<%@ Language=JavaScript %> دراسة على حلقات بقلم / د. رفعت سيد أحمد الناصرية .. والإسلام .. رؤى مستنيرة ومنهج صحيح (2/5)

   

لا

للأحتلال

لا

للخصخصة

لا

للفيدرالية

لا

للعولمة والتبعية

حضارة بلاد الرافدين   

    

                                              

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين                                    

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                            

 

 

فى ذكرى رحيله  الثالثة والاربعين ورداً على اتهامات إسلاميى ما بعد الثورات لعبد الناصر بالعداء للإسلام :

 

الناصرية .. والإسلام .. رؤى مستنيرة ومنهج صحيح

 

(2/5)

(قومية عبد الناصر وإسلاميته الجديدة)

 

 

دراسة على حلقات بقلم /  د. رفعت سيد أحمد

 

* الدين لدى عبد الناصر مثل منطلقاً للقومية العربية وهو ما يفتقده العديد من رموز الفكر القومى اليوم عام 2013

* الإسلام مثل فى العهد الناصرى أداة إيجابية لمواجهة تحديات الصراع الخارجى على الأمة

* لا تنمية شاملة للأمة ولا تقدم اقتصادى أو حضارى للوطن بغير الإسلام ؛ هكذا فهم عبد الناصر قانون (الدين فى المجتمع)

* الرجعية العربية أخطر أعداء الإسلام من وجهة نظر عبد الناصر ، وهو الأمر الذى لايزال ماثلاً حتى اليوم خاصة بعد ثورتى 25 يناير و30 يونيو ، وبعد السقوط المرحلى لحكم الإخوان

* ان المتأمل فيما يمكن تسميته بالنظرية الناصرية للدين يلحظ تقدماً وشمولاً فى الرؤية ، نفتقر إليه اليوم فى أجواء ما يسمى بثورات الربيع العربى ، لدى ليس فحسب النخبة السياسية والإعلامية الحاكمة أو المشاركة فى العمل العام ، بل حتى لدى النخب الناصرية التى تتصدر المشهد السياسى الناصرى والقومى الراهن فى مصر والوطن العربى ، ويقود بعضها الحراك الشعبى متحالفاً – للأسف – مع قوى وعناصر تعادى المشروع الناصرى كله ولنتأمل الحالة المصرية لنعرف ونتعلم

* لقد كان عبد الناصر (السياسى والمفكر) متجاوزاً لها ومتقدماً عليها رغم حجم التحديات التى كان مفروضاً عليه أن يخوضها خاصة فى مجال صدامه الدائم مع الإخوان المسلمين والسعودية المتأسلمة وهابياً قائدة المعسكر المعادى لعبد الناصر طيلة تلك الفترة (1952 – 1970) ، ترى ما هى مكونات تلك النظرية الناصرية للدين ؟ وما هى امكانات الاستفادة منها فى حاضرنا المضطرب بعد ثورات لم تتضح هويتها بعد ؟

********

يحدثنا التاريخ أن النظرية الناصرية للدين (والإسلام فى قلبه) كانت ترى الدين مكونا رئيسيا للقومية العربية وعامل هام فى مواجهة الأزمات الداخلية أو الخارجية وعنصر رئيسى فى عملية التغير الاجتماعى وقضايا التنمية الشاملة وآخر عنصر فى عملية المواجهة للصراع .

وسوف نستند فى تحليل هذه الأبعاد النظرية الناصرية للدين إلى وثائق هذه الفترة وبالأخص خطب وتصريحات وكتابات الرئيس عبد الناصر وكذلك فلسفة الثورة والميثاق الوطنى وبيان 30 مارس والتى سبق تحليلها فى الحلقة السابقة .

الدين كعنصر فى تكوين القومية العربية :

مثل الدين عنصراً هاماً فى تكوين أيديولوجية القومية العربية فى إدراك عبد الناصر ، والدين لدى عبد الناصر يدخل مع القومية العربية كتاريخ وتراث يمكن الاستفادة منه ، ويمثل قوة دفع لحركة القومية العربية نحو المستقبل ، والإسلام تحديداً يمثل المكون الأول فى كلمة الدين عند عبد الناصر ، والمكون الفاعل فى التأثير على حركة القومية العربية ، وهكذا أدرك عبد الناصر طبيعة العلاقة بين الدين والإسلام من ناحية وبين الدين والقومية من ناحية أخرى . وباستطلاع وتحليل الـ 55 خطاباً المكونين لعينة البحث خلال الفترة الناصرية يمكن الخروج بالنتائج التالية :

1 – كانت الفترة (1962 – 1964) هى أعلى الفترات التاريخية فى حكم عبد الناصر استخداماً للدين كفكرة وكعنصر فى تكوين القومية العربية ، وبالرجوع إلى المصادر الأولى للعينة أمكن التوصل إلى أن الدين استخدم فى هذه الفترة كعنصر أساسى فى تكوين القومية العربية 7 مرات أى بنسبة 16.3% وأن قصد عبد الناصر هنا الشعب العربى فيقول " علينا أيضاً أن نتجه وفق طبيعة شعبنا ، شعب دين ، تمسك بالدين ، واستخدم كعنصر الأيديولوجية وارتبطت ، ولكن من خلال تأكيده على المعنى الثورى لكليهما حيث أن " طريق العروبة هو طريق الإسلام " فالإسلام كان دين الحق ، دين الحرية ، ودين العدالة ، ودين المساواة " .

2 – وكانت الفترة (1958 – 1962) هى أقل الفترات استخداماً للدين فى مجال القومية العربية ، حيث استخدمه مرتين فقط ، وكانتا كعنصر مساعد ، ويلاحظ إشارات عبد الناصر الدائمة داخل الفترتين السابقتين إلى الدائرة الإسلامية ولكن بمعنى مناف للدائرة العربية وخاصة فى حالة استخدامها كأحلاف ، وبمعنى متداخل مع الدائرة العربية إذ استخدمت كعلاقة تضامن وتعاون مشترك .

3 – وفى تفسير أسباب الصعود والهبوط ودلالتها فى الخطب والأحاديث الناصرية خلال الفترتين السابقتين فإن هذا يعود إلى أن الفترة (1962 – 1964) شهدت انتكاسة تجربة الوحدة العربية الأولى والتى شبه فيها دور عبد الناصر بدور صلاح الدين الأيوبى ، ولما قامت أول مظاهر الوحدة بالفعل ، دخل الإسلام فى المعركة على نحو تاريخى عن طريق استرجاع ذكرى الحروب الصليبية ولكن بشكل قومى وليس بتوجه دينى .

وبعودة إلى انتكاسة الوحدة بين مصر وسوريا نجد أن عبد الناصر قد عاد مرة ثانية إلى التركيز على وحدة الطريقين : العروبى ، والإسلامى ، وخاصة إذا اتسما كلاهما بالثورية أو التقدمية ، وهى عودة تؤكد تأثير الوحدة وتجربتها على فكر عبد الناصر عموماً ، كما يلاحظ على الفترتين السابقتين أيضاً أنهما كانتا فترتى انكفاء داخلى وأولوية لقضية التنمية ، وبروز للإسلام على الساحة الخارجية ، وتحديداً من قبل المملكة العربية السعودية ، مما استلزم الدفاع عن التجربة بذات السلاح ، أما فى خلال الفترة (1962 – 1964) فقد تطورت ثورتا اليمن والجزائر ، وكان لابد من استخدام الدين فى ثورة اليمن فالمواجهة كانت مع القوى التى ترفض التقدم باسم الدين فاليمن : " لا يتقدم ، لا توجد به مدرسة ثانوية ، أو مصنع واحد ، ولا يوجد به تعليم ، ولا توجد به منشأة صحية ، اليمن لا يتطور مع العالم ، هل هذا هو الإسلام ، أبداً ، الإسلام هو دين الحق ، دين الحرية " . خطابه فى وفد اليمن بتاريخ 18/7/1963 .

وفى ثورة الجزائر كان لابد من تأكيد الهوية العربية وتأكيد الذات فى مواجهة فرنسا ، ومن ثم كان لابد أن تطرح علاقة التلازم بين طريقى العروبة والإسلام .

أما فترة الانحسار لعلاقة الدين بالقومية فيمكن إرجاعها إلى عوامل عديدة ، منها غلبة الاعتبارات السياسية والاقتصادية على الاعتبارات الثقافية العامة ، فى الفترة (1958 – 1960) ، مما رتب أوضاعاً فكرية عامة غلبت فيها الاعتبارات السياسية على الاعتبارات الثقافية والتى يدخل الدين ضمنها ، ويؤكد الانحسار أكثر الفترة السابقة على عام 1958 ، واللاحقة على عام 1967 ، حيث أدت التطورات التى عاشتها مصر على مستوى الأزمات الداخلية والعسكرية ، وتحديداً صراعها مع إسرائيل إلى الغياب النسبى لإبراز دور الدين واعطائه سمة الهامشية ، خلال هذه الفترات ويعود ذلك إلى التركيز على قومية الصراع وما يتفرع منه من قضايا .

4 – وتؤكد الوثائق أيضاً تركيز عبد الناصر على استخدام كلمة الدين أكثر من كلمة الإسلام خلال نفس الفترات السابقة – انحساراً أو صعوداً – واستخدامه للكلمتين معا أكثر من الكلمات الأخرى ، حيث الدين استخدم فى الفترة (1962 – 1964) بنسبة 39.6% وحيث الإسلام استخدم (51 مرة) أى بنسبة 26.6% خلال نفس الفترة .

أما فى الفترة (1958 – 1960) فلقد استخدمت الكلمتان السابقتان وفق الترتيب التالى:

كلمة الدين (11 مرة) أى بنسبة 5.7% وكلمة الإسلام (6 مرات) أى بنسبة 5.2% ، والتى تعكس انخفاض دور الدين فى هذه الفترة ، وهذا يعود – كما سبق القول – إلى صعود فكرة الوحدة ووصولها إلى التطبيق العملى بين مصر وسوريا ، وتبرز هنا أيضاً دلالة استخدام كلمة الدين أكثر من كلمة الإسلام فى مجال القومية العربية ، وذلك راجع إلى الشمول والاتساع الذى تتصف به الكلمة ، حيث الدين ينسحب إلى مجمل التراث الدينى العربى ، من مسيحية وإسلام ، وبالتالى يعطى الدين دلالة أكثر اتساعاً وإنصافاً واستمالة للشعوب العربية التى تتعايش معها أقليات دينية مختلفة ، وهذه دلالة هامة فى وثائق عبد الناصر .

* هذا وتتأكد أكثر الدلالات السابقة بعد التحليل الموضوعى لإدراك عبد الناصر حول طبيعة العلاقة بين الدين والقومية العربية ، وتتحدد هذه العلاقة ، حول قيم الاعتزاز والاستفادة وعدم التعارض بين الاثنين ، حيث يرى عبد الناصر مثلاً :

" أن الأمة العربية تعتز بتراثها الإسلامى وتعتبره من أعظم مصادر طاقاتها النضالية ، وهى فى تطلعها إلى التقدم ترفض منطق هؤلاء الذين يريدون تصوير روح الإسلام على أنها قيد يشد إلى الماضى ، وهى ترى روح الإسلام حافزاً يدفع إلى اقتحام المستقبل على توافق وانسجام كاملين مع مطالب الحرية الاجتماعية والحرية الثقافية " خطابه بتاريخ 27/3/1967.

ان أغلب مقولات عبد الناصر عن الإسلام تؤكد دور الدين فى فكره تجاه القومية العربية وقضاياها المختلفة ، فالدين يلعب دور الدافع المعنوى الى تكوين وبلورة الإدراك واعطائه الصبغة المؤثرة ، وتؤكد القراءة السابقة فى مقولات عبد الناصر أن الدين – وتحديداً الإسلام- لم يستخدم عند عبد الناصر إلا فى الحالات التى يعجز فيها عن مجال القومية أن يؤكد فكرته بما توافر من مبررات سياسية أو عسكرية أو اقتصادية ، فيدفع بالدين إلى مجال المواجهة ليحفز الروح العربية التى تؤمن بها الجماهير العربية – كما كان يسميها – لمواجهة الاستعمار الخارجى ، أو الرجعية العربية ، أو يدفعها لبناء الهيكل الاجتماعى وعمليات التنمية التى تتطلبها المرحلة ويتطلبها هدف الوحدة .

الدين كعنصر فى عملية التعبئة السياسية :

يمثل الدين فى المجتمعات ذات الثقافة التقليدية ، عاملاً مؤثراً فى تكوين هذه الثقافة وبالتالى عاملاً مساهماً فى تشكيل الوعى الجماعى لهذه المجتمعات ، ومن هنا تصبح عملية دفع أفرادها وتحريكهم سياسياً ، أى عملية تعبئتهم سياسياً خاصة فى حالة الأزمة ، تفترض استخداماً لعناصر ثقافتهم التقليدية التى يأتى العرف ونظام العادات والتقاليد والدين فى مقدمتها.

ومصر لا تخرج عن هذه القاعدة العامة تاريخياً ، فالدين مثل الأداة الفاعلة فى التأثير على الرأى العام ، خاصة خلال الأزمات والأحداث الهامة فى التاريخ المصرى الحديث وفى نموذج الحملة الفرنسية ودور رجال الأزهر فى مواجهتها ، ونموذج محمد على ، ودور رجال الدين فى تنصيبه ، وكذلك دور الدين فى ثورة 1919 وما تلاها ، وأخيراً النموذج الذى تتم دراسته الآن ، واستخدام الدين فيه خلال الأزمات السياسية والأحداث الهامة بدءاً بأحداث الصدام الأول مع الإخوان المسلمين عام 1954 ومروراً بسياسة الأحلاف ، فالعدوان الثلاثى وأزمة عام 1965 مع الإخوان المسلمين وانتهاء بهزيمة عام 1967 ، فى كل هذا ، ما يقوم هنا كتأكيد على حقيقة دور الدين فى التعبئة السياسية ، ولقد تم ممارسة عملية التعبئة السياسية بوسائلها المختلفة التى منها الدين طوال سنوات الحكم الناصرى تقريباً ، وإن كانت بعض الفترات ، وبعض الأزمات كانت العملية فيها أكثر وضوحاً من الأخرى ، ولقد اتبع عبد الناصر منهجاً لعملية التعبئة السياسية هذه ، ويقوم الإدراك الناصرى على مستويين : أولهما : مستوى إدراك الأزمة أو الحدث الذى يتم بسببه ادخال الدين كعنصر فى عملية التعبئة السياسية وثانيهما : مستوى الأدوات أو الوسائل التى تستخدم داخل عنصر الدين وكيفية استخدامها .

وفى المستوى الأول يلاحظ أن عبد الناصر لم يستخدم الدين فى عملية التعبئة السياسية إلا عندما يدرك تعرض نظامه السياسي إلى أزمة حادة ، أى أن عبد الناصر لم يستخدم الدين أو الاستدلال به إلا فى ظروف أزمة قد تؤثر على شرعية نظامه أو تؤدى به ، تمثل هذا داخلياً فى أزمة الصراع مع الإخوان المسلمين عام 1954 ، وتمثل خارجياً فى هجومه على السعودية والرجعية العربية .

أما بالنسبة لمستوى الأدوات أو الوسائل فيتضح من دلالة الاستدلال بالرسول وبتراثه الكفاحى وبالأزهر وتاريخه – والذى يظهر واضحاً فى تكرارات العينة الوثائقية – أو بصلاح الدين الأيوبى أو بقيم وخبرات النضال العربى والمصرى فى مواجهة الاستعمار الخارجى أو القوى الدخيلة عليه وربط كل هذه القيم بحاضر المنطقة والأزمة التى يعالجها .

الدين وقضايا التنمية الشاملة :

مثل عقدا الخمسينات والستينات بالنسبة للدول العربية مرحلة الاستقلال السياسى ومحاولات التنمية المستقلة ، بعد فترة طويلة من الاستعمار الغربى ، وعندما قامت ثورة يوليو 1952 ، كان المجتمع المصرى يعانى من أزمتين مؤثرتين : أزمة سياسية ، حيث كان المجتمع يرزح تحت وطأة ثالوث سلطوى : الاحتلال الأجنبى ، والقصر وأحزاب الأقلية .. وأزمة اجتماعية اقتصادية تمثلت فى سيطرة الاقطاع وانقسام المجتمع إلى طبقتين احداهما أغلبية لا تملك ولا تحكم ، والأخرى أقلية تملك وتحكم معاً ، وأصبح الواقع يشهد أن نصف الأمة ليس فى حساب الأحياء .

قامت ثورة يوليو 1952 إذن لتواجه بهاتين الأزمتين ، وهو الأمر الذى أثار أهمية مواجهة العديد من قضايا التنمية الشاملة ، فكان أن أثيرت قضايا مثل التخطيط والتمصير ، والتأميم ، والاشتراكية ، ومواجهة الرجعية المحلية والخارجية ، ودور أو وظيفة الدين فى هذه القضايا.

والنتائج التالية المأخوذة من وثائق الدراسة تبرز تطور تكرار الدين كعنصر فى عملية التغير الاجتماعى والتعبئة الشاملة ، والتى تؤكد من حيث أرقامها المناخ العام الذى سيطر على تلك الفترة ، حيث نجد أن الفترة (1964 – 1966) كانت أعلى الفترات التى استخدم فيها الدين كعنصر فى عملية التغير الاجتماعى والتحول نحو التنمية الشاملة حيث بلغ عدد تكراراته كفكرة سائدة 49 مرة من اجمالى الفترة التى وصلت إلى 115 مرة أى بنسبة تصل إلى 42.6% من اجمالى الفترة ، تليها الفترة (1962 – 1964) التى وصلت إلى 22 مرة أى بنسبة 19% ، أما أقل الفترات فكانت الفترة (1967 – 1970) حيث وصلت نسبتها 8.7% من الاجمالى العام للفترة .

والاشتراكية عند عبد الناصر فى علاقتها بالدين تنتقل إلى مرحلة أخرى حين يستشهد هنا بخبرة أبى بكر الصديق فى مواجهة المرتدين :

" فلقد حارب أبو بكر مانعى الزكاة ، وهى حروب الردة فى الإسلام فالردة عن الزكاة وردة عن الإسلام ، ردة عن النظام الإسلامى كله وعن الدعوة الإسلامية كلها ، وهذا نموذج للثورة الاجتماعية ، لابد أن تسير فى طريقها ويتم تأمينها حتى تنتصر وحتى تزيل الفوارق بين الطبقات ، حتى تقام العدالة الاجتماعية ، وحتى تقام الفرص المتكافئة بين الناس ، لقد انتصر النبى أولا ورجع إلى مكة منتصراً وحدث خلاف فى ذلك الوقت حول العفو عن الذين ناهضوا الدعوة وقاوموها ووقفوا ضدها أم لا ؟ فقال الرسول " اذهبوا فأنتم الطلقاء " وقال أيضاً : من دخل بيت أبى سفيان فهو آمن وكان هذا سبيل الثورة فى بدايتها ، وهو سبيل الرسول عندما رجع من إحدى المعارك التى أصيب فيها معركة أحد .. وقال " اللهم اغفر لقومى فإنهم لا يعلمون ، ولكنه قال أيضاً : " أن المنافقين يقتلون ولو كانوا متعلقين بأستار الكعبة ، فلكل دعوة مؤيدون ومعارضون والمعارضون يتم العفو عنهم إذا ما تحولوا إلى الإسلام كما فعل عمر بن الخطاب عندما تحول من العداوة إلى التأييد أو قتالهم كقتال أبى بكر لمانعى الزكاة" .

وهنا حاول عبد الناصر الارتكان إلى التراث الإسلامى فى مجال الحرب ، من أجل تأييد العنف الثورى فيما يتعلق بحقوق الفقراء فى أموال الأغنياء مستدلاً بحروب الردة وقتال مانعى الزكاة .

وهكذا تصبح الحرب من أجل حقوق الفقراء ، أداة للتوكيد على تلك العلاقة ، علاقة الإسلام بالاشتراكية ، لقد أدرك عبد الناصر طبيعة العلاقة بين الدين والاشتراكية وبين الدين والتنمية وهو الادراك الذى وجد منذ البداية مع قيام الثورة ولكنه اكتسب فاعليته ومصداقيته مع بدء عمليات التحول الاجتماعى فى مصر مع بداية الستينات .

الدين كعنصر فى عملية المواجهة للصراع الخارجى :

لعب عبد الناصر دوراً مؤثراً فى تشكيل وإدارة السياسة الخارجية المصرية وقضايا الصراع الخارجى ، بدءاً بالعدوان الثلاثى عام 1956 ، ومروراً بالأحلاف الخارجية وانتهاء بهزيمة عام 1967 ، وفى مجمل قضايا الصراع الخارجى لعب الدين دوراً مسانداً له واتضح هذا البعد الخارجى للدين عندما وقف عبد الناصر على منبر الأزهر يلقى خطاباً فى الجماهير يدفعهم فيه إلى الجهاد ، وفى الحلف الإسلامى ، وأخيراً فى ذلك الانكسار العام الذى لازمه وخاصة على مستوى المزاج النفسى والإدراكى بعد هزيمة عام 1967 .

وبتحليل العينة الوثائقية من خطب ووثائق عبد الناصر – التى استندنا إليها – تتأكد هذه الأهمية لدور الدين فى الإدراك الناصرى تجاه عملية المواجهة للصراع الخارجى ، حيث يتضح منها أن الفترة (1964 – 1966) مثلت أعلى الفترات التى استخدم فيها الدين فى الصراع الخارجى حيث وصلت إلى 36.7% من الاجمالى العام للفترة ، ويعود هذا إلى الحديث الذى أثير وقتئذ حول الحلف الإسلامى ، وكيف أنه ضد الدين وضد الإسلام ، وتلت ذلك الفترة (1967 – 1970) حيث وصلت نسبتها إلى 22.2% من الاجمالى العام ، وتعود هى الأخرى إلى طبيعة الفترة التى تميزت بوجود هزيمة عسكرية فادحة ومحاولة إعادة بناء وترتيب للبيت المصرى ، وأيضاً مواجهة الأعداء المتربصين بالخارج .

ومن واقع الحقائق السابقة يمكن أن تعالج هنا للتدليل على الأبعاد الخارجية ، قضية الدين والصراع مع الرجعية العربية ، والدين وقضية الحلف الإسلامى ، وبالإضافة إلى الإشارة إلى موقع الدين فى علاقته بالصراع العربى الصهيونى فى إدراك عبد الناصر وإذا أخذنا على سبيل المثال موقف عبد الناصر وصراعه مع ما أسماه بالرجعية العربية .

نجد أن الاشتراكية وما ارتبط بها من تحركات عبد الناصر الوحدوية مثلت نقطة الوثوب والهجوم على النظام المصرى ، يؤكد هذا أن الهجوم على الثورة قد بدأ بعد الانفصال عن سوريا وحيث وجدت هذه الأنظمة الفرصة مواتية للهجوم على الثورة الاجتماعية فى مصر وهى مطعونة فى الظهر فشنت حملة على مصر وعلى الاشتراكية .

وتمثلت الدعاية الخارجية المضادة لمصر فى الدعاية السعودية والأردنية والتونسية وغيرها .. وانطلق عبد الناصر فى الرد عليهم من خلال أسلوب المواجهة المسبقة ، مثل ضرب الحلف الإسلامى فى عام 1965 ، وليس فقط أسلوب الفعل ورد الفعل – كما أشار البعض ، فعبد الناصر كان يدحض دعاويهم قبل تنفيذها ويقول بهذا الشأن :

" هل الإسلام يقول أن تطلع فى بلد عيلة وتحكم حكم اقطاعى تسف كل الفلوس اللى طالعة ، كلها بتروح للعيلة ، والباقى قاعدين مش لاقيين ياكلوا ؟ هل الإسلام بيقول أن شعب يكون كله من العبيد وتكون هناك عيلة مميزة هى اللى تاخد الدخل كله ؟ هل الإسلام يقول ان احنا ناخد فلوس المسلمين ننهب فلوس المسلمين ونسف ونسرق فلوس المسلمين ؟ " خطابه بتاريخ 1/5/1966 .

وفى مواجهته لرموز الرجعية العربية – كما رآها عبد الناصر – يقول بشأن ملك السعودية : " بتطلع تقول لهم دى الاشتراكية ضد الدين ، هم الناس مغفلين ، بتطلع تقول لهم الاشتراكية ضد الدين ، والناس طبعاً النهارده كل واحد عنده راديو ترانزستور ، وبيسمع وبيقول الله ، الاشتراكية تكافؤ الفرص ، والاشتراكية ، مساواة مافيش أمير ولافيش غفير ، لا صاحب سمو ولا صاحب جلالة ولافيش واحد بدقن ولا واحد مالوش ، ماهياش أبدا مختلفة ، العملية كلها مساواة ، أدى الاشتراكية ، الاشتراكية ازاى تبقى ضد الدين ، اذا كنتوا يا أصحاب الدقون قايمين تتاجروا بالدين " (خطابه السابق) .

وبنفس المنطق يبعد عبد الناصر أى شبهة لوصفه بالشيوعية ويستبقهم فى هذا الصدد ، فثمة فروق من وجهة نظره بينه وبين الشيوعية :

" الفرق الأول بيننا وبين الشيوعية هو ان احنا نؤمن بالدين وأن الماركسية تنكر الدين ، وان احنا نؤمن بالرسل ، والماركسية تنكر الرسل ، أن الشيوعية تنكر الأديان ، وتعتبرها أفيون الشعوب ، واحنا بنؤمن بالله وحطينا ده ضمن المبادىء الأساسية ، وحطينا دا خامس اعتبار ، اعتبار الإيمان إيمان بالله لا يتزعزع ، قلنا هذا الكلام فى الميثاق ، والفرق الأخير وهو الخاص بالصراع الطبقى الذى لا نؤمن به " خطابه فى 30/5/1962 .

وفى عام 1963 ، كانت حالة ما بعد الانفصال عن سوريا تأخذ الدين فى معاركها ، كتعبير عن التطور الجديد فى توقيت استخدام الدين مع الرجعية العربية كما أسماها عبد الناصر ، فهو يرى وفى غمرة رده على حكام سوريا الذين يعيبون عليه استخدام الدين فى " فلسفة الثورة" ، ويتحدث فى ذات الوقت عن الوحدة العربية والاشتراكية ومعاداة الرجعية .

" طول عمر هذه المنطقة العربية تمسكت بالدين ، وطول عمر هذه المنطقة العربية دافعت عن الدين ، وطول عمر هذه المنطقة تدافع عن الدين ، ولم تمكن أى خارج عن الدين من أن يكون صاحب سلطة فيها ، إذا اعتقد حكام سوريا حزب البعث فى سوريا ، ان السلطة دامت إليه النهارده ، وأصبحت الفرصة مواتية أمامه لكى يكشف عن نفسه ، ويكشف عن نواياه ، تطلع اذاعة دمشق امبارك بهذه التعليقات لتهاجم الدين وتهاجم ما كتب عن الدين ، بأنها أفكار دينية عفنة فهم فى هذا واهمين " خطابه بتاريخ 28/7/1963 .

وعبد الناصر لا يستبعد أن يصل الأمر مع الأنظمة الرجعية فى الوطن العربى – كاليمن وقتئذ- والتى تتاجر بالدين فى معاركها ضده ، الى درجة الاطاحة بها " لأنها ضد طبيعة الحياة وضد التطور " خطابه مع الوفد اليمنى بتاريخ 28/7/1963 .

ولكى يجسد عبد الناصر مفاهيمه عن التطور المطلوب فى المجتمع العربى ، فى مواجهة دعاوى الرجعية يطرح مفهوم الجمهورية حيث :

" الجمهورية معناها أن أى شخص من أبناء اليمن له الحق فى أن يحكم اليمن طالما كانت هذه هى إرادة شعب وهذا هو الإسلام ، فى كل معانيه ، هذا هو الإسلام كما رأيناه فى أول عهود الإسلام ، فى أول أيام الإسلام الجمهورية معناها أن الشعب يستطيع أيضاً أن يعزل الحاكم إذا انحرف عن مصلحة الشعب وعن إرادة الشعب هذه هى الجمهورية ، والجمهورية قامت فى اليمن وقابلت عدوان استعمارى رجعى لأن الاستعمار والرجعية لا يريدون أن تقوى اليمن " (خطابه السابق) .

ويجمل عبد الناصر رده على الرجعية العربية ، فى مدركات محددة للإسلام الذى استخدموه – من وجهة نظره – خطأ :

" تعاليم الإسلام بسيطة ، تعاليم الإسلام واضحة ، فيه ناس بيقولوا ، أن الإسلام دين رجعى ، وأنا بأقول أبداً الإسلام دين تقدمى ، هو دين التطور والحياة ، الإسلام يمثل الدين ويمثل الدنيا، لا يمثل الدين فقط ، الإسلام هو دين العدالة الاجتماعية لأن الإسلام حينما نادى بالزكاة، معنى هذا ، أن الإنسان أو الفرد يدفع 2.5% من أمواله للشعب وللدولة ، إذن هذه هى العدالة الاجتماعية ، وهذه هى الاشتراكية " الخطاب السابق .

وفى موضع آخر يرى أن الإسلام فى " القرون الوسطى حقق أول تجربة اشتراكية فى العالم " لهذا خلص عبد الناصر إلى " لم تكن الرجعية أبداً هى شريعة الله " خطابه بتاريخ 22/3/1966 .

**********

خلاصة القول فى مجال مدركات عبد الناصر للإسلام ومحددات النظرية الناصرية للدين يمكن إيجازها فى الآتى :

1 – أن الادراك الناصرى لعلاقة الدين بالدولة لم يخضع كما اقترح البعض لعلاقة الفعل ورد الفعل ، حيث هذه العلاقة سيطرت على بعض الفترات فقط وتحديداً فترات (1954 ، 1965 ، 1967) وأن الأكثر اتساقاً مع دور الدين فى ذلك هو الانطلاق من افتراض نسبية هذا المبدأ، ومن تكامل وحدة الادراك الناصرى منذ البداية ، وأن تفاوتت واختلفت أساليب ودرجات ومستويات الطرح لعلاقة الدين بالدولة وقضاياها المختلفة .

2 – تؤكد الدراسة الموضوعية لعلاقة الدين بالدولة فى الادراك الناصرى ، من خلال مجمل المستويات التحليلية السابقة ، أن عبد الناصر كان يمتلك وحدة الإدراك واستمراريتها ، ويمتلك فى ذات الوقت تطور أسلوب طرح وإثارة العلاقة ، ظهر هذا واضحاً فى الأزمات السياسية (1954 ، 1965 ، 1967) ، وفى القضايا الاجتماعية كالتنمية ، وتطوير الأزهر والتعبئة المعنوية ، وفى القضايا السياسية كالوحدة العربية والأحلاف السياسية الخارجية ، مثل حلف بغداد والحلف الإسلامى ، فى هذه القضايا كان الإدراك للطبيعة الاجتماعية والإصلاحية للدين وللإسلام بشكل محدد ، واحدا طيلة الحقبة الناصرية بعمق قضاياها ، وكان التنوع والاختلاف فى درجة وتوقيت وأسلوب تقديم وطرح هذه الطبيعة المدركة .

3 – من خلال اعتماد الدراسة على منهج الادراك ، وتحليل المضمون الكيفى لوثائق وكلمات عبد الناصر وربطها بالمتغيرات السياسية والاجتماعية المحيطة نرى الآتى :

أ – أن الدين فى ادراك عبد الناصر تجاه الأيديولوجية القومية مثل منطلقاً نحو بناء هذه الأيديولوجية بمفاهيمها الثلاثة : القومية العربية ، الأمة العربية ، الوحدة العربية ، ولم يمثل أيديولوجية قائمة بذاتها .

ب – أن الدين فى الادراك الناصرى يمثل عنصراً مؤثراً فى عملية التعبئة السياسية للجماهير وخاصة وقت الأزمات السياسية أو الاجتماعية .

ج – أن الدين لدى عبد الناصر مثل عنصراً أصيلاً من عناصر التحول الثقافى والاجتماعى نحو التنمية الشاملة ، لافتراض وجودها فى مجتمع نام ذى ثقافة تقليدية .

د – لعب الدين فى مجال الصراع الخارجى دوراً أصيلاً فى مجال تعبئة الجماهير ، وبالأخص قطاع الجنود ، مما حدا بعبد الناصر الى اعتبار الدين عنصراً هاماً من عناصر الصراع الخارجى لخلق التكتل القومى من الجماهير المسلمة ، ولمواجهة تحركات الرجعية العربية وأحلافها ، وأن كان عبد الناصر لم ينظر إلى الصراع مع إسرائيل على أساس أنه صراع دينى يستلزم مواجهة بين الجماهير المسلمة واليهود ، بل هو صراع قومى بالأساس .

 

(وللحديث بقية)

 

Email:yafafr@hotmail.com

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

 

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا