<%@ Language=JavaScript %> ترجمة :د. عدنان عويّد قضايا التنوير (القضية الثانية) الحداثة وما بعد الحداثة (3)

   

لا

للأحتلال

لا

للخصخصة

لا

للفيدرالية

لا

للعولمة والتبعية

حضارة بلاد الرافدين   

    

                                              

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين                                    

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                            

 

 

قضايا التنوير (القضية الثانية)

 

الحداثة وما بعد الحداثة (3)

 

Modernism & Postmodernism

Christopher L. C. E. Witcombefont 

 

 ترجمة :د. عدنان عويّد

 

http://www.alzikan.net/images/027.jpg

 

     في أواخر النصف الثاني من القرن العشرين ظهرت أدلت بارزة تشير إلى فشل مشروع الحداثة, ثم أن ماسمي بالحداثة التقدمية في المرحلة ذاتها, أصبح مفعما بالشك حول قابلية استمرار فكرة التقدم . والحداثة المحافظة في الولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال يبدو أنها قد سقطت في الشكل - على الأقل - فريسة المملكة السياسية الخاضعة لتأثير الكنيسة , تحت ما يدعى الحق الديني, الذي أخذ بدوره في السنوات الأخيرة من هذه المرحلة يٌضعف في الحقيقة المؤسسات الدستورية لمعظم التجربة الأمريكية.

     منذ أن كتبت , " زوزي كابليك "  " Suzi Gablik" كتابها " التجربة الشيوعية " , بدا وكأن الشيوعية قد أخذت على عاتقها أن تسقط في الاتحاد السوفيتي, وأن التطرف الديني بالنسبة لجميع الديانات الكبرى تقريبا المنتشرة في العالم راح يواجه الحداثة بشكل مباشر, فالمسيحيون المتطرفون الأمريكان, أخذوا يذكرون من جديد بأفكار " مارتن لوثر " "Martin Luther " , الحداثية التي تقول: ( إن العقل هو العدو الأكبر الذي امتلكه الإيمان, , كما إنه يناضل ضد العالم , وضد الكلمة العليا , إنه يتعامل باحتقار مع كل ما يأتي من الله ), وذلك بغية محاصرة أفكار الحداثة, هذا في الوقت الذي راح فيه نمو أعداد ممن اعتقدوا بمشروع   الحداثة يتناقص, وبالتالي دفع هذا المشروع نحو الفشل, الأمر الذي أدى إلى طرح الكثير من الأسئلة ليس عن أسباب هذا التراجع أو الفشل في نمو معتقدي الحداثة فحسب , وإنما التراجع والفشل عن قبول أفكار الحركة الإنسية الأوربية أيضا . بل أصبح واضحا لمعظم من رضعوا من أفكار الحداثة والحركة الإنسية الأوربية, أن ما أخذوه أو أمنوا به من هذه أفكار راح  يصب في خانة العيب, والفساد , والظلم .

     إن كل ما تم من أحداث الحاضر, ( منذ الحرب الكونية الثانية حتى هذا التاريخ ), قد قدمت دليلا أكيدا على أن الحداثة قد أخذت  تنشط خارج ذاتها, أو خارج تاريخها, الأمر الذي جعلها الآن تتعثر وتفقد توجهاتها,  لذلك نقول:  إذا كانت الحداثة الآن هي في نهاياتها, فنحن نواجه مرحلة جديدة هي مرحلة ما بعد الحداثة.

      عموما, إن تعريف ما بعد الحداثة قد استخدم في اتجاهات عدة , ومورس في أساليب عدة غير واضحة المعالم أيضا,  فبالنسبة لبعضهم اعتبرت الاتجاهات والأساليب هذه مضادة للحداثة, وللبعض الآخر عنت إعادة النظر في  المبنى العام للحداثة . ولكن ما يبدو لنا أن الموقف المضاد للحداثة يتبنى الرفض الكلي لعقائد الحداثة, حيث أن هذا الموقف المضاد جاء ليقول بضرورة رفض ما يسمى بالعقيدة والمذهب... سيادة العقل ... فكرة الحقيقة ... والاعتقاد باكتمال الرجولة ... الخ . وهذا الموقف الفكري  الذي استخدم من قبل البعض طُرح ليبن لنا أن الحداثة في حقيقة أمرها غير بناءة, وقد عرف هذا الموقف  بتيار ( ما بعد الحداثة غير البناءة ). 

      أما الفهم الآخر الذي جاء تاليا ليبحث في تعديل بناء أو هيكل الحداثة فقد أصبح يعرف  بتيار(ما بعد الحاثة البناءة ) .

     على أية حال , إن ما بعد الحداثة ( غير البناءة ) تسعى لإضعاف الفكرة الايجابية عن العالم وكل الافتراضات التي تدعمها, وذلك من خلال ما ظهر من أفكار مضادة لهذه الفكرة الايجابية عن العالم , فهي مثلا, أي , ما بعد الحداثة ( غير البناءة ), تعمل على هدم أفكار وقيم الحداثة ذاتها, مثل العدالة والمساواة والحرية .. الخ,  حيث تبين أن أفكار الحداثة هذه, هي أفكار ليست طبيعية بالنسبة لمحبي الإنسانبة , أو هي ليست حقيقية بالنسبة للطبيعة الإنسانية , فهي برأي هؤلاء لا تعدوا أن تكون أكثر من مثاليات , أو أبنية ذهنية محض .

     إن هذا الموقف ألتفكيكي أو ألتفريغي للرؤية الكونية المعاصرة الايجابية أو القريبة من الحداثة في منطلقها الايجابي , راح يتجلى هنا واضحا بكل تفاصيله وافتراضاته , الأمر الذي أدى إلى تزايد الأسئلة المطروحة حول من هو المسؤول فعلا عن هذه الأفكار الما بعد حداثوية غير البناءة,  وما هي دوافعها, وتخدم من في المحصلة ؟ .

     عموما , إن ما جئنا عليه أعلاه يشير إلى أن الحضارة أو الثقافة الحديثة  هي غربية في طبيعتها وتوجهاتها , وهي ثقافة أو حضارة رأسمالية, أهم ما يميزها ميولها الاقتصادية, وعنصرية طبقتها البرجوازية, وسيطرة رجلها الأبيض, إنها في المحصلة ثقافة ما بعد الحاثة ( غير البناءة ), التي تبدو أنها مضادة للحداثة, وموقفها المضاد هذا يتجلى في  العمل على حصار وتحطيم العناصر الأساسية التي يعتقد أنها ضرورية لبناء الفكر العالمي المعاصر الايجابي, مثل " الله "  " النفس " الهدف " المعنى " العالم الحقيقي والحقيقة معا " .

     إن المنطلقات الفكرية لما بعد الحاثة ( غير البناءة ) , تُرى من قبل البعض بأنها " عدمية ", حيث أن  ( كل القيم عندها ليس لها أساس, ولا شيء قابل للمعرفة أو الترابط , وأن الحياة نفسها ليس لها معنى . ) .

     إن ما بعد الحداثة ( غير البناءة ) لا تنتمي نظريا وعمليا إلى الحداثة , وهي تسعى إلى تعديل تركيبها ومفاهيمها أو بنائها بشكل عام, كما تعمل على إزالة كل الحدود المحيطة بالحداثة بغية إضعاف شرعيتها, وتدمير منطق وعقلانية الدولة الحديثة ذاتها. هذا في الوقت الذي تدعي فيه أنها تقدم نظاما جديدا للمواقف العلمية والأخلاقية والجمالية والدينية, كما تدعي أيضا بأنها لم ترفض العلم لكونه علم , وإنما هي ترفض ذاك التقدم العلمي فقط الذي يفرز أو ينتج معطيات أو معلومات عن العلم الحديث الطبيعي الذي يسمح في المساهمة ببناء رؤية العالم المعاصر كما تريده الحداثة .

     أما تيار أو وجهة نظر( ما بعد الحداثة البناءة ) , فهي ترغب في العودة إلى أفكار ما قبل الحداثة المتعلقة بحقيقة ( الخلق الإلهي ) لمعنى الكون والطبيعة الفاتنة . كما ترغب أن تتضمن  أيضا قبول الإدراك غير الحقيقي أو العقلاني للواقع ... إنها تبحث عن استرداد الحقائق والقيم من صيغ أخرى مختلفة عن تفكير وممارسة الحداثة  وما بعد الحداثة... هي تريد استبدال الحداثة التي تراها ( هي ) بأنها تهدد وجود الحياة على هذه الكرة الأرضية, بحداثة أخرى تلتقي في معطياتها مع  تفكير العصر الجديد. (أي التفكير الذي يسعى إلى نمذجة الإنسان وتحويله إلى ذرة ليس له لون أو طعم أو رائحة , إلا لون وطعم ورائحة ما تريديه وتخطط له الطبقة الرأسمالية الاحتكارية للإنسان – المترجم)   فوقوف الجنس البشري كما تدعي على مدخل العصر الجديد , يشير إلى حد بعيد إلى تفكير ما بعد الحداثة الجديدة الذي تبشر به  .

     إن تيار أو مفهوم ما بعد الحداثة ( البناءة ) يتجنب عن قصد وإلى حد كبير من المراوغة رغبة الحداثي في تنظيم معطيات الواقع, أو ما يتعامل معه حياتيا في مجالات الأدب والفن والفلسفة, مثلما يتجنب التحديد , والحدود , والاحتجاز, لذلك فهو يتشارك مع اللا حقيقة , واللا أمان, والشك , وكل أوجه الغموض . في حين أن الحداثة في معطياتها  تنشد الإغلاق في الصيغة , والاهتمام في النتائج... إنها- أي ما بعد الحداثة البناءة- تعمل على فتح وإلغاء الحدود, والاهتمام بالعملي والجذاب.

     أما فنان ما بعد الحداثة فهو انعكاس لما يدركه أو تدركه نفسه, وهو عن عمد يشترك في عملية التفكير حول نفسه, كما يسرّع عملية وعي الذات  في أسلوب غير بناء , أو عبر ادعاءات مقنعة أصبحت مفهومة بناءً لوضعيته الثقافية.

     ملاك القول : لقد نجحت الحداثة التقدمية في فترة ما بين الحربين عبر تقديم رؤية أفضل للمستقبل, وهي استمرت في مشاهدة أن الماضي والتقليد أشياء خانقة للحرية والتعبير. فالسرياليون بعد الحرب ظلوا متمسكين بالحداثة, معتقدين بأن فنهم استطاع التأثير في قدر الإنسان, لذلك هم يقرون بأنهم استطاعوا تغيير العالم.

     بعد الحرب العالمية الثانية , أصبح من الصعوبة بمكان استمرار النظرة التفاؤلية تجاه المستقبل, وأن هناك الكثير من الأشياء السيئة حدثت أثناء الحرب الباردة, أهمها التهديد الدائم بأسلحة الدمار الشامل, لذلك هذا ما أعطى انطباعا عاما لدى المتابعين آنذاك بأن المستقبل يبدوا مبهما ومشكوكا فيه أيضا .

     أما الآن , فنجد أن العديد من الفنانين المعاصرين وبسبب المحن القائمة في مجتمعهم والبادية بكل وضوح للعيان, قد تحولوا في توجهاتهم الفكرية والعملية وراحوا يركزون انتباههم على الثقافة الشعبية المعاصرة, وهذه الثقافة على أية حال , كانت تعاني الاضطراب الكبير خلال الستينات من القرن العشرين بسبب تلك المحن , والدليل على ذلك ما ظهر من ظواهر اجتماعية تمثل ردود  فعل على مشاكل عصرهم  تمثلت في انتشار تيارات حقوق الإنسان, ومعارضة حرب فتنام , والانتشار الواسع للحركات النِسويَة, إضافة إلى التحول الكبير الذي مارسته ولم تزل تمارسه المعارضة ضد السياسات القائمة .

 إن فناني الأغنية الشعبية ( البوب ) على سبيل المثال, استطاعوا رغم كل تلك المحن أن يبقوا ممثلين للوضع التقدمي في المجتمع ومساهمين في نقد الأفكار البرجوازية والأحلام الأمريكية .    

     ولكن يظل السؤال المطروح هو : ماذا يحدث في الواقع ؟ , بالرغم من أن الفن الحديث أو المعاصر لم يزل نفسه يتعرض للضربات من قبل الأفكار البرجوازية , يبدو أن هناك نوعا من الفن ألعدمي ( الدادي ) يود البعض تعريفه على أنه فن ما بعد الحداثة .    

كاتب وباحث من سورية

d.owaid50@gmail.com

     

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

 

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا