<%@ Language=JavaScript %> عبدالغفار شكر الإنتخابات‏:‏ سوق تجاري أم ساحة نضال
   

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين          

 

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                        

 
 

 

 

لا

للأحتلال

 

 

الإنتخابات‏:‏ سوق تجاري أم ساحة نضال

 

 

عبدالغفار شكر

 

تحولت الإنتخابات في عهد مبارك من آلية ديمقراطية لتداول السلطة سلميا بين مختلف القوي السياسية إلي سوق تجاري السلعة المتداولة فيها هي أصوات الناخبين‏,‏

فيما أطلق عليه الزبائنية السياسية, حيث يوجد دائما السيد المستعد للشراء بأمواله الوفيرة وفي الطرف الآخر الزبون الجاهز لعقد الصفقة بيع صوته الإنتخابي مقابل المال, وفي ظل أوضاع الفقر التي تطول أكثر من نصف المصريين والأحياء العشوائية التي تضم ملايين المهمشين, والبطالة التي تضرب أكثر من ثلاثة ملايين شاب وفتاه إزدهرت سوق الأصوات الإنتخابية فقد وجدها هؤلاء المطحونون من المصريين فرصة لتعويض فقرهم وتهميشهم وبطالتهم, وأصبحت الإنتخابات موسما يبرر هؤلاء لأنفسهم بيع أصواتهم فيه لعل المقابل المادي يوفر عليهم عناء الحياة القاسية أياما أو شهورا قليلة. ومع إزدهار سوق الإنتخابات نحيت السياسة جانبا لحساب الطامعين في السلطة بأي ثمن ضمانا لمصالحهم وحماية ثرواتهم التي هي في الغالب منهوبة من هؤلاء المصريين الذين باعوا أصواتهم مقابل ثمن بخس. لم تعد الإنتخابات جزءا من العملية السياسية الهادفة الي تعزيز التعددية السياسية, ولم تعد الإنتخابات آلية للتداول السلمي للسلطة, بل أصبحت إطارا لتكريس إحتكار الحكم للحزب الوطني علي إمتداد ستة دورات إنتخابية من عام1976 إلي عام2010 وأصبحت في نفس الوقت الباب الملكي لتزاوج السلطة والثروة الذي هو في حقيقة الأمر القاعدة الأساسية لتعميم الفساد كآلية لنهب ثروات البلاد لصالح أقلية محدودة نجحت في إستثمار إلتصاقها بالسلطة في تكديس الثروات الحرام, وليس أدل علي هذا من المحاكمات التي تجري حاليا لكبار المسئولين الذين ساهموا في تعميم الفساد بقراراتهم لصالح هذه الأقلية. كما لعبت العصبية القبلية والعائلية دورا كبيرا في حصر الأصوات الإنتخابية لصالح العائلة والقبيلة, كما ساهم اللعب علي المشاعر الدينية وإبتزاز الناخبين بإسم الدين دورا آخر مؤثرا في تصويت الناخبين يحول دون تحقيق الإنتخابات لوظيفتها الأساسية في تعزيز التحول الديمقراطي أو علي الأقل في المحافظة علي القدر اليسير المتحقق من مقوماته. في ظل هذا الوضع لم يدخل مجلس الشعب عامل أو فلاح حقيقي وغابت عن المجلس مصالح الأغلبية الشعبية ومصالح مصر العليا وإستخدم مجلس الشعب في إصدار التشريعات التي تحمي مصالح الأقلية المترفة والتغطية علي جرائمها في حق الشعب ونهبها لثرواته, وصدرت قوانين لمنع الإحتكار ولكنها في الحقيقة كانت لحماية الإحتكارات القائمة مثل صناعة الحديد والأسمنت وغيرها. وصدرت قوانين الجمعيات والنقابات والتأمينات الإجتماعية معيبة ولا تخدم إلا سلطة الإستبداد والفساد وعلي حساب العاملين بأجر. غابت عن مجلس الشعب قضايا الشعب التي كانت تفرض معالجة حقيقية لمشاكل الفقر والبطالة والتهميش ليحل محلها الإهتمام بقضايا تخص كبار الملاك والرأسماليين. ولم يتمكن المجلس في ظل هذا التركيب الطبقي المعادي لمصالح الأغلبية الشعبية من فرض رقابتة علي أجهزة الدولة أو علي الأداء الإقتصادي ومنعت الإستجوابات عمليا وصدرت قوانين للضرائب والجمارك تحابي الأغنياء علي حساب الفقراء.

والسؤال الآن بمناسبة إنتخابات مجلس الشعب والشوري بعد ثورة25 يناير هل تتكرر المأساة ؟ هل نقبل أن تستمر الإنتخابات كسوق لشراء الأصوات ؟ هل تظل الإنتخابات محكومة بنفس المعايير: الزبائنية والعصبية وإبتزاز المشاعر الدينية ؟ من يطالع الصحف ويتابع البرامج والنشرات الإخبارية التليفزيونية ويشاهد ما يجري في الواقع سيكتشف أننا لم نتغير بعد الثورة وأن الإنتخابات الحالية تجري بنفس الأساليب القديمة ولعل ما جري أيام عيد الأضحي المبارك خير دليل علي ذلك فالرشاوي الإنتخابية تنهال في كل مكان علي شكل شنطة تضم سلعا أو كيس لحمة, والعصبيات تتباري في مساندة أبنائها, وبعض الجماعات الدينية وصلت بها الجرأة إلي الإعلان عن أنها سوف تقيم دولتها وتعيد الخلافة الإسلامية وتسحق كل من يعترض طريقها. وهناك من يدعو الناخبين إلي التصويت للمؤمنين ويصف الليبراليين والعلمانيين واليساريين بما ليس فيهم ويصورهم كأنهم ضد الدين وأنهم ليسوا مؤمنين وحتي لا نفاجأ بمجلس للشعب لا يعبر عن الشعب ومجلس ما بعد الثورة يضم قوي معادية للثورة فإنه لا بديل عن خوض معركة الإنتخابات بإعتبارها معركة سياسية تتم في إطار شعارات سياسية وإنطلاقا من آليات ديمقراطية من الضروري أن تسهم كل القوي السياسية في تعزيز الطابع السياسي للإنتخابات وإدانة هذه الأساليب التي تعود إلي نظام مبارك.

يتطلب الوفاء لثورة25 يناير وأهدافها والحرص علي مستقبل البلاد وحق الشعب المصري في نظام ديمقراطي يكفل به إختيار حكامه وتغييرهم دوريا بإرادته الحرة أن تتحول الإنتخابات إلي ساحة مفتوحة للنضال من أجل إنتخابات نزيهة يجري التنافس فيها حول برامج سياسية تتضمن الإجراءات التي يتعهد كل طرف بإتخاذها لبناء النظام الديمقراطي المنشود وتحقيق العدالة الإجتماعية وتطهير البلاد من كل بقايا حكم مبارك. من المهم تحييد عنصر المال الذي يفسد الإنتخابات والتركيز علي أن تكون الإنتخابات مناسبة لتعزيز الحياة الحزبية فتقدم الأحزاب الجديدة نفسها للشعب وتطرح برامجها عليه وتحدد مواقفها من مشاكل المجتمع والحلول التي تقترحها لمواجهة هذه المشاكل. وتقدم هذه الأحزاب قياداتها للشعب لتنال ثقته من خلال التصويت لها علي أساس برامجها السياسية ومواقفها من مشاكل المجتمع. وبذلك تكون الإنتخابات إطارا لدعم التحول الديمقراطي وليس مجالا للكسب الرخيص بإستغلال المال والعصبية والمشاعر الدينية. ويتطلب النضال السياسي أيضا أن تكون الإنتخابات مناسبة لتعريف المصريين بالمخاطر التي تحيط بمرحلة الإنتقال وضرورة إنهائها في وقت قريب بتسايم السلطة إلي هيئات مدنية منتخبة لما لذلك من أثر في إستقرار البلاد وعودة السياحة والإستثمارات مرة أخري. فهل تستطيع قوي الثورة والقوي الديمقراطية أن تصحح هذا الإنحراف في العملية الإنتخابية وأن تعيد الإنتخابات إلي دورها الحقيقي في دفع التحول الديمقراطي وتعزيز الحياة الحزبية والسياسية وضمان تحقيق أهداف25 يناير ؟ أم أن القوي الأخري ستنجح في فرض أساليبها القديمة وإستخدام المال والعصبية وإبتزاز المشاعر الدينية في الإنحراف بالإنتخابات عن مسارها الحقيقي ؟ النتيجة ستكون رهنا بإتساع المشاركة في الإنتخابات وإقبال ملايين المصريين علي التصويت وخاصة الشباب الذين يمكنهم أن يغيروا هذا الوضع بإنحيازهم إلي الثورة وأهدافها والتصويت لمرشحين من شباب الثورة وممثلي العمال والفلاحيين الفقراء والمثقفين الحريصين علي أن تظل الثورة مستمرة دون أن تضيع في متاهات الطامعين في السلطة من كل الإتجاهات.

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا