<%@ Language=JavaScript %> حمزة الحسن " مخلوقات فضائية"

 

" مخلوقات فضائية"

 

حمزة الحسن

 

ذُهل كثيرون من خبر الجنود الفضائيين الوهميين في الجيش، في حين ان ( المخلوقات الفضائية العراقية) هي من أكثر الظواهر وضوحاً، ولأنها واضحة، فهي لا تُرى:

قبل حكاية الجنود الفضائيين، هناك ظاهرة البرلماني الفضائي الذي اسمه في الحصاد ومنجله مكسور،
بل هو أقرب الى السائح في عواصم العرب، ولا نكاد نتعرف عليه الا من فضائيات أيضا في عمان والامارات، ويحصل على راتبه عدا ونقدا وهو في فنادق الخمس نجوم.

ليس الامر حكرا على السياسة والجيش والشرطة والصحة والتعليم بل شمل كل زوايا الحياة،
من ناقلات نفط لصالح تجار فضائيين، الى شعراء وكتاب فضائيين فازوا بجوائز وهمية في الخارج،
وسوقوا انفسهم في الداخل كمؤلفين لكتب وهمية لا وجود لها الا في خيال مريض يحاول عن طريق صناعة الواجهة التعويض عن عقدة الشعور بالدونية، في مجتمع يبلع كل شيء، من القنابل الى المسامير، ومن الأساطير الى الأوهام.

هناك حراس خطوط النفط الذين يحرسون خطوط النفط بلا حراسة، في حين يتقاضى المتعهد رواتبهم وهم في سرير النوم، اذا كانوا فعلاً كائنات حقيقية.

شركات وهمية ومشاريع وهمية وبرامج وهمية في كل شيء، بل هناك خطط وهمية في الكهرباء والشوارع والنفايات وفي النقد والاعلام، كما في عقود شراء السلاح،
وشركات الحراسات وفي زيارات وهمية ترفيهية تحت شعارات مزيفة،
وصفقات أطعمة وادوية وسيارات لا وجود لها الا على الورق.

امام استفحال المخلوقات الفضائية يكون الواقع العراقي قد تجاوز الخيال حقاً،
ولم يبق لكتاب السرد والتخيل والشطح شيئاً جديداً،
لأننا دخلنا، مرة أخرى، مجتمع الوهم،
وهو المجتمع الذي تكون صورته الخارجية تتناقض مع الصورة الداخلية،
المعلن غير السري،
الحقيقي في مجتمع الوهم ليس المرئي بل المحجوب.

ليس من المستغرب في أن نكتشف، اذا اكتشفنا يوماً، ان البلاد كلها مؤسسة على المخلوقات الفضائية،
على القيعان السرية وانها تدار عملياً من مخلوقات لا تُرى في الظاهر،
وغاطسة في السراديب لكنها ترى كل شيء،
كما لو ان الواقع العراقي انتقل من عالم الوضوح الى عالم الاشباح.

من قال ان غرف الاركان والتخطيط وسيارات نقل النفايات والاسعاف تدار من قبل جنرالات واقتصاديين وسواق وليسوا رجال استخبارات ومخابرات تابعة لسفارات دول بعضها لا يرى حتى بمكبرات النجوم البعيدة؟

وصل وعي العالم بنا في هذه المهزلة الى ان تقوم طائرات تسمى مجهولة بسلسلة غارات ليس من المعروف مع من وضد من،
طائرات فضائية ايضا،
في حين تمنع الطائرات الحربية نهائيا من التحليق فوق مدن اوروبية لكي لا توقظ النائم وتزعج الحامل وتخيف الطفل ... والخ.

كما تجول وتصول المخلوقات الفضائية فوق الارض،
تفعل ذلك في السماء،
فهذه خصائص الواقع الاسطوري.

في صفحات التواصل الاجتماعي هبطت المخلوقات الفضائية،
ولم نعد نعرف ليس اسم هذا الكاتب او ذاك فحسب،
بل لا نعرف هل هو ذكر أم انثى،
وأبعد من ذلك من كثرة ما يقال لم نعد نميز بين البول والقول:
كلما حذفت مخلوقا فضائيا من الصفحة، ظهر لي بعد ايام باسم جديد وصورة جديدة واصدقاء جدد عثر عليهم في عشر دقائق للتمويه،
وجعل غلاف صفحته حقل أزهار أو لوحة عالمية كفخ كما يفعل صياد الطيور والغزلان البرية والصقور.

يمكن اختراق المجتمع اذا لم يكن هذا المجتمع محصناً من الاختراق،
وبلا ثقافة وقائية ولا مصدات حامية ولا منظومات قانونية حارسة،
ويستطيع أي دجال او محتال ان يلعب بمصائر الناس،
والأغرب من ذلك يجعلهم هم يلعبون معه بخطاب مرتجل أو أكاذيب تُبلع على عجل وتصبح من التكرار والعادة حقائق صلبة.

أفضل طريقة لخداع وسرقة الناس ان تتحدث أمامهم عن الفضيلة والاخلاق والاصلاح،
ومع الوقت يستسلمون بعد أن ترسخت صورة مزيفة في الوعي العام الذي لا يراجع ولا يفحص ولا يدقق ولا يشك ولا يسأل،
لكنه يجعل من الوشاية حكاية،
ومن الخديعة اسلوب حياة.

مجتمع مبني على عقلية ( التصنيف والإختزال ) والصور النمطية المؤبدة بناء على مواقف عابرة : الشرير في لحظة وموقف يظل، في الوعي العام، شريراً الى الابد، والطيب يظل طيباً الى الأبد بناء على موقف ولحظة كان فيها كذلك،
حتى لو ارتكب في ما بعد كل الموبقات.

كم عدد المزارات الوهمية ـــ عدا الرموز الكبار ــــ التي يزورها الناس يومياً من أجل المشورة والبركة والتدخل في المصير؟

كما عدد( الشقاوات) الذين صاروا نجوماً ورموزاً للشجاعة في هذا الشارع أو تلك البلدة،
وهم في واقع الحال عفطية وكل مواهبهم السطو والاعتداء وتكسير كراسي المقاهي والحانات واسنان الزبائن واقفال المحلات؟

اوائل السبعينات تمت تصفيات واسعة لهؤلاء بعد دمج بعضهم في السلطة،
لأن الايديولوجيا القمعية لا تسمح بوجود منافسين،
ولأن المكان محجوز لرؤية واحدة وكذلك الزمان:
لا يحتمل الشارع عصابتين وكذلك السلطة.

كنت اسمع بحكاية الجنود الفضائيين منذ سنوات وهناك من سمع بها واطلع عليها وهم ليسوا قليلين،
فلماذا الآن ظهر هؤلاء؟
من اسس لظاهرة المخلوق الفضائي العراقي في كل مؤسسات السلطة والدولة؟

الاحتلال الأمريكي هو من أسس هذه الظاهرة بدراية ومنهج ومعرفة وتخطيط،
وهو من تعمد افساد قيادات في الحركات السياسية الاسلامية وغير الاسلامية لكي يستطيع التحكم فيها في أي وقت،
وترك الباب مفتوحا لها لكي تسرق وتخدع وتناور وتحتال وتقع في المصيدة في الوقت الذي يريد،
وهو يوثق ويسجل ويصوّر استعداداً لكشف المستور في يوم ما،
لذلك هناك خرس وصمت وسكون مقبري ليس ناتجاً عن ذهول بل عن رعب من الفضيحة.

لم يجد المحتل قوى منظمة قوية تقاوم أو تعارض المشروع الامريكي بعد انهيار الحركة الوطنية غير القوى الاسلامية،
وبما انه غير قادر وعاجز على الدخول معها في حرب مكلفة وغير مأمونة النتائج،
بل قد تكون مهلكة له،
فلجأ الى اسلوب الافساد المتعمد حتى اسقط، نهائياً، المشروع الاسلامي في العراق وهو المشروع الاخير الذي لم يجربه الناس بعد فشل المشاريع الكثيرة في بلد صار مختبر تجارب تنتهي بحمامات دم وتلقى المسؤولية على أشباح:

لأول مرة في التاريخ العربي والاسلامي يُسقط المال قيادات في الاحزاب الاسلامية عجزت كل حملات التصفية الجسدية والنفسية والثقافية عن اسقاطها،
ولأول مرة ينهار مشروع الاسلام السياسي في العراق بسبب المال وحده،
بدهاء المُحتل وغباء الطرائد ودقة الفخ.

هؤلاء اليوم أقرب الى الرهائن أو السجناء المنتظرين ساعة الحكم من قبل قوى الاحتلال نفسه من عناصر محلية منافسة،
اذا هزوا ديولهم رفضاً لمشروع:
الوثائق جاهزة بالصوت والصورة والمصارف والارقام والشهود وكذلك الحبال أيضاً.

قد يقاوم الانسان السوي والشريف أول الامر السقوط في فخ الغواية المالية أو غيرها،
ربما يرفض في البداية،
من المحتمل أن المصدات والقيم الداخلية تقف حائلاً دون سقوط سريع،
قد يصاب بالكآبة أو الانسحاب لكنه أمام النهب العام المنظم،
وغياب دولة وطنية واضحة المعالم،
ينهار في النهاية أمام أبواب الاغراء المفتوحة عمداً،
وأمام الغنى الفوري لخصوم أو أعداء أو رفاق كانوا حتى الأمس لا يفرقون بين البصقة والدرهم.

وهناك صنف مغطى بالشعارات والمبادئ لكنه أمام أول حالة إغراء ينهار ويتداعى،
من دون صراع نفسي داخلي ولا مشاعر اثم ولا قلق نفسي،
لأن نظم الردع الداخلية ملغية أصلاً لصالح واجهة خارجية مزورة وأقنعة منتقاة.

الذي يرفض الاندماج في مشروع نهب فضائي عليه تحمل ضغوط الواقع،
عليه تحمل وصمة( الفاشل الما ساوى ربعه) لأن معايير النجاح والفشل لم تعد قائمة على العلم والمعرفة والاخلاق والكفاءة،
بل على الربح والكسب بصرف النظر عن المصدر.

نحن لسنا اليوم أمام مخلوقات فضائية في كل مكان فحسب،
بل الوطن نفسه صار وطناً فضائياً،
يُحكم من السراديب والقيعان والأقبية،
أبعد من ذلك ان المصير والمستقبل والجغرافيا والوحدة والهوية والتاريخ والجذور صارت معرضة للشك والسؤال بل الزوال،
لأن الفوضى ليست الاطاحة بواقع واحلال آخر فحسب،
بل تدمير وتلويث وتشويه كل ما يجعل الانسان واقفاً على قدميه عندما تهب العواصف،
وعندها سيفقد البوصلة والسياق والمنطق والتسلسل الذي هو جوهري لعمل الذاكرة:

في زمن من هذا النوع سيلوح النظيف منحرفاً،
والنصّاب ذكياً،
واللص شاطراً يعاتب المسروق،
و"المسروق يتعذر"

 

حمزة الحسن

02.12.2014

 

https://www.facebook.com/hmst.alhasn/posts/10152594426857266

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

  

  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4]  | أرشيف المقالات  |  دراسات  |  عمال ونقابات |  فنون وآداب |  كاريكاتير  |  المرأة |  الأطفال | إتصل بنا       

      

لا

للأحتلال

لا

للخصخصة

لا

لتقسيم العراق

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة

من الكتاب والصحفيين العراقيين   

 

                                                                  

                                                                             

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org               الصفحة الرئيسية - 1 -