<%@ Language=JavaScript %> د.عدنان عويَد  في مفهوم الحرية ومعطياتها

   

لا

للأحتلال

لا

للخصخصة

لا

للفيدرالية

لا

للعولمة والتبعية

حضارة بلاد الرافدين   

    

                                              

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين                                    

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                            

 

في مفهوم الحرية ومعطياتها

 

 

د.عدنان عويَد *

 

     كثرت مع ما يسمى (ثورات الربيع العربي) مسألة تناول الحرية والتعاطي معها من قبل كل من وجد ضالته في قيام هذه الثورات, فلم نعد نستغرب أن مسألة الحرية أصبحت مطلباً في هذه الثورات لكل من الثوار الحقيقيين, ولمدعي الثورية. وللظلاميين التكفيريين, ولتجار الحشيش والدعارة, وللصوص, ولليبراليين والليبراليين الجدد, والأكثر طرافة في هذه المسألة أن من أبرز حماتها في هذه الثورات على المستوى الرسمي والدولي هم: أمريكا وفرنسا وبريطانيا والكيان الصهيوني وحكام دول الخليج .

     حقيقة لقد اختلط الحابل بالنابل كما يقول المثل العربي, حيث ضاعت سمات وخصائص الحرية التي يعرفها دعاتها الحقيقيون, ومن أسس لها ومارسها عملياً وضحى بالغالي والنفيس من اجل الحصول عليها, باعتبارها الهدف الذي يصل فيه الفرد والمجتمع إلى تحقيق جوهر الإنسانية بما تمثله هذه الإنسانية, من عدالة ومساواة بكل دلالاتها ومستوياتها.

في المفهوم:

     انطلاقاً من هذه المقدمة, دعونا نعود إلى تناول مفهوم الحرية لنرى كم شوهها دعاتها اليوم, وكم حاولوا أن يستغلوا سموها ونقاءها من أجل تحقيق مصالح أنانية ضيقة, ونشر لسياسات الفوضى الخلاقة التي نظّر لها رجال الرأسمال الاحتكاري العالمي وأدواته في منطقتنا العربية.

     نقول هنا: إن الحرية في سياقها العام, مفهوم إشكالي وأخلاقي معاً. وهي من حيث الشكل, تعتبر, الحياة اليومية المباشرة مجسدة في سعادة الإنسان وعدالته وأمانه واستقراره وتطوره وكرامته, بل وكل ما يعبر عن جوهر إنسانيته. أما في المضمون, فهي وعي الإنسان (الفرد والمجتمع), لحاجاته الإنسانية المشروعة, الروحية منها والمادية معاً, والعمل على تحقيق هذه الحاجات دون إكره أو إلزام.

     إذا كانت الحرية في الشكل واضحة في معطياتها ودلالاتها, فهي بالمضمون بحاجة للتوضيح أكثر. وإذا كانت الحرية في الموضوع هي وعي وممارسة الحاجة, أي , (الضرورة), فهذا يعني أن الحرية في هذا المعنى قد فٌتحت على المطلق في دلالاتها.

 أي هي الحرية في معطياتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية. أو بتعبير آخر, هي السعي لكشف (وعي) وتجاوز كل ما يعيق أو يمنع الإنسان من تحقيق إنسانيته بشكل دائم أو مستمر.

 مقومات الحرية وشروط ممارستها:           

       أولاً- الوعي بمفهوم الحرية. أي (المعرفة) بشقيها, النظري والعملي معاً.

فعلى المستوى النظري: لا بد لطالب الحرية أو ممارسها أن يدرك أهمية معرفة الحرية ودلالاتها. ففاقد الشيء لا يعطيه, إذ كيف يستطيع الإنسان أن يطالب أو يمارس أية قضية دون أن يعرف معناها ودلالاتها والنتائج المترتبة عليها. وأقف هنا عند دلالات الآية القرآنية الكريمة التالية وهي أول آية نزلت : ( إقرأ بإسم ربك الذي خلق, خلق الإنسان من علق, إقرأ وربك الأكرم, الذي علّم بالقلم, علّم الإنسان ما لم يعلم.). إن من يتمعن فكرياً في دلالات هذه الآية الكريمة, يجد أن الله قد دعا الرسول إلى معرفة الدين الذي سيقوم بالدعوة له قبل إعلان دعوته, أي أن يتحرر من جهل الحرف وكل ما يترتب عليه معرفياً, من اجل معرفة الرسالة التي سيحملها وينشرها بين الناس. لذلك أمره أن يقرأ ويتعلم بالقلم ما لم يعلم, والمعرفة هنا تكتسب اكتسابا, بل تغتصب بجهد الإنسان ولا تأتي من فراغ. وهذا يدفعنا إلى الحديث عن الشق الثاني في الحرية وهو :

 المستوى العملي: إذا كانت المعرفة النظرية هي الوجه الأول للحرية, فإن الممارسة هي الوجه الآخر لها, وبها تكتمل مسألة اكتساب او تحقيق الحرية. فالممارسة تبين لنا جوانب صحة رؤانا ومعارفنا والسعي لإغناء هذه المعارف والممارسة معاً, وكذالك اكتشاف أخطاء وعيوب هذه الرؤى والمعارف والممارسة والعمل على تلافيها. 

ثانياً- المسؤولية تجاه ما نسعى لمعرفته وممارسته. وهي مسؤولية مشتركة ومركبة معاً. مسؤولية الفرد تجاه ذاته واتجاه المجتمع, ومسؤولية المجتمع اتجاه ذاته واتجاه الفرد أيضاً. وهدف هذه المسؤولية هو ضبط ممارسة الحرية بما يخدم إنسانية الإنسان ونموه ورقيه الدائمين. وإذا كانت مسؤولية الفرد مرتبطة به هو ذاته, أي مرتبطة بدرجة وعيه وقيمه الأخلاقية الحميدة, وشعوره بالمسؤولية تجاه الآخرين. فللمجتمع مؤسساته الرسمية والمدنية, وبالتالي فإن ممارسة المسؤولية تقع هنا على كافة هذه المؤسسات.

ثالثاً – نسبية الحرية: كل شيء في هذه الحياة نسبي, وكذلك الحرية, والحرية غير المشروطة بإنسانية الإنسان تتحول إلى فوضى. لذلك لا بد للحرية من قوة تحميها وتصونها وتضبط حركة سيرها في المسار الصحيح, وهنا يأتي دور المسؤولية بشقيها في ضبط هذه المسيرة, ممثلة بوعي الفرد وثقافته وتربيته, ومسؤولية المجتمع بمؤسساته, وقوانينه وأعرافه وتقاليده  وغير ذلك.

 

مدارس وتيارات الحرية :

المدرسة الليبرالية: وتقسم إلى مدرستين هما :

الليبرالية الكلاسيكية.

 والليبرالية الجديدة.

     أما المدرسة الليبرالية الكلاسيكية فيوجد فيها تياران فكريان تنافسا على استخدام مفهوم الحرية بالذات والقضايا المتعلقة بهذا المفهوم.

التيار الأول : ويعتقد دعاته أن الحرية الوحيدة التي تكتسب المشروعية هي التي تدعو إلى امتلاك القدرة على التحرر من الإكراه والجبر الذي يفرض على الفرد والمجتمع, وبالتالي فإن تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي ومحاولة التخطيط له, يشكل قوة جبرية تحد من حرية الأفراد الاقتصادية, لذلك هم يرفضون تدخل الدولة في هذا الاتجاه, كما انهم يعارضون ما يسمى دولة الرفاه. وهي الدولة التي تدعوا إلى التصالح الطبقي أكثر من دعوتها إلى حل مسألة الصراع الطبقي حلاً ثورياً.

التيار الثاني: وهو تيار يدعو إلى توسيع مجال الحريات الاجتماعية,  ويؤكد على ضرورة ان تأخذ الدولة أي دور فاعل وقادر على النهوض بحرية المواطنين, كما يعتقد دعاته أيضاً بأن الحرية الحقيقية يمكن أن توجد فقط عندما يكون المواطنون في حالات ازدهار اقتصادي وثقافي ومتحررين فعلاً من فقرهم المدقع, هذا إضافة إلى تأكيده على تحقيق حقوق المواطنين في الصحة والتعليم والأجر المناسب للعامل. كما أن دعاته يفضلون سن القوانين التي تواجه التمايز في المسكن والعمل, وتلوث البيئة  والمساعدة على تحقيق الرفاه الاجتماعي, والحد من البطالة وتقديم الإعانات والمنافع المادية للمشردين والمنكوبين من الكوارث البيئية. 

     إن هذه المدرسة جاءت في الحقيقة متزامنة مع قيام الثورة الصناعي في أوربا من جهة, وما أفرزته هذه الثورة من معاناة إنسانية للشعب عموماً, والطبقة العاملة على وجه الخصوص من جهة ثانية, هذه المعاناة التي كانت وراء أفكا ر روسو, ومونتسكيو, وفولتير , وهيوم وغيرهم ممن نظروا للحرية والعدالة والمساواة ودولة القانون, وغير ذلك من الشعارات التي أسست للثورة الفرنسية فيما بعد. هذا إضافة لمعاصرة هذا التيار المد الاشتراكي وقيام المنظومة الاشتراكية, لذلك كانت شعاراته ومطالبه تميل كثيراً إلى العدالة الإنسانية, بغية الحفاظ على استقرار المجتمع الرأسمالي وتجنبه السير في ثورات شعبية سياسية ممكن أن تقضي على النظام برمته في أوربا.  

         

 المدرسة الليبرالية الجديدة:

وهي المدرسة التي بدات إرهاصاتها الأولية مع نهاية الحرب العالمية الثانية, ومن ثم راحت تتعمق في طرحها وتكشف عن نوايا وطموحات دعاتها بعد انهيار المنظومة الاشتراكية.  

     أما أهم أطروحاتها فهي, العمل على نفي وتدمير وتجاوز كل ما هو إنساني, أو يدعوا إلى الرقي بالإنسان, بالتالي لابد من التمسك بما يساعد على تجسيد وتعميم ثقافة وأخلاقيات ما يساهم في تكريس مفاهيم الموت والدمار وعدم التواصل والتفكيك والتذرير المجتمعي والدولي, وغير ذلك من المفاهيم المنتمية إلى العبث واللامعقول.هذا وقد روج لأفكار هذه المدرسة العبثية أو ما سمي في الفكر الفلسفي والأدبي والفني بـ (ما بعد الحداثة), العديد من الفلاسفة والأدباء والفنانين.

ففي الفلسفة كان سارتر في وجوديته, وروجيه غارودي ودعوته إلى التفتيتية  في كتابه (نداء إلى الأحياء), وهناك ميشال فوكو وجاك ديدرا وهبرماس وبشلار. وفي الفن كان السلفادور دالي في (الدادية) ممثلة في السريالية, كما كانت هناك المدرسة التكعيبية, وفي علم الاجتماع, كانت المدرسة الوضعية والبنيوية والدارونية الاجتماعية والفرويدية والنيو فوريدية... وفي ذلك الكثير , بحيث لم يعد حتى بمقدور المتابع للحركة الفكرية والأدبية والفنية الركض وراءها والوقوف عند دلالاتها أو ممثليها.  

     إن كل ما طرحه دعاة هذه المدرسة, راح يشير في الحقيقة إلى الموت والعدم والعبثية. فنهاية التاريخ  لفوكو ياما, تضمنت على سبيل المثال في سياقها العام الأفكار الأساسية لما بعد الحداثة وهي : موت الفن, وموت النزعة الإنسانية, والعدمية, وعودة الميتافيزيقيا, والتفكيكية, والتشتت واللااستمرارية, والتذرير الاجتماعي والقومي.  

الحرية في تراثنا ومعاصرتنا:

     لقد ساد سجال وصراع عميقان في التراث العربي الإسلامي, ولم يزالا قائمين حتى عصرنا الحاضر بين كل من نادى بالأمس وينادي اليوم بالجبرية والقدرية, علماً أن مرجعية كلاهما هي القرآن الكريم. فالجبرية أخذوا بالآيات التي تقول بأن الإنسان مسيرا وليس مخيراً, كقوله تعالى: ( وما يصيبكم من شيء فمن عند الله). فالخير هنا والشر كلاهما مقدر من عند الله, وما على الإنسان إلا الرضا والتسليم بقدره أو ما كتب له في لوح محفوظ. أما القدرية, أو من قالوا بحرية الإرادة الإنسانية, فقد اعتمدوا في رأيهم على الآيات أيضاً التي تقول بأن الإنسان مخير في أمره من عند الله كما تقول الآية الكريمة: ( وهديناه النجدين), أي أن الله قد خير الإنسان في فعل الخير أو اشر بإرادته, وليس جبرياً .

     إن هذين الموقفين في مسألة الحرية في تراثنا ومعاصرتنا معاً توقف عليهما الكثير من الإشكالات النظرية والعملية. فإذا كانت الإشكالات النظرية والمعرفية للفكر القدري المنادي بحرية الإرادة قد بدأت إرهاصاتها تطرح نفسها بعد وفاة الرسول الكريم, وهذا ما يشير إليه ذاك التساؤل الذي راح يٌطرح على الخليفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه, (( وهو أو من قال بحرية الإرادة قبل أن يقول بها المعتزلة, كما يقول أبن أبي حديد في نهج البلاغة - نقلا عن تاريخ الإسلام – حسن إبراهيم حسن- ج1- ص73). عندما سأله احد من كان يقاتل معه في صفين ثم انصرف عن القتال قائلاً : ( أكان المسير بقضاء الله وقدره؟.  فكان رد علي عليه : لعلك تظن قضاءً واجباً, وقدراً حتماً!. ولو كان الأمر كذلك لبطل الثواب والعقاب, وسقط الوعد والوعيد, ولما كانت تأتي من الله لائمة لمذنب, ولا محمدة لمحسن.... وهذا رأي إخوان الشياطين وعبدة الأوثان وشهود الزور وخصماء الرحمن وأهل العماء عن الصواب في الأمور ...إن الله أمر تخيراً, وانهى تحذيراً, ولم يكلف جبرا,ً ولا بعث الأنبياء عبثاً... ). ثم راح التيار القدري فيما بعد يتبلور أكثر فأكثر في الحياة الفكري والسياسية للدولة العربية الإسلامية مع (غيلان الدمشقي) والمعتزلة إلى مدرسة فكرية  تواجه الحكم الأموي الذي حول الخلافة إلى ملك عضوض. ومع الخلفاء العباسيين (الأمين والمأمون والمقتدر) تحول الموقف القدري إلى موقف سياسي تتبناه الدولة ذاتها, ليأخذ بالانحدار فيما بعد شيئاً فشيئاً مع الخليفة العباسي (المتوكل), حيث تحول إلى موقف فكري فلسفي يتبناه هذا المفكر الإسلامي أو ذلك كما هو الحال عند (ابن رشد) الذي كان يقول : ( ليس من المفروض عليَ لكي أكون حكيماً أن أكون نبياً, فطالما أنا امتلك العقل فأنا حكيم). وهو نفسه الذي راح فيما بعد يقدم دفوعاته الفكرية الفلسفية عن الفكر العقلاني القدري ضد دعاة الفكر الجبري الإمتثالي في كتابه (تهافت التهافت).أما في عصرنا الحاضر فقد تجسد الفكر القدري لدى كل الكتاب والمفكرين والتنظيمات السياسية والثقافية التي تتبنى الفكر العقلاني والعلماني رؤية ومنهجاً في حياتها العملية والفكرية.

     إذا كنا قد قدمنا في هذه العجالة مسيرة الفكر القدري في سياقه التاريخي, فسنشير أيضاً في العجالة ذاتها إلى مسيرة الفكر الجبري, لنقول: إن بداياته النظرية والسياسة معاً كانت مع (جهم بن صفوان) الذي نظر بهذا الفكر لسلطة البيت الأموي بعد أن حولوا الخلافة إلى وراثة, حيث اعتبر دعاة هذا الفكر أن ما يقوم به الأمويون هو أمر مفروض ومقرر من قبل الله, وما على الرعية إلا الخضوع لإرادة الله. ليأخذ هذا الفكر أبعاده الفلسفية (الكلامية) مع انس بن مالك, ثم مع (المتوكل – بداية العصر العباسي الثاني) مع صعود نجم الأشاعرة بزعامة (أبو الحسن الأشعري), ليصبح الفكر السلفي الجبري الإمتثالي, هو الفكر الرسمي للدولة, وليصعد معه دور الحنابلة إلى الذروة, حيث راح يمارس الاضطهاد بحق رجال القدرية وفكرهم. مع بداية القرن الحادي عشر, ظهر (أبو حامد الغزالي) الذي اعتبر شيخ السلفية, وراح بدوره ينظر فلسفياً للتيار السلفي الجبري ضد التيار القدري في كتابه (التهافت). وصولاً فيما بعد إلى (ابن تيمه وابن قيم الجوزية) الذين شكلا مدرسة للجبر لم تزل قائمة حتى هذا التاريخ ممثلة بالفكر الوهابي التكفيري, وهي المدرسة التي تمارس اليوم قهرها وجهلها واستبدادها على حيتنا ومستقبلنا عبر كل من الإخوان والقوى السلفية المدعومة مادياً وسياسياً من آل سعود وآل ثاني على وجه الخصوص.

 

*  كاتب وباحث من سورية

d.owaid50@gmail.com

 

 

              

       

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

 

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

الأثنين, 28. نيسان 125