<%@ Language=JavaScript %> معتصم حمادة «حديث المبادرة»

   

لا

للأحتلال

لا

للخصخصة

لا

للفيدرالية

لا

للعولمة والتبعية

 

                                              

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين                                    

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                            

 

 

«حديث المبادرة»

 

 

معتصم حمادة

 

■ لاستعادة السلطة والسيادة الوطنية شروطها الكفاحية، ليست «المبادرة» الرئاسية واحدة منها

■.. وهو في طريقه إلى نيويورك، في إطار الوفد الرئاسي الفلسطيني، إلى دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة، لا بد أن يكون صائب عريقات، مسؤول ملف المفاوضات، قد تساءل بينه وبين نفسه، عماذا سيقول جون كيري، وزير الخارجية الأميركي، مرة أخرى، للرئيس عباس، رداً على ما درجت قيادة رام الله على تسميته بالمبادرة الفلسطينية. فلقد سبق لكيري، أن بلغ عريقات، في لقاء سابق، أن أي حل للصراع مع إسرائيل، خارج إطار المفاوضات الثنائية مرفوض من قبل واشنطن وتل أبيب، وأن الولايات المتحدة، لن تتردد لحظة واحدة في إفشال أي مشروع يعرض على مجلس الأمن، يتجاوز المفاوضات.

ولعل هذا ما دعا بعض المعلقين لوصف المبادرة المسماة فلسطينية أنها ولدت ميتة، وأن الترويج لها، هو ترويج لجثة ميتة، لا طائل منه، بل هو تضيع للوقت من حساب الشعب الفلسطيني، وحساب مصالحة الوطنية العليا، وأن ضرورات هذه المصلحة تفترض البحث في خطة سياسية جديدة، لا تكون الخارجية الأميركية هي قابلتها القانونية، أو عرابها، لأن السياسة الأميركية، كما بات يعرفه القاضي والداني، وفي مقدمهم المفاوض الفلسطيني، تقيم معادلاتها وفقاً للمصالح الإسرائيلية، ولا تعير المصالح الفلسطينية الاهتمام الضروري حتى بحده الأدنى، وبالتالي فإن المراوحة السياسية تحت السقف الأميركي، والإصرار على البحث عن «حل ما» تحت هذا السقف، باتت سياسة ميتة، توحي أنها تجدد نفسها، لكنها في واقع الحال، إنما تستعيد الميت، والفاني، على أمل إعادة إحيائه، وهذا أمر من رابع المستحيلات.

ما يسمى، بلغة المفاوض الفلسطيني، والقيادة السياسية في رام الله، مبادرة فلسطينية جديدة، لا يحمل جديداً. فقد سبق للجانب الفلسطيني المفاوض إن اقترح على كيري، وعلى نتنياهو، أن تبت المفاوضات، وخلال ثلاثة أشهر، بالحدود الفاصلة بين «الدولتين» ـ الدولة الفلسطينية ودولة إسرائيل ـ وبحيث يصبح واضحاً أين «يحق» لإسرائيل أن تواصل الاستيطان وإجراءات التهويد (حتى ولو ألحق ذلك ضرراً بالفلسطينيين العرب داخل إسرائيل) وأين يمنع عليها هذا الاستيطان. أو بلغة أخرى، أين هي حدود السيادة الفلسطينية، وأين هي حدود «السيادة» الإسرائيلية. مثل هذا الاقتراح تمّ رفضه، كما هو معروف من الطرفين، في تل أبيب، وواشنطن، رغم أن المفاوض الفلسطيني قد فتح نافذة كبرى أمام السياسة الاستيطانية الإسرائيلية، بالقبول بمبدأ «تبادل الأرض» بحيث تضم إسرائيل ما تراه «ضرورياً» من المستوطنات اليهودية في الضفة الفلسطينية. هذه هي النقطة الجوهرية (وهي ليست جوهرية كما نلاحظ) في مبادرة الفريق الفلسطيني المفاوض وقيادته السياسية.

أما النقطة الأخرى، فهي رسم سقف زمني لمفاوضات تمتد لثلاث سنوات، تضع خطة وآليات الانسحاب الإسرائيلي من  أراضي الدولة الفلسطينية التي يفترض أن يكون الطرفان قد اتفقا على رسم حدودها. هذه النقطة تنسفها مسألتان. المسألة الأولى أنها مرتبطة بالتي سبقتها. وما دامت الأولى قد نسفت، فالثانية باتت هي الأخرى، بحكم المنسوفة، وما دامت الأخرى قد رفضت فالثانية باتت بحكم المرفوضة. المسألة الثانية أن الجانب الإسرائيلي يرفض من حيث المبدأ، رسم سقف زمني للمفاوضات، وهو يصر على مفاوضات مفتوحة زمنياً، وذريعته في ذلك أن السقف الزمني يشكل عامل ضغط على المفاوضات يقود إلى إفشالها. وقد وصف أحد هؤلاء الأمر، بأن السقف الزمني يشبه مسدساً موجهاً إلى رأس المفاوض. فكيف نفاوض والمسدس موجه إلى رؤوسنا، يقول الإسرائيليون. من هنا، القول إن المبادرة، في شقها الأول، أي الشق المتعلق بالموافقة الأميركية والإسرائيلية عليها، كأساس لاستئناف المفاوضات، قد ولدت ميتة، وهي ليست أكثر من جثة هامدة.

تقضي الخطة، كما تقول المبادرة، بالذهاب إلى مجلس الأمن لعرض المسألة عليه واستصدار قرار منه بالموافقة عليها. أي أن يرسم سقفاً زمنياً لولادة الدولة الفلسطينية المستقلة، ورحيل الاحتلال عن أرض هذه الدولة. مع إدراك مسبق أن الولايات المتحدة سوف تلجأ إلى الفيتو، إذا ما حاول المجلس أن يتبنى مثل هذه الخطوة. خطوة تحاول أن تكرر، لكن بطريقة هزلية، مسألة عرض عضوية فلسطين على مجلس الأمن. يومها نجحت الولايات المتحدة، بالضغوط التي مارستها على أعضاء المجلس، بإجهاض الخطوة الفلسطينية، حين عطلت حصول الطلب الفلسطيني على موافقة 9 أعضاء في المجلس، هو الشرط المطلوب لعرض الأمر على التصويت، ومن ثم إحالة الموضوع إلى الجمعية العامة، للمصادقة على القرار ومنح دولة فلسطين العضوية العاملة في الأمم المتحدة. وما من سبب يدعونا، الآن، للتقليل من إمكانية أن تلجأ الولايات المتحدة إلى الفيتو، بل تلجأ إلى تعطيل عرض الاقتراح الفلسطيني نفسه على المجلس، ما يجعل الأمر أكثر هزلية، ويفتح الباب لتفسيرات عدة، أبسطها أن المجتمع الولي لم يوافق على الحق الفلسطيني في دولة مستقلة، أو أن المجتمع الدولي (ممثلاً بالمجلس طبعاً) أعاد الأمر إلى طاولة المفاوضات. في كل الأحوال، يدرك المفاوض الفلسطيني وقيادته السياسية أن مآل المبادرة هو الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث الرهان على موافقة دولية عليها.

كنا قد وصفنا مثل هذه المبادرة أنها مناورة للالتفاف على القرار الفلسطيني (الذي اتخذه المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية في 26/4/ 2014 ولسلسلة القرارات التي اتخذتها اللجنة التنفيذية ولجنتها السياسية)، وتهرباً من استحقاقات هذا القرار القاضي بالموافقة على نظام روما للانتساب إلى محكمة الجنايات الدولية، ولمحكمة لاهاي، وباقي المؤسسات والوكالات الدولية، والانتقال بالقضية الفلسطينية من دائرة المفاوضات الهزلية إلى دائرة المساءلة القانونية، والدبلوماسية، جنباً إلى جنب مع دور ميداني للضغط على الاحتلال، عبر المقاطعة الاقتصادية، ووقف التعاون (التنسيق) الأمني، ومقاومة الاستيطان، وفتح معركة حرية الأسرى (كل الأسرى بلا استثناء) وتوفير مقومات الصمود للرد على سياسات التجويع المرتقبة كما تخطط لها الولايات المتحدة، وتعزيز الوحدة الداخلية، عبر صياغة البرنامج الوطني الموحد بعناصره المختلفة.

«الخطة» كما تطرحها القيادة الفلسطينية، تفترض من عمر القضية الفلسطينية سنتين إضافيتين. سنة أولى مع مجلس الأمن والأمم المتحدة. وسنة ثانية لدراسة الجوانب المختلفة للانتساب إلى الوكالات والمؤسسات الدولية.

أي بتعبير آخر، منح الاستيطان سنتين إضافيتين لتوسيع حدوده، علماً أن الرئيس عباس اعترف في حديث له أن الاحتلال بنى، خلال تسعة أشهر من المفاوضات (الجولة الأخيرة)، 55 ألف وحدة سكنية جديدة (خمسة وخمسون ألفاً) وبالتالي إذا كنا الآن في مواجهة 700 ألف مستوطن يهودي في الضفة والقدس، فإن أحداً لا يستطيع أن يضمن لنا إلا نكون في العامين القادمين إزاء نحو مليون مستوطن، ما يحقق الحلم التاريخي لشارون، وخليفته نتنياهو وبينت وليبرمان وغيرهم.

خلاصة القول إن الحالة الفلسطينية بحاجة إلى مبادرة سياسية لا تقوم على الانفراد، واحتكار القرار السياسي، بل إلى مبادرة وطنية، تكون خلاصة حوار وطني داخلي، على أعلى المستويات يشارك فيه الجميع، من قوى وشخصيات وفعاليات، يستخلص دروس المفاوضات الفاشلة. يستبعد العودة إلى ما يشبهها، ويوفر في الأساس العنصر الفلسطيني الضروري، لإعادة فرض القضية الفلسطينية على المجتمع الدولي.

وحدها مقاومة الاحتلال، بكل الأشكال، الميدانية، والسياسية والدبلوماسية، والإعلامية، والجماهيرية، والاقتصادية وغيرها هي السبيل إلى إعادة تقديم القضية باعتبارها قضية شعب تحت الاحتلال، وقضية حركة تحرر. أما القول بأن «المبادرة» سوف تنتقل بنا من حالة السلطة، إلى حالة الدولة، فهو قول يثير سخرية المراقبين وحفيظة الفلسطينيين الذين يتلمسون بحواسهم الخمس أنهم أمام سلطة بلا سلطة، وأمام دولة بلا سيادة، وأن لاستعادة السلطة، والسيادة ، شروطها النضالية، ليست المبادرة الميتة هي واحدة منها.■

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا