<%@ Language=JavaScript %> تأملات عسكرية حول الضفة والقطاع ودور كل منها في مقاومة الاحتلال إعداد: المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات (ملف)

   

لا

للأحتلال

لا

للخصخصة

لا

للفيدرالية

لا

للعولمة والتبعية

حضارة بلاد الرافدين   

    

                                              

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين                                    

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                            

 

تأملات عسكرية حول الضفة والقطاع ودور كل منها في مقاومة الاحتلال

 

 

إعداد: المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات (ملف)

 

لا زالت هناك إمكانية وكذلك جدوى للعمل العسكري في فلسطين ... ولكن كيف ؟! ...

غزة شريط على الساحل الفلسطيني وجزء من الشعب الفلسطيني صاحب البلاد؛ وضعها القانوني «الدولي» مختلف، فهي رقعة من فلسطين وأهلها جزء من شعب فلسطين وموقع غزة يشكل، في حالة اكتشاف ميزاته الجغرافية العسكرية، مرتكزاً للتعاطي مع «المثلث الحديدي» الإسرائيلي في النقب «مثلث إيلات ـ اسدود ـ كوسوفيم (رفح)».

هناك ضرورة للانتباه إلى ما إذا كانت غزة تمتلك ميزات ومزايا المكان الإستراتيجي أو ميزات إستراتيجية. هي بالضرورة تمتلكها ويكفى قربها كأرض فلسطينية من النقب وإشرافها عليه.

غزة خرجت بالانسحاب الإسرائيلي عن مستوى الصراع القائم على التداخل الذي يتيح لطرفي الصراع الاشتباك اليومي والتخفي وسط المحيط، أصبح صراعها عن بعد لذا تعامل إسرائيلياً كأنها عامل خارجي يخضع لنمط التعامل مع المناطق الحدودية، وتخضع لقوانينها القتالية.

(1)

غزة ... موقع إستراتيجي وملف مفتوح

لا يزال ملف عمل غزة العسكري مفتوحاً، ولا زال دورها يحتاج إلى مزيد من التفحص، ولكن يكفي الآن الإشارة إلى حقيقة بسيطة هي أن الإسرائيلي عندما انسحب من غزة لم يكن يدرك كنه هذا الدور، ولم يتوقع تداعيات انسحابه في حالة اكتشاف الفلسطيني لما تنطوي عليه غزة من احتمالات صراعية بحكم الموقع الجغرافي والانتماء الوطني. غزة هي البقعة الوحيدة في فلسطين التي خرجت من الطوق التقني الإسرائيلي، وهي الوحيدة التي ربما تمتلك الإمكانية لضرب المشروع الصهيوني بالكامل عندما تقوم بأداء الدور الخاص بها المتعدد الأوجه، وبالأخص الوجه المتعلق بالعمل العسكري بامتلاك غزة القدرة الملائمة تستطيع أن تضع «مثلث التهديد» القتل الإسرائيلي «مثلث النقب» تحت سطوتها وضرباتها، فغزة هي الإمكانية أو الاحتمال الواقعي لأن تمتلك قدرة الردع في مقابل «المثلث الحديدي» الإسرائيلي؛ مثلث القتل، إنه ثكنة الثكنة.

النقب هو ما تم اختياره ليكون موقع النووي الإسرائيلي الأول والأساس، ويعد في التقديرات الكفيل بضمان مستقبل الكيان، وليس هذا فقط فهو البقعة التي بنيت مؤسسات الكيان العسكرية على رقعتها، وغزة هي على حافة هذا النقب ومدخله من البر والبحر، ولهذا غدت تملك قيمة إستراتيجية بالغة الأهمية، فهي وخاصة بخروجها من العمل العسكري العادي (الاشتباك المباشر إلى الرماية عن بعد)، بتوفر شروط معينة، تضع هذا النقب تحت ضرباتها.

وضعت غزة على قاعدة الدفاع الذاتي بحدود معينة، وغدت تمتلك قدرة ردعية بحدود معينة، ولكن ما يكسب غزة قدرة ردعية هو قدرتها الذاتية على وضع النقب بكامله، وما يحتويه من مواقع حساسة ذات طابع أمني قومي إسرائيلي، تحت الضربة القاتلة. وهذا يجعل إسرائيل لا تتوانى في أية فرصة عن ضربها كي لا تصل إلى هذا المستوى، فعلى غزة أن تزيد استعداداتها لمواجهة العدوان القادم والمحافظة على موقفها الوطني العام.

(2)

الإسفنجة ... وقوة ردعية

يمكن لغزة في ظروف معينة أن تكون اسفنجة لاستهلاك إسرائيل، أي أن تمتص غزة الضربات الإسرائيلية المتتابعة وترتد بها على إسرائيل. هنا تآكل الشرعية، لكن مسألة إرهاق الكيان وتيئيسه من هزيمة الفلسطينيين هو الأهم، ولكن للطاقة الإنسانية حدوداً وينبغي احترامها (لذا ليس المطلوب من غزة تحرير فلسطين ولا تستطيع أن تحررها)، ولكن هناك إمكانية لممارسة فكرة الإسفنجة في حالة توفر شروط القدرة الدفاعية والقدرة الردعية، وفي مواجهة كامل النقب حتى إيلات. هذا أمر ينبغي توسيع دائرة التفكير فيه.

ويجب أن يقدم قطاع غزة نفسه للعالم بطريقة مقبولة تدعو للاحترام والتعاطف والتقدير أيضاً (بناء مجتمع مقاوم متفاعل مع العالم ومعطياته) كما أن البحث عن شرعية الوجود والفاعلية الإنسانية تشكل لحظة ضرورية في بناء الإستراتيجية الأوسع.

غزة تسهم في تعميق الترابط الكفاحي والانخراط في الفعاليات الكفاحية في الضفة لتشتيت جهد العدو ... كيف؟ بامتلاك قدرة ردعية وسياسة نشطة.

مفهوم الردع مفهوم خاص جزئي لا ينهي كامل الصراع مع العدو، وإنما يتضمن الحد من حرية حركة العدو وكبحه عن ممارسة التهديد المتكرر باجتياح غزة وقتما يريد، وإرباك، إن لم يكن قطع مجمل حياتها واستمرارها، وتشتيت إن لم يكن تدمير جهودها في تطوير حياتها القومية، واستنزاف الجهود الفلسطينية، وإشغالها للحيلولة دون تأكيد حقوق الشعب الفلسطيني على كامل ترابه الوطني ووطنه فلسطين وقضيته السياسية العادلة، على الصعيد العالمي والإنساني، والمرتكزة على استمرار وجوده القومي كاستمرار تاريخي وشعب حيوي وفاعل حضاري في أرضه وعليها.

الحرب الإسرائيلية مع غزة ليست يومية بحكم خارجيتها، ربما تستمر عقود دون قتال معها، لا سنوات فقط، بسبب ترك الإسرائيليين لها بالانسحاب فغدت خارجية، لم يعد الإسرائيلي هناك موجوداً داخلها، أصبح خارجها، لم يعد هناك تداخل بينهما يتيح الحرب اليومية، بخلاف الضفة. هناك تداخل يعمل الإسرائيلي على تقليصه بحدود ممكنة، وهو تداخل يتقلص باستمرار، لكن لن يكون تاماً كغزة إلا في حالة انتهاء أطماعه منها واكتفائه من أرضها، وإرساء عزلته التامة عنها، وهو أمر بعيد جداً إن لم يكن غير وارد لديه، ومن هنا هناك إمكانية محدودة تتقلص في مواطن التداخل بينها وحولها لقتاله.

ماذا تريد إسرائيل أن تكون؟ (أن تكون المركز التجاري العالمي)، إذن يشكل الأمن حاجة ضرورية لذلك، أمن داخلها وأمن خارجها أي خطوطها التجارية، ومن هنا أهمية اهتمامها بالقوة ليس فقط بالدفاع عن وجودها بل لحماية خطوطها التجارية ومركزها المالي الإقليمي والعالمي المأمول. ومن هذا الجانب (محاولة تعطيل وإلحاق الأذى بهدفها النهائي: المركز التجاري العالمي) يمكن توجيه التهديد لها أو ممارسة مساحة أوسع من الردع لها أو الضغط عليها، أو ممارسة قدر أكبر من الأذية لها.

الاستقلال التقني في مجال صنع وتطوير وتوجيه الصواريخ يشكل مقدمة لإدامة الاشتباط مع العدو الصهيوني، وامتلاك القدرة الردعية بل والهجومية، في سياق إفشال الغرض العميق من إنشاء الكيان اليهودي غرفته التجارية العالمية المركزية وليس فقط دوره الوظيفي لصالح أطراف أخرى عالمية.

الاستقلال التقني يوسع من هامش حرية الحركة السياسية، ويتيح أساساً موضوعياً للاستقلال السياسي النسبي بما يعنيه من ازدياد القدرة الردعية.

(3)

الضفة ... الدور والوظيفة

لا ينبغي حصر التركيز على غزة دون الضفة، أو دون إدراج الضفة عملياً في سياق مقاومة قتالية وليس شعبية فقط، فهو ما تريده إسرائيل وتعمل عليه أيضاً حتى يتسنى ابتلاع كامل الضفة ولفظ أهلها بسهولة.

فالضفة هي مركز فلسطين الجغرافي السياسي، أما الباقي ومنها غزة فهي أطراف هامشية ومحيط لها.

لدى الضفة الفرصة أن تضرب الكيان الصهيوني بحكم أن التداخل لا زال متوافراً، ولا زال قائماً في نقطتين: العنصر البشري وعنصر الأرض والرمز، فلا اكتمال للمشروع الصهيوني دون الضفة ودون القدس ودون «الهيكل» (بضرب الهدف العميق لإنشاء الكيان السيطرة على الإستراتيجيا، على الموقع والممر التجاري الدولي والاتصالات والمواصلات والمال، على التجارة وممراتها وعقدتها في القدس والضفة وفي فلسطين وما حولها).

وما يكسب الضفة قيمة إضافية بل استثنائية هي أن القدس وفيها المسجد الأقصى مما يمحور الصراع المطلق حوله وحولها واتساع دائرة المنخرطين فيه.

لندعم غزة بهدوء، فهدف هذا الدعم اكتساب قيمة ردعية في انتظار جولة جديدة من القتال مع العدو، يمكن أن تستمر سنوات حتى تقع، ولنركز على الضفة لأن القتال فيها مع العدو يومي، يمكن أن يقع يومياً.

الضفة الغربية هي قلب المشروع الاستيطاني، ففيها القدس حيث المسجد الأقصى، أي فيها «الهيكل» كما تطرح روايتهم ورؤيتهم، وما حولها وفيها العمق للكيان الإسرائيلي الذي هو ذاته مجرد امتداد للضفة، مجرد أطراقف لهذا المركز ومحيط له.

إن مصير الضفة الغربية وليس غزة، بالنسبة لنهج التسوية هو الأساس، لأنها معركة وجود الدولة على أرض فلسطين، وهي أيضاً مسألة مصير الأردن كوطن غير بديل عن فلسطين، وهكذا تلتقي مصلحة الأطراف جميعها نظرياً في المحافظة على الضفة من الاستيطان الزاحف، وهي من جهة أخرى المجال المتبقي لاكتمال إسرائيل كدولة تقوم على أسس دينية وعلى أسس سياسية وإنجاز مشروع إسرائيل الكبرى، وهكذا فالصراع على الضفة ومصيرها صراع يحكم نهايات عدة مشاريع عقدية وسياسية.

(4)

العامل الإنساني في القتال

العامل الإنساني (الانخراط في القتال) ـ وفي قتال وعي مسبق وليس رد فعل يجمع من هو غير مؤهل ـ واختيارهم وتكوينهم وتنظيمهم واستعمال خواصهم في الضفة هو العامل الحاسم في الصراع، فالعدو الصهيوني متخم بالتقنية العسكرية والتنظيم بشكل يستحيل مجاراته، فكيف يمكن أن نحيد مصادر قوته التقنية والتنظيم ؟ يكون ذلك عبر فعل إنساني يتسم بعدم النمطية والابتكار والمبادرة والجرأة على مستوى التفكير والممارسة، وأولى الخطوات في هذا اعتماد المبادرة الذاتية المضبوطة عن بعد كمقدمة للعمل الأكثر تنظيماً، العمل المنظم بطريقة تتجاوز الخبرة الإسرائيلية.

المطلوب التعامل مع العامل البشري بأكبر قدر ممكن من المسؤولية والحرص والتركيز واستشعار الدور الأكثر أهمية لهذا العامل في مجرى الصراع على مصير الضفة وعلى فلسطين ككل وفي سياسات المنطقة ككل.

وينبغي أن يتمتع العنصر البشري في الضفة بشروط عمل تنظيمي خاص ملائم، يتعامل مع بيئة معادية كلية سواء في جانبها الفلسطيني أو من قبل العدو الصهيوني، مجموعة أطر تنظيمية مرنة متعددة الأنماط التنظيمية والأسماء في عملية تضليل واسعة (فالحرب خدعة) تتحمل عبء الملاحقة الأمنية ويستمر في العمل وتتعاظم فعاليته.

تحتاج الضفة إلى حرب خاصة يمكن تسميتها بحرب المباغتة التامة في الزمان والمكان والأسلوب، بالاستفادة من التجارب السابقة وبتجاوزها حيث أمكن. حرب خاصة تتسم بتداخل الحكمة والجرأة بالفرادة، فلا ظرف عاشه أحد بمثل ما تعيشه الضفة وأهلها، حرب خاصة تعتمد على استثمار خواص الإنسان شبه الأعزل وتحييد قوة التقنية المتقدمة والتنظيم الإسرائيلي الشامل؛ ضرورة الجهد النظري والخيال لابتداع هكذا نمط من الحروب يمكن أن تكون بداياتها المبادرة الذاتية، أي العمل المرتكز على القدرة الذاتية كأفراد أو مجموعات صغيرة ذاتية الانبثاق، تمارس قتالها وفقاً لظروفه وتوفر سلاحها وأدواتها ذاتياً، وبحيث يبدو العمل في الضفة وكأنه عمل فردي، وهو في حقيقته عمل على قدر عال من التنظيم، إنه نتاج ثقافة قتالية يتم توسيع مساحة انتشارها وتعميق فهمها والكشف عن ضرورتها.

(5)

أشكال القتال في الضفة

وشروط الوضع التنظيمي هنا مختلفة عن سابقتها، والتمويه في العمل أبرز سماتها:

الخلية يجب أن تكون مستقلة مكتفية ذاتياً، تتكفل ذاتياً بتغطية احتياجاتها، تتقن الأعمال العامة، ولكن تتخصص مع الوقت، وتسليحها مما يتوفر من البيئة ومما يمكن أن يرد إليها. والسلاح الفعال والملائم للظروف هو الخفيف وسهل الإخفاء، إنه الأكثر إلحاحاً.

كذلك يمكن اللجوء إلى أساليب الاغتيال والقنص (فهناك مئات الحواجز والتي تشكل في النهاية أهدافاً ثابتة ـ وادي الحرامية نموذجاً) والتفجير عن بعد، واستخدام أخف الأسلحة والأدوات التي يسهل حملها وإخفاؤها.

إن التوجه منذ البداية تصنيع العتاد الأثقل والأعقد كالصواريخ يجلب رد فعل إسرائيلياً جارفاً، فالضفة تتحكم تماماً بمدن الساحل، لذا سيكون رد فعل الإسرائيلي جارفاً، سيكون رد فعل يعيق حتماً تطور الفعل الفلسطيني نحو تطوير بنية قتالية مرنة تتلافى الضربات القاتلة، لذا يجب التأني في مسألة الصواريخ في البداية إلى أن تمتلك قاعدة العمل والتطوير، وهو احتمال ضعيف، فمجرد إدراك العدو لهذه النية وتجسد بداياتها كواقع، قد يدفعه للقيام بعملية ترحيل شاملة ـ مستوعبة عالمياً، مما يفقد المقاومة البيئة التي يعيش المقاتل في محيطها.

إن الأولوية لاستهداف المستوطنين والجنود، الأولوية لأي منهما، وهذا مرتبط بالحالة الآنية. لكن اغتيالات المستوطنين ينبغي أن يكون لها المساحة الأوسع من الاهتمام والممارسة، ولكن ما هو حاضر أكثر في المشهد هم الجنود، فاستهدافهم أكثر واقعية.

لا نطمح لبناء مقاومة شعبية سلمية فقط، فجنود الاحتلال ليسوا داخل المدن والقرى، بل يتواجدون على الحواجز وعلى المداخل والطرق والمراكز الاستيطانية والمعسكرات، لذا هناك طرق ووسائل ينبغي اتخاذها للوصول إليهم، خاصة ما هو ثابت لديهم من حواجز يخنق بقبضته الفلسطينيين، وقد يتحول هذا الثابت أي الحاجز عند المقاتل إلى أهداف ثابتة لقناصته.

يجب ممارسة المقاومة المسلحة بوتيرة محسوبة من الناحية الإعلامية (دوام العمل وإن قل) وتجنب زجّ كل قواها في معركة متصلة أو في شكل كفاحي واحد، أو في مساحة جغرافية واحدة، ما يمكن للعدو التحكم في نهاياتها بحكم إمكانياته.

(6)

حافة الهاوية

وعلينا أن نتحاشى دفع الأمور إلى حافة الهاوية في الصراع ضد إسرائيل عبر أعمال صاخبة كي لا تستثير من قبل العدو ردود فعل واسعة أكثر مما يلزم.

كذلك عدم الدفع بالعدو إلى اتخاذ إجراءات حدية كترانسفر شامل مثلاً تحت التخوف من صناعة صواريخ مثلاً، فلن يقوم العدو بالانسحاب أحادي الجانب كما قام بذلك من غزة، فلا زالت تجربة غزة وتطويرها وسائل قتالها ماثلة يومياً أمام عينيه، ولن تزيد مدى مقذوفات غزة واتساع أهدافها إلا إصراراً إسرائيلياً على عدم تكرار الانسحاب الأحادي الجانب من الضفة، وفي ما يخص الأردن فالعدو يدرك أنه في حالة انسحابه من جانبه من الضفة، حتى لو التهم أوسع قطاع من أراضيها فلن تصمد الأردن طويلاً أمام ضغط الحاجة الفلسطينية المتزايد لتطوير الوسائل القتالية كما حصل في غزة، فمصر مبارك لم تستطع منع الفلسطينيين في غزة من تطوير وسائلهم تلك، ولن تستطيع الأردن منعهم أيضاً.

على المقاومة أن تركز على الأهداف الاستيطانية والعسكرية في الضفة فقط بشكل شبه تام، فالجميع من فلسطينيين وغيرهم بل حتى العالم كله يستوعب ذلك كله في النهاية، وإن كان أيضاً بشكل متفاوت، فهو يقر مثلاً بالدولة الفلسطينية غير العضو على أرض الضفة 67، ولمن أراد التعاطي مع الشرعيات لن يجد مجالاً للانتقاد والتشهير، خلاف الكيان الذي هو متخطي هذه الشرعية. من الضروري الاهتمام أكثر بمسألة الرأي العام الدولي، لكن دون تنازل بالمرة فقط مرونة ظاهرية.

وإن تنفيذ العمليات ينبغي أن يقع داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة في الضفة، إلا في حالات استثنائية لتوجيه رسائل لضبط الفعل العنفي الإسرائيلي ضمن حدود معينة، أي ضرورة اكتساب قيمة ردعية.

ولا ضرورة كبيرة لانتهاج خط العمليات الاستشهادية إلا في حالات استثنائية وواضحة ومدروسة في أبعادها للمحافظة على قيمتها الردعية (يجب مراجعة التجربة السابقة وأخذ عبرها).

يجب تحويل المستوطنات في الضفة من كونها ذخراً إستراتيجياً لإسرائيل، إلى عبء سياسي وأمني، كذلك يجب تجنب الوقوع في التسابق مع الكيان في الميدان الذي يتفوق هو فيه، أي الميدان العسكري ذا التقنية العالية، دون التخلي عن مسألة تطوير ما يلزم ضمن فهم مختلف ومستقل عن السابق.

(7)

شرعية الكفاح الفلسطيني

إن الأوضاع الراهنة على الصعيدين الدولي والعربي تعترف بشرعية الكفاح الفلسطيني من أجل دحر الاحتلال من الأراضي الفلسطينية المحتلة في الضفة، وضرورة الاستفادة البراغماتية من ذلك.

ويملك الفلسطينيون وحدهم بحكم قضيتهم؛ إمكانية زعزعة استقرار إسرائيل من النواحي السياسية والاقتصادية والأمنية والأخلاقية والشرعية الدولية، ولكنهم حتى يستطيعوا هويمة إسرائيل بحاجة ليس فقط إلى المعطيات الإقليمية والدولية المواتية، بل وقبل كل شيء إلى تنظيم وتفعيل طاقتهم البشرية وفي الضفة خاصة، وهنا تأتي نظرية الأحزمة الإستراتيجية (حيث يندرج أو يفترض أو ينبغي الجمع في سياق سياسات منسجمة جزئياً تجاه إسرائيل). إن المقاومة المستمرة في الضفة ضرورية لبناء إستراتيجية أوسع (الأحزمة)، كما أن قدرة الاحتمال والاستمرار لدعم المقاومة لدى فلسطينيي الضفة ليست محل تساؤل في حالة البرهنة على فعلها وبنضج، فهناك أسباب عميقة للاستمرار بقدر وجود الاحتلال، وإن ضرب الاستيطان أولاً يشكل نقطة اتكاء أولية عملية على الأرض في إطار رؤية الإستراتيجية الأوسع، والتركيز على تحرير فلسطين كغاية نهائية ضروري ومطلوب دوماً، لكن التقاط المهمة الواقعية التي تحتاج إلى مواجهة آنية، أي الحلقة المركزية المستقطبة للاهتمام في وقتنا الراهن التي يصطف من خلالها داعمي الاحتلال ورافضيه على مستويات متسعة، والتي هي مدخل ملموس لتوسيع دائرة الصراع. إنه هو الاستيطان الزاحف واستمراره، وهو ما يشكل لحظة ضرورية لبناء الإستراتيجية الأوسع واستيعاب العالم لها.

لا يمكن عزل المستوطنين والاستيطان في الضفة عن بقية التجمع الإسرائيلي، لأن الكيان الصهيوني كله قام ابتداء على مشروع الاستيطان، وهم «جزء حيوي من النظام الأمني الإسرائيلي أسوة بالجيش والشاباك»، وهم هدف إستراتيجي ككل الأهداف الأساسية للفعل المقاوم.

لم يتسم العمل الفلسطيني طيلة مواجهته الحركة الصهيونية والكيان الإسرائيلي بالعمل المنظم الملائم، وآن لهذا أن يتوقف وإن يتم البدء من جديد.

لا زالت الضفة تشكو من فجوة زمنية ينبغي استثمارها قبل أن تغلق بعدم الاختلاط أو التداخل، المطلوب توسيع هذه الفجوة باتساع وتوسيعها على أمل أن تشق مساحة أكثر اتساعاً يمكن أن تشكل أفقاً ممكناً وملموساً وواقعياً لاستمرار الصراع.

(8)

تجاوز الفجوة

ينبغي على غزة أن تملك الحد الممكن من القدرة لتوفير دفاعات معقولة عن نفسها في مجال المضادات البحرية الجوية وخاصة المروحيات، وكذلك المضادات البرية ضد الدبابات والأفراد، ولكن فيما يتصل بالقوى الردعية أو ما يمكن أن يقال عنها قوة ردعية، فعليها أن تمتلك الصواريخ بعيدة المدى والمؤثرة ذات التسديد الدقيق، والعبوات الملائمة وبكميات كبيرة، فذلك جزء مهم من مفهوم الردع.

وما هو أهم أن تكون صناعة الصواريخ محلية وليست مجلوبة بالتهريب، كي لا تعرف كميتها، وهو أمر مهم لبناء معادلة الردع كما ذكرنا سالفاً، بأن يكون هناك خط إنتاج لها في غزة وليس في أي مكان آخر، فالعدو يمكن أن يصل عبر معلومات استخبارية أو عبر رصد متعدد المصادر، أو عبر تحليل بهامش خطأ عال نسبياً أن يقدر كم لدى المقاومة من صواريخ بعيدة المدى، فحدود القدرة على التهريب يمكن حصرها بهامش خطأ في النهاية، ولكن التصنيع المحلي مع عملية تضليل واسعة سيحد من قدرة العدو على التوقع، وإن بحدود معينة وهي كافية ليعيش حالة عدم التقين، وهي الحالة التي يمكن استثمارها في إدارة العملية القتالية معه.

للنقب ومدخله إيلات الأولوية في جميع الأشغال الإسرائيلية، فهو القلعة لحماية الكيان وتثبيته في بوابة المشرق العربي، فيه أقامت إسرائيل أهم أداة ومرفق لضمان مستقبل الكيان، هو المفاعل النووي في ديمونا. والنقب هو أهم وأفضل قاعدة انطلاق إستراتيجية تطل إسرائيل عبرها على المحيط الهادي، وتشرف على الجزيرة العربية بثرواتها، وقبل كل شيء على قناة السويس والبحر الأحمر وباب المندب، وهنا تتشابك إستراتيجيات العالم كله وتتداخل، لكن يمكن أيضاً في حالة توفر للفلسطيني وخاصة في غزة، شروط وإمكانيات تأثير على النقب، أن يكون الفلسطيني طرفاً إقليمياً فاعلاً لصالح قضيته أي له قيمة يؤثر من خلالها على قرارات الآخرين أو كحد أدنى يربك العدو الإسرائيلي.

النقب (مثلث: كرم أبو سالم ـ إيلات ـ أسدود) عاصمته وعاصمة إسرائيل ذاتها بئر السبع، العمل على تحويله إلى قاعدة انطلاق نحو الجزيرة العربية خاصة، والمنطقة عامة ...

للنقب بوابتان: الأولى ميناء أسدود على البحر المتوسط والأخرى إيلات على الحبر الأحمر في الجنوب، والهدف من إقامة هاتين البوابتين هو تهيئة الفرصة لتحويل النقب ذاته إلى ممر دولي بين المتوسط والأحمر، وإذا تطورت الأمور اتخذ النقب عبر البوابتين هاتين بديلاً عن قناة السويس، هذا التفكير يجعل لغزة قيمة إستراتيجية أعلى فهي ملاصقة له.

الطموح الإسرائيلي هو تحويل النقب إلى الطريق الأساسي، إن لم يكن الوحيد لبترول الشرق الأوسط إلى أوروبا، ومن هنا يتم بناء القواعد البرية والجوية والبحرية الكفيلة بحماية هذا الممر الدولي، وحمايته بين البحر المتوسط والمحيط الهندي، ولا يقتصر الطموح الإسرائيلي على ذلك، تطمح تل أبيب في تحويل البحر الأحمر إلى بحيرة إسرائيلية تتولى قواعد النقب حماية مطامع ومصالح الكيان فيه، بل تتردد لديهم فكرة وهي شق قناة بحرية من إيلات إلى أسدود تربط طريق الشراكة الصينية الإسرائيلية الجديدة، كيف يمكن علاج هذا التطور؟ يتم ذلك عبر تعزيز وضع غزة الصراعي بحدود تفوق الراهن نوعياً، إن تطوير الصاروخ نوعياً يشوّش المخطط الإسرائيلي، ويدفع به نحو حالة قلق أو كحد أدنى حالة عدم توقع.

 

 

 

(9)

بين الضفة وغزة

بالرغم من كل هذه الميزات التي تمتلكها غزة، فستبقى دائماً في إطار المواجهة الخارجية بخلاف الضفة، أي ليست دائمة ويومية، تعكس نفسها على الحياة اليومية للإسرائيلي، فإسرائيل تعلم حدود القوات لدى المقاومة الفلسطينية في غزة، حتى ولو كانت هناك عدم دقة نهائية في هذه المعرفة، هناك معرفة كلية وإن كان هناك هامش من الخطأ ليصل حتى 25%، ما يعطي هذا التصور قدراً من الواقعية، هو الرقابة الإسرائيلية الدائمة على خطوط التموين سواء الإقليمية، خاصة بالنسبة للصواريخ غير المحلية، وكذلك استمرار الرقابة على المصادر المحلية وأيضاً فهي تدرك بشكل إجمالي حدود الطاقة ومداها، وإسرائيل بذلك تستطيع في ظروف إقليمية أو دولية ملائمة أن تتعاطى مع هذه الترسانة، يمكن للتطورات الأخيرة في مصر أن تنشئ واقعاً جديداً للمقاومة في غزة تستطيع من خلاله أن تطور قدرتها على تصنيع الصواريخ بعيدة المدى ودقيقة التسديد، وهو أمر وارد، وهذا الشق يبدو إيجابياً ويعطي المقاومة قدرات ردعية.

هذا الإنتاج الذي يسمح للمقاومة بإنتاج الكم والنوع الذي تريده بعيداً عن الرقابة الإسرائيلية، وهو ما يربك الحسابات الإسرائيلية، ويحد من حركتها تجاه القطاع، وعلى تنامي هذه القدرة الفلسطينية في القطاع تتقلص حدود مساحة الحرية السابقة لإسرائيل في التعاطي مع القطاع وبنفس الكفاءة.

وعلى الرغم من كل ذلك فإن أقصى ما تستطيع غزة الوصول إليه هو إنشاء وضع ردعي متبادل مع العدو من جهة (حزب الله في الجنوب بعد إخراج القوات الإسرائيلية من الجنوب وليس قبلها ، قبلها كانت هناك حرب عصابية، حرب لها إدارة خاصة، وكان العامل الأساسي لقيام هذه الحرب ولاستمرارها هو توفر عنصر التداخل بين الجندي الإسرائيلي والمقاوم اللبناني)، فيبقى العنصر المقاوم في هذه الحالة عنصر إزعاج خارجي ضاغط كحزب الله، ولكن دون قدرته، وأيضاً دون موقعه كجزء عضوي من منظومة إقلمية، وتبقى إمكانية القتال مع الكيان قائمة ولكن قد تأخذ سنين أو عقداً أو أكثر حتى تقع كما حدث بين الكيان وحزب الله، فالعلاقة الصراعية بينهما هي علاقة بين كيانين لا تداخل بينهما، ولكن هناك فارق نوعي بين حزب الله والضفة أو غزة. إن غزة أرض فلسطينية وأهل غزة فلسطينيين استلبت منهم أرضهم ووطنهم فلسطين، فهم مالكو الشرعية في أرضهم المسلوبة، فهم في الحد الأدنى ينازعون الشرعية على أرض فلسطين، حيث أقيم الكيان الإسرائيلي، وهو ما يتيح لغزة التي في حالة امتلاكها أدوات قتالية بعيدة المدى أن تمتلك القدرة على تهديد أماكن حيوية لهذا الكيان في النقب، ضرورية لوجوده ذاته ودوره في خدمة المخططات الخارجية ومستقبله كممر تجاري عالمي إن لم يكن المركز التجاري العالمي أيضاً، ويوفر لها وضعاً مختلفاً ومؤثراً في هذه المجالات من موقع «الشرعية الدولية» المقر بها في حدود 67.

من هنا تبدو أهمية المناطق التي تخضع لعامل التداخل بين الفلسطيني والإسرائيلي (الضفة تحديداً) في استمرار المطالبة باستعادة الحق الفلسطيني واستمرار المقاومة واستمرار القضية الوطنية والتأثير في الغازي الصهيوني والتأثير في قراراته.

إن النقب هو أهم بقعة لدى العدو، وغزة تنطوي على إمكانية تهديده. هنا ينبغي التركيز والضفة يحكمها حتى الآن واقع التداخل بين الفلسطيني والصهيوني، وهو ما ينبغي استثماره صراعياً.

إن غزة لم تعد تمتلك حتى حرية الحركة التي كانت تتمتع بها ما قبل حرب الأيام الثمانية، لقد تقلصت حدود حركتها وتتقلص مساحة الحرية، التي تمتعت بها سابقاً في علاقتها الصراعية مع العدو بالتدريج، أي بمعنى آخر غدت حركة غزة مرتبطة بحدود كبيرة بالحركة الإقليمية، فكيف يمكن توسيع هذه المساحة مجدداً بإدارة مختلفة جزئياً لملف الصراع مع العدو من قبل المقاومة، والسعي لامتلاك تقنية إنتاج وتطوير صواريخ أكثر ملائمة للردع، وإنتاجها دون رقابة من أحد وخاصة إسرائيل.

لا داعي للتركيز على حقيقة «إسرائيلية» أخرى وهي أن ما نسبته 40% من التجمع الصهيوني في فلسطين المحتلة؛ يقيمون في الشريط الساحلي الضيق الممتد من شمال قطاع غزة وحتى حيفا، وإن هذا الشريط يقع بالتالي تحت سطوة صواريخ القطاع وما يعني ذلك في حالة أن تتم ملاحظته جيداً عامل ردع مؤكد.

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

 

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا