<%@ Language=JavaScript %> قاسم عز الدين «حزب الله» في سوريا.. كيف نفهمه؟

   

لا

للأحتلال

لا

للخصخصة

لا

للفيدرالية

لا

للعولمة والتبعية

حضارة بلاد الرافدين   

    

                                              

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين                                    

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                            

 

 

«حزب الله» في سوريا.. كيف نفهمه؟

 

 

 

قاسم عز الدين

 

تصفية «الجيش الحر» بتفاهم قطري ـ سعودي وممالأة فرنسية ـ أميركية، تفرض قراءة الحرب الأهلية في سوريا وإعادة تقويم تدخّل حزب الله بأبعاد أعمق من المهاترة الصبيانية التي أثارتها محبة السيدة فيروز للسيد حسن نصر الله. فانقلاب «الجيش الحر» إلى «جبهة إسلامية» متآخية مع «النصرة» في العقيدة والأهداف بتفاهم الرعاة، يبرهن أن تدخّل «حزب الله» في سوريا كان معركة ضد الفاشيّة المنفجرة في سياق التحوّلات العربية، كما كان تدخّل «الألوية الأممية» المعادية للفاشية في الحرب الأهلية الاسبانية (1936 ـ1939) لمنع سقوط اسبانيا.

الانتفاضة الشعبية في سوريا التي انطلقت في سياق الثورات العربية، لم تكن ظروفها العربية والمحلية تتيح لها أن تحقق أهدافها، وليست طينة النظام الحديديّة مؤهلة لاستيعابها بمرونة النظام الملكي في المغرب والأردن الذي فكّك الانتفاضة بالدهون. إنما قمع الانتفاضة بوحشية عارية ليس هو ما أدّى إلى تجذّر الفاشيّة كما يدّعي ديموقراطيو الدستورية الأميركية على منابر «دول أصدقاء سوريا»، إنما كشف القمع أن الانتفاضة كانت على هامش الصراع الجيو ـ سياسي بين محورين في خضم التحوّلات الانتقالية للمنظومة الدولية والاقليمية. فالقمع البربري الذي قامت به حكومة الجمهورية الأولى في أسبانيا العام 1934 ضد عمال المناجم (مليوني عامل) كشف، بالمثل، عن وجه الجمهورية البشع ضد الفئات الشعبية، لكنه كشف في الدائرة الأوسع أن الانتفاضة العمالية كانت على هامش الصراع الجيو ـ سياسي الأوروبي بين الفاشية وأعدائها. في هذا السياق هناك فارق بين استبداد النظام الجمهوري السوري في قمع الحريات، وهمجية فاشيي «ثوار» هذه الدول في منهجية قطع الرؤوس.

في سياق الثورات العربية، امتدّ حريق «الشعب يريد» إلى معظم البلدان العربية ثم فاض إلى اسبانيا ومنها إلى «وول ستريت» في أميركا. فعبّرت ثورة الشعوب عن الغليان في مواجهة منظومة الحريات النيوليبرالية (حرية السوق والتجارة والاستثمار الأجنبي المباشر) في أبعاد الجغرافيا السياسية والبشرية كما أبعادها الاقتصادية ـ الاجتماعية والثقافية.... ولا سيما إلغاء دور الدولة الناظم لسياسات المصلحة الوطنية العليا. وفي البلدان العربية كان انتقال الثورة من بلد إلى بلد، أشدّ دلالة على تلاقي الثورات نحو الاندماج الإقليمي في تغيير منظومة «سايكس ـ بيكو» الجيو ـ سياسية، كما كانت تضحيات مهمّشي الأرياف والمدن دليلاً على طموح الفئات الشعبية الواسعة في تغيير منظومة القهر السياسي والطبقي. لكن القوى الشبابية التي فجّرت الثورة في تونس ومصر تشبّعت على مدى أربعين سنة بديموقراطية النخَب السياسية والثقافية العربية، المنقولة بدورها عن مثقفي وهيئات المنظومة النيوليبرالية، في تغيير السلطة بديلاً من تغيير النظام الجيو ـ سياسي ـ الاقتصادي ـ الاجتماعي.... إلخ ولم ينتج من هذه الثورات الشعبية إلى اليوم بحث في مشروع تغيير النظام أو تحوّل نحو تحقيق أهداف الثورة. فالمعارضات السياسية الصاعدة إلى السلطة محل رأس السلطة السابقة، خطفت، ونخَبها الثورات في صراعاتها الغريزية على حصص عائداتها الخاصة في إدارة نموذج نظام التبعية القديم ـ المتجدّد. ولم يخلُ الأمر من مؤازرة مثقفي التنوير «اليساري» المتخلفين عن طموح الفئات الشعبية أكثر من قرنين، ومثقفي النيوليبرالية المعدّين مهنياً لمقارعة الاستبداد الأصغر تحت إبط نموذج الاستبداد الأكبر.

في مجمل هذه التحوّلات ذات الأبعاد الجيو ـ سياسية الكبرى، لم «يتدخّل» «حزب الله» حتى في تظاهرة معادية أو مؤيّدة. وبينما تجاوزت التحوّلات في كل بلد ما يمكن وصفه شأناً داخلياً، لم «تتدخّل» القوى والتيارات السياسية والثقافية في دعم الثورة نحو تغيير المنظومة الجيو ـ سياسية والنظام الاقتصادي ـ الاجتماعي أو نحو الحقوق الوطنية العربية والفلسطينية وغيرها. فقلما رأينا ونرى «تدخلاً» في البحث عن ترابط الثورة والمقاومة الوطنية، أو البحث عن تحقيق أهداف الثورة في تغيير الستاتيكو الجيوسياسي نحو الاندماج الإقليمي في إعادة بناء الدولة.... لكن في المقابل رأينا ونرى تدخّل استثمار هائل في دعم هذا الطرف أو ذاك من خاطفي الثورات بذريعة دعم «التحوّل الديموقراطي». وإلى الآن لم يُثر هذا الصراع الغريزي بشأن الإصلاحات الدستورية مجرّد مساءلة ما يثيره من تهديد باحتراب العصبيات بين القيَم المدنيّة والدينية بدل صراع الرؤى والبرامج السياسية، ومن شلالات دم تُنذر بانهيار الدولة وتفتيت جغرافيتها السياسية والبشرية. ولا عجب، فهذا الاستثمار المجزي هو في سياق عدوان على الثورات أوسع وأعمق لإجهاض أهدافها، في ترتيب هندام النظام السابق الجيو ـ سياسي ومنظومة ستاتيكو التبعية السياسية والوطنية والاقتصادية ـ الاجتماعية.

الثورات العربية، كما باقي الثورات قبل الثورة الفرنسية وبعدها إلى «كومونة باريس» والثورات الحديثة، ليست «شأناً داخلياً»، ولا كانت أهداف الفئات الشعبية التي ملأت الدنيا ثورة قصور في أروقة السلطة أو ثورة جمعيات حقوق الإنسان. إنما كانت الثورات العربية تُنذر «بتدخّلها» في استراتيجيات دول «المجتمع الدولي» لتفكيك التبعية، وفي مصالح المرتبطين بالتبعية لاستعادة النفط والثروات العربية المنهوبة، وفي شأن الاحتلال الاسرائيلي وكل ما من شأنه الدفاع عن الحقوق العربية الوطنية والسياسية والاجتماعية.

في هذا السياق جاءت الانتفاضة في سوريا متأخرة حيث سبقها عدوان دول «أصدقاء سوريا» على ثورات المنطقة ووصل امتداده إلى سوريا مع بواكير الانتفاضة. ففرنسا ودول الخليج وتركيا وصلت إلى سوريا في عزّ أمجادها «الديموقراطية» مع خاطفي الثورات في لعبة صناديق الاقتراع، وكانت في أقصى اندفاعها لإسقاط الحكم في سوريا نحو إنشاء حكم نيوليبرالي والمحاصرة المقاومة والسلام مع اسرائيل (راجع ميثاق المجلس الوطني بشأن موقع سوريا الجيو ـ سياسي وانفتاحها النيوليبرالي). ففي أعقاب غرق ثورة مصر في نبش أحشائها، انطفأت قناديل «الشعب يريد» في فلسطين والأردن وصولاً إلى العراق، وكان لا مفرّ من غرق الانتفاضة السورية في بحر الصراعات الاستراتيجية الدولية والإقليمية. لكن حزب الله لم «يتدخّل» في سوريا برغم تهديد ووعيد دول ومعارضات «أصدقاء سوريا» بإسقاط المقاومة مع النظام.

لم تذهب المقاومة إلى سوريا لحماية النظام من ثورة تطمح للتحرر من التبعية والحرية من الاستبداد، بل ذهبت في «آخر المتدخلين» لحفظ ما يمكن حفظه في مستقبل سوريا من التفتيت والاهتراء الليبي واليمني... فالنظام قمع نواتها الأولى لكن «دول أصدقاء سوريا» ومعارضاتها سرقتها في العدوان على الثورات العربية أساس النواة السورية، وقضت عليها في محاربة النظام من أجل مشاريعها ومصالحها الخاصة الأكثر استبداداً وقهراً من استبداد النظام. ولم «يتدخّل» حزب الله في مواجهة المتدخلين، فما يعتقده «مخاطر الفتنة»، يتجاوز «التكتيك» إلى ما هو متجذّر في عقله السياسي بشأن درء «الشرّ عن الأمة»، وهو ما أدّى به إلى مشاركته أطراف الطبقة السياسية في النظام اللبناني على خلاف بديهيات تجارب المقاومة التي تتبوأ سدّة السلطة على جواد تحرير الأرض. وما حدا بـ«حزب الله» للذهاب إلى سوريا هو العقل السياسي عينه في ما يعتقده درء الشرّ في الحفاظ على «حضارة الأمة» بجوامعها وكنائسها ومذاهبها وتماثيلها واختلاف معتقداتها وأهوائها.... كما حدا بـ«الأولوية الأممية» للمشاركة بالحرب الأهلية الاسبانية لمنع سقوطها في يد الفاشية.

في اسبانيا عام 1936 لم تكن الجمهورية الناشئة من يمين الوسط «جمهورية أفلاطون» في تسامحها وعفّتها عن الاستبداد والقمع، لكن انفجار الفاشية في أوروبا بين الحربين العالميتين وضع أسبانيا في موقع جيو ـ سياسي مختبراً لأهوال همجية الحرب الثانية. فالدول الأوروبية وقّعت كلّها (25 بلداً) على اتفاقية «عدم التدخّل»، بما فيها ألمانيا وإيطاليا. غير أنها تدخّلت على أشدّ ما يكون التدخّل شراسة كل لحسابه، وما ان رجحت كفّة الكتائب الفاشية مع انقلاب فرانكو ـ غوديد حتى تدخّلت «الألوية الأممية» من 53 بلداً في مواجهة الفاشية. وكان تدخّلها كل على معتقداته وحساباته السياسية والإيديولوجية، منها الديموقراطي (لواء ابراهام لنكولن) ومنها الشيوعي لتصفية التروتسكيين والفوضويين (الجنرال والتيركريفيتسكي، كنت عميلاً لستالين، شون ليبر، باريس 1971) ومنها ألوية عمالية ونقابية ومقاتلون أدباء وكتّاب ومثقفون.... لكنها كانت كلّها في الجبهة المقابلة للفاشية خشية امتداد انفجارها إلى كل أوروبا. فأدّت الحرب الأهلية إلى سقوط مليون قتيل في ثلاث سنوات وحدثت فيها أهوال قضت على البشر والحجر (جورج بيرنانوس، المقابر العظمى تحت القمر، (1938) منشورات سوي، باريس، 1995) ولم يبق فيها غير شمعة تنير طريق الإنسانية في التصدي للهمجية على ما أسرّ «بابلو نيرودا» لصديقه سلفادور أللندي (أعترف بأنني عشتُ، غاليمار، باريس، 1978).

«حزب الله» ليس شريكاً في الحرب الأهلية ولا يغلّب تحالفاته السياسية على مبادئه وتجربته الطويلة، لكنه يدافع عن عدم سقوط سوريا في يد الفاشيّة وتمدّدها في كل البلدان، بدلاً من كل المهدّدين بالفاشية في وجودهم وبقائهم. الحزب يحرّم الغناء لنفسه لكنه يتعايش مع المغنّين والمطروبين بالغناء في أولويات وخيارات لا تقتصر على الغناء، ولا يتعايش مع الذين يقتلون المغنّين بل يحاربهم بدلاً من المهدّدين بحبّهم الغناء. الحزب لا يهدر دم المختلفين معه في الرأي والمذهب والمعتقَد ولا يحيل أمر النظر في قتلهم إلى «أهل الحل والعقد»، بل يحميهم من القتل بالقتال بدلاً منهم. ولا يقيم حزب الله في سوريا «محاكم شرعية» لذبح الأطفال وقطع الرؤوس، بل يدافع، ما أمكن، عن بقاء شيء من معالم الحضارة العربية وأثر من آثار تاريخها الغني بالتعدد والاختلاف.

المقاومة وحدها «ألوية أممية» في سوريا. شكراً «حزب الله» في زمن لا تحتمل فيه غرائز بعض «أممي» دول «أصدقاء سوريا»، إشارة محبّة من السيدة فيروز إلى السيد حسن.

السفير 30/12/2013

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

 

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا