<%@ Language=JavaScript %> حسن حاتم المذكور المثقف عندما يغادر ذاته 

   

لا

للأحتلال

لا

للخصخصة

لا

للفيدرالية

لا

للعولمة والتبعية

حضارة بلاد الرافدين   

    

                                              

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين                                    

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                            

 

المثقف عندما يغادر ذاته   ...

 

 

حسن حاتم المذكور

 

في الأزمات الخانقة التي تتعرض لها بعض الشعوب , ومهما كانت اسبابها , تفتح غالباً ثغرات تنفذ منها الأحزاب الشمولية , لتنتهي الى انظمة دكتاتورية , وبعد ان تستأثر بالسلطة والثروات والأعلام , تفرض ايديولوجيتها ونهجها البوليسي القمعي لسحق الكيانات الوطنية المعارضة واخضاع الرأي العام واذلاله وعسكرة المجتمع خلف الحزب الطليعي والقائد الضرورة , ثم تبدأ تصدير قسم من ازماتها عبر العدوان واشعال الحروب لتشمل الكارثة المحيط الأقليمي والعالمي احياناً , وتفتح ثغرات اضافية للتدخل الخارجي , انها وليد وحشي لأندماج السلطة والمال ــــ السياسة والأقتصاد ـــ .

كخيار وطني , يأخذ المثقف دوره الطليعي للدفاع عن مستقبل الأمـة وهي تنزلق خلف الدكتاتور ونظامه الشمولي , ويتخذ من الرأي العام بيئة لحراكه التنويري فكراً وسياسة وتنظيماً , انها مجازفة لأرادة خيرة لا يمكن لشرف الكلمة ان يتجنب المواجهة والموقف ان يدفن رأسه والمثقف ان يتفادى التضحية او يضمن سلامته , وهنا يترك المثقف الوطني ارثاً وطنياً انسانياً, يتخذ منه المجتمع والرأي العام بشكل خاص, طريقاً لعودة الأمة الى ذاتها, وقد يفقد المثقف حياته او جزأً كبيراً منها, لكنه يعد منتصراً من داخله , انه ضريبة الشرف والضمير والنقاء الوطني .

ارث الثقافة الوطنية العراقية, غني بطلائع المثقفين الذين اندمجوا وطنياً مع الحركة الجماهيرية في اصعب مراحل نضالها , وكان نتاجهم الفكري والمعرفي والأدبي والفني , يفتح ثغرات ليستقر داخل حراك المجتمع , ومن داخل السجون والمعتقلات والمنافي , تجد قصائدهم واناشيدهم واغانيهم ومقالاتهم ونداءاتهم , حاضرة داخل بيوت العراقيين وتجمعاتهم ومجالات عملهم ودراساتهم , انه جيل يحق للثقافة الوطنية ان تفتخر وتعتز وتقتدي بـه .

بعد انقلاب 08 / شباط / 1963 الدموي , وتفشي اوبئة الأيديولوجية القومية المتعنصرة  للبعث العروبي , والتصفيات الجسدية والفكرية والسياسية لعدد كبير من مثقفي العراق , واستسلام عدد اكبر من مستثقفي المواسم , تم تشويه صورة ووظيفة الأبداع الثقافي , وتعرضت الفنون والأداب والكثير من القيم المعرفية وكذلك الأعراف والتقاليد الوطنية الى اصابات خطيرة انتقلت اليها من فكر وعقائد وسلوكيات وممارسات البعث العروبي البغيض .

رغم سقوط النظام البعثي عام 2003 , تواصلت البعثية كأديولوجية ظلامية الغائية في بيئة الورثة, حيث استُحسنت فيها ممارسة ذات الأساليب المجربة لأخضاع المجتمع ومحاولة افراغه من مضامينه الوطنية, ان العقائد والممارسات البعثية في التكفير والألغاء , هي الآن ناشطة في كيانات المتبقي من مدعي تمثيل الآرث الثقافي لوجوه كانت مثالاً في الوطنية والتحدي والتضحية , لا زال المثقف الوطني والرأي العام يقتدي بها ويحاكم الواقع على اساس مثلها في صدق الأنتماء والولاء للوطن والناس .

نظرة لا تخلوا من الأسى الى الواقع الراهن للثقافة العراقية, لا تثير الخجل والمهانة فحسب , بل تسبب انتكاسة للروح والشرف والضمير , ونحن نرى من يفلسف, على ان قطع ( الأرزاق اشد وقعاًً من قطع الأعناق ) وهم يزحفون, قطيع فاقد رشده يلف ويدور ويقترف ويلتقط فضلات قد يتركها لهم سياسيي المركز والأقليم , مصيدة للمذعورين من قطع الأرزاق, حتى اصبح اغلبهم يفكر في معدته ومن اجلها فقط , انهم ينسلخون عن التاريخ المجيد للثقافة الوطنية ويغادروا ذاتهم منتكسين .

ان اغلب الذين حافظوا على تأمين ارزاقهم, لم يجدوا من يحسدهم على واقعهم, انهم بائسون من داخلهم, يرثى لهم وهم ينتظرون حساباتهم , خوفاً من ان بعض مقالاتهم لم تنشر لشحة الشتائم والبذاءات وتراجع حجم الأكاذيب والأشاعات , انهم بين اكثر من مطرقة وسندان , والمحزن جداً, انهم لا زالوا مقتدرين على اتلاف اجزاء كثيرة ومهمة من الوعي العراقي , وامتصاص المبادرات الخيرة او قطع الطريق عليها بغية تحجيمها وتدمير استقلاليتها وفعاليتها , والحاق الأذى ببعض المثقفين الوطنيين اذا ما حرصوا على ان يكون لهم دور ايجابي في يقضة الرأي العام العراقي ونقل حقائق الواقع الى وعي الحركة الجماهيرية بصدق وموضوعية .

تسعة اعوام, ووعي الحركة الجماهيرية والرأي العام فريسة الأيديولوجيات الطائفية القومية , واطراف العملية السياسية ورشة لتفكيك الهوية الوطنية المشتركة , لتصنع من اجزائها الهويات الفرعية المتناقضة طائفياً وقومياً وعشائرياً , تسعة اعوام والمواطن العراقي غاضباً متحاملاً على شقيقه العراقي , وبدلاً من اللـه والوطن سكن المرجع قلبه وعقله وضميره, يتخبط بين شعوذات هجين العملية السياسية مغلوباً على امره , والعزل الطائفي العرقي يثبت الحدود الروحية والنفسية وكذلك الجغرافية والأجتماعيية بين المكون والمكون , ومثلث التجزأة والتقسيم انجز ثلاثة ارباع مشروع السيد بايدن .

جيل من المثقفين مثلما هو جيل السياسيين, عاهة مخجلة في التاريخ الوطني, نرجوا الا تبقى عورة تلازم المجتمع العراقي لأربعة عقود قادمة , فالوطن مقدس وحب الناس لبعضهم مقدس وعقل الأنسان ووعيه مقدس , نقولها اسفاً , ان المستثقف دخل طرفاً في تغييب المقدسات الوطنية الأنسانية واستبدالها بمقدسات الطائفة والقومية والعشيرة والحزب, انه واقع الأنحطاط السياسي والثقافي الشامل .

واخيراً : لا يمكن للعراق ان ينهض ويسترجع ذاته بغير التغييرات والأصلاحات والأنجازات الوطنية , بعد ان يغتسل تماماً من هجين القوى التالفة ثقافياً ودينياً وسياسياً , ويرتدي الجديد بديلاً ثقافياً ودينياً وسياسياً , وهنا على المثقف الوطني ــ  والوطني لا غير ــ ان يفتح ابواب المستقبل للحركة الجماهيرية والرأي العام العراقي , فالأسوأ لا بد ان يخلق نقيضـه ( ربيعأ وطنياً عراقياً ) .

 

06 / 06 / 2013

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا