<%@ Language=JavaScript %> د.عدنان عويّد  الأمة العربية ووعي الذات (2 من 7)

   

لا

للأحتلال

لا

للخصخصة

لا

للفيدرالية

لا

للعولمة والتبعية

حضارة بلاد الرافدين   

    

                                              

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين                                    

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                            

 

الأمة العربية ووعي الذات

 

(2 من 7)

 

 

د.عدنان عويّد 

 

 

الوجود التاريخي للأمة العربية:

     انطلاقاً مما تقدمنا به, نعود للنظر في واقع الأمة العربية, على أنها امة استطاعت أن تحقق عبر تاريخها الطويل وجوداً تاريخياً, أي أنها ستطاعت أن تشكل أمة لها وجودها المادي والمعنوي المتميز عبر مراحل تاريخية طويلة من حياتها, قبل أن تتعرض لتلك النكسات الحادة التي ألمت بها من قبل الآخر, إن كان في محاولات إلغاء وجودها أو تذويبها بغيرها من الأمم التي سيطرت عليها فترات طويلة باسم الدين, أو العمل على تذريرها وتفتيتها وبالتالي تهميشها وإقصائها عن ممارسة دورها الحضاري.

     إن ما تعانيه أمتنا العربية اليوم من تخلف وتبعية وتجزئة, يدفعنا للتساؤل عن أسباب هذا التردي من جهة, مثلما يدفعنا أيضاً للتساؤل عن الوضعية التاريخية الراهنة لمقومات نهوضها القومي, وبالتالي عن درجة وعي أفرادها لذاتهم القومية, ثم عن الأفاق المستقبلية لهذا الوعي في مضمار التحولات العالمية الجديدة.

     على العموم نقول هنا : يبدو أن قدر أمتنا العربية في وجودها على  هذه البقعة الإستراتيجية من العالم, أنها شكلت منذ قدم التاريخ ولم تزل تشكل محط أنظار الأمم الأخرى وسعيها للسيطرة على موقعها وثرواتها.      وأن ما تتمتع به أمتنا العربية من موقع استراتيجي معروف, ومن موقع حضاري (ديني), ثم لما تمتلكه من ثروات طبيعية, كان وراء جملة الصراعات والتحديات الداخلية والخارجية التي تعرضت لها أو عاشتها هذه الأمة عبر تاريخها الطويل, والتي ساهمت بدورها – أي التحديات والصراعات - كثيراً في تجزئتها وتخلفها, وإضعاف سماتها وخصائصها المشتركة, لتجعل من القطرية حالة طبيعية في بنيتها العامة. بيد أن هذه الأمة في وضعيتها المشخصة التي جئنا عليها هنا, غالباً ما كانت تتجاوز حالات ضعفها وتفتتها لتعبر عن مواقف قومية اتجاه ما تتعرض له من أخطار. أي كانت تعمل بهذا الشكل أو ذاك على إعادة إنتاج وعيها لذاتها بشكل عفوي ومرحلي معاً, غالباً ما تحدد درجة وعمق هذا الوعي, وبالتالي استجابته للخطر المحدق, طبيعة الخطر ذاته, وطبيعية المرحلة التاريخية التي تعيشها هذه الأمة. هذا مع تأكيدنا على أن إنتاج هذا الوعي غالباً ما يقوم الشارع به وليس الحكومات, بل أن الكثير من الحكومات العربية تعمل على عرقلة إنتاج هذا الوعي ومحاربة القوى الاجتماعية والسياسية التي تقوده.

العرب تحت مظلة الدولة الإسلامية: 

     مع ظهور الدعوة الإسلامية وانتشارها, تشكلت الحضارة العربية الإسلامية, ومع تشكلها, أخذت تتكون للمجموعات البشرية المنضوية تحت لوائها, سمات وخصائص جديدة لم تكن معروفة سابقاً, راحت بدورها تترسب شيئاً فشيئاً في الوجدان الاجتماعي, وبخاصة لدى العنصر العربي الحامل الاجتماعي الرئيس للرسالة الإسلامية وحضارتها. فالدعوة الإسلامية, إضافة إلى كونها قد شكلت مقومات جديدة للعنصر العربي المنضوي تحت لوائها, فقد استطاعت في المقابل وبفضل إعادة هيكلتها للمجموعات العربية المتناثرة هنا وهناك في إطار دولة واحدة وأيديولوجيا واحدة, أن تُظهر من جديد مجموعة من المقومات المشتركة المندثرة تاريخياً بفعل العزلة التاريخية السابقة لظهور الإسلام. وهذا في الواقع ساعد على صياغة مفهوم جديد للقومية العربية بروح إسلامية لم يزل يطرح نفسه بقوة حتى يومنا هذا. بيد أن سعة ما سمي بالفتوحات الإسلامية, وما ترتب عليها من دخول شعوب كثيرة في نطاق الدول الإسلامية لها حضارتها وثقافتها المتميزة عن الحضارة والثقافة العربية وحتى الإسلامية, التي شاركت هذه الشعوب في تشكيلها من جهة أولى, ثم إضافة إلى استمرار بقاء وسيادة عقلية العشيرة والقبيلة عند العنصر العربي في اتجاهاتها الأكثر شمولية (القيسية واليمانية), بالرغم من أن الدعوة الإسلامية كانت تحمل بين طياتها مفهوماً أممياً يدعو إلى تجاوز هذه المرجعيات التقليدية من جهة ثانية, ثم لما تركته السلطة السياسية في صيغتها القبليٌة من تناقضات اجتماعية (طبقية) وسياسية واقتصادية وثقافية, في بنية الدولة والمجتمع معاً, ساعدت بدورها على ظهور بؤر توتر وانتفاضات مسلحة وحركات ثقافية ذات طابع شعوبي من جهة ثالثة, فجراء كل هذا الذي جئنا عليه, كانت النتيجة, إعادة تفتيت الأمة من جديد, وسيطرة الأعاجم من ترك وسلاجقة وأغز وتتر ومغول وصفويين ومماليك وعثمانيين, وأخيراً الاستعمار الغربي والصهيوني على البلاد ومقدراتها.

     فمع بدء سيطرة الأعاجم على سلطة الدولة الإسلامية, راح العرب يفقدون دورهم ومكانتهم السياسية والثقافية والاقتصادية, ولم يبق لهم اسمياً غير الرسالة الإسلامية التي حملوها مشروعاً ولغة, وهي لغة القرآن, بل أن الرسالة الإسلامية ذاتها أصبحت سلاحاً بيد الأعاجم مارسوا باسمها سلطتهم السياسية على العرب. أما اللغة العربية, فتذكر المصادر التاريخية, بأنها بدأت تفقد مكانتها أيضاً في مرحلة لاحقة من ضعف السيطرة العربية على السلطة, وهي مرحلة سيطرة الإمارات الطاهرية, والصفارية, والسامانية, في القرنيين الثالث والرابع للهجرة, حيث بدأ النثر والشعر يكتبان باللغة الفارسية الحديثة, وهنا كانت البداية الحقيقية لضعف الثقافة العربية والحس القومي لدى العرب, وبالتالي تشجيع الأعاجم على إحياء هويات قومية مندثرة , أو ساعد الإسلام على دثرها نوعاً ما. مثلما بدأت عملية التشكيك بالثقافة العربية والإسلام نفسه تطرح نفسها بقوة لتشكل أحد المعالم الرئيسة لذلك العصر .   

العرب تحت مظلة الدولة العثمانية :  

     على الرغم من أن الإسلام ظل يشكل العروة الوثقى التي كانت تربط العرب بالشعوب الأخرى التي انضوت تحت لواء الدولة العربية الإسلامية – بغض النظر هنا عن المواقف الشعوبية التي أخذت تعلن عن نفسها في فترات ضعف الدولة – إلا أن العرب عملياً لم يشعروا بالمهانة أو الذل في أية مرحلة من مراحل الدول الإسلامية مثلما شعروا بها أثناء سيطرة العثمانيين على الدولة, والسبب يعود إلى طبيعة ومرجعية الثقافة والحضارة التي ينتمي إليها الأتراك أولاً, ثم لطول الفترة الزمنية التي سيطروا فيها على الحكم ثانياً.

     أربعة قرون من التخلف - من 1516 (معركة مرج دابق), إلى 1916 (الثورة العربية الكبرى) -, زرعه وجذره العثمانيون في وطننا العربي. ..أربعة قرون من الحكم لم تكن تحمل معها منذ بدايتها أي مشروع نهوضي أو فكري لهذه الأمة, عدا مشروع دولة الغنيمة, والفكر الإسلامي الذي أفرغته من مضمونه وتوجهاته العقلانية, لتدفع به وبعمق نحو اتجاهات الفكر الصوفي الطرقي ألامتثالي واللاعقلاني. لقد كانت الدولة العثمانية في حقيقة أمرها دولة غنيمة, ومن أجل تحقيق هذه الغنيمة سيٌدت الجهل والتخلف على الشعب العربي وغير العربي ممن كان يرزح تحت حكمها.

     مع سيطرة قوى التخلف العثماني, كانت سفن الغرب تعبر رأس الرجاء الصالح, كي تدمر مدافعها سفن تجار الشرق, وتفرض السيطرة الأوربية على تجارة الهند والشرق عموماً, ولتخرج من التاريخ أهم القوى الاجتماعية في المشرق عموماً والوطن العربي على وجه الخصوص, (الطبقة /الميركانتيلية, وهي القوى التي كانت مؤهلة تاريخياً لقيادة الفعل النهضوي العربي لو قيض لها البقاء في ممارسة نشاطها الاقتصادي التجاري.

     على العموم, إن ما جسدته الدولة العثمانية على الواقع العربي من تخلف أولاً, ثم ما قام به الغرب من اختراق للمشرق العربي اقتصادياً واجتماعيا وسياسياً وثقافياً لبنية الدولة العثمانية مع اكتشاف رأس الرجاء الصالح وتغير طرق التجارة وانتقالها من يد التجار في الشرق إلى التجار الأوربيين ثانياً, ساعد كثيراً الغرب نفسه ممثلاً بطبقته البرجوازية (الامبريالية), على إعادة هيكلة الوطن العربي ودول العالم الثالث عموماً بما يتناسب ومصالح هذه الطبقة, وما قضية ما سمي بـ " المسألة الشرقية", وما نتج عن مخططاتها الغربية الاستعمارية فيما بعد, إلا التطبيق العملي لهذه الهيكلة.

     مع فشل الثورة العربية الكبرى /1916/ في تحقيق المشروع العربي التحرري/ النهضوي, وصلت المسألة الشرقية إلى نهايتها المرسومة لها آنذاك, وهي اتفاقية "سايكس بيكو" ووعد "بلفور", اللذان أفرزتهما الحرب الكونية الأولى, هذه الاتفاقية وهذا الوعد اللذان أوصلا عملية الهيكلة التي أشرنا إليها قبل قليل إلى نهايتها, وهي الصيغة الاستعمارية المباشرة, التي ابتدأت عملياً في وطننا العربي كما هو معلوم منذ عام, / 1830/ في الجزائر, /1881/ في تونس,/1882/ في مصر, وعام / 1911- 1912/ في ليبيا والمغرب على التوالي, هذا إضافة إلى جملة من الاتفاقيات والمعاهدات التي أخضعت من خلالها بريطانيا الكثير من محميات الخليج لإرادتها منذ منتصف القرن الثامن عشر وما بعد.

     نقول: إذا كانت هذه هي حالة الأمة العربية عبر تاريخها الطويل , ولا نظن أن هناك امة من الأمم عانت من القهر والظلم والاضطهاد والتجزئة مثلما عانت الأمة العربية, إلا أن عراقة هذه الأمة وعمق حضارتها, وما قدمه الإسلام لها من مكانة مادية معنوية, قد مكنها من أن تحقق عبر سيرورتها وصيرورتها التاريخيتين حالة من التمايز الحضاري والحضور المعنوي والثقافي, ساعدها كثيراً على مواجهة كل التحديات التي تعرضت لها عبر تاريخها الطويل من تهميش وتذرير, بل وحتى محاولات التذويب والإلغاء, كما جرى لها في المشرق العربي عند تعرضها للنزعة الطورانية,  أو ما جرى لها في المغرب العربي عندما تعرضت لنزعة الفرنسة.

 

 كاتب وباحث من سوريا

d.owaid50@gmail.com

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا