<%@ Language=JavaScript %> علي حسين وداعا ..سيد الجمال

   

لا

للأحتلال

لا

للخصخصة

لا

للفيدرالية

لا

للعولمة والتبعية

حضارة بلاد الرافدين   

    

                                              

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين                                    

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                            

 

وداعا ..سيد الجمال

 


علي حسين

 


كنت انظر الى صورة الفنان الكبير والصديق رافع الناصري وهو على كرسي المرض الذي سرق منه حياته ، فاجد نفسي من جديد امام تجربة وحياة استحقت وتستحق منا أن ينظر إليها باعتبارها تمثل نزعة إنسانية وفنية تميزت بالحرص على الارتقاء بعين المشاهد ومن ثم تأهيل ذائقته البصرية وصولاً إلى إعادة تعريف مفهوم الرسم بما يصون رقي الذائقة الفنية.
خلال مسيرته الفنية الحافلة انجز رافع الناصري رسوما كثيرة وكتابات كثيرة أيضاً ولم تقف ظروف غربته، حاجزاً دون انجازاته واعماله.
انظر الى صوره، واتامله في السبعين من عمره فاجده ينبض بالحيوية، لم تؤثر ظروفه الصحية وآلام الغربة في توهج الفنان فيه. يكتب غارودي: "الفن الصحيح يتخطى عصره..، و الفن الكبير لا يمثل عصره... بل ينير عصره" ومايقدمه اليوم رافع الناصري ومعه العديد من الفنانين العراقيين انما شهادة على ان العراقيين يقدمون شهاداتهم الحقة على العصر وهي شهادة التنوير لا الظلام. اقلب صفحات الكتاب الذي اصدرته عنه في الحياة والابداع مي مظفر ، واتجول في عوالم رافع الناصري التي تحيطنا بالسعادة.
وهكذا حلت السعادة باعتبارها هدفاً محل الرغبة في اكتمال العالم. وبرغم ان رسوم الناصري لاتخفي الشعور العميق بالاسى عند الفنان وهو يرى شوارع مدينته بغداد التي عشقها غنائم لقوى متخلفة غير أن ذلك لا يتناقض مع فائض السعادة الذي يقترحه الفنان من خلال منجزه الابداعي، هناك عالم وهمي يقول الحقيقة كلها من غير ابتذال واقعي. فالفنان هنا يواجه قبح الواقع بقوة الجمال المستلهم من لحظة اتصال شعرية بجذور ذلك الواقع التي يقيم خارج ما هو متداول من المؤثرات البصرية. يعيش الناصري الواقع باعتباره ورقة تشف عما تحتويه خزانتها السرية.
بالنسبة الى رافع الناصري لا تناقض بين الرسم والواقع. ولكنه الواقع الذي يخلص إلى طبقاته المتراكمة، بعضها فوق البعض الآخر لا إلى السطح منه. لذلك تبدو لوحات هذا الرسام كما لو أنها محاولة في التنقيب لا يمكن تلخيصها بقدرتها على اقتفاء أثر جمالي بعينه.
يبهرنا الجمال فيها، مثلما تبهرنا سيرة الفنان الذي اراد ان يقول ان العالم لايمكن ان يعيش خارج منطق الجمال والسعادة. تعيدنا سيرة الناصري على فهم شيء من تجربته الفنية الممتزجة باشاراته وحروفه ورموزه التي استلهمها من التراث العربي ليمزجها بفضائه الخاص، وهو فضاء تمتزج من خلاله المعرفة المتمردة بحس جمالي نادر من نوعه.يسأل جنرال فاشي بيكاسو بعد أن رأى جدارية جورنيكا بفظاعة تمثيلها لمحرقة سوق القرية الأسبانية التي دكتها الطائرات:هل أنت الذي عمل جورنيكا؟يجيب بيكاسو: بل أنتم.السؤال عن العائدية يحمل الاتهام للفاعل الحقيقي لمجزرة الواقع تحريفا لسؤال الجنرال عن مجزرة الفن.فالفاعل الحقيقي يسأل الفاعل الفني وهذا يحيل بدوره إلى المرجع أو المحرّك، فلا عمل فنياً لولا وجود تلك المجزرة في الواقع.تأتي الحرب كحدث طارئ في الحياة البشرية وكنكوص إلى حياة ما قبل المدنية أو ما يعرف بشريعة الغاب، وحلّ المشكلات بالحرب أو فرض الإرادات بالقوة التي تسحق الآخر وما يتصل به دون تمييز، او بالاحرى حياته كلها تصبح قابلة للمحو وكل ما يمكن أن تصله أسلحة الخصم.بينما ينبهنا الواقع الى ان الحروب اعلانا عن شهوة الموت، تنبهنا لوحات رافع الناصري الى ان الفن شهوة الحياة، الحياة التي تستحق ان تعاش.. والتي عاشها الناصري بكل مسراتها واحزانها .. فالرجل الذي عشق التجوال في شوارع بغداد، مات غريبا في شوارع لم يألفها وحيدا ومغتربا وهو يفتش عن مجتمع دافئ ومكان أليف وزمن سوي يعترف بالإنسان والضحك وحرية اللسان وشقاوة الأصحاب وترف الأمسيات.

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

 

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا