<%@ Language=JavaScript %> صباح علي الشاهر  تفاهم له ما قبله وما بعده

   

لا

للأحتلال

لا

للخصخصة

لا

للفيدرالية

لا

للعولمة والتبعية

حضارة بلاد الرافدين   

    

                                              

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين                                    

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                            

 

تفاهم له ما قبله وما بعده

 

 

صباح علي الشاهر

 

تعددت المواقف حول التفاهم النووي بين إيران من جهة ودول الخمسة زائد واحد ( أمريكا ، روسيا، الصين، بريطانيا، فرنسا) وألمانيا من جهة أخرى، هذا التفاهم الذي جاء بعد مخاض عسير، وحركة مدّ وجزر، لم تكن وعلى مدى سنوات مديدة تحمل أية مفاجأة ، إذا كانت تنتهي بـ ( لا تفاهم ) في نهاية المطاف.

هذه المرّة أعلن عن التوصل إلى تفاهم، تفاهم لم يكن متوقعاً بالنسبة للبعض، ومتوقعاً بالنسبة للبعض الآخر، ومثلما إنقسم المعنيون والمتابعون بين مُتفاجيء ومُتوقع، إنقسموا أيضاً بين مُرحب ومرتاح من هكذا تفاهم، ومعارض ومتخوّف منه لحد التأزم، وفقدان التوازن كما حصل بالنسبة لإسرائيل، والسعودية إلى حد ما.

المُتفاجئون، غير المرحبين، وغير المرتاحين، والمتخوفين، يتعددون بتعدد مشاربهم ومواقفهم ، وأحيانا قرآتهم للحدث ولمسبباته ونتائجه وتداعياته.

المتأزمون من التفاهم لهم أسبابهم الموجبة، ليس أقل هذه الأسباب أنهم سيغادرون الفعل المؤثر في المنطقة، سيتخلون عن الدور الذي لعبوه أو الذي أوكل لهم سابقاً، وسينتقل هذا الفعل لغيرهم، توكيلاً أو إقرارا بتغير الحال والأحوال، ودوام الحال من المُحال، ولمعرفتهم أن هذا التفاهم ستتبعه لا محال، في حال نجاحه، تغيرات كبرى، لا تقل تأثيراً عن تلك التي حدثت عقب إنهيار إمبراطوريات وإنبثاق أخرى، ربما تشمل تغيير الخرائط والنفوذ والتحالفات، وما كان بحسبانهم إن مثل هكذا أمر سيحدث، لكن ما لم يتوقعونه حدث من حيث لم يحتسبوا، ولو تبصروا، واعتبروا لما وقعوا في هذا الإحراج وإنعدام الوزن الذي هم فيه الآن .

في الغالب الأعم تأتي مثل هذه التحولات على حساب المُتشددين من الطرفين، إذ أنها تُبطل عملياً مبرراتهم للتشدد والإحتراب، والعيش على الأزمات، داخلياً أو على نطاق المنطقة، ولهذا فإن التأزم، وأن كان بدرجات، يشمل المتشددين على الطرفين، ولعل الأيام ستوضح لنا بعض ما كنا لا نتوقع حدوثه، إذا لم تقم هذه الأطراف بمراجعه سريعة تتجاوز فيها محطات التشدد، وتغير خطابها، من خطاب التشنج، والتشدد، وإثارة الكراهية، إلى خطاب البحث عن المشتركات، والتفاهم والإتفاق على ما يخدم شعوب المنطقة، وبما يتناسب مع المرحلة، وعليها أن تستلهم العبر مما حدث، ومعرفة إن ما يحرّك السياسات في العالم المعاصر إنما هو المصالح ، وتبادل المنافع، وليس تقسيم الأمم والشعوب إلى شيطان أكبر أو أصغر، أو محور شر ومحور خير، ودول مارقة وأخرى خيرة، أو أمم كافرة أو مؤمنة، ومهما يكن من شيء، فطهران أقرب إلى الرياض منها إلى واشنطن، وأنقرة أقرب إلى بغداد منها إلى لندن، وبالمحصلة فنحن أبناء هذه المنطقة، مُحتم علينا أن نعيش معاً، فهل نعيش في صراع واحتراب، أم نعيش في تعاون ووئام وتفاعل؟  وإلى أين يقودنا هذا وإلى أين يقودنا ذاك؟  

لا تحدث المُتغيرات الكبرى، من حالة الصدام إلى حالة التفاهم، ومن حالة التفاهم إلى حالة الصدام نتيجة رغبات ذاتية، وإنما هي حصيلة تراكمية لتغيرات منظورة وغير منظورة تفعل فعلها بالتدريج وصولا إلى لحظة التغيير التي تبدو للبعض مفاجأة، لكنها تبدو طبيعية ومنطقية لمن ينظر للصورة بشمولها وعمقها، ربما يصح تمثيل ما يحدث في هذه المنعطفات بسباق ركضة البريد حيث يسلم المتسابق المتعب في نهاية مشواره الخشبة إلى ذاك الذي مازال بكامل قوته ولياقته، هكذا هو سباق  العمالقة في عصرنا، ليس سباقاً صفرياً، ولا سباق الغالب والمغلوب، كما كان يحدث سابقاً، زمن الرمح والسيف، وزمن المدفع والبندقة، وزمن الطيارة والصاروخ، إذ نحن في زمن الأسلحة غير التقليدية، حيث المخفي منها أعظم وأشد هولاً وفتكاً من الظاهر، والتي متى ما استعملت فإنه سوف لن يبقى على كوكب الأرض غالباً يحتفل بإنتصاره، ولا مغلوباً يندب حظه. لعله من المفارقات المدهشة أن وسائل التدمير الجماعي هذه التي ترافق صنعها مع غياب العقل والحكمة، أضحى وجودها سبباً لعودة العقل لمن فقد عقله، والرشد لمن فقد رشده.

تجار الحروب يستطيعون خلق حروب صغيره وكبيرة، هنا وهناك، على مساحة كوكبنا الصغير، ولكنهم لم يعودوا قادرين على ربحها، وهم عملياً لم يعودوا معنيين بربحها، وإنما الإستفادة منها، إذ المهم بالنسبة لهم شنها، لكنهم لا يستطيعون، مهما تبجحوا وزعموا، شن  حرب كونية، لقد كانت الحرب العالمية الثانية آخر الحروب الكونية، وسوف لن تكون ثمة حرب كونية ثالثة إلا على سبيل المجاز كالقول بالحرب الكونية ضد الإرهاب مثلاً.

سيضعنا المهبولون والمتعصبون، في حمّى صراعات غير مجدية، وعبثية، تستنزف إمكاناتنا وقدراتنا، وتهدر مستقبلنا عبثاً، لكنهم لن يغيروا الموازين، لا سلماً ولا حرباً، وهم غير قادرين بالمطلق على التأثير على التفاهم الأخير، هذا التفاهم سيصل إلى محطاته التي رسمت، وبخطوات متدرجة، سنلاحظها جميعاً، ومن يعيد قراءة الأحداث سيرى إن ما حدث إنما هو حصيلة إجراءات متلاحقة تمت في الجانبين، وإن أكثر الإحتمالات وجاهة هي نجاح هذا التفاهم ، لأن الذي تبناه هم الأصلاء لا الوكلاء، الفاعلون لا الأتباع، المؤثرون لا المُستأجرون،

وهؤلاء وحدهم من يملك القدرة على إنجاح التفاهم أو إفشاله، أما الهامشيون فلن يكون لهم سوى العواء في برية لا من سامع فيها ولا مُجيب، وما على المُتابع سوى متابعة الأوضاع الداخلية في دول التفاهم، وبالأخص إيران وروسيا وأمريكا، فبمقدار ترجمة التفاهم إلى مكاسب مرئية وبالأخص في الجانب الاقتصادي في إيران فإن التفاهم سيمضي إلى نهاياته، ونفس الشيء يمكن قوله فيما يتعلق بروسيا التي سيعمل الآخرون على إستفزازها وتحجيمها، ولعل ما يحدث في أوكرانيا الآن يندرج ضمن هذا المسعى، ولا يحسبن أحداً أن المتعصبين والمتصهينين في أمريكا قد إستسلموا تماماً لهذا الخيار، فهم سيسعون لوضع العصي أمام توجه إدارة أوباماً، كي لا يكون نجاح الإدارة هذا سبباً في إعادة إنتخاب الديمقراطيين من دون أوباما، خصوصاً وأنه لم يبق على بدء الحملة الانتخابية سوى بضعة أشهر .

لكل هزّة كبيرة إرتدادات، تتراوح بين الشدة والضعف، وهزّة كهذه ستكون لها إرتدادات حتماً ، ولكنها بالمحصلة لن تخرج عن كونها إرتدادات، لن تكون بمستوى الهزة الأم، وعلى الأغلب فإن تفاهم الكبار سيمضي إلى نهاياته المرسومة.

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

 

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا