<%@ Language=JavaScript %> سعدي يوسف ديلان توماس ... الجواد الأبلق يطير

   

لا

للأحتلال

لا

للخصخصة

لا

للفيدرالية

لا

للعولمة والتبعية

 

                                              

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين                    

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                            

 

 

ديلان توماس ...

 

الجواد الأبلق يطير

 

 

 سعدي يوسف

 

 

دِيلان توماس ( 1913-1953 )

الجوادُ الأبلقُ يطيرُ ...

(احتفاء بمئويّة شاعر وِيلْز )

سعدي يوسف

 

*

لاأدري كيف أُصِبْتُ  ببلوى ديلان توماس ، في صِباي الإبداعيّ !

قرأتُ له  ، آنذاك ، نصوصاً لم أفهمْها ، وقرأتُ له  " صورة الفنّان جِرْواً " :

Portraitof the Artist as a Young  Dog

والسخرية واضحة إزاء كتاب جيمس جويس :

Portraitof the Artist as a Young Man

لكنني ظللتُ مثابراً  ، في محاولةٍ مني ، أن أقترب  من الشاعر المشاكسِ ، في النصّ ، والحياة .

في إحدى زوراتي نيويورك ، ذات الخبايا والزوايا ، أخذني سنان أنطون إلى حانةٍ ليست بالبعيدةِ عن واشنطن سكوَير .

قال لي : هاهي ذي حانةُ الجوادِ الأبلق ( لِمن يعرفون العربية جيداً من العرب : الأبلق يعني الأبيض ) .

The White Horse Pub

كان سنان يعرف اهتمامي المبكر بديلان توماس .

دخلنا الحانةَ .

شربنا بيرةً ( أنا لا أحبّ البيرة ... )

وطَعِمْنا  أجنحةً مكسيكيّةً  حارقةً .

*

من هنا ، خرج ديلان توماس ، بعد أن شرب 18 كأس ويسكي ،  إلى المستشفى القريب ، ليفارقَ حياتَنا التعيسة.

كان ذلك في  09.11.1953

ديلان توماس لم يتحمّل حياتَنا التعيسةَ أكثرَ  !

*

سِنان أنطون أستاذ في جامعة نيويورك  

NYU

ولديه التزاماته الأكاديميّة .

أمّا أنا ، الطليق ، مثل عبدٍ آبِقٍ ،  فليس من التزاماتٍ لديّ ، سوى التطواف.

وهكذا عدتُ ، وحدي ، إلى حانة " الجواد الأبلق " .

شرعتُ أتملّى الحوائطَ ...

صوَرٌ  فوتوغرافيّةٌ لأشخاصٍ دخلوا المكان .

ديلان توماس كان هناك ، مرِحاً ، أنيقاً ، بين من يأنسُ إليهم .

سألتُ النادل : أيعرف الناسُ أن ديلان توماس خرج من هذه الحانة ولم يعُدْ ؟

النادلُ المرِحُ ، مثل نيويوركيّي القرية ، قال : لكنك ستعود ! أنت لستَ ديلان توماس ...

*


 

النصّ الشِعري لديلان توماس يكاد يستعصي على النقل إلى لغةٍ أخرى . إنجليزيّتُه وَيلْزِيّة ، وإحالاتُه محليّةٌ أو في عُمْقِ الحضارة الإوربية ذات النفَسِ الإغريقيّ الرومانيّ .

من هنا ، تأتي صعوبةُ أن يتلقّى قاريءُ الشِعر العربيّ ، قصائدَ ديلان توماس .

*

لكن الرجل ناثرٌ عظيمٌ .

ولهذا آثرتُ أن أقدِّمَ  ما يُمكِنُ اعتبارُه  قصّةً ، لكنْ بالتوتُّرِالشِعريّ  لديلان توماس .

*

الفستان

لقدتتبّعوه ، يومَين ، على طول البلاد وعرضِها ، لكنه ضيّعَهم أسفلَ التلالِ ،وسمعَهم ، وهو مختبيءٌ في شجرةٍ ذهبيةٍ ، يتصايحون ، وهم يتعثّرون في الوادي .

من شجرةٍ على سفح التلال ، نظرَ إلى أسفل ، إلى الحقول ، حيث أسرعوا مثل الكلاب ، وحيث كانوا ينْخَسون الأسيجةَ بِعِصِيِّهم ، مُطْلِقِينَ عواءً خفيضاً ، بينما جاءالضبابُ ، بغتةً ، من سماءِ الربيعِ ، ليُخفيهم عن عينيه .

كان الضبابُ أُمّاً رؤوماً ، غطّى كتفَيه ، حيث تمزَّقَ القميصٌ ، وحيث تجمّدَ الدمُ .

دفّأهُ الضبابُ ، وكان طعامُ الضبابِ وشرابُه على شفتَيه . وتبسّمَ تحت عباءةِ الضبابِ مثل قطٍّ .

ابتعدَعن الوادي ، ليدخلَ في شَجْراءَ  قد تؤدّي به إلى النورِ والنارِ وجفنةِ حِساء . فكّرَ بالفحمِ الذي يهسهسُ في الموقدِ ، وفي الأمّ الشابّةِ التي تقفُ هناك وحيدةً . فكّرَ بشَعرِها . أيّ عُشٍّ سيكونُ ليدَيهِ .

أسرعَ بين الأشجارِ ، ليجدَ نفسَه  في دربٍ ضيّقٍ. أيّ مسْلَكٍ يختارٌ ؟ بعيداً عن القمر ، أو نحو القمر ؟

الضبابُ جعلَ مكانَ القمرِ سِرّاً . لكنه في زاويةٍ من السماءِ ، حيث انفرجَ الضبابُ قليلاً، استطاعَ أن يرى زوايا النجومِ . اتجه يساراً حيث كانت النجومُ تغمغمُ أغنيةً بلا نغمٍ ، وهو يسمع قدَميه تغوصان وتنقلعان من التراب الإسفنجيّ .

الآن بمقدوره أن يفكر . لكنْ سرعانَ ما نعَبَ بومٌ في الشجرِ المتدلّي على الطريقِ ،هكذا توقّفَ وغمزَ للبوم ، الذي شاركَه كآبتَه . سرعان ما يخطِفُ البومُ ويحطّ على فأرٍ . رآه لحظةً يُخرمشُ على غصنه . لكنه خاف من البوم ،  فأسرعَ ، فلم يبتعدْ إلاّ يارداتٍ قليلةً في الظلامِ ، حتى طار البومُ مُطْلِقاً صيحتَه ، مبتعداً.

وفكّرَ، مسكينٌ هو الأرنبُ . ابنُ عُرسٍ سيأكله !

الطريقُ سالَ نحو النجومِ ، والأشجارُ والوادي وذكرى البنادق  ، خبَتْ كلُّها .

سمِعَ خُطىً .

رجلٌ عجوزٌ متألقٌ بالمطر ، نجَمَ من الضبابِ .

قال الرجلُ العجوزُ : مساء الخير ، سيّدي .

أجابَ المجنونُ : لا مساءِ لابنِ أنثى .

أطلقَ الرجلُ العجوزُ صَفرةً ، وأسرعَ ،  وهو يكاد يركضُ ، باتجاه شجر الطريق.

ضحكَ المجنونُ ، وهو يصعد التلَّ ، دع الكلاب تعرف . دع الكلاب تعرف . وفي مثل مهارةِالثعلبِ اتّجه إلى الطريقِ المضبَّبِ ، حيث التفرُّعات الثلاثةُ .

قال: لتذهب النجومُ إلى الجحيم .

ومضى نحو العتمة .

كان العالَمُ كُرةً تحت قدمَيه؛ كان العالَمُ يصعدُ ، ويهبطُ ، في ركضِهِ .

هاهي ذي الأشجار.

في البُعدِ يصرخُ كلْبُ صيّادٍ وقد أمسكَ بقائمتَيه الفخُّ . لقد سمعه ، فظنّ أن العدوّ على أعقابه .

صاحَ: اختبئوا ، يا فتيان ، اختبِئوا !

لكن صوته كان كمن يشير إلى نجمٍ يهوي .

تذكّرَ، فجأةً ، أنه لم ينَمْ ، منذ أن هربَ راكضاً .

المطرُ، الآن ، أهوَنُ من أن يسقط على الأرضِ ، وهو ينتثرُ مع الريحِ ، مثل رذاذٍ رمليّ .

لو انه التقي النومَ ، فلسوف يكون النومُ فتاةً .

في الليلتَينِ الأخيرتَينِ ، وبينما هو يمشي أو يركضُ ، في البرّيّةِ ، كان يحلمُ بلقائهما .

كانت ستقول له : تَمَدَّدْ ...

ولسوف تعطيه فستانَها ليفترشه ،  وتستلقي إلى جانبه .

حتى وهو يحلمُ ، وفروعُ الشجرِ تتقصّفُ تحت قدمَيه ، مثل حفيفِ فستانها ، كان العدوُّ يتصايحُ في الحقول.

لقدركضَ وركضَ ، مُخلِّفاً النومَ وراءه .

ثمَتَ شمسٌ أحياناً . قمرٌ . وأحياناً تحت سماءٍ سوداءَ كان يقذفُ بالريحِ بعيداً .

سألوا حدائقَ المكانِ الذي غادرَهُ :  أين جاكْ الآن ؟

قالوا  ، مبتسمين : في أعالي التلال ، مع سكّين قصّابٍ .

لكن السكين مضتْ .

قُذِفِتْ إلى شجرةٍ ، وهي لا تزال ترتجف هناك .

ليس من حُمّى في رأسه .

ظلّ يجري ويجري ،  عاوياً للنوم .

وهي، وحيدةً في البيت ، كانت تخيط فستانَها الجديدَ . كان فستاناً ريفيّاً بهيجاً مع زهورٍ على الصدار.

ليس سوى غرزاتٍ قليلةٍ  ليكون الفستانُ جاهزاً ليُرتَدى .

سيكون لطيفاً على كتفَيها ، وزهرتان من زهوره ، ستنبتان عند نهدَيها .

وحين تسيرُ مع زوجها  ، في صباحات الآحادِ ، عبرالحقول ، إلى القريةِ ، يبتسمُ الشبّانُ خلف أيديهم .

كماأن التفافَ الفستانِ على خصرِها ، سيستثيرُ كلامَ أراملِ القريةِ كلِّهِنّ .

ارتدتْ فستانَها الجديد . ونظرت في المرآةِ ، عبر الموقدِ ،  فرأت الفستانَ أبهى ممّا تخيّلتْ . لقد جعلَ لونَ وجهِها أخفَّ ،  وجعلَ شَعرَهاالطويلَ أغمقَ .

قدكانت خفّفتْ منه .

كلبٌ  في الليلِ ، رفع رأسه ، و عوى .

استدارت عن المرآةِ ، بسرعةٍ ، وضمّت الستارةَ .

في الليلِ ، البهيمِ ، كانوا يبحثون عن المجنونِ . قالوا إن عينيه خضراوان ،  وأنه كان تزوّجَ سيّدةً .

قالواإنه قطعَ شفتَيها  لأنها كانت تبتسمُ للرجال .

لقدقبضوا عليه ،  لكنه سرقَ سكّيناً من المطبخِ ،  وجرَحَ المكلَّفَ بحراسته ،وهربَ إلى الوديان البعيدة.

من البعيد ، رأى الضوءَ في البيت. بلغَ حدودَ الحديقةِ . شعرَ أنه لم يرَ السياجَ الخفيضَ حول الحديقةِ .

السِلْكُ الصديءُ علّمَ على يدَيه ،  والعشبُ الرطبُ زحفَ على رُكبتَيه .وما إن اجتاز السياجَ حتى استقبلتْه مندفعةً،  الـمُضِيفاتُ ، معتمراتٍ بالزهورِ ، مرتدياتٍ الندى . لقد تمزّقتْ أصابعُهُ ،  بينما الجروح القديمة ما زالت لم تندملْ .

مثل امريءٍ مُدَمّى خرجَ من عتمةِ العدُوِّ إلى الدرْجاتِ .

قال هامساً : لا تدعيهم يطلقون النارَ عليّ .

ثم فتحَ البابَ .

كانت في وسط الغرفةِ . شَعرُها منسدلٌ ، وثلاثةٌ من أزرار الرقبة لفستانها ، مفتوحةٌ .تتهزهزُ على كرسيِّها لماذا عوى الكلبُ كما عوى ؟

تهزهزَتْ على كرسيِّها ،  خائفةً من العُواءِ ، ومن الحكاياتِ التي سمعتْها .

تساءلَتْ وهي تتهزهزُ على كرسيِّها : ما ذا حلَّ بالمرأةِ ؟

ماكان بمقدورها أن تتخيّلَ امرأةً بلا شفتَين .

كيف تكون النساءُ بلا شفاه ؟

لاصريرَ للبابِ .

دخلَ الغرفةَ ، محاوِلاً الابتسامَ ، باسِطاً يدَيهِ .

قالت: آه ، لقد عدتَ ؟

ثم استدارتْ في كرسيّها ، ورأتْهُ .

كان دمٌ حتى في عينَيه الخضراوَينِ .

وضعتْ أصابعَها على فمِها .

قال:لا تُطْلِقِي عليّ النارَ .

لكنّ حركةَ ذراعِها فتحتْ زِيقَ فستانِها ، فحدَّقَ ، مندهشاً ، في جبهتِها البيضاءِالعريضةِ ، وعينَيها الخائفتَينِ وفمِها ، وفي الأسفلِ ، إلى الزهورِ البِيضِ في فستانِها .

وبحركةٍمن ذراعِها ، رقصَ فستانُها  في النورِ .

جلستْ قُدّامَهُ ، مكلّلةً بالزهورِ .

قالتْ للمجنونِ : نَمْ .

ركعَ

ووضعَ رأسَه المُضنى في حِجْرِها .

 

تمّت ترجمة النص بلندن في 27.10.2014

 

ديلان توماسديلان توماس

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا