<%@ Language=JavaScript %> د.عدنان عويّد ثوار وثورات ما بعد الحداثة

   

لا

للأحتلال

لا

للخصخصة

لا

للفيدرالية

لا

للعولمة والتبعية

حضارة بلاد الرافدين   

    

                                              

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين                                    

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                            

 

 

ثوار وثورات ما بعد الحداثة

 

 

د.عدنان عويّد

 

 

     إن مفكري ما بعد الحداثة كما يعرف الجميع, هم من قالوا إن العالم الذي نعيشه اليوم, هو عالم نهايات القيم الأخلاقية الايجابية. أي نهايات عالم الخير والجمال والحب والبطولة والرجولة والدين السمح, وكل القيم التي يشعر الإنسان أن بانتمائه إليها يحقق ذاته الإنسانية, هذه الذات التي ناضل آلاف السنين من أجل تحقيقها بعد أن عاش كل سنين ذاك التاريخ يقاوم الجهل والظلم والاستعباد والقوانين العمياء في الطبيعة والمجتمع التي حولته في بعض مراحل تاريخه إلى سلعة يباع ويشترى في أسواق النخاسة. إن مفكري ما بعد الحداثة يريدون أن يقولوا : إن كل تاريخ نضال الإنسان الماضي من أجل العودة به إلى مرجعيته الإنسانية, جاءت الطبقة الرأسمالية الاحتكارية العالمية لتسلبه ما استطاع تحقيقه في مشروعه الإنساني, وتجعله يعيش حالات جديدة أخرى من الغربة المادية والروحية بكل ما تحمله هذه الغربة من دلالات. نعم لقد سلع النظام العالمي الجديد بقيادة هذه الطبقة الإنسان وحولته وغرائزه معاً إلى بضاعة تباع وتشترى في أسواق نخاسة اقتصاد السوق. من هنا فقد الإنسان كل أمل في النجاة, فكان لا بد من التعبير عن عالم ضياعه هذا في فكر وأدب وفلسفة كتاب العالم الجديد, عالم ما بعد الحداثة, عالم الموت واليباس والضياع والغربة والتفتت والتشرد والقتل والرصاص والدم والتذرير والجنس الرخيص والقذارة بكل ما تحمله في الشكل والمضمون... هذا هو عالم ما بعد الحداثة الذي بشر به مفكروا وفلاسفة النظام العالمي الجديد.

     أمام هذا الصور القاتمة عن حياة الإنسان ومستقبله كما صورها لنا مفكروا الغرب, كثيراً ما امتلكتنا الدهشة والاستغراب من عالم الغرب وجشاعة قادته وكل من يتحكم بحياة إنسانه. بيد أن هذه الدهشة والاستغراب سرعان ما بدأت تتلاشى ملامحها شيئاً فشيئاً أمام نتائج ثورات الربيع العربي, وبخاصة في سورية ومصر وليبيا. إن ما يجري في هذه البلاد اليوم من قتل ودمار وسلب وامتهان للإنسان وقيمه الفاضلة من قبل قادة هذه الثورات وعلى رأسهم شركاء قادة النظام العالمي الجديد في وطننا العربي, وهم حكام الخليج, وفي مقدمتهم آل سعود, يجعلنا نقر بأن عالم ما بعد الحداثة هو أمر واقع وليس حكاية من حكايات فلاسفة الغرب الذين دائماً يخرجون لنا بنظريات ليس لها أي وجود على الواقع, وإن وجد لها ما يبرر وجودها فهي مواقف أو مواضيع تخص العالم الغربي أو جزءاً منه لا أكثر.    

     تعالوا معي لنرى كيف تجري معالم عالم ما بعد الحداثة في وطني سورية بشكل عام وبلدي ديرالزور بشكل خاص على يد ثوار ما بعد الحداثة .

      ثوار ما بعد الحداثة في بلدي ليس لهم هوية طبقية, فهم من أقصى اليمين إلى أقصى الشمال, وثوار بلدي ليس لهم أيديولوجية محددة وواضحة لمشروعهم الثوري المابعد حداثوي, فهم يسيرون على بركة الأهواء والمزاج والمصالح لأنانية الضيقة, لذلك تجد فيهم رجل الدين, وتجد فيه اليساري الطفولي, وتجد فيهم, التاجر الجشع, وتجد فيهم الحشاش واللص والخارج على القانون. بيد أن الملفت للنظر في كل هؤلاء إن القتال بإسم الدين قد جمعهم... الكل قد أطلق الذقون, والكل قد كبر باسم الله, والكل سار تحت ألوية الرسول والصحابة والتابعين وتابعي التابعين, والكل صار أبو حفصة والقعقاع وعمر وبكر وخالد وحمزة, والكل أصبح يصلي والسلاح إلى جانبه.

     بإسم الدين الحنيف الذي تعلمنا منه المحبة والرحمة والنظافة والإيمان واحترام الآخر في رأيه ودينه, وتحريم دم المسلم وغير المسلم وماله وعرضه, باسم الدين الذي علمنا أن نبني أنفسنا وأسرنا ووطننا وعالمنا الإنساني أفضل بناء, جاء ثوار ما بعد الحداثة ليمارسوا علينا اليوم قوانين ثورتهم بصيغها الجديدة. .. نعم لقد جاؤوا باسم الحرية والعدالة وشعارات لا إله إلا الله, لكي يمارسوا القتل والذبح والسرقة والتعدي على أموال الناس وقطع أرزاقهم وفرض الحصار عليهم وقطع الماء والطعام والكهرباء والاتصالات عنهم, بإسم الدين والحرية والعدالة جاؤوا لكي يهدموا الكنائس ويحللوا دماء الأقليات الدينية والمذهبية من دينهم أو من الديانات الأخرى من أبناء وطنهم, لقد جاؤوا وجلبوا معهم كل من حمل شعار (لا إله إلا الله محمد رسول الله) من سلفية العصر الوهابيين في أصقاع هذا العالم, لكي يفرضوا على المواطنين سلوكيات وقيماً يدعون أنها قيم الفضيلة والخير  حتى لو طبقت في الشكل, جاؤوا وجاء معهم هؤلاء الغرباء في الشكل والمضمون كي يمارسوا على السورين ساديتهم  وحقدهم الجاهلي, جاؤوا وجاء معه البترودولار الخليجي بكل بما يحمل من حقد وجهل حكام العصور الوسطى, لينشروا في سورية مشروع ديمقراطية آل سعود وآل جاسم وآل ثاني, جاؤوا وهم يحملون معهم مفاهيم جديدة للثورة التي يدعون أنها ثورة شعبية, هذه الثورة التي بإسم الشعب راحت تفرض على الشعب الحصار في مدينة ديرالزور وتمنع عنه الخبز والغاز والمازوت والكهرباء والاتصالات والتعليم والتواصل الاجتماعي, ثورة جاءت لكي تجوع الشعب وتزرع عنده الخوف والكره والحقد والشوق لمشاهدة الدم والرذيلة, ثورة قطعت البلاد إلى إمارات (كونتونات) وكل أمارة لها أميرها وقادتها وحصتها من ثروات الشعب النفطية أو غيرها, وما تبقى من ثروات لا تعجبهم سرقوها وباعوها لأردوغان. ثورة حداثية بامتياز, استطاعت أن تزرع في نفوس أبناء الشعب كل ما يدل على البؤس وفقدان الأمل بالحاضر والمستقبل, وأي حاضر وأي مستقبل هذا الذي يريده الشعب بعد أن فقد كل شيء من مال وحلال ومأوى... نعم إنها ثورة ما بعد الحداثة التي رحنا نعيش مفرداتها على لسان كل إنسان في وطننا الحبيب سورية, حيث أصبح كل فرد منا يشعر بالحزن والألم والقهر والظلم وفقدان الأمن والحرية والاستقرار والبحث عن أبسط مقومات إنسانيته... نعم إنها ثورة وثوار ما بعد الحداثة.

 

كاتب وباحث من سورية

d.owaid50@gmail.com  

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

 

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا