<%@ Language=JavaScript %> عارف معروف ثورات العرب ضد عيدي امين داده!
   

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين          

 

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                        

 
 

 

 

لا

للأحتلال

 

 

ثورات العرب ضد عيدي امين داده!

 

 

عارف معروف

 

حينما مرت طائرة الرئيس الاوغندي الاسبق ، عيدي امين داده، بالاجواء العراقية ، خلال منتصف السبعينات ، ارسل السيد داده ، كما تقتضي الاعراف الدبلوماسية ، برقية تحية ، الى احمدحسن البكر ، رئيس الجمهورية العراقية يومذاك ، حّياه فيها وتمنى له وللعراق المزيد من التقدم والرخاء، كما هو شأن كل برقية مجاملة وتحية يبعث بها رئيس دولة اجنبيه ، يمر باجواء دولة اخرى ، لكنه ختمها بعبارة، تضمنت اسمه الكامل وعلى النحو التالي ، كما اذيعت، حينها ،  في بغداد " ....اخوكم ، الجنرال الحاج السيد الدكتور ، عيدي  امين داده ، رئيس جمهورية اوغندا مدى الحياة "، لقد تضمن اسم السيد داده ،اذن، دون ان يقصد  ، العُدة اللازمة ،  الجينوم ، او شفرة الDNA، لكل طاغية عربي ، وزياده ، ربما جاءت الزيادة بسبب اننا امام طاغية افريقي مسلم ، واقول كل العُدة ، واقصد ، طبعا ،عدة الشغل ، لزوم الشغل كما يقول اخوتنا المصريين ، فهو جنرال اولا ،لان الطاغية ، قبل عيدي امين ، وبعده ، كان،  دائما، جنرالا ياتي ، الى  سدة الحكم ،عبر الانقلاب العسكري ، والبيان رقم واحد واذا لم يكن جنرالا، اصلا ، وجاء الى الحكم بمؤامرة ما ، صدفة ما ، او بالتوريث ، فانه لابد ان يصبح، لاحقا ،جنرالا . والا كيف سيقود الجيش وكيف سيصبح قائدا عاما للقوات المسلحة الوطنية؟ وهكذا شهدنا حتى من لم يعرف العسكرية يوما في حياته او يرتدي الخاكي ، يتحول في ليلة وضحاها الى جنرال تطرز صدره عشرات الاشرطة والنياشين والاوسمة لحروب ومعارك وانتصارات لم يخضها بل ولم يعرفها او يسمع حتى باسمها ، وتحّول لدينا رجل هارب من الخدمة العسكرية ،" تخلف عن الفحص والسوق" كما هو معروف بلغة التجنيد العراقية ، الى مهيب ركن وقائد عام اعلى للقوات المسلحة وكذلك الامر مع نصف درزن" دزينه " من الحاشية تحولوا الى جنرالات وهم عرفاء وسواق دراجات وغير ذلك، كما  ورث، في بلد شقيق، ابن تسلط بالتوريث رتبة ابيه وبزته  المطرزة بالنياشين والاوسمة وهو طبيب لا علاقة له بالجيش، وكما كان سيرث غيره العديدين مناصب آبائهم ومواقعهم وبدلاتهم الموشاة بالاوسمة والانواط  لولا خروج الجني من القمقم . اما الجنرالات الذين لم يخوضوا اية معركة ضد عدو خارجي واكتفوا بانتصارات كاسحة ضد شعوبهم ومع ذلك استحقوا كل الاوسمة والنياشين التي طرزت بدلاتهم العسكرية الانيقة التي تفننت في اعدادها دور كريستيان ديور وغيرها فحدث ولا حرج . هذا بالنسبة لضرورة ان يكون المستبد المعاصر جنرالا وهي طبعا ثيمة عالمية ليست حكرا على العالم العربي او الاسلامي فمعظم الطواغيت كانوا من الجنرالات .اما "السيد" ، فالمعني بها ان يكون الشخص من سلالة النبي و آله(ص) ، وهو امرشاع في بعض بلاد العرب عموما و العراق خصوصا وادعّى به القاصي والداني كسبب للوجاهة وطلب الرئاسة، للمنزلة التي يحضى بها النبي وآله في  قلوب الناس وارتباطهم بمعاني الشرف والعدل والسمو في  وعيهم ولذلك طالما اعتمده الطغاة والمستبدين وسيلة لبسط سلطانهم واكسابه الشرعية وتبرير افعالهم بنوع من الحق الالهي خصوصا مع ما تواتر في المأثور العربي الاسلامي من القول بان الائمة من قريش وان الرياسة والخلافة لابد  فيها من  شرف النسب . لكن كيف امكن لعيدي امين ان يكون " سيّد" هو الآخر ، الم يكن من الانسب له ان يتنازل قليلا ويرضى بان يكون من سلالة سيدنا" بلال الحبشي " مثلا وهو امر يمكن تسويغه والاقناع به ؟ لايبالي الطغاة والمستبدين ،عادة، بالحقائق والوقائع فهم  ليسوا من اتباع الواقعية ويموتون في الفنتازيا! ، ولن يعدموا عشرات بل مئات المؤرخين والنسابة الذين سيتصدون لهذا الامر ويجدون له ما يكفي من الاسانيد والروايات والرجال فينتهوا ، حتى بعيدي امين الى  سلالة المصطفى . ولربما كان بعضهم هو المبادر الى ذلك واقنع الرجل بانه الوريث الشرعي للنبي(ص) وآله!

 حينما اصدر " خير الله طلفاح " كراسه المعنون " اولئك آبائي " ، في  السبعينات ، والذي  ضّمنه ادعائه بالنسب العلوي وسرد شجرة النسب العلوية التي تجمعه مع البكر وصدام حسين الى الحسين بن علي (ع). ثم سرت هذه الحُمّيا الى صدام لاحقا فضمها الى عُدّته، دون ان يعبأ بها البكر ، الذي لم يصدقها ، كثيرا . اخبرني ، صديق كان  يمّتُ بصلة قرابة قريبة الى خير الله طلفاح ،وقتذاك ، بان  تلك الفكرة لم تكن من بنات افكار طلفاح ، ولا الكراس من وضعه ، رغم هوسه وتبجحه المعروف ، غير ان نسابة دعّيا ووصوليا افاكا ، هو الذي اهداه شجرة النسب تلك ومسّودة ذلك الكراس وان طلفاح لم يقتنع بالفكرة في حينها وربما لم يتجرأ عليها  وصرف الرجل قائلا : انه لم يسمع او يعرف قرينة تؤيد ذلك، او بالعراقي  الفصيح وكما نطقها طلفاح نصا " امشي كلاوجي ، هاي شلك بيها ؟" ، فالحفَ عليه ذلك الوصولي الافاك بالفكرة ، وراجعه مرارا مقسما له الايمان ، انه حقق في الامر مليا ومن مختلف المصادر التي تعني بالانساب ولا يخامره شك بالصحة المطلقة لما كتب ،  فتلقفها خير الله طلفاح رغم شكوكه  وحسبها رمية موفقه من غير رام وحّولها الى ابن اخته وربيبه ، لاحقا.

. اما " الحاج "  فهي اضافة ، غير موفقة ، من الجنرال عيدي امين، اذ لم يعرف لطواغيت العرب ، ممن عرفنا، اهتمام بتلك الكنية ، ربما لان الحج فرض يستطيع ان يؤديه  المسلم العادي، ولا يحصر بهم امتيازا على الخلق ، او لما رسخ في الوعي العام من اقتران الحج بكبر السن ، وهو امر يتطير منه الطغاة ويتشائمون منه اي تشاؤم ، ذلك انه يشير الى  العجز ودنو الاجل وهو امر يرتعبون منه اشد الرعب، ولذلك تراهم جميعا يحرصون كل الحرص على مظاهر الحيوية والشباب فلم يشتعل راس اي منهم شيبا  وظلت شعورهم  فاحمة السواد ، براقة، حتى لمن بلغ من العمر عتيا  منهم،و رغم ان المشيب، في اوانه، سنة الله في خلقه ! او لربما ما توحي به كنية " الحاج " من دعة ولطف وسماحة ، والطغاة ، يعتقدون ، ان تلك الصفات، من خصال المخنثين ، وانها لاتليق بهم وربما اغرت شعوبهم بهم وان الافضل منها صفات القهر والبطش والجبروت ، لذلك زهدوا بهذه الكلمة ، رغم انهم جميعا ، حجوا او اعتمروا ، خلال زيارات رسمية للملكة العربية السعودية ، على الطريقة التي يعرفها العراقيون " زيارة وتجارة " ! ... لكن ماذا تقول لعيدي امين ، الافريقي ، الذي كانت تهمه كثرة الالقاب الرنانة وتعوزه فطنة وحصافة ضباع العرب ، او طواغيتهم ! لذلك قلنا انه اورد كل ما يتعلق بعُدة طاغية عربي وزيادة ، هذه هي الزيادة !

يبقى ، في جينوم الطاغية ، الذي اعلنه ، عيدي امين،  قبل  نحو  مايزيد على الثلاثة عقود ونصف، لقب " دكتور " وهو ادراك لضرورة ، فاقهم  عيدي امين ،جميعا، فيه ، اذ ان تطور التعليم ومستوى المعارف المحلي والعالمي اضاف لقبا من القاب الوجاهة في مجتمعاتنا ، دون ان يعني مضمونه ورسالته حقا ، هذا اولا ، وثانيا ان  الطاغية والمستبد ، دائما ، يتصور نفسه استثناءا بين البشر ولذلك فهو يعرف كل شيء ويدرك كل الخفايا ويملك عين العقل ورأس الحكمة ، واذا كانت الشعوب قبل عصر نهايات القرن العشرين ، تقنع بالعلم اللدني والالهام ، فان عالم اليوم يقتضي من الطاغية ان يحوز سندا علميا  او تميزا ثقافيا او معرفيا ، وهو ابو المعارف كلها ، ، فليكن اذن " دكتور " ولا يهم الاختصاص والممارسة فالمهم المفاخرة والشرف ، لذلك رأيناهم يتكالبون على الدكتوراه ، فعلية كانت او فخرية ، فحتى الفعلية منها لاتتطلب ، في الغالب من الطاغية الا دقائق للاطلاع على عنوانها ، بعد ان يكلف خيرة اساتذة الاختصاص باعدادها وكتابتها وهم، الاساتذة انفسهم ، الذين سوف ينا قشونها في مسرحية يتهيبون خلالها ، هم انفسهم ، حتى من الابتسام او او ابداء اي مظهر للريبة ، ليتشرفوا بمنح السيد ، الرئيس ، شهادة الدكتوراه بامتياز شرف لم يعرفه الاولون ولن يعرفه الاخرون !

يبقى  من الشفرة مفردة " داده " فهل هي اسم جده ، او لقب قبلي ، ام لاحقة، باللغة الاوغندية ، يمليها الخوف والمسكنة والنفاق ، مثل " حفظه الله ورعاه" ، او" طويل العمر" ، فهذا ما لا ادعي شرف معرفته . ويبقى علمه ، بالنسبة اليّ على الاقل ،عند علام الغيوب!

والان ننتهي الى لب المسألة ، وجوهر القضية ،" رئيس جمهورية اوغندا مدى الحياة " انه رئيس لانها جمهورية ، وهو شكل الدولة  غير الملكية، في الازمنه الحديثة ، والتي يحكمها رجل لايملكها بالوراثة او وفقا لحق او نص الهي ،وانما هو موظف سلطة تنفيذية  ينتخبه الشعب ويفوضه الحكم ، فهذا ما يقتضيه مذهب الدولة الجمهورية كما جائتنا به حضارة الغرب الحديثة.... واخوان عيدي امين واشباهه ، بنسختهم العربية الاكثر دهاءا، ليس لديهم اعتراض جدي عليه ولسان حالهم يقول: وحتى الانتخاب والتفويض وكون الرئيس موظف تنفيذي ، فهذه  كلها امور هيّنة ، نقبلها ، ونكيّفها وفق طرقنا واساليبنا، وفقا للعلاقة التفاعلية بين الاصالة والمعاصرة ، بين واقعنا وتراثنا وبين روح المدنية الحديثة وصيغها ، اي ان الاقتراع واساليبه والترشيح وطرقه وفرز الاصوات وآلياته سوف يكون  وفقا لمقتضيات تراثنا العظيم وتجربتنا التليدة الفذة وسيكون انتخاب / بيعة او بيعة وانتخاب وهذا ما جعل نتائج تلك الانتخابات واحدة في كل بلاد العرب ،  الفوز الساحق للسيد الرئيس وبنسبة  لاتقل عن 99,9% من الاصوات  .

 اذن ،  رئيس جمهورية .... رضينا، ولكن ان يقال لنا ، بسلطات مقيدة ولمدة محددة ووقت معلوم فهذا هو الظلم بعينه ، والا فلماذا  سعى وشقى وناضل وكابد الامّرين ، الكي يلفضه الشعب بعد ذلك ويجزيه بجزاء سنمار ؟ اليس هو الوالد الحريص المتفاني الذ ي يكدّ لياكل الشعب ويتعب ليهنأ الناس ، اذن فكلا والف كلا لبدع الغرب واضاليل الحضارة فهو رئيس جمهورية نعم ، ولكن ... مدى الحياة ، فهذا ما تقضي به، روح الاصالة وجوهر التراث و سنن الكون وطبيعة الاشياء والا فليس غير ذلك سوى البدع ، انه ليس رئيس بالضبط وانما " مريس" اي ملك ورئيس يحكم دولة لن تكون جمهورية بالضبط وانما "جمهلكية " تعكس روح الاصالة التاريخية في تلاقحها مع الحضارة المعاصرة والمدنية ،  فهل بعد هذا من يشكك بعبقرية عيدي امين ونفاذ بصيرته وتمثله لروح وجوهر وجوده ووجود نسخه المتعددة !

المشكلة ان رياح التغيير تعصف بالعالم وماكان مألوفا ومسلمّا به بالامس اضحى موضع تساؤل وتحقيق اليوم ، والعالم اصبح ، اكثر من اي وقت مضى، صغيرا جدا ومتشابكا ، فالقانون الذي يصدر في السويد يجد اصداءه في جيبوتي ، وطريقة الحياة في  اليابان ، يلم بالكثير من تفاصيلها  العديد من الناس في صعيد مصر ، بل ان الملايين من شباب العالم العربي، يعيشون بلحمهم ودمهم ، في شتى ارجاء العالم ، يرون ويلمسون وتنشغل اذهانهم في مقارنة دائبة وتساؤل مستمربين مايعيشونه في بلدان المهجر وبين ما يعيشه اهلهم من وضع لم يعد انسانيا ولا معقولا، وهم على صلة يومية باهلهم وا قرانهم في اوطانهم   ، ناهيك عن ان العلم وتكنولوجيا المعرفة ادخلت العالم ، كله ، بافكاره وطرائق عيشه ، بجدالاته المحتدمة وصراعاته المشتعلة الى كل بيت وانتصبت امام كل عين وذهن ،  وانتهى وينتهي الملايين في هذا العالم العربي المكبل الى التسليم بنتيجة واحدة : ليس بالامكان مواصلة الحياة بالطريقة القديمة نفسها ، فاذا قال عيدي امين .. ولكنني جنرال ! قيل له : اذن عد الى الثكنه فوظيفتك ان تحرس اسوار الوطن  وتؤمّن امنه الداخلي . وان صاح ، عيدي امين ، ولكنني" سيدّ" ، اجيب :ان رسول الله جدّ كل تقي ولا يمنحك  شرف النسب امتيازا على الخلق ما لم يقترن فعلك بفضلك . وان صرخ ولكنني "دكتور"، قيل له، بهدوء، اذن فمكانك الجامعة او مراكز البحث فما الذي تفعله على كرسي الرئاسة !... لم يعد لعيدي امين مكان ولا مكانة، لكن يبقى له فضل رواية نكتة سوداء ، في وقت مبكر وبصراحة تامة وصدق بيّن ، فيما  مارس الاخرون افانين الكذب والخداع والشعوذة لاخفاء والتعمية على تلك النكته ..." رئيس جمهورية .. مدى الحياة "!  

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا