%@ Language=JavaScript %>
|
لا للأحتلال لا للخصخصة لا للفيدرالية لا للعولمة والتبعية |
|||
---|---|---|---|---|
صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين |
||||
للمراسلة webmaster@saotaliassar.org |
العودة إلى خطيّة الزمن في (فوهة في الفضاء)*
2013/09/16
في روايته ( فوهة في الفضاء ) اختار محمود سعيد أن ينجز مشروعه وفق آلية زمنية تقليدية محدثة راجعاً بسرده إلى زمن الرواية التقليدية وأسلوبها الزمني المستقيم ذي البوصلة التي تشير دائماً نحو الأمام ، فعلى مسطرة الزمن بدأ الراوي سرده من نقطة البداية التي اختارها ان تكون في بيت القاضي منذر في البصرة ، وكان القاضي وكل أفراد أسرته ( زوجه وإبنه أنور وإبنته نور ) يعدون بقلق القذائف التي بكّرت في التساقط على المدينة ، ويسارعون في إعلان توقعاتهم للأماكن التي سقطت عليها ، وذلك في يوم ما من أيام الحرب العراقي الإيرانية ( مع غياب المؤشر الصريح الذي يحدد موقع ذلك اليوم من تقويم الحرب ) بالرغم من أن حالة الاعتياد النسبية التي تشيعها الحوارات البعيدة عن أجواء الحرب ، والتي يغلب عليها طابعي التفكه والتندّر – بين أفراد أسرة القاضي منذر ، تلمّح إلى إن الحرب لم تكن في بدايتها يوم بدأ الراوي تدوين الأحداث ، وربما تكون قد دخلت مرحلة التكيّف والاعتياد :
( قال أنور : كم أحبّ يوم الجمعة
تساءلت أخته : لماذا ؟
ضحكت أمه : لأني أعد أفضل ما تشتهون في الجمعة
أيدت نور : نعم ، هذا جزء غير مهم من الحقيقة ، أما الأهم فهو إنكِ إعتدتِ أن تدللي فيه أنوراً .
قال أنور : بدأت الغيرة . ص / 7 ) .لوحة بريشة الشاعر المبدع ليث الصندوق
ومن الملاحظ أن الراوي يتحصن في منطقة ما من الماضي لا نعرف مدى المسافة التي تفصلها زمنياً عن زمن السرد ، ولذلك جاء الزمن النحوي للسرد ، بصيغة الفعل الماضي . وبالعموم فالرواية تتكون من سبعة عشر فصلاً تترابط مع بعضها مثل سلسلة زمنية محكمة ، كل فصل فيها يمثل حلقة زمنية سابقة للحلقة ( الفصل ) التي تعقبها ، مع انعدام أي قطع ما بين الحلقات ( الفصول ) ، فهي تتسلسل صعوداً منذ البداية حتى النهاية بانسيابية وتدفق واضحين ، دون أن يضطر الراوي لافتتاح اي فصل من الوراء ، فاحداث الفصل الثاني تكون قد بدأت من بعد ان كانت أحداث الفصل الأول قد انتهت ، وأحداث الفصل الثالث تعقب احداث الفصل الثاني ، وهكذا حتى الفصل الأخير بدون أن يشذ اي فصل زمنياً عن هذه التعاقبية المنتظمة . وعلى خط الزمن الممتد عبر سبعة عشر فصلاً يمكن تمييز اربع مجموعات زمنية :
المجموعة الأولى : تضم الفصول من ( 1 – 4 ) وخط الزمن فيها يمضي بالأحداث باتجاه التهيئة للكارثة التي حلت بعائلة القاضي منذر متمثلة بفقدان إبنها أنور في الحرب .
ألمجموعة الثانية : تضم الفصول من ( 5 – 11 ) وعبرها يوجه الزمن الأحداث باتجاه بناء و توثيق علاقة الحب ما بين منذر وزهرة .
المجموعة الثالثة : ينفرد الفصل ( 12 ) بهذه المجموعة ، والزمن فيه يمضي باتجاه التهيئة لحدثين فرعيين ، أولهما : سقوط قذيفة على بيت رئيس المحكمة وأودت بمقتل كل من فيه ، بينما كان هو خارج البيت ، وثاني الحدثين هو عودة القاضي منذر إلى الوظيفة بعد أن كان قد تقاعد منها . ولكل واحد من هذين الحدثين الفرعيين وظيفته ، فبموجب الحدث الأول مُنح رئيس المحكمة ( وهو شخصية ثانوية ) فرصة مغادرة الهامش عبر المشاركة في الرواية بحدث إنفرد به عن باقي الشخصيات ، بالرغم من إن تبعاته استدعت أن يُشارك به كل من القاضي منذر والموسيقي حنا بطرس . اما الحدث الفرعي الثاني ، فقد بعث الحياة في علاقة الحب ما بين منذر وزهرة بعد أن أوشكت على الخفوت والانطفاء منذ انقطاع الاتصال ما بينهما ، فعودة القاضي منذر إلى سلك القضاء ، وعمله من داخل المحكمة وفر لكليهما مظلة للقاء الآمن . وهذا ما ستركز عليه – وعلى نقيضه أيضاً – أحداث المجموعة الرابعة .
ألمجموعة الرابعة : تضم الفصول من ( 14 – 17 ) والزمن عبر تلك الفصول يقود علاقة الحب ما بين منذر وزهرة باتجاه الفتور ، ففترة الانفصال الطويلة ما بينهما ساهمت في إنضاج قرار حاسم من قبل منذر بالانسحاب من تلك العلاقة .
بيد أنّ القطوعات في الزمن تمهيداً للعودة إلى الوراء او التقدم للامام تتم عادة داخل تركيبة الحلقات ( الفصول ) وليس خارجها حيث يسترجع فيها الراوي أحداثاً من الماضي البعيد ، أو أحداثاً قريبة تماماً من الزمن الحاضر ، بحيث يوشك أن يتماهى الحاضر بالماضي في منطقة تماس قريبة ما بينهما ، وهذا ما يرشح من حديث زهرة لمنذر ، وهما في طريق عودتهما من بغداد كل إلى محافظته ، ميسان بالنسبة لزهرة ، والبصرة بالنسبة لمنذر ( حتى عندما التقينا اليوم لم تكن مصادفة ، شخّصتك من بعيد . ص / 82 ) .
وربما تتوسع الفاصلة الزمنية ما بين الماضي والحاضر اكثر مما سلف ، حيث يتوغل الراوي المفارق والعليم في حياة الشخصيات اعمق وأبعد من تلك المسافات بكثير ، وفي هذا السياق تبرز ثلاثة ممرات :
- ألممر الأول : وفيه يتم الإسترجاع من الذاكرة الشخصية : فالقاضي منذر خلال فترة انتظاره الطويلة على ساحل دجلة ، أمام مبنى الامم المتحدة إلى أن يحين موعد تعليق قوائم الأسرى ، يرجع بذاكرته إلى أيام فتوته ( تذكر تجربته الوحيدة واليتيمة في التجذيف بالزورق ، كان ذلك في حمام العليل ، متى حدث ؟ يا للذاكرة التعبة ، ربما في 1960 كان مراهقاً . ص / 55 ) .
- ألممر الثاني : تتم عبره العودة إلى الماضي من خارج النص السردي ، ومن هذا الممر نلج إلى ممرين فرعيين :
ألممر الفرعي الأول : تتم عبره العودة الى الماضي من خارج النص السردي متناصة مع نصوص التاريخ الثقافي ( عندما كان في الرابعة عشرة كان يستهويه النظر إلى المصورين الفوتوغرافيين الموهوبين ، تذكر كيف استطاع مراد الداغستاني أن يخلد الحركة في شبكة صياد تملأ الكون قبل أن تسقط في النهر . ص / 62 ) .
ألممر الفرعي الثاني : وتتم عبره العودة الى الماضي من خارج النص السردي متناصة مع نصوص من التاريخ السياسي والعسكري (نصح مجذومو الضمير من العسكريين ترومن أن يلقي قنبلتي هيروشيما وناكازاكي على اليابان ، ففعل ، ألقاهما ، هُزمت اليابان . إنتصرت أمريكا ، لكن ترومن ظل مهزوماً داخله إلى أن مات . ص / 55 ) وفي هذا النص يتوجه منذر بخطاب إدانته إلى البعيد ، فنتائج الحروب واحدة في كل مكان مهما كانت مظاهرها ، وإدانة الحرب البعيدة هو إدانة ضمنية للحرب القريبة ، وإدانة البعيد الذي تورط فيها هي إدانة للقريب الشبيه .
ألممر الثالث : وتتم عبره العودة إلى الماضي من خلال تذكر قضايا المحاكم التي قضى فيها منذر زهرة شبابه ، وصارت جزءاً من حياته ومن ذاكرته . و من هذا الممر نلج إلى ممرين فرعيين :
الممر الفرعي الأول : وعبره تتم العودة إلى الماضي من خلال أحداث ليست لها أية علاقة بشخصيات الرواية يستخرجها الراوي من سجلات المحاكم وينسبها إلى القاضي منذر في حديثه مع نفسه وهو يؤنبها على تجربة حب لا تتواءم مع سنه ، ولا مع ظروفه العائلية ، ولا مع منصبه وتاريخه محاولاً بناء حالة مطابقة ما بين الظروف التي أنتجتها ، وظروفه المتقلبة الجديدة ( كيف قاد الحب تلك السيدة البغدادية الجميلة إلى حبل المشنقة لقتلها زوجها بالاشتراك مع عشيقها . كيف اعمى الحب تلك الإمرأة الريفية فهربت مع ملا ياتي إلى قريتها في مناسبات معينة ، حتى أدركها أخوها في طريق الشمال ، وقتلها . وماذا عن تلك التي هربت مع إبن خالتها وتركت ثلاثة أطفال أكبرهم في السادسة . ص / 86 ) وعبر هذا النص يكون الصراع النفسي الذي يعانيه منذر قد بلغ ذروته وأنضج خطاباً ضدياً ، ولكنه هذه المرة ليس ضد خطاب الآخر ، بل ضد خطاب نفسِهِ ( الأمّارة بالعشق ) حيث ينتقل صراع الخطابات من الخارج ، إلى داخل الذات المنشطرة إلى ذاتين متصارعتين لكل منهما خطابه المتعاكس مع الآخر . وقد تناولت ( القراءة الأولى ) جانباً من ذلك الخطاب .
ألممر الفرعي الثاني : وعبره تتم العودة إلى الماضي من خلال أحداث لها علاقة باحدى شخصيات الرواية يستخرجها منذر من سجلات المحاكم المحفوظة في ذاكرته ، والشخصية التي لها علاقة بالقضية هي زهرة التي وقفت مع زوجها قبل ثلاث سنوات من استشهاده أمام المحاكم ، وتحديداً أمام القاضي منذر في قضية شراء زوج زهرة معمل طابوق من رجل مزوّر وغشاش ( تذكرت الوقائع ، وقّّع البائع على جميع الوصولات توقيعاً واحداً إلا الوصل الأخير جعله خالياً من نقطتين . ص / 89 )
وأحياناً يقفز الراوي بالزمن مسافات قليلة باتجاه الأمام ، كما في حديث منذر مع زهرة في أولى لقاءاتهما وهما ينتظران أمام مبنى المنظمة الدولية في شارع أبي نواس تعليق قوائم الأسرى .
( إبتسمت وهي تنظر في عينيه : وأنت ما عملك ؟
- إحزري ؟
- لا أعرف
- لن أقول لك إلا بعد ساعة كاملة . ص / 69 )
بيد أن زمن الاستقبال يبدو أحياناً معقداً أكثر من ذلك بالرغم من ضيق الفاصلة الزمنية بين الحاضر والمستقبل التي تمتد لفترات تتراوح ما بين الدقائق في الحد الأدنى ، وفي أبعد حد لا تتجاوز أسبوعاً واحداً كما ورد في العرض الحواري التالي بين منذر وزهرة ( الفصل 8 ) حين أوصلها بسيارته من بغداد إلى مدينتها العمارة ، وفي هذ الحوار ( ص / 85 ) يركز الراوي على حالات الاستقبال من حيث :
1 – تخطيط منذر وزهرة للقائهما التالي ، والزمن الذي يحسبانه لاستقبال حدث لقائهما المرتقب هو أسبوع واحد ( عندما تأتي في الأسبوع القادم ، تستطيع أن تتصل بي بالهاتف من هنا . ص / 85 ) .
2 – تحديد المكان الذي سيتوقف فيه منذر بسيارته لتنزل منها زهرة دون أن تثير انتباه من يعرفها ، والزمن الذي سيستقبلان فيه حدث توقف السيارة لا يستغرق سوى بضع دقائق لأنهما ما زالا حتى زمن إطلاق الحديث في السيارة وقد أوشكا الوصول إلى مكان نزول زهرة ( عليك أن توقف السيارة في العطفة الضيقة ، خلف البريد ، لا توجد بيوت هناك قط . ص / 85 ) .
3 – في فقرة حوارية أخرى يتفق العاشقان على تحديد موعد وصول منذر إلى العمارة في الرحلة المقبلة قبل توجههما إلى بغداد ، ويُلاحظ في هذه الحالة أن الزمن الذي يحددانه لاستقبال ذلك الحدث مركّب من زمنين : زمن بعيد نسبياً يمتد لأسبوع ، وزمن قريب نسبياً – ضمن بنية الزمن البعيد – يمتد لدقائق أو ساعات كما في العرض الحواري التالي ( ص / 85 ) :
زهرة : لا توجد بيوت هنا قط ، منطقة خالية ، سأتجه إلى السيارة رأساً عندما تجيء ( الفترة المحددة لاستقبال الحدث اسبوعاً واحداً ) .
منذر : إتفقنا .
زهرة : متى تتوقع أن تصل ؟ ( السؤال غير واضح لعدم تحديد المكان المعني بجهة الوصول ، لذلك توجب على منذر طلب التوضيح ليتمكن من تحديد الفترة التي سيستقبل خلالها حدث الوصول ) .
منذر : البصرة ؟
إبتسمت : لا ، إلى هنا في الأسبوع القادم ( فترة استقبال الحدث المقبل أسبوعاً واحداً )
منذر : الثانية ظهراً ( ويلاحظ ان الزمن المضمر في هذه الإجابة مركب من زمنين متداخلين لاستقبال حدث واحد هو حدث وصول منذر إلى العمارة في الأسبوع المقبل ، الزمن الأول طويل ويمتدّ أسبوعاً واحداً لاستقبال اليوم المحدد للسفر ، والزمن الاخر قصير ويمتد لساعات ، تبدأ من ساعة وصول منذر في الأسبوع المقبل إلى العمارة ، ثمّ تمتدّ إلى الساعة الثانية عشرة ظهراً من ظهيرة ذلك اليوم )
إضافة لذلك فإنّ بنية الزمن داخل الفصول ( الحلقات ) تتشكل أحياناً في شكل متوالية أكثر تعقيداً ، فتجمع في حلقة واحدة ( فصل ) الأزمان النحوية الثلاثة ( الحاضر / الماضي / المستقبل ) متجاورة مع بعضها في نص قصير واحد ( مستقبل + حاضر + مستقبل + ماضي + حاضر ) كما في النص التالي : ( ترى هل سيأتي يوم يفضل فيه الانتحار هو أيضاً ؟ – مستقبل - / إبتسم . لا . ليس أنت ، أنت أقوى من الموت – حاضر – / عليك أن تفعل شيئاً . أي شيء – مستقبل – / تذكر شيئاً مفرحاً . زهرة ، جمالها ، حركة رأسها القوية التي تعيد شعرها الغجري إلى رونقه وبهائه . إبتسامتها . ضحكتها . قهقهاتها ، تنكرها ، مداعباتها ، سخريتها ، كيف قلبت مأساة الاصطدام إلى ضحكة – ماضي – / حدّق بما تبقى من أشعة الشمس الغاربة تسفح دمها القاني – حاضر - ص / 118 ) مع ملاحظة أن صيغة الحاضر في النص السابق وفي الرواية كلها هي صيغة الفعل الماضي ، وتلك مفارقة سردية تشير إلى إنه ( منذ كتابة أول كلمة يكون كل شيء قد انقضى ) ( 1 ) ، ( وإن ( الراوي يحكي أحداثاً انقضت ، ولكن بالرغم من هذا الانتقضاء فإن الماضي يمثل الحاضر ، أي إن الماضي الروائي – إستخدام الفعل الماضي في القص – له حقيقة حضور ) ( 2 ) .
بدأت الرواية فصلها الأول بسقوط القنابل على مدينة البصرة الأمنة ، وانتهت بفصلها السابع عشر والقنابل ما زالت تتساقط عليها ، ومعنى ذلك إن الحرب لم تنتهِ بانتهاء الرواية ، ولكن ثمة أشياء أخرى كانت قد انتهت ، وأكثر تلك الأشياء حميمية قصة الحب العنيف ما بين منذر وزهرة التي إنتهت بالنسبة لمنذر على الأقل ، بينما ظلت زهرة تتمسك بأمل بدا واهياً أن يعود ذلك الحب ليتوهج من جديد .
( * ) فوهة في الفضاء – محمود سعيد – شرق غرب للنشر – 2012
( 1 ) و ( 2 ) بناء الرواية – سيزا قاسم
تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم
الصفحة الرئيسية | [2] [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا
جميع الحقوق محفوظة © 2009 صوت اليسار العراقي
الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا |
|
---|