<%@ Language=JavaScript %> حمزة الحسن الكتابة والجلافة

 

 

 

الكتابة والجلافة

 

 

حمزة الحسن

 

 

الكتابة والجلافة أمران متناقضان،
لأن نظام الكتابة هو نظام الرهافة والحساسية والبساطة،
والجلافة حجاب وعمى،
فكيف يمكن أن يتأثر الكاتب بمرور النسيم، ورفيف اجنحة الفراشة، وقراءة أوجاع القلب الانساني السرية،
ومشاعر التضامن مع الناس، اذا كان وعيه مكسواً بكل أنواع الدروع السميكة، وكل أنواع الفظاظة؟

الضمير البشري نشأ قبل ولادة الثقافة والحضارة،
والانسان في الغابات يقيم طقوس الاحترام للطرائد كالرقص والنيران وتراتيل الاعتذار،
والكهوف القديمة مليئة بنصائح اخلاقية وتعاليم.

يشكو بعض الكتاب الشباب في مراسلاتنا الخاصة من جلافة البعض، واهمال تعليقاتهم، أو حتى الرد على رسائلهم،
وكنت أحتار في الاجابة التي لا اجابة لها غير انعدام الحساسية الثقافية والاخلاقية أيضاً، لأن البعض ـــ من غير تعميم حتماً ــــ يعتقد ان من واجب الاخرين خدمته، والكتابة على صفحته، من دون أي رد مقابل، كما لو انه يطلب من جمهور أهل القلم التصفيق وليس التعليق،
مع ان المشاركة في حوار وتعليق هو تكريم للآخر وللصفحة، وهو ضيف يستحق التكريم ورد التحية،
فمن يهمل ضيفه في منزله؟

هل تصلح معاييرنا المشوهة للتعاطي مع قضايا انسانية عريقة؟
ان البعض يغضب من أي بادرة عتاب على هذه الجلافة،
لأنه عاش في وسط من هذا النوع،
كهندوسي تنصحه بأكل لحم البقر فيُصدم.

اذا كان هؤلاء يطرحون قضايا للحوار بلا حوار ،
فماذا تبقى من أخلاقيات وقواعد الحوار النقدي،
مع اننا حتى في سيرك نحتاج الى التواصل مع المهرجين عن طريق الهتاف والدعم والشجيع؟

الأمر نفسه ينطبق على المراسلات الخاصة، وكذلك اهداء الاعمال الادبية، التي تُقابل بالاهمال،
والتجاهل مما يشكل احباطاً للكتاب الشباب وغير الشباب وقد يعرقل بناء موهية حقيقية،
مثل من يضع باقة زهور على رقبة خنزير، غير مدرك لطبيعة الرسالة، التحية، ولا يعرف قيمة الهدية،
ولا الذائقة الانسانية ولم يختبر في أعماقه أي نوع من جماليات القلب، ويبدو انه لم يكن يتوقع احتراماً،
وكما يقول العرب القدماء( إياكم ومؤانسة الذليل)، لأن الذليل ينتهز أقرب فرصة للتعويض عن ذل معتق بالتجاوز والاحتقار للتوازن والثأر.

كان الروائي نيكوس كازنتزاكي يقضي السنة في عزلة تامة متفرغا للعمل الادبي،
ويلتقي مع زوجته أيليني عشرة أيام في السنة بموجب عقد زواج رسمي يُسمى(عقد الأيام العشرة)،
وخلال زيارتها تجلب له الكتب والهدايا والطعام الذي يحتاجه،
لكنها مرة قالت له إن شاعراً شاباً أرسل له ديوانه الشعري،
ووجدته هي غير مناسب ولم تجلبه معها.
كيف كان رد كازنتزاكي؟
تقول أيليني لأول مرة أرى نيكوس وقد صار وحشاً وهو يصرخ بها:
( لكن كيف تفعلين ذلك. إنه تذكرني؟).

نيكوس كازنتزاكي روائي ومفكر وانسان خارج من وسط عائلي متواضع قال عنه مارسيل بريون عضو الاكاديمية الفرنسية:( مسكون بحس حلولي يطهر ابسط نبتة على رابية)،
نيكوس شعر بالنار تخرج من أنفه لأن كاتباً شاباً أرسل هدية بصرف النظر عن طبيعتها،
من دون تلقي الشكر.

متى نضع الابداع والتضامن والابتكار والذاكرة الحية كجزء من الاخلاق الصافية؟
اليست الكتابة والحفر والنسج اللغوي وبناء عوالم جديدة من انقاض عالمنا الممزق هو نوع أصيل من الاخلاق؟

أليس الاحتجاج على الظلم والقسوة والجريمة هي أخلاق أيضاً؟
أم ان الفهم الزقاقي للأخلاق هو السائد؟
متى نضع الابتكار والكشف والمغامرة الفكرية والثقافية والسعي والتجاوز والبناء الفكري،
والتخطي والعبور الأدبي والمعرفي كجزء جوهري من الاخلاق خارج التعريفات السائدة عن العاقل والحكيم والمؤدب والرصين والهادئ وهي صفات لم تُدرس بصورة دقيقة،
فقد تكون الرصانة والحكمة والتوازن في هذا الاضطراب والفوضى وقتل الانسان نوعاً من البلادة العقلية أو الانتهازية والتكسب من الدم،
وليست أخلاقاً انسانية نظيفة؟

عندما يضع كاتب حياته في كتاب ويقدمه هدية، مثلاً، الى الاخرين ويكون التجاهل هو الجواب،
وعندما يدخل كاتب أو قارئ في ضيافة صفحة أخرى معلقاً على حوار مقترح من صاحبها،
ويقابل بلامبالاة باردة تنضح برائحة ثلاجات الموتى،
ألا يدل ذلك على ان الكتابة والجلافة أمران متناقضان؟

الله خاطب النبي:( لو كنت فظا غليظ القلب، لانفضوا من حولك)،
أي حتى الخطاب السماوي المقدس يمكن أن يرفضه الانسان اذا كان السلوك فظا،
فليس المهم هو النص فحسب بل الشكل أيضاً.

أنصح دائما الكتاب الشباب الاعزاء وغيرهم بأن الطريقة الوحيدة للرد على مثل هذا النموذج هو التعامل بالمثل ـــ كن حاسماً،
ودع الآخر يصرخ ويعوي ويبرر ويصدر البيانات ويضرب رأسه بكل أنواع الحيطان،
لأن مثل هذا الكائن هو مشكلة قادمة،
وهو يكتب قراءاته وليس تفكيره الخاص،
وعدم ارسال أي كتاب دون معرفة دقيقة للطرف الآخر،
وحظر والغاء أي علاقة مع شخص يحتقر أو يتجاهل حضورك على صفحته على تفاهة بعض الصفحات،
وسطحيتها،
لأن الحضور على صفحات من هذا النوع
كوضع القدم في مكان نجس.
أو ارسال باقة زهور الى خنزير،
وذوق وعقل الخنزير في أظلافه

.

حمزة الحسن

 

عن صفحة الكاتب على الفيس بوك :

https://www.facebook.com/hmst.alhasn/posts/10152646552162266

29.12.2014

 

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

  

  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4]  | أرشيف المقالات  |  دراسات  |  عمال ونقابات |  فنون وآداب |  كاريكاتير  |  المرأة |  الأطفال | إتصل بنا       

      

لا للتقسيم لا للأقاليم

لا

للأحتلال

لا

لأقتصاد السوق

لا

لتقسيم العراق

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة

من الكتاب والصحفيين العراقيين   

 

                                                                  

                                                                          

  

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org