%@ Language=JavaScript %>
|
لا للأحتلال لا للخصخصة لا للفيدرالية لا للعولمة والتبعية |
|||
---|---|---|---|---|
صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين |
||||
للمراسلة webmaster@saotaliassar.org |
قضايا التنوير : القضية (الثانية)
الحداثة (1)
في المفهوم:
الحداثة في سياقها العام, هي سلسة من الإصلاحات الثقافية, شملت الفن والهندسة والموسيقى والآداب والفنون التطبيقية. والتعريف في عموميته غطى العديد من الحركات أو الاتجاهات السياسية والثقافية والفنية التي حققت جملة من التغيرات في المجتمع الغربي عند نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين .
والحداثة بتعبير آخر أيضا, هي ميل من التفكير الذي أكد على دور القوة والإرادة الإنسانية في تحسين أو إعادة تشكيل محيطه الاجتماعي عبر المعرفة والتكنولوجيا والتجربة الخاصة .
لقد استطاعت الحداثة تشجيع إعادة امتحان كل الوجوه الحياتية بدءا من التجارة وصولا إلى الفلسفة, بهدف القبض على مقومات الوجود الاجتماعي التي كانت تعرقل تقدم الإنسان, واستبدالها بمقومات جديدة قادرة على تحقيق الأهداف المنشودة في التقدم الإنساني .
في جوهر المسألة, استطاعت الحركات الحداثية عبر كل مستوياتها أن تناقش الحقائق الجديدة لزمن الصناعة والتكنولوجيا, التي شملت إضافة إلى ما أشرنا إليه أعلاه, حداثة الفيزياء, وحداثة الفلسفة, وحداثة الرياضيات ...الخ التي راحت تكتمل, أو هي على وشك الاكتمال, والتي أصبح من المفروض على الناس تكييف صور عالمهم أو حياتهم بما يتناسب وقبول كل ما هو جميل وجيد وحقيقي من منجزات الزمن الجديد, زمن الثورة التكنولوجية.
وللتأكيد نستطيع القول هنا : إن مسألة التغير والحداثة شملت أيضا الكثير من أعمال المفكرين الذين ثاروا ضد أكاديميي ومؤرخي التقليد في القرن التاسع عشر, معتقدين أن صيغ الفن التقليدي في الهندسة والأدب والتنظيم الاجتماعي ومعطيات الحياة اليومية المباشرة, , أصبحت من العهد القديم. وعليهم مواجهة المعطيات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي أفرزها العالم التكنولوجي .
لقد قام بعض المفكرين في القرن العشرين بتقسيم الحداثة إلى فسميين هما : الحداثة, وما بعد الحداثة, في حين لمس بعضهم أن الحداثة وما بعد الحداثة وجهان لعملة واحدة . سنحاول في هذه القضية الثانية من (قضايا التنوير), ان نتعرف على الحداثة وما بعد الحداثة كما ظهرت في الغرب , وكما فهمها الغرب, وبالتالي أين نحن اليوم منها موقعا في الساحة العربية.
د. عدنان عويّد
جذور الحداثة (1 )
Roots of Modernism
Christopher L. C. E. Witcombe by .
ترجمة : عدنان عويّد
حتى وقت قريب, استخدمت كلمة ( حديث ) للإشارة بشكل عام إلى المعاصرة, علما أن كل الفنون الحديثة تعتبر حديثة بدءا من الوقت الذي تنجز فيه .
في عام / 1437/ ميلادي, وضح " سنيون سينيني" (Cennino Cennini) أن الفنان " جويوتو" ( Giotto ) قد أنجز في ذلك الوقت لوحات رسم حديثة. كما أشار أيضا "جيورجيو فاساري" ( Giorgio Vasari ) في كتاباته, في القرن السادس عشر, أن الفن في حقيقة أمره هو فن حديث .
أما إذا رغبنا في تحديد الفترة التاريخية التي راحت تنتج فيها الحداثة أو ما سمّي بالفن الحديث, فيمكن تحديدها تقريبا ما بين ( 1860 و1970/ ميلادي, فهذه هي الفترة التي استخدم فيها بدقة الفن الحديث, و راح الناس يتحدثون فيها أو يكتبون أيضا عن هذا الفن بشكل ملفت للنظر.
هذا وقد استخدم تعريف الحداثة أيضا ليشير إلى فترة إنتاج الفن, و يمكن القول أيضا الإشارة إلى الفترة ذاتها التي راح يشار فيها إلى فلسفة الفن الحديث .
في كتابها الذي يحمل عنوان ( جذور الحداثة ), تطرح "سوزي كابليك" (Suzi Gablik ) أسئلة عدّة عن الحداثة مثل: هل فشلت الحداثة ؟.. هل هي تعني ببساطة فشل الإحساس بقدوم النهاية ؟.. أو هي تعني أيضا أن الحداثة قد فشلت في تحقيق أي انجاز؟.
إن الإجابة على هذه الأسئلة تقول : إن الحداثة امتلكت أهدافا, بيد أنها فشلت في تحقيقها, ولكن يظل السؤال المطروح هنا هو: ما هي هذه الأهداف ؟ .
لأسباب ستكون واضحة فيما بعد, فإن سؤال الحداثة قد صيغ إلى حد كبير في تعاريف يغلب عليها الطابع المدرسي, وربما قلة الاهتمام أيضا, وأن مؤرخي الفن عندما تحدثوا عن الفن الحديث في الفترة الماضية كهم أساس وبصورة جوهرية, فهم غالبا ما تحدثوا مثلا عن اللون, والمستوى الفني, وهذا انسجم بشكل عام مع "ادوار منيت" (Édouard Manet ), وهو أول رسام حداثي, حيث أن صفة الفن الحداثي قد انطبقت في الحقيقة على لوحاته التي رسمها عام / 1860/, مثل لوحته المسماه (Le Déjeuner sur l'herbe. ) التي شقت طريقها في فترة ما سمي بالحداثة .
بيد أن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: لماذا هذه اللوحة بالذات؟ , والجواب المنطقي على هذا التساؤل هو: كون هذه اللوحة تعتبر في دلالاتها أهم كشف موضوعي لما سمي بالفن الحديث, وقيم الرسم الحديث, والعلاقات المكانية الحديثة ,غير أن هناك أسئلة كثيرة أخرى تكمن وراء هذا السؤال مثل : لماذا "ما نت", (Manet ) كان الممثل لموضوع للحداثة, وقيم الرسم الحديث, والعلاقات المكانية الحديثة ؟.هل لكونه أنتج الرسوم الحديثة ؟, ولكن لماذا هو أنتج مثل هذا الرسوم ؟ .
عندما عرضت لوحته (Le Déjeuner sur l'herbe. ) في صالون العرض ( (des Refusés , عام 1863, فالكثير من المشاهدين قد اشمأز من هذه اللوحة الفاضحة, وعندما عرضت لوحته الثانية بعد فترة (Olympia ) كان الناس في الحقيقة أكثر اشمئزازا وقلقا, لذلك يظل السؤال مطروحا وهو: لماذا تلك اللوحات الزيتية التي عرضها ( Manet ) قد سببت مثل هذه الصدمة للعديد من الناس المشاهدين لها آنذاك؟ . ( أعتقد لكونها قد جسدت مواضيع العري الجسدي, وهذه لاتتناسب مع القيم الأخلاقية التي كانت سائدة في ذلك العصر بالنسبة لأوربا – المترجم ) .
إن إمكانية الإجابة على أسئلة الحداثة في سياقاتها الواسعة, تستطيع أن تكشف جوهر فلسفة الحداثة, وغاياتها, وأهدافها, كما ستكشف أيضا البعد الأخر لوجهة نظر الفن, ومعرفة العالم الحديث .
إن جذور الحداثة قد امتدت في التاريخ الأوربي لفترات زمنية هي أعمق بكثير من منتصف القرن التاسع عشر, فبالنسبة للمؤرخين, ولكن ليس ( مؤرخو الفن ), إن فترة التحديث تعود في الواقع إلى عصر النهضة الأوربية, وكذلك النقاشات التي دارت حولها ربما تعود إرهاصاتها الأولية ببساطة إلى الفترة ذاتها. فعندما ننظر في معطيات ( الحركة الأنسية ) التي اعتبرت الإنسان مقياس كل شيء, في هذا المجتمع (الدنيوي المدني ), نجد أن بدايات هذه الحركة الأنسية كانت مع يوتوبيا "توماس مور" (Sir Thomas More ) عام 1516 ميلادي. وعندما ننظر في أحداث الماضي نستطيع وبكل ثقة أن نميز في ( الحركة الأنسية ) لعصر النهضة تعابير لدلالات الحداثة, وبأن المجتمع الإنساني يستطيع التعلم ليفهم الطبيعة وقوة تأثيرها على الإنسان, وكذلك يفهم طبيعة آلية عمل الكون, ومقومات تشكيل حياتنا وأقدارنا الشخصية ومستقبل العالم.
إن التفكير الحداثي الذي راح يتشكل عبر عصر النهضة, بدأ يأخذ شكله كأنموذج له مكانته الواسعة في القرن الثامن عشر, وربما هذا التفكير خلق في بداية الأمر ذلك الصراع الذي دار ما بين القديم والحديث, أو ما يمكن تسميته بالصراع مابين ( الأصالة والمعاصرة ),هذا الصراع الذي سيطر أيضا على حياة أوربا الثقافية خلال القرن الثامن عشر, والذي كانت النقطة الأساسية فيه ( بالنسبة للذين عاشوا القرن الثامن عشر ), تدور حول طبيعة التساؤل التالي : هل الحداثة ( آنذاك ) أخلاقية وأرقى فنيا بما هي عليه عند الرومان والإغريق قديما ؟. فالنقاشات حول هذا الموضوع قدمت فصلا هاما بين الاتجاهين, حيث أصبح هذا الفصل الأساس لسؤال الحداثة, كما أنه عبر هذه النقاشات الدائرة حول هذا التقسيم أو الفصل بين القديم والحديث دفع القوى التقليدية كي تدعم التوجهات الدائرة في هذا النقاش والمؤيدة لما هو قديم, بينما كانت القوى الأكثر حداثة تدعم كل ما هو حديث.
قضايا التنوير : القضية (الثانية)
جذور الحداثة (2 )
Roots of Modernism
Christopher L. C. E. Witcombe by .
ترجمة : عدنان عويّد
الحدثة والإيمان بدور العقل:
في القرن ذاته, أي, الثامن عشر, (عصر التنوير) شاهد هذا العصر في الحقيقة نموا ثقافيا, آمن بالعقل مرشدا راقيا وأساسيا في شؤون المجتمع الإنساني, فمن خلال التعامل مع هذا العقل, أنجز التنوير, حيث أصبح الذهن التنويري محررا من القيود والخرافة والجهل, الأمر الذي جعل كل ما هو مثير ومدهش وإبداعي مفتوحا على المطلق في هذا العالم .
لقد كان التنوير حركة ثقافية, وكل الحوافز المباشرة أصبحت بالنسبة له تدعى ثورة علمية, فمع نهاية القرن السابع عشر وبداية الثامن عشر, وجد رجال أمثال " غاليلو" ( Galileo Galilei ) و " نيوتن" ( Isaac Newton ) استطاعوا تطبيق العقل في دراسة الطبيعة, واكتشاف حقائق علمية رائعة أضافت عبر اكتشافها حقائق علمية أخرى جديدة متعددة . هذه الحقائق لم تكن في الواقع طافية بشكل واسع على سطح المعتقدات التقليدية السائدة آنذاك, وعلى وجه الخصوص عند أولئك الذين تمسكوا بالكنيسة وتعاليمها ورفضوا الاعتراف - على سبيل المثال - بأن الأرض تدور حول الشمس, وهو الأمر الذي أثبتت فيه الدراسات والتطبيقات العقلية صحة دورانها, وكان هذا الأمر يومها يعتبر إنجازا مدهشا بشكل هائل .
إن العقل المنفتح لمفكر القرن الثامن عشر, اعتقد من الناحية العلمية بأن كل شيء يمكن إخضاعه للعقل, وبخاصة التقاليد والعادات والتاريخ و الفن, وأكثر من هذا, أن هناك شعورا بإمكانية تطبيق العقل في السياسة والعلاقات الاجتماعية, وذلك بغية تخفيف مشاكل المجتمع الإنساني السلبية وتحسين أوضاعه السياسية والاجتماعية. فمثل هذا النوع من التفكير حقق بشكل سريع زيادة في إمكانية خلق مجتمع جديد وفاضل أيضا .
لاشك أن الحقيقة التي ساهم العقل في اكتشافها, شجعت كثيرا آنذاك على تحرير الناس من قيود الجهل وفساد وظلم رجال الكنيسة الذين غالبا ما عملوا على التمسك بالبنية الفكرية القديمة والتقليدية التي لعبت دورا كبيرا في تكريس الجهل والتخلف والخرافة . فالإيمان بالحرية أصبح مركز اهتمام المجتمع الجديد, لذلك جاء التفكير العقلاني هنا ليقول : ( إن الحقيقة ستجعلك حرا ), وعبر الحقيقة والحرية, سيكون العالم أفضل مكان لعيش الإنسان.
إن مفكري القرن الثامن عشر التقدميين اعتقدوا أيضا بأن الكثير من أبناء الجنس البشري قد تحسنت حياتهم مع انتشار الفكر التنويري وبدأوا الوصول إلى الكثير من الحقائق التي غيبت قبل هذه الفترة . فمع امتلاك العقل والحقيقة لم يعد الفرد يرغب في أن يظل تحت رحمة رجال الكنيسة, ولا حتى السلطات الدنيوية التي فرضت قوانينها الوضعية وراحت أيضا تتحكم عبرها برقاب الناس . فمع الوصول إلى هذه الدرجة من التفكير الإنساني العقلاني يكون الاعتقاد بإنسانية الإنسان قد قطع شوطا كبيرا في مضمار المجتمع الإنساني, وبذلك يكون المشهد التنويري الذي قدمه القرن الثامن عشرقد اقترح معطيات أساسية لبناء عالم جديد للإنسان .
في عام / 1763 / قدم " روسو" ( Jean-Jacques Rousseau ) ملامح مجتمع جديد كذلك للفرد عبر سؤاله عن طبيعة العقد الاجتماعي , فعبر إجابته عن هذا السؤال وضح ( روسو ) المعنى الحقيقي للمساواة بين الناس .
إن مثل هذه الإجابات عن الحرية والمساواة الاجتماعية, لم تطرح على المستوى النظري في كتب مفكري القرن الثامن عشر فحسب, بل راحت تتجسد هذه الأفكار أيضا في تجربتين تاريخيتين على المستوى العملي العالمي, وقد حققتا انتصارا تاريخيا للمجتمع الإنساني.
التجربة الأولى: في أمريكا, التي تعهدت عبر الأفكار الجديدة الواردة في بيان الاستقلال على العمل من أجل تأسيس مجتمع حديث للولايات المتحدة . حيث مثل هذا البيان الفكرة التنويرية التي تقول : ( نحن نتمسك بهذه الحقائق كي تكون بديهة ), وهي الفكرة التي استندت بدورها إلى فكرة أخرى تقول : ( إن كل الناس خلقوا متساوين ), فدلالات هذه العبارة تعكس بوضوح ذاك الاهتمام بسعادة ورفاه الإنسان في هذه الحياة, وهي تشكل ردا على الرؤية الكنسيّة التي تقول إن سعادة الإنسان تكون ما بعد الحياة, هذه هي فكرة الحرية بشكل أساس...الحرية التي أعلنت أن حقوق الإنسان غير قابلة للمساومة .
التجربة الثانية: هي الثورة الفرنسية, ففي عام / 1789 / حاولت فرنسا عبر ثورتها الدموية أن تخلق مجتمعا جديدا من قبل الرجال الثوريين الذين قادوا هذه الثورة, وقد احتشدوا يومها يصرخون منادين بالحرية والعدالة والمساواة. ومن الضرورة بمكان أن نشير هنا إلى محاولة ثالثة تمثلت في ثورتها رؤى وأفكار التنوير مع بداية القرن العشرين, هي الثورة الروسية عام / 1905 / .
ثلاث محاولات ثورية رئيسة حاولت العمل على بناء مجتمع جديد تسوده العدالة والمساواة وفقا لرؤى ومبادئ التنوير, إلا أنها فشلت في تحقيق ما هدفت إليه في مجال التطبيق العملي, وهذه تعتبر في الحقيقة من مثاليات التنوير الذي أسس نظريا للحداثة عبر العديد من مستوياتها الفنية والسياسية والاجتماعية, وكذلك لحواملها الاجتماعية. لذلك من هنا ظل الهدف المربك للحداثة عبر كل مستوياتها هو دعوتها لإنتاج مجتمع أفضل لم يتحقق بعد, مثلما ظل السؤال المشروع يطرح نفسه علينا أيضا هو : ما هي الوسائل التي يستطيع التنوير بها تحقيق هذه الهدف ؟.
من خلال ما جئنا عليه توضحت لنا معظم هذه المعطيات المتعلقة بمعتقدات القرن الثامن عشر التنويرية, والتي على ما يبدوا أنها تهدف إلى تنوير العقل الذي يساعد بدوره على كشف الحقيقة, فالتنوير والحقيقة كلاهما وفق التنوير نتاج آلية عمل العقل والتقدم الذين تحققا في سياق البحث عن المعرفة أولا , إضافة إلى دور التعليم الذي ساعد على تحقيق المعرفة الفردية ووسائل كشفها ثانيا .
إن التطهر من الأفكار التقليدية المتحجرة للكنيسة, ومن الآيديولوجيا السياسية الجامدة, يتحقق وفق إيمان التنوير بالانفتاح على العقل والتعليم, اللذين أوصلانا إلى الحقيقة أو علمانا كيف نصل إليها, إن التعلم نوّرنا, وجعل منا مجتمعا إنسانيا متقدما, والشعب المتعلم والمتنور سيتمكن حتما من صياغة قواعد مجتمعه الجديد المناسبة لقيمة الإنسان وإبداعاته .
إن مثل هذا الفهم الراقي عن التعليم ودوره في تقدم المجتمع, واعتباره أحد أسس التنوير, بقي أيضا أساس التفكير الحداثي الغربي وقوة مفكري عصر التنوير, الذين يمثلهم هنا على سبيل المثال "توماس جفرسون" ( Thomas Jefferson ) الذي كان شغوفا في متابعة المعرفة, ومدققا وباحثا عن الحقيقة عبرها, ومخضعا كل ما تعلمه للتحليل العقلي.
إن ( جفرسون ) لم يكن مدركا لثقافة التنوير فحسب, بل عمل وبنشاط أيضا لترويجها بين صفوف المجتمع, لقد آمن ( جفرسون ) بأن البحث عن الحقيقة يجب أن يكون بعيدا عن التحيز, كما أكد على التمسك بموقف التنوير من الفكر الكنسي التقليدي, لذلك هو لم يدخل أفكار الكنيسة الضيقة في نطاق عمله الفكري, حيث شعر بضرورة إقصائها وعزلها ليس عن الدولة فحسب, بل وعن التعليم أيضا .
لقد كان ( جفرسون ) شأنه شأن العديد من مفكري عصر التنوير, الذين شقوا طريقا واضحا للفن بوجه عام وفن العمارة على وجه الخصوص, فكلا الفنيين استطاعا تقديم خدمات جليلة في مضمار العملية التعليمية التنويرية عبر تقديم أمثلة كثيرة عن خصائص هذه العملية والقيم المرتبطة بها لما لها من أهمية وضرورة في قيادة العقل التنويري.
يبدو أن ما تبقى من مثاليات في بنية المجتمع الأوربي في النصف الثاني من القرن الثامن عشر, هي نماذج كانت تعود لعالم الإغريق والرومان القديم , ( أثينا – بريكليز), وكذلك للفترة ( الجمهورية ) في روما, وللتذكير لقد قدمت هذه النماذج المثالية المتبقية, أمثلة جميلة عن مبادئ الديمقراطية في الحكم, وعن أعمال البطولة والفضيلة والتضحية بالنفس وتكريس المدنية في حياة الناس وتصرفاتهم الوطنية.
بيد أن مسألة الصراع ما بين القديم والحديث تركت اعتقادا سائدا عند بعض المفكرين يقر بأن العالم القديم قد أنجز نوعا من الكمال للمجتمع الإنساني, وأن المثالية في الكثير من رؤاها جاءت في فهمها قريبة من فهم التنوير للحقيقة . فهذا "جان وينكيلمن (Johann Winckelmann ) على سبيل المثال لاالحصر, كان مقتنعا بأن الفن ( الإغريقي ) كان كاملا بمعظمه, وقد وجه الفنانين ليتمثلوا ( Apollo Belvedere ) .
تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم
الصفحة الرئيسية | [2] [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا
جميع الحقوق محفوظة © 2009 صوت اليسار العراقي
الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا |
|
---|