<%@ Language=JavaScript %> د.عدنان عويّد  الأمة العربية ووعي الذات (6 من 7)

   

لا

للأحتلال

لا

للخصخصة

لا

للفيدرالية

لا

للعولمة والتبعية

حضارة بلاد الرافدين   

    

                                              

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين                                    

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                            

 

الأمة العربية ووعي الذات

 

(6 من 7)

 

 

د.عدنان عويّد 

 

 

 سمات وخصائص الخطاب السياسي العربي :

     آ: إن غياب الظروف الموضوعية والذاتية لتشكيل طبقة واعية لذاتها   قادرة على قيادة الدولة والمجتمع في الوطن لعربي, ساعد على تجذير  وتبلور فكرة البطل المنقذ بشقيه السياسي والاجتماعي معا. ففي الشق السياسي ظهر الكاريزما, أو الشخصية (الصمدانية) على حد تعبير الصديق الراحل المفكر العربي (هادي العلوي), أو ما يسمى تاريخياً بالمستبد العادل, وهي في عمومها شخصية شعبوية, تعتمد في قيادتها على أسس مركزية, وغالباً ما تجلت في الأحزاب الديمقراطية الثورية, وبعض الأحزاب اليسارية. أما في شقها الاجتماعي فكان شيخ العشيرة والقبيلة والطائفة والمذهب والطريقة. والطريف في الأمر أن فكرة البطل هذه وخاصة في شقها السياسي, راحت تظهر أيضاً في أنظمة دول الخليج, فكثيراً ما رحنا نسمع عن صفة حكيم الأمة وحليمها تطلق على هذا الملك أو الأمير .  

     ب : إن غياب الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي تاريخياً, ساعد على استمرار وبلورة البني الاجتماعية الضيقة والمأزومة هنا, وبالتالي لم يسمح هذا الوضع بتحقيق إمكانية تشكل الدولة المؤسساتية بصيغها المتقدمة كدولة مدنية, أو دولة القانون, يكون ولاء المواطنين لها بالضرورة, بقدر ما ساعد على استمرار تلك الولاءات التقليدية المغلقة وتعميقها, مثل الولاءات العشائرية والطائفية والمذهبية, كبديل عن الولاء للدولة. وهذا ما أوقع الدولة العربية في أزمات مغلقة أيضاً ساهمت في زيادة تعقيد آلية عمل خطابها السياسي, إن كان على مستوى التنظيمات الحزبية, أو على مستوى عمل الدولة ذاتها, حيث ظلت البنية الإدارية والتنظيمية لهذه الأحزاب وهذه الدول مخترقة من قبل هذه المرجعيات التقليدية المأزومة.. فكثيراً ما رحنا نجد أن هذا الحزب قد سيطرت علية القبيلة أو العشيرة أو الطائفة أو العرق الفلاني, أو أن هذه الكتلة قد انشقت عن هذا الحزب إرضاء لهذا العشيرة أو القبيلة أو الطائفة أو العرق ...إلخ.

     ج : في الدول العربية التي وصلت فيها الأحزاب الديمقراطية الثورية إلى السلطة, عير أذرعها العسكرية مدعومة بقواها الاجتماعية ممثلة بكوادرها الحزبية, لم تستطع هذه القوى الجديدة أن تمارس مهامها بالشكل الذي حددته لنفسها عبر شعاراتها أو أيديولوجياتها حتى النهاية بعد وصولها إلى السلطة, وذلك لأسباب كثيرة أهمها:

     1- طبيعة البنية الطبقية التي قادت هذه الأحزاب الديمقراطية الثورية, فإضافة إلى غياب الوضوح الطبقي فيها وتداخله ما بين العامل والمنتج, نجد على الغالب أن البرجوازية الصغيرة التي كنا قد أشرنا في موقع سابق إلى أبرز سماتها وخصائصها, هي من قاد هذه الأحزاب.

     2- إن طبيعة البنية الطبقية ذاتها للبرجوازية الصغيرة, كطبقة مالكة ومنتجة معاً, وما لاقته هذه الطبقة ذاتها من معوقات ومعاناة فرضها الواقع العربي المتخلف عليها أثناء قيادتها للدولة والمجتمع, والعمل على تطبيق ما حملته من شعارات ثورية, ثم لما تمتاز به من سمات وخصائص نفسية, إضافة إلى نفسها الثوري القصير وعدم خبرتها, ثم تحول بعض هذه القيادات إلى برجوازية طفيلية وبيروقراطية, جعلها تبتعد كثيرا في ممارستها عن جوهر أيديولوجياتها الثورية, وخاصة في طرحها لحل المسألة الاجتماعية, والتقسيم العادل للدخل الوطني بين المواطنين, , وأكثر ما حققته عبر الممارسة في هذه الاتجاه, هو خلق حالات من التسويات ساهمة في خدمة التصالح الطبقي أكثر من حله من جهة, وعلى إيجاد نوع من السياسات الوقائية التي تخدم التوازنات الشكلية بين مكونات المجتمع الذي تقوده من خلال توزيع المناصب السياسية بين أبناء مكونات المجتمع الموالين للحزب الحاكم, أكثر من خدمتها في إيجاد حل ثوري للمسألة الاجتماعية بناءً على فكرة المواطنة من جهة ثانية. وهذا ما ساهم بدوره في استمرارية اشكاليات البني التقليدية في الدول والمجتمع بكل مستوياتها, التي طرحت هذه القوى على نفسها حلها عند استلامها السلطة, رغم عشرات السنين من وجودها في السلطة. الأمر الذي يجعل اشكاليات هذه البني التقليدي بكل مستوياتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية تتفجر وتظهر على الساحة بشكل كإرثي عند أي أزمة حادة يتعرض لها الوطن.

     3- إن تخلف الواقع المزري الذي تحركت فيه هذه القوى الديمقراطية الثورية, وحتى اليسارية (الشيوعية), لم يحم هذه التنظيمات والأحزاب من نقل قسم كبير من قضايا هذا التخلف إلى بنيتها التنظيمية وحتى الفكرية معاً, وذلك بسبب ترسب الكثير من قيم وأفكار وممارسات هذا المجتمع التقليدية في وجدان ونفسيات بل وسلوكيات العديد من الحوامل الاجتماعية لهذه التنظيمات والأحزاب. لذلك لا نستغرب مثلاً, عندما تقوم هذه القوى المنتمية لهذه التنظيمات أو الأحزاب بنقل الكثير من تناقضات المجتمع وإشكاليات تخلفه وصراعات مرجعياته التقليدية إلى داخل أحزابها الثورية, الأمر الذي أدى هنا أن تقوم هذه الصراعات والتناقضات بنخر البنية التنظيمية والفكرية والسياسية بشكل دائم, وبتحويل الكثير من عناصر هذه الأحزاب والتنظيمات إلى قوى مضادة للثورة, أي, مضادة لمبادئ أحزابها وتنظيماتها ذاتها, كما جرى في التجربة الناصرية في مصر, وتجربة البعث في العراق, وفي سورية.

     د- أما على مستوى أنظمة دول (القبيلة والغنيمة), فقد ظلت الدولة تعمل في جوهرها على آلية النظام "البطريريكي" الأبوي, بالرغم من أن الثورة النفطية استطاعت أن تخلق في تلك البلاد بعض العلاقات الإنتاجية الجديدة, وبخاصة في قطاع الخدمات التجارية والمصرفية, وحتى الصناعية, مثل الصناعات البتروكيمياوية البسيطة, والصناعات التجميعية, أو الصناعات ذات اللمسات الأخيرة. هذا إضافة إلى خلق حراك اجتماعي جديد أيضا ساهم بشكل خاص على تشكل الطبقة الوسطى, بما يتناسب والتحولات لتي تمت في الوجود الاجتماعي وعلى رأسها التعليم وبنية الدولة. بيد أن الخطاب السياسي لهذه الدول ظل يتمحور قبل أي شيء آخر حول الحفاظ على طبيعة النظام الأبوي القائم وإعادة إنتاجه. وإن كان هناك بعض ردود الأفعال السياسية المناوئة للسلطة الحاكمة والتي قلما تظهر بشكل واضح هنا وهناك, وهي تحركات غالباً ما يظهر عليها الطابع الديني/ الطائفي, على الرغم من جذورها الطبقية العميقة التي جاءت أصلا في هذه البلاد عن المواقف الطائفية ذاتها التي تمارسها السلطة الحاكمة ضد شعبها, كما هو الحال في السعودية والبحرين. ومع ذلك فالعلاقة هنا ما بين الطبقي والطائفي علاقة تضايفية بامتياز.

     إن الملفت للنظر في منظومة دول الخليج, كمنظومة حكم عفا عليها الزمن, وهي لازالت تمثل الأنظمة المملوكية القروسطية, أنها راحت تتمحور على ذاتها, ويشعر حكامها والكثير من أفراد الشعب الخليجي نفسه بفوقيتهم وبتمايزهم عن بقية أبناء الشعب العربي ثقافة وسلوكا وقيما أخلاقية, بل غالباً ما شعروا أنهم أصبحوا أقرب إلى قيم الغرب الحضارية منها إلى العربية, كما راح حكام هذه المنظومة يعملون وينسقون في الكثير من الأمور التي يشعرون بإمكانية تهديدها لأمنهم واستقرارهم بشكل منعزل عن الدول العربية الأخرى, وهذا ما دفهم – أي حكام الخليج - أن ترتموا في أحضان الغرب وأمريكا لحمايتهم من خلال سماحهم لوجود قواعد عسكرية للغرب وأمريكا في بلادهم من جهة, ومن جهة أخرى البحث عن تحالفت عسكرية ما بين أنظمتهم, (درع الجزيرة) تساهم في مقاومة أي خطر خارجي أو داخلي يتعرض له أي نظام من هذه الأنظمة, كما يجري اليوم في البحرين حيث تدخل آل سعود لقمع الثورة الشعبية في البحرين بإسم اتفاق درع الجزيرة. ومن جهة ثالثة, تحولت أنظمة الخليج إلى أدوات بيد الغرب وأمريكا لتنفيذ مصالحها على حساب مصالح الأمة العربية بالكامل, وهذا الدور التخريبي الخياني بدأ يظهر واضحاً فيما يسمى ثورات الربيع العربي, عبر دعمها للقوى التكفيرية السلفية والإخوانية, والتنسيق المباشر مع أمريكا وإسرائيل من أجل القضاء على ما تبقى من حركات التحرر الوطني, أو ما تبقى من الفكر القومي واليساري عموماً بكل اتجاهاته التنويرية, وبخاصة العلمانية والعقلانية منها .

     هـ- إن نسبة كبيرة من الأنظمة العربية تفتقد في خطابها السياسي إلى المشاركة الجماهيرية, أو التعددية السياسية, أي هي أنظمة كليانة, وسياستها بشكل عام تجاه الجماهير وتجاه الدول العربية المجاورة لها سياسة وقائية, تحتوي في نسيجها العام على بذور الخطر والخوف تجاه نظمها, الأمر الذي دفع قسماً كبيراً من هذه الأنظمة التي تفتقر إلى المرجعية الشرعية لوجودها, إلى عقد تحالفات واتفاقيات مع الخارج لمقاومة أي خطر جدي يمكن أن يهددها, وهذا ما كلف بعض الدول العربية أحيانا فقدانها للعديد من قراراتها السياسية والاقتصادية الحيوية الطابع, والتي تهم في المحصلة ليس مصالح شعب هذه الدولة فحسب بل مصالح المشروع القومي العربي بالكامل.

     أما ما سمي بثورات الربيع العربي التي أوصلت بعض القوى السياسية إلى السلطة وبخاصة (الإخوان المسلمون) عبر انتخابات شرعية, نجد أن هذه القوى التي كانت تنتقد في خطابها السياسي الأنظمة السابقة بأنها أنظمة دكتاتورية وشمولية, راحت هي ذاته تستفرد بالسلطة وتمارس دكتاتوريتها باسم الشرعية, بل أنها اعتمدت على أنظمة أخرى أجنبية وعربية أكثر رجعية, من أجل وصولها إلى السلطة. 

     عموماً لا نضن أن الإجابة على الأسئلة التي طرحناها على أنفسنا أعلاه, ستكون سهلة أيضا, وبخاصة تحت مظلت هذه الظروف الدولية التي يمر بها العالم وأمتنا العربية على السواء, فإضافة إلى ما قمنا بعرضه وتحليله للعديد من الظروف التي تعيشها أمتنا العربية, فهي تتعرض اليوم إلى شكل من أشكال الهيكلة بما يتناسب وطبيعة مصالح الرأسمال الاحتكاري العالمي, عبر ما يسمى الشرق الأوسط الجديد, وذلك بغية القضاء على ما تبقى من تطلعات قومية ونهضوية وتحررية في الساحة العربية.

     إن النظام العالمي الجديد يريد عملياً إلغاء مقومات الأمم الأخرى, أي إلغاء السمات والخصائص التي تميز عملياً كل أمة عن غيرها من الأمم, وفرض صيغة عالمية "كوزموبولوتية" جديدة. وإذا كانت مسألة سوق الشرق الأوسط الجديد في منطقة الشرق الأوسط عموماً ومنطقتنا العربية على وجه الخصوص, تأتي الآن في مقدمة التدابير العملية التي ينتهجها الغرب وأمريكا من أجل محو فكرة القومية العربية في إطارها الجغرافي من ذاكرة المواطن العربي, وترسيخ واقع جيو سياسي جديد يتضمن إسرائيل في محيطه, فإن ما تمارسه أمريكا على وجه الخصوص, إن كان عبر أدواتها الرخيصة من بعض الأنظمة العربية الرجعية, أو عبر الثورة المعلوماتية وتكنولوجيا الفضاء, من تسويق لبرامج ثقافية وفنية تحمل في مضامينها قيماً أخلاقية وسلوكية ذات طابع استهلاكي, ما هي في الحقيقة إلا تكملة للمشروع الكوزموبوليتي الجديد بأنموذجه الأمريكي الاستهلاكي. بيد أن عملية تسييد هذا الأنموذج على العالم لن تتم بهذه السهولة أو البساطة كما يحاول أن يقرر البعض, فالأمم التي حققت وجودها التاريخي, لم تحقق هذا الوجود من فراغ, كما أسلفنا في موقع سابق من هذه الدراسة, كما أن مقومات وجودها الأنطولوجي والروحي معاً, لم تتشكل في يوم وليلة, بل هي نتاج سيرورة وصيرورة تاريخيتين طويلتين, وهذه المقومات كما بينا أيضاً, لا يمكن أن تنقل من أمة إلى أمة, ولا يمكن أن تزرع زرعاً في تربة غير تربتها, إنها في الحقيقة نتاج آلية إنتاج خاصة ومعقدة تدخل في نسيج البنية النفسية والأخلاقية والثقافية للمجتمعات أو الأمم, وهذا ما يعطي كل أمة حالة تمايزها عن الأمم الأخرى. ومع ذلك فالمطلوب من أبناء هذه الأمة لكي يحافظوا على وجودهم وحضارتهم, أن يتعاملوا بكل عقلانية مع الظروف التي تحيط بهم. فالرؤية العقلانية , أو الموقف النقدي العقلاني تجاه دراسة أية ظاهرة, يظل هو الموقف الأكثر عقلانية وعلمية في توصيف الظاهرة أولاً, ثم تحليلها إلى مكوناتها الأولية ثانياً, وبالتالي رسم الحلول الأولية لإعادة تركيبها من جديد في التوجه الذي يجب أن تكون عليه ثالثاً.

     إن ظاهرة الأمة العربية في صيغتها أو تجلياتها التي جئنا عليها في هذه الدراسة, تشكل عندنا أهم الظواهر التي يجب أن تعالج بالمنظور العقلاني إياه, وليس بالعواطف والخطابات والمواعظ الحسنة.  

    بعد هذا العرض السريع والمكثف للواقع العربي في بنيته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية, وتبيان أهم تلك المعوقات التي حالت دون تحقيق النهضة العربية, نعود من جديد للسؤال النهضوي الإشكالي المشروع وهو: كيف تستطيع الأمة العربية أن تتجاوز واقعها المتخلف وتؤكد ذاتها؟ .

      كثيرة هي الإجابات التي قُدمت على هذا السؤال الكبير المتعلق بمسألة النهضة من قبل هذا التنظيم السياسي أو ذاك, أو من قبل هذا الكاتب أو المفكر أو ذاك, منذ بداية القرن التاسع عشر حتى هذه المرحلة التاريخية التي نعيشها اليوم. فعلى الرغم مما شكلته أفكار التنوير والثورة الفرنسية على الصعيد النظري كمنطلقات فكرية نهضوية تحررية بالنسبة للنهضويين العرب منذ بداية النصف الأول للقرن التاسع عشر, هؤلاء الذين لمسوا بأفكار الحرية والعدالة والمساواة والثورة والدستور والأمة والقومية والوطن والتعليم وتحرير المرأة والتربية السياسية للمواطنين والعلمانية والتفكير العقلاني والحق الطبيعي والحرية الفردية ونقد الفكر الديني الغيبي ولامتثالي والاشتراكية... الخ, مدار تقدم الأمة العربية, إلا أن تبني هذه الأفكار آنذاك من قبل المتنورين العرب لم يستطع أن يحقق طموحهم, كما أشرنا في موقع سابق من هذه الدراسة, بسبب حالات التخلف المزمن الذي تركته الدولة العثمانية للأمة العربية عبر أربعة قرون من الاستعمار, حيث حال دون قدرة هذه الأفكار على أن تلقى الاستجابة المنطقية والعقلانية عند طرحها في الواقع العربي. الأمر الذي دفع بعض هذه النخب أن تبحث عن حلول جديدة, أو شعارات جديدة لتجاوزها مأزقها النهضوي, كطرحها لشعار الإسلام هو الحل, وخاصة بعد غياب أو محاصرة المشروعين القومي والاشتراكي. إلا أن قوة ضغط التخلف القائم لم يسمح لقوى الإسلام السياسي أيضاً أن تغير في الواقع شيئاً, فبدلاً من أن تستفيد من تجارب القوى السياسية التي سبقتها كأنظمة شمولية كليانية, نراها وقعت في الخطأ ذاته, وراحت تعمل على مصادرة السلطة وأسلمه الدولة, دون أي مراعاة لخصوصيات المجتمعات العربية في تعددها الديني والطائفي والمذهبي , وللتحولات السياسية التي فرضها حراك ما سمي بالربيع العربي.

     على العموم, إذا ما أخذنا كل ما طرح في هذه الدراسة من قضايا فكرية وسياسية على محمل النوايا الحسنة, سنجدها تصب في السعي لتحقيق الذات العربية وتجاوز أزمتها, وهو أمر مشروع, وليس من حقنا مصادرة آراء الآخرين أو الشك في نواياهم تجاه مصير أمتنا العربية, بالرغم من اختلافنا مع العديد من هذه الرؤى والأفكار والنظريات والمناهج الفكرية. بيد أن الكثير من الأسئلة المشروعة أيضاً التي تطرح نفسها هنا على دعاة هذه الرؤى الفكرية والسياسية, كثل, من سيقوم بتطبيق هذه المشاريع الفكرية والسياسية على لواقع؟ . ثم أين هي الظروف الموضوعية القادرة على تمثل وتبني تلك لشعارات أو الأفكار المطروحة وتحويلها إلى واقع ملموس؟ .

     نقول : إذا كانت الشروط الموضوعية والذاتية القادرة على تحقيق المشروع النهضوي القومي العربي في حالة غياب الآن عن الساحة العربية, فما هو الحل إذا؟ . 

     لا أضن أن الهروب من الواقع كما يفعل المتصوفة / الطرقيين, هو الحل لتجاوز أزمة الواقع, كما لا أضن أن ردود الفعل العنترية بشقيها الفكري والعملي معاً لهذا التنظيم أو هذا الكاتب أو المفكر أو ذاك, كفيلة بمواجهة العديد من الأنظمة العربية المشاركة بهذه الأزمة النهضوية كحل كذلك, فالتجارب التاريخية لهذه العنتريات كثيرة في وطننا العربي, ولم تزل تمارس نشاطها هنا وهناك على الساحة العربية. كما لا أضن أيضاً أن طرح بعض الرؤى والنظريات القائمة على ترف أبستمولجي (معرفي) من فوق الأساطيح على الجماهير بشكل مجرد كفيلة بدورها على تحقيق هذا التجاوز, هذا إذا لم تكن مثل هذه الطروحات تساهم كثيراً في تعميق الأزمة ذاتها. هذا إضافة إلى كل ذلك يمكن أن نقول: إن هذا الكم الهائل من الرؤى الفكرية والنظريات المطروحة, بالرغم من أنها تمثل شكلاً من الأشكال الايجابية التي تشجع على البحث والحوار مع الرأي والرأي الآخر للوصول إلى الحقيقة, إلا أن الجوانب السلبية قائمة فيها بالمقابل, فغالباً ما ساهمت هذه الرؤى المجردة في تشويش ذهنية المتلقي وتركه يعيش أوهاماً فكرية , أو حالة من المفارقة مابين الواقع والفكر, وهذا ما جعل الكثير من الكتاب والباحثين والمفكرين يندفعون للتعامل مع أحكام ألقيمة والأخلاق, على حساب التعامل مع أحكام الواقع, وبالتالي غالباً ما تتحول هذه النخب المثقفة إلى مثقفين وعظيين وليس إلى مثقفين ثوريين أو عضويين بتعبير آخر.

 

 كاتب وباحث من سورية

d.owaid50@gmail.com

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

 

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا