثيراتها فإن العام الأخير أو بالضبط نصف العام الأخير قد شهد بداية «ربيع الديمقراطية العربي» الذي حملت رياحه ولاتزال عنصرا أساسيا في ساحة الصراع في فلسطين وحول فلسطين وهذا العنصر هو «الشارع العربي» حسب تعبير لسياسي إسرائيلي وهو «ديمقراطية الشارع» حسب تعبير لمحلل أوروبي ذي أصول مصرية صحيح أن الجماهير كان لها دورها وصوتها منذ أول يوم عرفت فيه أن الانجليز أعطوا «اليهود» وعدا غير مستحق ببناء وطن قومي في فلسطين.

صحيح أن الجماهير العربية وخاصة منذ ثلاثينيات القرن الماضي لم تخرج إلى الشارع ولم تهتف باسم قضية كما خرجت وهتفت باسم فلسطين.. ولكن الخروج عن خروج يختلف خاصة وأن الخروج في إطار ربيع الديمقراطية العربي يضع قضية فلسطين بل والصراع العربي ـ الصهيوني ككل في إطار مطالب وأهداف متكاملة تعبر عن إرادة الشعب العربي وتغطي مرحلة تاريخية متكاملة تؤسس لتقارب عربي من نوع عملي وتؤسس في إطاره لانجاز حقوق الشعب الفلسطيني كاملة ولعل هذه الرابطة بين «الشارع العربي» والحقوق الفلسطينية تبدت واضحة وفي خلال فترة قصيرة في حدثين هما الزحف الجماهيري على الحدود مع فلسطين في ذكرى النكبة أي في 15 مايو وتكرار ذلك في ذكرى النكسة (5/6)، وفي المرتين تلقى شباب فلسطين في الأردن وسوريا ولبنان وفي فلسطين 1967 وفلسطين 1948 رسالة إخوانهم وأقرانهم شباب تونس ومصر.

يقول لي صديق فلسطيني عبر الهاتف من دمشق: «لقد أشعل شبابكم شعلة مقدسة. وتلقاها شبابنا» ثم أضاف وهو يمزج الألم مما كان بالأمل بما هو كائن: «لقد أصبحوا يتهموننا بالعجز والقصور. ويعلنون انه لم يعد أمامهم من سبيل سوى الزحف إلى أرضهم ووطنهم بصدور عارية» ومضي مفاخراً بأن شباب تنظيمه سقط من بينهم 5 شهداء في الجولان من بين 23 شهيدا أما عدد الجرحى فهو غير معروف وقد اعترفت الصحف الإسرائيلية بأن ظاهرة الزحف الشبابي على الحدود ستكرر نفسها لتصبح الحدود بؤرة مواجهة دائمة مع قوات الجيش الإسرائيلي.

وقالت صحيفة يديعوت أحرونوت (6/6): «في محيط بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء يرون في الأحداث المنظمة في هضبة الجولان محاولة فلسطينية تغذيها محافل أجنبية. لإغراق إسرائيل باللاجئين عبر حدودها ودحرجة مشكلة اللاجئين إليها» ونقلت الصحيفة عن المحيطين بنتنياهو أن «هذا وضع لا يحتمل».. وحين نقرأ هذه الكلمات فيجب أن نقرنها بما صرح به في موسكو «موشيه يعالون» نائب نتنياهو من أن حكومته مضطرة إلى «إعادة النظر في عقيدتها العسكرية وبرنامج تطوير قواتها» ثم أضاف مكررا ما سبق أن قاله وردده قادة إسرائيليون آخرون من أن «إسرائيل يجب أن تكون جاهزة لكل شيء» وقد يعني هذا فيما يعنيه أن إسرائيل لن تفقد البحث عن ذريعة تبرر بها محاولة أو أخرى لقطع الطريق على ربيع الديمقراطية العربي «ولا يملك المرء إلا أن يقول: حذار... حذار!».

وهنا نعود مرة أخرى إلى 9 و10 يونيو 1967 لنتساءل فقط ماذا كان عليه أن يحدث في ساحة الصراع العربي ـ الصهيوني وفي أوضاع مصر الداخلية لو أن الملايين لم تخرج لتطلب من قائدها أن يبقى في مكانه ولو أنه لم يستجب لها.. وبعد حوالي شهرين وفي 23 يوليو 1967 خرج إلى العالم كله ليعلن «الشعب يريد وأنا معه» ومدد من مطالب الشعب يومئذ «النقاء والطهارة» وكانت هذه الخطوة الأولى لإعادة بناء الجيش في وقت قياسي وخوض حرب الاستنزاف التي كانت تمهيدا لحرب العبور المجيد في السادس من أكتوبر ومعنى هذا أن شهر يونيو 1967 له في حياتنا وفي تاريخنا وجهان: وجه كئيب كالح في الخامس منه ووجه صبوح فاتح لأبواب الصمود وبدء المسيرة نحو النصر.. وجه 9 و10 يونيو.

تاريخ الهزيمة .. افتحوا الملفات عن آخرها

مع الذكرى الرابعة والأربعين لهزيمة يونيو المرة دعا البعض مجددا إلى فتح ملفات هذه الحرب وأيا كان الهدف من وراء هذه الدعوة وأيا كان الدافع إليها وأيا كان من أطلقها وحتى لو كانت هذه الدعوة تردد الأسئلة نفسها وتعيد الاتهامات عينها منذ سنوات وسنوات إلا أن الحاجة باتت ماسة إلى فتح ملفات هذه الحرب والكشف عن وثائقها دون أي مساس بمطالب الأمن القومي وبحيث يكون هذا مدخلاً ليغلق باب الأسئلة والقضايا المستهلكة ومن أجل استخلاص الدروس جميع الدروس المستفادة من هذه الهزيمة التي أثق أنها غير قابلة للتكرار خاصة إذا استخلصنا فوائدها واستوعبناها.. وفي هذه المناسبة أشار آخرون إلى «لجنة تاريخ الثورة» وهي لجنة أمر بتشكيلها الرئيس أنور السادات ورأسها في البداية نائب الرئيس حسني مبارك ثم خلفه أستاذنا الدكتور صبحي عبدالحكيم وهو أصلا أستاذ جغرافيا!

وربما تكون تسجيلات هذه اللجنة ومحاضر اجتماعاتها نقطة البدء في فتح ملفات هزيمة يونيو 1967 بشكل علمي وموضوعي وبعيد عن محاولات إلقاء الاتهام على هذا أو تبرئة ذاك.. وقد استمعت اللجنة وسجلت شهادات عدد غير قليل من قادة حرب يونيو وقد نشر بعض هذه الشهادات هنا أو هناك كما أن الأستاذ سليمان مظهر أصدر في 1990 كتابا بعنوان «اعترافات قادة حرب يونيو: نصوص شهاداتهم أمام لجنة تسجيل تاريخ الثورة».

وهناك كتابات عديدة أخرى يختلف مستواها من كاتب إلى آخر ولكن المكتبة المصرية بل والعربية لاتزال إلى الآن تفتقد مرجعا بل مراجع علمية وموضوعية عن حرب يونيو تعتمد في كتابتها على الوثائق لتكون مثلا في مستوى كتاب اللواء حسن البدري عن جولة 1948 ولا تقل مستوى خاصة من حيث التوثيق عن كتابات الصهاينة مثل كتاب مايكل أورين السفير الإسرائيلي الحالي في واشنطن والمترجم إلى العربية في أكثر من 600 صفحة بعنوان «ستة أيام من الحرب» كما وضع أحد المؤرخين الإسرائيليين الجدد كتابا بعنوان «1967».

لا يعني هذا أن المكتبة العربية لا تعرف كتابات جادة وعميقة عن الهزيمة وأسبابها ودروسها ومنها كتابات الأستاذ أمين هويدي رحمه الله مثل «حروب عبدالناصر» و«أضواء على أسباب نكسة 1967 وعلى حرب الاستنزاف» ومذكرات الفريقين سعد الدين الشاذلي ومحمد عبدالغني الجمسي وكتابات طه المجذوب.. وغير ذلك كثير مما قد لا يعرفه كثير من شبابنا الذين ربما يجدون في الدعوة المعتادة في هذه المناسبة أمراً جديداً أو ربما مثيرا.. ومن أجل هؤلاء ومن أجل معرفة الحقائق وتوثيقها يجب فتح جميع ملفات هذه الحرب عن آخرها خاصة وأنه قد مضى على المعركة 44 عاماً كاملة.

ولعله يستوقفنا هنا ما كتبه أمين هويدي في مقدمة كتابه «حرب 1967: أسرار وخفايا» حين يقسم بالله العظيم أن ما رآه قاله، وأنه لا يقول إلا الحق. ثم يورد أسباب هذا القسم وهي ما رآه وسمعه وقرأه أثناء «حرب الجنرالات» التي أعقبت إيقاف النيران وهي حرب خاضها الجنرالات في معركتين: معركة بينهم وبين القيادة السياسية يلقون عليها مسؤولية ما حدث دون أن يوضحوا مسؤوليتهم في ذلك.. ومعركة بينهم وبين أنفسهم يتبادلون فيها الاتهامات «كل يحاول أن يدافع عن نفسه ملقيا أسباب الهزيمة على الآخرين وغرضهم المشترك من هذه الحرب إثارة سحب كثيفة من الغبار لإخفاء الحقيقة ودفعها إلى القاع».

وإذا جاز هذا في أعقاب الهزيمة مباشرة فليس من المنطق ولا من المسؤولية الوطنية والتاريخية أن تتردد أصداؤه إلى اليوم سعيا إلى تبرئة هذا أو إدانة ذاك دون دليل أو بينة وكل هذا يتطلب ـ فيما يتطلبه ـ كشف الحقائق كاملة وفتح الملفات عن آخرها ليعكف عليها المؤرخون والباحثون الجادون الذين لا يبغون إلا مصلحة الشعب والوطن.. واسلمي يا مصر.

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا