<%@ Language=JavaScript %> د.عدنان عويّد  الأمة العربية ووعي الذات (5 من 7)

   

لا

للأحتلال

لا

للخصخصة

لا

للفيدرالية

لا

للعولمة والتبعية

حضارة بلاد الرافدين   

    

                                              

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين                                    

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                            

 

 

الأمة العربية ووعي الذات

 

(5 من 7)

 

 

د.عدنان عويّد 

 

البنية الطبقية في الوطن العربي والمشروع النهضوي العربي المفوت:

     قبل أن نتطرق لواقع البنية الطبقية في الوطن العربي دعونا نقف قليلاً عند توصيفنا للوجود الاجتماعي في وطننا العربي في القرن العشرين. وأقصد هنا بالوجود الاجتماعي, طبيعة قوى وعلاقات الإنتاج, وما يترتب على هذا الوجود من بناء فكري.     

      يستوقفني هنا حديث للكاتب النهضوي / فتحي زغلول / , يبين فيه واقع الأمة العربية المزري الذي وصلت إليه في نهاية القرن التاسع عشر /1899/, حيث يقول: ( نحن ضعفاء في كل شيء تقوم به حياة الأمم, متأخرون في كل شيء عليه مدار سعادة الإنسان, ضعفاء في الزراعة, ضعفاء في الصناعة, وليس منا إلا الفعلة والعتالون, ومنفذوا إرادة الأجنبي ليبقى, ونموت نحن ويحيا. فهذه المعامل الفسيحة, والمصانع العظيمة التي أقيمت بين بيوتنا كلها للأجنبي. ثم يتابع: نحن ضعفاء في التجارة, ضعفاء في العلم, اللهم إلا علم وراءه جهل حقائق الأشياء في الوجود, أما المفيد منه فقد اقتصرتا منه على ما يختص بعلاقة الإنسان بربه والباقي حكمنا عليه بالإعدام . ) ( راجع كتابنا إشكالية النهضة في الوطن العربي من التوابل إلى النفط – دار المدى – دمشق- 1997 )

       إن ما طرحه زغلول هنا في نهاية القرن التاسع عشر, عن واقع أمتنا العربية, أو عن وجودها الاجتماعي, يبدوا أنه هو ذاته الذي عبر عنه الطهطاوي بطريقة أخرى في الربع الأول من القرن ذاته, عندما تحدث عن واقع هذه الأمة في مجال العلوم التي وصلت إليها أوربا في ذلك الوقت حيث يقول : ( إن العلوم البرانية (الوضعية), وهي علوم التربية وتشمل: الحساب, والهندسة, والجغرافية, والرسم, وعلم تدبير العلوم, والحقوق الطبيعية والبشرية, والحقوق الوضعية, وعلم الاقتصاد في المصاريف, وعلم تدبير المعاملات والمحاسبات والخازن دارية- (حفظ بيت المال)- وهناك العلوم العسكرية, والعلوم البحرية, وعلم الأيلجة – (الدبلوماسية الخارجية)- وفن المياه, وعلم الميكانيك, وهندسة العمارة, وفن الرمي بالمدفع, وفن سبك المعادن, وعلم الكيمياء, وصناعة الورق, ثم علم الطبيعيات, وعلم الطباعة, وعلم فن الترجمة . إن هذه العلوم كلها – على حد قوله – معروفة معرفة تامة لهؤلاء الإفرنج, وناقصة أو مجهولة بالكلية عندنا ). (7) .                 

   إذا كانت هذه هي حال الأمة العربية مقارنة مع الغرب المتطور علمياً وتكنولوجياً, والمخترق لواقعنا أو حياتنا كما بين لنا الكتاب والنهضويون العرب, في القرن التاسع عشر, فما هو إذا واقع هذه الأمة تحت ظل العلاقة ذاتها – أي مع الخارج – في القرن العشرين برمته.   

     على العموم ليس المطلوب منا أن نقدم كشف حساب دقيق عن كل شاردة وواردة فيما يخص هذه المسألة المراد طرحها هنا, من حيث القيام بعرض ما تم إنجازه على كافة المستويات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية, وآلية العمل التي تمت بها هذه الإنجازات, والمعوقات التي حالت دون إنجازها الأمثل . . .الخ. وإنما يهمنا في الحقيقة تقديم عرض أولي ومبسط لأبرز معالم هذه المرحلة وما آلت إليه منذ نهاية القرن التاسع عشر حتى نهاية القرن العشرين, وسيادة النظام العالمي الجديد الذي فرضته الرأسمالية الاحتكارية الأمريكية على العالم بعد انتهاء المنظومة الاشتراكية وعلى رأسها الإتحاد السوفيتي.

     إن المتتبع لمجريات الأحداث وما آلت إليه أوضاع البلاد العربية حتى نهاية القرن العشرين, لوجد أن قسماً ً منها لم يزل يخضع للاستعمار, إما عبر الاحتلال المباشر كما هو الحال في فلسطين, أو عبر تواجد القواعد العسكرية كما هو الحال في السعودية ودول الخليج. أما من تحرر منها عسكريا, فإن بعضها قد رهن قراره لاقتصادي والسياسي للغرب وأمريكا, وبالتالي هو لم يزل يخضع للمستعمر بشكل غير مباشر. هذا إضافة إلى حالات التجزئة والتخلف المزري على كافة المستويات. حيث نجد اقتصاداً متخلفاً وتابعاً غير قادر على خلق ثورة تنموية حقيقية في البلاد, بسبب افتقاره للعديد من مقومات التنسيق العربي المشترك, وأن النفط وبعض الثروات المعدنية والزراعية ظل يشكل العنصر الاقتصادي الأساس في تحقيق المداخيل المالية للعديد من الدول العربية. هذا إضافة إلى العجوز المالية الكبيرة في ميزانيات مدفوعات معظمها, وأن قسماً كبيراً من هذه الميزانيات تذهب للتسليح والعسكرة إما لمواجهة الكيان الصهيوني كما هو الحال في بعض دول المواجهة, أو لمواجهة أعداء وهميين غالباً ما يخلقهم الغرب وأمريكا لهم كما هي حال الصراع الدائر اليوم بين إيران ودول الخليج, أو لمواجهة بعضهم البعض كما هو معروف بسبب خلافات على الحدود, أو غيرها من الأسباب الأخرى كان المستعمر وراء زرعها أو إثارتها حسب الظروف التي يراها هو مناسبة لتحقيق مصالحه.

    أما على المستوى الثقافي والفكري, فهناك تدن كبير وفاقع على هذا المستوى, وبخاصة غياب أو التغييب الفاضح للتفكير العلماني والعقلاني, الأمر الذي ساهم في انتشار وتبلور الفكر الديني بكل اتجاهاته السياسية والتكفيرية والصوفية والسلفية الامتثالية التي تغيب العقل على حساب النقل, وترفض الحاضر على حساب الماضي, وتقسم العالم والمجتمع ما بين دار كفر ودار إيمان, دون أن ننسى هنا البعد الطائفي والمذهبي الذي يستخدم كوسيلة أو أداة لتحريك الجماهير الغفيرة من هذه الأمة في اتجاهات قاتلة وتدميرية لحياة ومستقبل هذه الأمة خدمة لتحقيق مصالح الأنظمة الرجعية العربية ومن يتحالف معها من القوى الاستعمارية والصهيونية, كما نرى ما يجري اليوم على الساحة العربية.

     أما على المستوى السياسي, فتبقى السياسة في سياقها العام شكلاً من أشكال البناء الفوقي, إلا أنها الشكل الأكثر قوة وقدرة على التأثير في الواقع. ويأتي على رأسها هنا حواملها الاجتماعية, بغض النظر عن طبيعة هذا الحامل المنظم عبر مؤسسات أو تنظيمات حزبية معينة, والموجه برؤية أيديولوجية. والخطاب السياسي في صيغه المطروحة على الساحة السياسية والدولاتية العربية, هو تعبير هادئ عن الواقع العربي في حالة توصيفه التي جئنا عليها سابقا, كواقع متخلف سيحدد بالضرورة خطاباً سياسياً متخلفاً, كنا قد أشرنا ولو بعجالة إلى أبرز معطياته في مواقع سابقة من هذه الدراسة, وسنقوم بتسليط الضوء عليه في موقع لحق من هذه الدراسة بشكل أكثر تفصيلاً..

البنية الطبقية للوطن العربي في القرن لعشرين:

     أشرنا في موقع سابق من هذه الدراسة, أن اكتشاف رأس الرجاء الصالح من قبل الغرب, كان له نتائج هامة على أوربا وبلاد المشرق عموماً, وعلى وطننا العربي خصوصاً, فكان من أبرز هذه النتائج :

     أولا: سحق وإقصاء القوى البرجوازية التجارية (الميركانتيلية) في الشرق عموماً, والوطن العربي على وجه الخصوص.

     ثانياً: تشكل المقومات الأساسية لنهوض وتبلور الطبقة الميركانتيلية الأوربية, وانتقالها فيما بعد إلى طبقة برجوازية صناعية واعية لذاتها,-  أي طبقة تعمل لمصلحتها وقادرة على قيادة الدولة والمجتمع معاً- أخذت تفرض نفسها ومصالحها على شعوبها وشعوب العالم الآخر ومن ضمنه الشعب العربي, في فترات لاحقة من سيطرة الدولة العثمانية على الوطن العربي و حتى بعد تحرره من هذه السيطرة. وهنا نقف قليلاً لنقول : إذا كانت سمات وخصائص أية طبقة تتحدد من خلال موقعها داخل العملية الإنتاجية, وعلى اعتبار أن الطبقة في المحصلة هي مجموعة من الأفراد القادرين على بناء مكانتهم ككتلة اجتماعية, وتحديد شكل العملية الإنتاجية التي تتعامل معها هذه الكتلة, فالأسئلة التي تطرح نفسها علينا في هذا الاتجاه, هي: ما هي الطبقة الاجتماعية العربية التي تشكلت بفعل العملية الإنتاجية التي سادت تاريخيا تحت ظل السيطرة العثمانية وما بعد التحرر من هذه السيطرة؟ . وبالتالي ما هو واقع بقية القوى الطبقية الأخرى التي تشكلت في مضمار هذا الواقع ذاته؟ . وأخيراً ما هو الدور النهضوي الذي لعبته هذه القوى في مسألة القومية العربية؟ .

     في الإجابة عن هذه الأسئلة نستطيع القول: إن الوطن العربي بعد خضوعه للاستعمار العثماني واكتشاف رأس الرجاء الصالح, لم يعد هناك قوى اجتماعية قادرة على حمل المشروع النهضوي, الأمر الذي أبقى على نسب القوى الاجتماعية المهشمة والمغيبة محافظة على تواجدها لفترات زمنية طويلة. فالفلاحون ظلوا يشكلون ما يقارب الـ90 % من مجموع القوى الاجتماعية, وهي قوى اجتماعية كادحة ظلت تعيش مراحل زمنية طويلة من ظروف القهر والاستلاب والفقر والجهل والاستغلال, ولم يجر تحسن على قسم منها إلا مع بداية النصف الثاني من القرن العشرين عندما قامت بعض الأنظمة السياسية ذات التوجه الديمقراطي الثوري بالإصلاح الزراعي مثل مصر وسوريا والجزائر... وعلى الرغم من حالات التحسن النسبية هذه إلا أن السمات العامة لهذه الطبقة ظلت هي هي, بحيث لم تستطع الوصول إلى مرحلة وعي الذات والسعي لقيادة الدولة والمجتمع, في الوقت الذي نجد فيه أن البنية التنظيمية العامة للأحزاب الديمقراطية الثورية في وطننا العربي تقوم على هذه الطبقة.  

     أما بالنسبة لشرائح وسافات القوى العاملة الصناعية والحرفية, فلم تكن من حيث المستوى المعيشي والاجتماعي والثقافي, بأحسن حال من الطبقة الفلاحية, وهي في معظمها لا تشكل إلا نسبة صغيرة من مجموع القوى الاجتماعية العربية, حيث نجد أن قسماً كبيراً منها ظل مرتبطا بقوة مع أشكال العلاقات الإنتاجية القائمة على الاقتصاد الريعي والطبيعي, بالرغم من دخول بعض هذه القوى البنية التنظيمية للأحزاب الديمقراطية الثورية واليسارية عموما, وشكل جزءاً من الحامل الاجتماعي في هذه الأحزاب إلى جانب الفلاحين والطلبة والجيش والبرجوازية الصغيرة الوطنية, غير ان كل هذه القوى الاجتماعية ظلت ثانوية في دورها وفعاليتها أمام القوى العسكرية التي كانت تتحكم بإدارة شؤون هذه الأحزاب من وراء الستار.

     هذا دون أن نغفل هنا شرائح الأنتليجينيسيا من المثقفين والتكنوقراط وذوي الشهادات العليا من معلمين ومدرسين ومهندسين وأطباء وأساتذة الجامعات وضباط الجيش, وهي في انتماءاتها الطبقية والفكرية تعود إلى مرجعيات طبقية وثقافية والأخلاقية مختلفة وفي أحياناً كثيرة متناقضة. بيد أن البنية السيكولوجية لهذه القوى الاجتماعية - (التي أصبحت تنتمي بمعظمها تقريباً للبرجوازية الصغيرة بفضل ما حققته لها مكانتها الوظيفية والعملية في المجتمع), - لم تسمح لها هذه البنية النفسية التي كنا قد أشرنا إلى سماتها في موقع سابق, أن تشكل قوى طليعية بمفهوم الطليعة الثوري, لذلك فإن قسما كبيراً منها تحول إلى نخب استغلت مناصبها في الدولة والحزب معاً, وراحت مع مرور الأيام تتحول إلى شرائح من البرجوازية البيروقراطية والطفيلية, أساءت لنفسها وللحركة الثورية العربية, ولجماهيرها الكبيرة التي عوَلت عليها الكثير من أجل قيادة المشروع النهضوي العربي. الأمر الذي أبعد الجماهير عنها, وأفقدها الثقة بها, إضافة إلى ذلك, فقد ساعدت بسلوكياتها هذه, أن تشكل تربة صالحة تماماً لنمو فئات واسعة من الانتهازية والوصولية حتى بين الجماهير الكادحة نفسها, التي راحت تمارس قهرها وظلمها على أبناء جلدتها أنفسهم.

     يبقى أن نشير هنا في المجال الطبقي إلى ما يسمى بالبرجوازية الوطنية, وهي قوى تشكلت أساساً من أعيان المدن والريف معاً, التي كونت ثرواتها تاريخياً عبر علاقاتها الوطيدة مع الخلافة العثمانية أولاً, ثم مع اقتصاد السوق التابع للغرب الذي خلقته الرأسمالية الأوربية في الوطن العربي جراء اختراقه عبر فترات زمنية طويلة حتى قبل استعماره وتجزئته, وأخيراً عبر الثروة النفطية التي بدأت تعطي ثمارها الريعية منذ بداية القرن العشرين .

     إن هذه القوى الاجتماعية ظلت في معظمها برجوازية كومبرادورية , استطاع بعضها في مرحلة ما بين الحربين أن يقود الحركة السياسية والتحررية الوطنية ضد المستعمر الأوربي, غير أنها لم تستطع حل المسألة الاجتماعية والسياسية بعد خروج المستعمر حلاً ثورياً كما أشرنا في موقع سابق, وكل الذي كانت تناضل من أجله كما تبين لاحقاً, هو إخراج المستعمر من البلاد والسيطرة على السلطة بدلاً عنه, مع بقائها مرتبطة به اقتصاديا.     

هذا هو واقع القوى الاجتماعية التي عوٌل عليها حمل المشروع النهضوي العربي في أبعاده السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية كما تبدى لنا في هذه الدراسة.

 

 

 كاتب وباحث من سورية

d.owaid50@gmail.com

.

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

 

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا