<%@ Language=JavaScript %> د. كاظم الموسوي بلغاريا واتجاهات التغيير

   

لا

للأحتلال

لا

للخصخصة

لا

للفيدرالية

لا

للعولمة والتبعية

حضارة بلاد الرافدين   

    

                                              

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين                                    

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                            

 

 

بلغاريا واتجاهات التغيير

 

 

د. كاظم الموسوي

 

تعيش بلغاريا، الدولة الاوروبية الصغيرة التي انضمت الى الاتحاد الاوروبي عام 2007، وقبله الى حلف الناتو/ شمال الاطلسي عام 2004، والتي كانت عضوا في المنظومة الاشتراكية وحلف وارشو قبل تشرين الثاني/ نوفمبر 1989، تعيش حالة خاصة بها، مضطردة في تفاقم الازمات، حيث يعاني شعبها من الركود الاقتصادي وانخفاض مستوى المعيشة والتضخم العالي وتزايد الاعداد الكبيرة من البطالة والبحث عن لقمة خبز. الامر الذي يدفع البلغار الى الاحتجاج والتظاهر والنزول الى الشوارع، مطالبين بتحسين اوضاعهم ومكافحة عصابات الفساد والمافيات التي تتحكم في الادارة السياسية للبلاد.

منذ انضمامها الى الاتحاد الاوروبي وتنفيذها الشروط التي وضعت عليها للقبول في الاتحاد، لم تستفد بلغاريا من كل ذلك على مختلف الصعد. فقد مارست الولايات المتحدة الامريكية ضغوطها ايضا على الاتحاد الاوروبي لفرض خصخصة مؤسسات الاقتصاد البلغاري الاساسية وبيعها لمؤسسات غربية، وخاصة في الطاقة التي كانت مرتبطة مع المؤسسات الروسية، كأحد شروط انضمامها. وقد ادى هذا الى ارتفاع عال في الاسعار مما ارهق الشعب البلغاري، وخاصة الطبقات الفقيرة والوسطى منه، ودفعه الى الاحتجاج في اغلب المدن البلغارية. وتعددت مثل هذه التحركات الاحتجاجية، خلال الاعوام السابقة وتبدل العديد من الحكومات والتيارات السياسية التي تتحكم في موازين القوى الحكومية. وكان ابرز التظاهرات ما حصل في آذار/ مارس الماضي، ادى الى استقالة حكومة يمين الوسط، والدعوة الى انتخابات جديدة.

حملت نتائج الانتخابات الاخيرة تيار يسار الوسط، المتشكل من الحزب الاشتراكي وحركة الحقوق والحريات (الممثلة للأقلية التركية)، والتحالف مع مجموعة ليبرالية، لتشكيل الحكومة.  وادعت هذه الحكومة العمل على الاصلاح وتطوير التنمية الشعبية وإنقاذ البلاد من الازمات إلا انها وقعت في الاخطاء السابقة ذاتها، وأضافت لها اجراءات زادت من نقمة الحراك الشعبي عليها. مثل تعيين امبراطور الاعلام ديليان بيفيسكي رئيسا لجهاز المخابرات، فخرج الالاف من المحتجين في البلاد ومنهم اكثر من خمسة آلاف متظاهر في العاصمة صوفيا وحملوا لافتات عليها "الشعب لن يتفاوض" و "السجن للمافيات"، مما اجبر الحكومة ورجل الاعمال على قبول الغاء تعيينه وتنحيه. والأمر الثاني اصدار قرار بمنع وضع الزهور على النصب التذكاري للبطل الشعبي البلغاري فاسيل ليفسكي Vasil Levski)) الذي قاتل ضد اضطهاد الامبراطورية العثمانية لشعبه وبلاده، مما اثار ايضا مشاعر اكثرية الشعب والقيام بموجة من التظاهر والاحتجاج. وقد بلغ تراكم الغضب الشعبي حده في نهاية تموز/ يوليو الماضي، حين قام المتظاهرون في صوفيا في محاصرة البرلمان وفيه رئيس الحكومة ايضا، وحجز الحاضرين فيه، والطلب بالقيام بإجراءات اصلاحية سريعة لإنقاذ البلاد والعباد مما يعيشون من اوضاع متردية على جميع الصعد.

لم يتوقف مسلسل التظاهرات والاحتجاجات في بلغاريا، كما هو حال البلدان الاخرى في اوروبا، لاسيما البلدان ضعيفة النمو الاقتصادي المبتلية بمشاريع تخريب اقتصادها وتدمير تنميتها. وتقدر استطلاعات رأي ان اكثر من ثلثي الشعب البلغاري البالغ ما يقارب 7,3 مليون نسمة مع هذا الحراك واستمراره حتى نيل المطالب المشروعة. وجزء من الصورة الكارثية تكشفها حالة الاجور للعاملين البلغار، مقارنة بالأجور في منطقة البلقان التي هي جزء منها، حيث معدل الاجور حوالي 350 يورو شهريا في صربيا مثلا، بينما في بلغاريا 302 يورو شهريا، وواقع الحال في المدن الكبيرة كصوفيا لا تتعدى 250 يورو شهريا. ولم تقم مؤسسات الاتحاد الاوروبي او الحكومات المتعاقبة في بلغاريا على تحسين مستوى المعيشة وتغيير مثل هذه المعدلات والحالات. او انها لم تقم بأي شيء ملموس يغير من الصورة البائسة. الامر الذي يثير الغضب ويدفع الى الاحتجاج الجماعي والانتفاض الشعبي، وهو ما حصل ويحصل  خلال اشهر العام الحالي. وربما وصل الامر الى حرق بعض المواطنين البلغار انفسهم بسبب الفقر والعوز وعدم القدرة على العيش الكريم في بلاده.

اعتاد الشعب البلغاري على العيش في ظل ظروف عصيبة ومع ذلك يحب بلاده، ويحتفل بأعياده الوطنية دون كلل أو ملل غير أن الارتفاع المتصاعد في أسعار المواد الغذائية والوقود وتدهور اوضاعه الاقتصادية والاجتماعية أخرجه عن صمته وفاض عن قدرته على التحمل. كتبت صحيفة البرافدا الروسية (23 حزيران/ يونيو 2013) إن البلغار مازالوا يستخدمون الأخشاب في الشتاء حتى الآن من أجل التدفئة وأن أنظمة التدفئة المركزية لا توجد إلا في المدن الكبرى وفي مناطق محددة لدرجة أن المنازل الدافئة في بلغاريا باتت تعد رفاهية زائدة لا يستطيع كل مواطن الحصول عليها. واستطردت الصحيفة تقول إن المنتجات المحلية في المتاجر نادرة وأن كل شيء مستورد، ولا تستخدم ارضها الخصبة بما يتناسب وحاجة السكان منها.

وذكرت الصحيفة أن البلغار اعتادوا على امتلاك وحداتهم السكنية وكانت الاراضي والعقارات في بلغاريا ارخص من الدول الساحلية الاخرى لكن الازمة الاقتصادية العالمية غيرت هذا الوضع وأصبحت صناعة العقارات غير موجودة تقريبا ولم تعد هناك اعمال بناء جديدة وباتت المصانع تعاني من ركود او تم بيعها إلى شركات اجنبية اخرى بأثمان بخسة.

ازاء هذا التدهور تحرك الشعب البلغاري داخل وخارج البلاد محتجا وغاضبا وداعيا للتغيير. وحملت التحركات الاخيرة عنوانا رمزيا ساخرا يقول "ارقص معي" شعارا للحراك الوطني. ورغم ان شهر اب/ اغسطس كان كالمعتاد شهر اجازة الا ان المدن البلغارية لم تخل، لاسيما العاصمة صوفيا، من التظاهرات، وتتجمع القوى الشعبية لتظاهرات الشهور القادمة، ابتداء من ايلول/ سبتمبر. حتى ان احد الكتاب الاوروبيين ذكر في مقال تحليلي له بان الصيف الحار سيستمر، ليس في تركيا وصربيا ومصر والبرازيل فقط، بل وفي بلغاريا ايضا. كما هو حال كل شعوب اوروبا التي تعاني من سياسات التقشف والركود الاقتصادي والعنصرية والتمييز والتطرف.

 بلغاريا ليست استثناءً، ولكن اين تقودها اتجاهات التغيير؟!.

 

كاظم الموسوي

08.09.2013

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

 

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا