<%@ Language=JavaScript %> د.عدنان عويّد  إشكالية المثقف والمثقف العضوي

   

لا

للأحتلال

لا

للخصخصة

لا

للفيدرالية

لا

للعولمة والتبعية

حضارة بلاد الرافدين   

    

                                              

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين                                    

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                            

 

 

إشكالية المثقف والمثقف العضوي

 

 

د.عدنان عويّد 

 

      المثقف هو من امتلك المعرفة وتعامل معها عقلانيا, واستطاع تحويلها إلى قوة مادية فاعلة ومؤثرة في مسيرة حياته و حياة مجتمعه المادية والفكرية معا, ونتائج التأثير هنا غالبا ما تحدد طبيعتها وأهدافها المصالح المادية والمعنوية المعبرة عن واقع وطموحات الحوامل الاجتماعية لهذه المعرفة  أو من تعبر عنهم هذه الحوامل في مرحلة تاريخية محددة, وهم هنا القوى الاجتماعية المضطهدة والمحرومة تاريخيا بفعل الاستغلال والاستعباد والاستعمار.  

    أما المثقف من حيث طبيعته ووظيفته والنسق المعرفي الذي يشتغل عليه, ليس أ نموذجا  واحدا, فهناك أشكال أو نماذج متعددة للمثقف , والنمذجة هنا تأتي صيغاً فكرية تعمل على توصيف الظاهرة وتحديد أبرز سماتها وخصائصها في نطاق المجال النظري , أكثر من فرض حكم قيمة عليها , على اعتبار أن الأحكام غالبا ما تحدد  طبيعتها الممارسة . وبناء على ذلك يمكننا أن نطرح هنا مجموعة من النماذج المثقفة أهمها:     

      1- مثقف نال تحصيله التعليمي وحقق شهادات عليا في نسق معرفي محدد -  باب من أبواب العلوم -   أو تخصص في هذا النسق المعرفي, وهذا المثقف غالبا ماتنطبق عليه صفة ( متعلم ) أو أكاديمي  أكثر منه مثقفاً وفق التعريف الذي حددناه أعلاه للمثقف  .

     2-  مثقف اشتغل على نسق أخر من المعرفة وبخاصة النسق الديني, وتخصص في هذا النسق وألم بالكثير من مفرداته, وغالبا ما تنطبق على هذا الأنموذج  صفة شيخ , أو عالم , أو مفكر إسلامي, أو حتى من نال صفة دينية رسمية مثل ( مفتي, مدير أوقاف , قس , كاردينال , بطريرك .. الخ ),  وهذا الأنموذج من المثقفين الدينيين تتوزع رؤاهم المعرفية في اتجاهين أساسيين هما : الأول  إتجاه أصولي متزمت أغلق النص الديني وحدد دلالاته عند حدود تفسير المجتهدين الأوائل, فأصبح كل جديد في معطيات الحياة بدعة, وكل بدعة ظلاله, وكل ظلاله في النار, وبالتالي سيكفر, ويزندق, وربما يحاكم ويسجن, أو ينفى كل من يخرج على هذا الفهم المغلق للمعرفة الدينية .   والثاني تجاه تنويري عقلاني ربط النص الديني بالواقع وحركته المستمرة, وفي تبدل وتغير مصالح الناس المرتبطة بحركة الواقع ذاته, وعند هؤلاء جاء النص الديني مفتوحا في دلالاته على الخير الإنساني المطلق, وبذلك سمح هذا الاتجاه  للاجتهاد أن يستمر انطلاقا من أن لكل زمان قضاياه ورجاله, فمجتهدو هذا الزمان هم أيضا رجال, وقد توافر لهم من سبل المعرفة وأدواتها مالم يتوفر لرجال ذلك العصر. فالدين أساسا جاء لسعادة الإنسان والفسح في المجال واسعا لحريته واكتساب معارفه, وتحقيق كرامته وعدالته, فلماذا إذن الحجر عليه وتكبيله وربطه كليا بماض, غالبا ما دعا النص الديني نفسه إلى ضرورة تجاوز كل ما أصبح فيه يشكل عائقا أمام تقدم الإنسان ورقيه , و صورة ( أهل الكهف ) هنا على سبيل المثال لاالحصر تؤكد رؤية هذا الاتجاه .                        

     3- مثقف مهاتر :  غالبا ما تكون ثقافته عن طريق قراءة الصحف والمجلات ومتابعة نشرات الأخبار والمحاضرات والندوات .. الخ, وهذا الأنموذج  يمكن اعتباره مثقفا مطلعا على مجريات الأحداث السياسية العامة  أكثر من كونه مثقفا في المفهوم العام للثقافة, لأن ما حصل عليه من معلومات غالبا ما تفتقد إلى التنظيم والتنسيق, لذلك نجد أن المزاجية والرغبوية والنظرة التجزيئية الضبابية والمشوشة  للأحداث هي التي تتحكم في مسار تفكيره ونقاشاته وسلوكياته, وهذا برأيي يعتبر من أخطر أنواع المهتمين بالثقافة على المجتمع  كونك لا تعرف ماذا يريد,إضافة إلى أنه هو  ذاته لا يعرف ماذا يريد, ولاغرابة أن تجده تارة يساريا, وتارة معتدلا, وتارة يمينيا متطرفا, وتارة ليبراليا ... الخ, بل هو يميل دائما في تفكيره وفقا لما علق في ذهنه من رؤى وأفكار تمس الموضوع الذي يتم حوله النقاش في اللحظة المعيشة ,  والخطورة الناتجة عن أفكار وسلوكيات هذا الأنموذج من دعاة الثقافة تكون كبيرة أيضا على المجتمع عندما تكون هذه النماذج من المثقفين في مواقع سلطوية, سياسية كانت أم إدارية .

     4- المثقف المرتزق أو المأجور  : وهو مثقف يعرف من أين تؤكل الكتف, هدفه إستثمارما يمتلك من مخزون ثقافي في الكسب المادي لاغبر, لذلك نجده دائما على استعداد لبيع قلمه لآية جهة كانت, طالما أن هذه الجهة أو تلك  تدفع  له حتى لو كان ما يراد منه الكتابة عنه ضد قناعاته,  أو ضد مصالح مجتمعه والإنسان عموما.    

     5- المثقف ألرسولي أو التبشيري : وهو مثقف ممنهج لاينتمي لتنظيمات سياسية على وجه العموم, أو ربما كان منتميا في يوم من الأيام وأضطر إلى ترك التنظيم بعد أن تجاوز هذا التنظيم فكريا, أو أجبر قسرا على تركه, وهو على درجة عالية من الثقافة بأنساق معرفية مختلفة, يعتمد في تحليله وتركيبه للظواهر الاجتماعية والفكرية على منهج فكري عقلاني, استطاع من خلاله أن يربط بين هذه الأنساق المعرفية ليوظفها التوظيف الأمثل في رؤية عقلانية نقدية يخدم فيها الإنسان الفرد والمجتمع معا, منطلقا في توجهاته وسلوكياته من منطلق أخلاقي يقر بأن المعرفة سلاح يجب أن يكون له وظيفته في هذه الحياة  من أجل تقدم الإنسان عموما وتحقيق سعادته وتخليصه من أوهامه وضياعه واستلابه وحالات تشيئه واستبداده والقهر الذي مورس عليه ولم يزل.

     6- المثقف العضوي : وهو المثقف الذي يجمع في ثقافته خصائص كل من المثقف التبشيري والمثقف الملتزم سياسيا وتنظيميا , فإضافة إلى سعة ثقافته وتنوعها والتزامه الأخلاقي / ألقيمي  بما يحمل من رؤى ثقافية يعمل على نشرها بين أفراد المجتمع من أجل الرقي بهم وتجاوز تخلفهم, فهو مثقف مسيس أيضا كما أشرنا, أي مثقف ينتمي لتنظيم حزبي وأيديولوجية محددة تعبر عن طموحات قوى طبقية محددة غالبا ماتكون مسحوقة ومضطهدة, ونشاطه وفق هذا المنطلق يميل  أو يتجه وفقا لطبيعة المرحلة التاريخية التي يمر بها المجتمع, ودور ومكانة وفاعلية تنظيمه السياسي, إن كان هذا التنظيم في السلطة  أم خارجها, ففي كلتا الحالتين يواجه هذا المثقف إشكاليات من داخل تنظيمه أو من خارجه معا  .

      فعلى مستوى التنظيم الداخلي, تكمن اشكالياته مع الكثير من عناصر تنظيمه, وبخاصة إذا كان هذا التنظيم ذا صفة شعبوية تغلب فيها القيادات النخبوية على حساب الطليعية, فالعناصر المثقفة ( الطليعية ) في هذا التنظيم غالبا ما تكون قليلة, لذلك يقع هذا المثقف محط أنظار الآخرين في التنظيم فيكون الأكثر نقدا من قبلهم لالكونه يخطئ أو يصيب أثناء ممارسته النشاط الثقافي داخل التنظيم, بل كون من يعمل على انتقاده أقل ثقافة منه, وربما لعدم قدرتهم على إدراك  دلالات ما يقوله, أو أن بعضهم يشعر أنه منافس له,  ولا نغالي إذا قلنا غالبا ما يتهم هذا المثقف من قبل عناصر تنظيمه بالانحراف الفكري, و بالكفر والزندقة والمروق على الدين إذا تجرأ وتكلم بعلمانية التنظيم الذي ينتمي إليه, أو أبدى عقلانية أفكار ومبادئ حزبه, والمسألة الأكثر خطورة في هذا الاتجاه تأتي إذا كان الحزب الذي ينتمي إليه قد وصل إلى السلطة وأخذت تنخره الانتهازية من الداخل, ففي مثل هذه الحالة غالبا ما يشتد الحصار على المثقف ويعمل على تهميشه أو إقصائه, وفي الكثير من ألأحيان وتحت ما يعاني من ضغوط يضطر هذا المثقف إلى ترك التنظيم, وفي حال تركه إما أن يذهب إلى تنظيم آخر وغالبا لايجد ضالته المنشودة, أو أن يتحول إلى مثقف تبشيري / رسولي .

     أما على مستوى الخارج, أي المجتمع , فيجد المثقف العضوي, الكثير من المعاناة داخل المحيط الاجتماعي الذي ينشط فيه أيضا, وهذه المعاناة غالبا ماتكون من الذين يختلف معهم في الرؤية والمنهج أولا, ثم من قبل أشباه المثقفين وبخاصة المهاترين منهم ثانيا, فيأتي توصيف هؤلاء له شبيها بتوصيف أعدائه من داخل تنظيمه نفسه أو متكئا عليه, وما يزيد الطين بلة هو وقوعه بين مطرقة العناصر الجاهلة والانتهازية في تنظيمه من جهة, وسنديان أعداء التنظيم في المجتمع  من جهة ثانية, فيضاف إلى  توصيفه السابق الذي وصف به من قبل عناصر تنظيمه ( الأخوة الأعداء) في مثل هذه الوضعية , على أنه مثقف سلطة, وانتهازي, ومرتزق... الخ .

     هذه هي بعض معاناة المثقف العضوي الذي يعمل في مجتمعات العالم الثالث , هذه المجتمعات التي أكثر ما يحتقر فيها المثقف والثقافة معا .           

 

كاتب وباحث من سورية

d.owaid50@gmail.com  

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

 

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا