<%@ Language=JavaScript %>

   

لا

للأحتلال

لا

للخصخصة

لا

للفيدرالية

لا

للعولمة والتبعية

حضارة بلاد الرافدين   

    

                                              

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين                                    

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                            

 

مقاربة لجغرافية مكان ( إشكالية المواطنة )

 

 

صباح علي الشاهر

 

 

عاش سكان هذا الإقليم الشديد التنوع والغنى إشكالية منذ إنشاء ما سُمي بالدولة الوطنية في القرن الماضي، تمثلت هذه الإشكالية بضبابية مفهوم المواطنة، الذي غالباً ما تداخل مع العرق، والدين، وأضيف فيما بعد المذهب، والعشيرة، ولا نبتعد عن ملامسة واقع الحال لو قلنا إن إنسان هذه البقعة الجغرافية كان يرى، في مراحل معينة، أنه مسلماً أو مسيحياً، عربياً أو كردياً، أكثر مما يرى نفسه مواطناّ ينتسب لهذه البقعة الجغرافية التي حُددت من قبل غيرنا، وأعطى لها أسماً، مُستمداً من واقع فعلي، كمصر، وسوريا، والعراق، وليبيا، واليمن، والبحرين، أو مُبتدعاً كشرق الأردن، أو الإمارات العربية، أو العربية السعودية، أو مُسمى بالجزء، كالدول التي سُميت بأسماء مدن فيها، كتونس، والكويت، والجزائر.

لقد وضع لكل بلد علم، ونشيد وطني، وجيش وطني، وشرطة وطنية، ومنتخب كرة قدم وطني، وأنشد الشعراء أناشيد في حب الوطن، ومع توالي الأعوام، بات الوطن كالبداهة بالنسبه لأبنائه الذين أحبوه، وحموه، ودافعوا عنه بدمهم.

 لقد تكرّس الوطن، وتكرّست حقوقه، وهذا لازم وضروري، ولكن لم تتكرّس المواطنه، وحقوق المواطن، ظل المواطن يُعد ضمن الرعية والتبعية، والتبعية ليست للوطن، وإنما للحاكم، ملكاً كان أم أميراً، سلطاناً، أم رئيساً للجمهورية، فمع نشأت الأوطان، بعد القضاء على الإمبراطوية العثمانية، لم يتحوّل إنسان المنطقة إلى مواطن، بل ظل كما كان ضمن مفهوم التابعية، ظل من الرعايا، ولم يتغير شيء في وضعه، كان يُعد من التبعية العثمانية، وظل كذلك ولكن ضمن تابعيات مُستحدثة، ومن هنا يمكن وضع اليد على ذلك الشرخ الكبير الذي حكم العلاقة بين المواطن والسلطة، هذه السلطة التي خافها المواطن وهابها، لكنه لم يواليها قط، إلا كرهاً وإجباراً، وكان يتحين الفرص للإنقضاض عليها، ولذا فلم يكن من المُستغرب أن نكون نحن، من بين أمم الأرض قاطبة، من نقوم بتدمير بلداننا، ومؤسساتنا بأيدينا، لأننا لم نكن نفرق بين الدولة والسلطة، بسبب من أن السلطة نفسها لم تكن تسمح بمثل هكذا تفريق، فقد كانت السلطة هي الدولة، وكان الرئيس هو الوطن، وإذا قال الرئيس قال الوطن، أما الشعب فقد كان مُغيباً تماماً، إلا في الحدود التي يُجبر فيها على النزول للشارع للتغني بعظمة الحاكم، الذي حبانا الله به، والذي لم يخلق شبيه له في المعمورة .

الوطن ليس بقعة أرض فحسب، فالأرض بدون بشر تضاريس جغرافية ليس إلا، كي تكون قطعة الأرض وطن، لابد من وجود الناس عليها، وجود وطن يعني بداهة وجود مستوطنين، ووجود مستوطنين يستوجب بداهة وجود وطن، والمواطنون في هذا الوطن، في هذه البقعة الجغرافية المستوطنة، يتمثل وجودهم  ليس بالعيش على هذه البقعة، كما تعيش كائنات الغابة، التي تعتاش على الغابة فقط، وإنما في تعميرها، إذ أنهم مستخلفون فيها، هم معمرون، ومستثمرون، ومطورون، ينظمون أمورهم فيما بينهم، فيشكلون السلطة، أو السلطات الثلاث ( التنفيذية، والتشريعية، والقضائية)، وبتشكل هذا الثالوث، الوطن والمواطنين( الشعب) والسلطة، تتكون الدولة الحديثة، المنفصلة عن ما يُسمى دول سابقاً، والتي هي أنظمة التابعية والحاكم والرعية، سواء كانت ممالك، أو سلطنات، أو سلالات حاكمة، أو أمبراطوريات.

إن عقد أي مماثلة بين الدولة الحديثة واشكال الأنظمة السابقة عليها، من دون وضع اليد على جوهر الإختلاف النوعي، يُعد خلطاً وتشويهاً مُتعمداً لحقيقة الدولة الحديثة، فلا رابط بين الملك في نظام الملكية المقيدة الحديث، وملوك العصور القديمة أو المظلمة، ولا علاقة البتة بين الرئيس الآن والخليفة، أو السلطان أو الأمير فيما مضى.

المواطنون ليسوا أتباع الرئيس أو الملك الدستوري المقيد، ولا هم رعاياه، وهو ليس الأب القائد لهم، وفق المفهوم العشائري، وهم لا يتلقون منه المكرمات والمنح السنية، فهو لا يمنح شيئاً من عنده، وما هو في نهاية المطاف سوى موظف يعتلي أعلى المراتب في السلم الوظيفي، وضع في موضعه بإرادة الناس، ولم يضع نفسه في هذا الموضع عن طريق الغلبة والقسر، لا بحد السيف، ولا بالإنقلاب، لقد إنتهى زمن تنصيب الحكام بحد السيف، أو بالدبابة، وهذه واحدة من أهم أوجه الإختلاف التي تميز الحاكم الذي يفرض نفسه على الشعب، والحاكم الذي يأتي بإرادة الشعب، والتي تميز اليوم عن الأمس، لا فرعون، ولا ظل الله في الأرض، ولا تأليه لصاحب المنصب الأعلى، فكلما تضخمت شخصية الحاكم تضاءلت وتقزمت حقوق المواطن، وبمقدار ضياع حقوق المواطنين يكون ضياع الأوطان.   

لن نتغنى بـ(أمطري أنّى شئت فخراجك لي ) ، وإنما (أمطري أنّى شئت فخراجك للوطن)، لا مال للحاكم ينفقه كما يشاء، وإنما المال للشعب، يتصرف به ممثلو الشعب، ولمصلحة الشعب، ومنافعه، لا كمكرمات وهبات، وإنما كحقوق واجبة، تصوروا ماذا سيكون موقف الناس لو قيل في إفتتاح مستشفى، أو شارع، أو زيادة رواتب، هذه مكرمة من كاميرون، أو بوتين، أو أوباما! ، مؤكد أن مثل هكذا قول سوف لن يقوله أحد، حتى ولا في مستشفى المجانين، لكنه يتردد في وسائل إعلامنا، ومن رجال فكر ومثقفين، ودونما خجل ولا حياء.

لسنا في جناح هذا الملك أو ذاك الرئيس، ولسنا تبعيه ولا رعايا لأحد، وإنما نحن مواطنون في هذه الأوطان، متساوون جميعاً في الحقوق والواجبات، هل هذا أمر حاصل الآن حقيقة في هذه البقعة الجغرافية الممتدة من الماء إلى الماء؟     

لفظياً يتردد مثل هذا القول كثيراً في كل محفل، المواطنة تتردد على كل الشفاه، وحضورها طاغ، ولكن لفظياً، أما عملياً فالأمر مختلف تماماً.

لم يتجرأ أحد على إختلاف المراحل بإنكار أو تجاهل المواطنة، ولم يتخلف حزب أو منظمة أو كيان عن التغني بها، ولكن لم يشعر أي مواطن ينتمي إلى اي قطر من هذه الأقطار يوماً ما بأنه مواطن فعلاً، له وعليه ما لغيره وعليه، وإنه حقاً متساو في الحقوق والواجبات لأنه مواطن ليس إلا، لن يتساوى إبن الغفير، وابن الأمير، ولا الذي هو في المعارضة والذي هو في الحكم، ولا الذي هو من الحاشية والمقربين، ومن هو من الكادحين الذين يحصلون على قوت يومهم من عرق جبينهم.

كان المواطن يعاني التفرقة والتمييز القومي، أو الديني، أو المذهبي، أو الحزبي، أو العشائري أو القبلي، أو المناطقي، مغالط ذاك الذي يدعي أن غير العربي كان متساوياً كلياً مع العربي، وأن بإمكانه مثلاً تقلد المنصب الأعلى في البلد، ويصدق هذا على غير المسلم، وأحياناً على من هو من مذهب معين.

كانوا دائماً يقدمون المواطنة والدين، المواطنة والمذهب، المواطنة والقومية، المواطنة والأيدلوجيا، المواطنة والحزب، المواطنة والعشيرة، على طبق واحد، لا نستطيع تحديد الأولوية المنهجية لأي طرف من أطراف المعادلة فيه، وغالباً تكون الغلبة للدين، أو المذهب، أو القومية، أو الحزب والجماعة، أو العشيرة،  على حساب الوطنية، ولعل نظرة خاطفة لما يعيشه عالمنا العربي اليوم تؤكد ما ذهبنا إليه، فالناس لم تنخرط في إصطفافات دينية ومذهبية، وقومية وأيدلوجية، وحزبية، وعشائرية فقط، وإنما تتقاتل وفق هذه الخنادق التي أصبحت نذير الكارثة الداهمة، التي ستؤدي حتماً لإغتيال الوطن والمواطنة، وتجعل العيش المشترك في خبر كان.

المواطنة لا تعرف أغلبية وأقلية، فهذا مفهوم إنتخابي، يتم عبره تسليم السلطة للنهج السياسي الذي يشكل الأغلبية، لا الأغلبية القومية أو الدينية، أو المذهبية، وإنما الأغلبية السياسية، فالنظم الديمقراطية الحقيقية تمنع وجود أحزاب وقوائم إنتخابية على اساس قومي أو ديني أو مذهبي، وهذه من بدهيات الديمقراطية، ومن مستلزمات تكريس مفهوم المواطنة والمساواة بين المواطنين، وكل من يدعي غير هذا لا تربطه بالديمقراطية أية رابطه، وما هو في حقيقة الأمر سوى دعي ومحتال، يستغفل الناس ويخدعهم.

أن أكون من جماعة تشكل أقل من واحد بالمائة من مواطني البلد، أكون في الحقوق والواجبات مثلك أنت الذي تكون من جماعة تشكل أكثر من تسعة وتسعين بالمائة من مواطني البلد، لي مثل ما لك، وعليّ مثلما عليك، والوطن وطني مثلما هو وطنك، يحق لي ووفق مؤهلاتي أن أخدمه في المكان المناسب لقدراتي وإمكاناتي، لك قوميتك ولي قوميتي، لك دينك ولي ديني، لك مذهبك ولي مذهبي، لك عشيرتك ولي عشيرتي، لك حزبك ولي حزبي، لك آيدلوجيتك ولي آيدلوجيتي، ولكن قبل هذا وذاك، لك ولي وطن مشترك واحد، نعيش فيه، نخدمه ونغار عليه، نبنيه ونعمره، وندافع عنه بالروح والدم .

-يتبع-

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

 

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا