<%@ Language=JavaScript %>

   

لا

للأحتلال

لا

للخصخصة

لا

للفيدرالية

لا

للعولمة والتبعية

حضارة بلاد الرافدين   

    

                                              

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين                                    

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                            

 

دهاء أم غباء

 


صباح علي الشاهر


يقولون ضع الحمار على كرسي فإنه بمرور الوقت يدوزن جسمه على (المواءمة) مع هذا الوضع.. نفترض الكرسي، كرسي المسؤوليه، و الجالس عليه يُحسن النطق ويعرف القراءة والكتابة..
كثيرة هي الشواهد على صحة مثل هذا القول، وبالأخص في بلداننا التي ابتليت بمنح الكراسي لمثل هكذا نمط من المخلوقات، لأمر لا يعرفه إلا الله والراسخون في العلم.
التجربة العراقية لا تكذّب مثل هكذا قول، لكنها تُشير إلى أن الجالس على الكرسي، أو الجالسون عليه، وهم كُثر، والحمد لله، لا يملأون كراسيهم بمرور الوقت، ولكنهم يتشبثون بها، وشتان بين ملء الكراسي والتشبث بها، فملء المخلوق للحيز الذي هو فيه يعني أنه متوائم معه، ومناسب له، بغض النظر عن كيفة وجوده فيه، أو وصوله إليه، والتجربة العراقية لا تعدم وجود مثل هؤلاء وإن كانوا أقلية، أما التشبث بالتواجد في المكان الذي وجد المخلوق نفسه فيه صدفة أم عن خطأ، أو لأي من الأسباب، وهي بالمناسبة تستعصي على العد والحصر، فهو الصفة الأعم التي تجعل ما عداها شاذاً، إذ أن التنافر الصارخ بين الشاغل والمشغول، هو القاعدة ، والتواؤم إستثناءاً.
"
المؤمن لا يُلدغ من جُحر مرتين!" تُرى كم هي المرات التي بلا عد، التي لِدُغنا ونُلدغ بها من نفس الجُحر، وبتكرار فج، فهل نحن مؤمنون أم شيء آخر؟
نُقتل بنفس الطريقة، وبنفس الرتابه، وبعين الإسلوب، ونُسرق بعين المنهجيّة، ونهدر الأموال والوقت والجهد، ومن دونما حسيب أو رقيب، حتى لكأنما كائنات غير مرئية سُلطت علينا، تقتلنا، وتدمر زرعنا وضرعنا، وتسلبنا مالنا وما ملكت أيدينا، وتحوّل حياتنا جحيماً، هذا هو المُبرر الوحيد ( كائنات غير مرئية ) الذي يجعل المواطن العراقي يعطي العذر لشاغلي الكراسي، أنّى كانوا، وفي أي درجة من المسؤولية.
ليس الوزير من إختلس أموال الحصة الغذائية وهرب بها، ليس الوزير من إختلس أموال التسليح، وليس هذا المسؤول أو ذاك من شفط عائدات النفط، وليس بسبب جهل أو عجز، أو عدم نزاهة، أو خيانة، هذا المسؤول أو ذاك، ولا بسبب عدم وجود القوانين العصرية التي تنظم الحياة المدنية والديمقراطية في البلد، ولا بسبب إقصاء الكفاءات الحقيقية القادرة والمؤهلة والمخلصة، والنزيهة، غير المنتمية لهذا التنظيم أو ذاك، لكن القادرة على خدمة البلد، ليس بسبب هذا كله وغيره، توقفت عجلة النمو عشر سنوات عجاف، وأشرف الوطن على الإنهيار ، وإنما بسبب ( الكائنات غير المرئية ) ، ومن لم يصدق حكاية الكائنات غير المرئية، عليه أن يقدم لنا اسم مسؤول واحد حُوكم وحُكم ، ثم إستُردت الأموال منه؟!
أفهم أن تُسجل الجريمة ضد مجهول، ثم تُطوى، ولكن يعجز عقلي عن فهم جريمة معروف فيها أسم الجاني، ومعروفة جريمته، كيف تُحال إلى أدراج المكاتب المُعتمة؟
لو سُرق من أي مسؤول أو سياسي مُسلفن مبلغاً من المال، أو أغتصب حق له، هل سيتردد عن إعادة حقه المسروق أو المُغتصب، وهل يتخلى عن مقاضاة من سرقه أو إغتصب حقه ، ومن اساء لشخصه النبيل عبر ما يُعرف بـ( النقد غير البناء)؟ فما بالكم، لا تهتز لكم رقبة، والوطن يُستباح، والمواطن يُسفك دمه، وثروات الشعب تُهدر، وتُسرق عياناً جهاراً؟
الأقوياء يهزمون الضعفاء، والأذكياء يتغلبون على الأغبياء، ليس ثمة قاعدة مضادة لمثل هكذا قول، تُرى فمن هم الأقوياء والضعفاء، الأذكياء والأغبياء في المعادلة العراقية الراهنة؟
من هم المنتصرون والمُتغَلِبون، ومن هم المهزومون والمُتغلب عليهم؟
لدينا جيش تجاوز تعداده المليون، وشرطة وأمن ومخابرات، وصحوات، ومُخبرين، وأعضاء أحزاب حاكمة يعتبرون العراق بيتهم، وأرضه مزرعتهم وغلتهم، وهم منشغلون ظاهرياً بعراك الديوك على شاشات التلفزيونات، وتحت قبة البرلمان، ومنشغلون عملياً باللهف واللغف ، وتحويل ما يقدرون على تحويله خارج الحدود، حيث يشيدون، ويشترون، ويعمرون، ويبنون مستقبلهم ومستقبل أبناءهم وأحفادهم، هناك بعيداً عن أرض الدمار والدماء التي لا تتوقف عن الجريان.
جندينا لا يُرى منه سوى أنفه، فهو مُدجج من رأسه حتى أخمص قدميه، والمليارات تدفع لتزويده بكل ما يجعله لا يقل شأناً مظهرياً على الأقل عن الجندي الذي كان يحتل البلاد، وينشر الرعب والخراب والدمار في الأرض والعباد، ويقولون لدينا أصدقاء أقوياء، مقتدرون، موضوعون في خدمتنا، ليس لوجستياً فقط، وإنما في كل شيء، وعبثاً إقناعهم، حتى لو أبيد نصف الشعب، بأن ما تتوهمونه دواءاً هو الداء!
وطاحونة الموت شغّالة، ومثرمة اللحم البشري من دونما توقف، لا يوم ولا ساعة، والذين يسمون أنفسهم ساسة منشغلين بالمماحكات، والجدل العقيم، ومنغمسين في خصومات مُفتعلة، يعرف الشعب أن الغرض منها التأثير عليه مع إقتراب الإنتخابات. إنهم يتاجرون بلا حياء بكل شيء، بدماء الأبرياء، ومصير الوطن.
كم عدد قتلى الشعب العراقي على أيدي القوى الظلامية والتكفيرية والمليشيات من كل نوع؟ وكم عدد المقعدين والمجروحين والمصابين بعاهة؟
كم أرملة، وكم يتيم ؟
كم بيت دُمر وفجّر، وكم عائلة هُجرّت داخل العراق وخارجه، وكم مرّة يتم تفخيخ أنابيب النفط ، وبنفس الطريقة، ومن دونما تغيير؟ ولأن هذا من ذاك، نسأل أيضاً: كم مرّة يُعاد رصف الرصيف، وكم مرّة يُعاد تبليط الشارع، وكم هي قيمة النثريات والمنافع والإيفادات في كامل دوائر الدولة، بدءاً من الرئاسات وصولاً إلى أبسط دائرة، وأتحدى من يقول أن المبلغ سوف لن يعادل ميزانية دولة من دول العالم الثالث!
وبرلمانكم هذا ماذا شرّع، بإستثناء المصادقة على الإتفاقيات بين العراق وجيكيا، ومنيمار، والواق واق، وتعديلات ذيول بعض القوانين، وإقرار مصالح البرلمانيين ومنافعهم ، وتقاعدهم ، وإمتيازات عوائلهم ؟
حقاً إن منح الجواز الدبلوماسي لأسر البرلمانيين يشغل بال الشعب ويهمه، أكثر من قانون الإنتخابات، والأحزاب، والبنى التحتية، ومجلس الخدمة، وقانون التقاعد الموّحد، وإلغاء الراتب التقاعدي الإعتباطي لأعضاء البرلمان والدرجات الخاصة، وأعضاء مجالس المحافظات، و ما يُسمى بمجلس الحكم، وإلغاء آلاف القوانين التي سنها مجلس قيادة الثورة المنحل!
أولوياتكم وأفضلياتكم يا برلمانيين عرفناها، فهل لكم ولو لمرة واحدة التعرف على أفضليات وأولويات الشعب ؟
لو قلبنا الأمر على كل جوانبه، فإننا سوف لن نخرج عن أحد إحتماليين لتبرير كل ما يجري،إما أن يندرج الأمر في خانة الغباء، أو في خانة الدهاء، وكلا الإحتمالين مصيبة.

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

 

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا