<%@ Language=JavaScript %> انكار الواقع حمزة الحسن

   

لا

للأحتلال

لا

للخصخصة

لا

للفيدرالية

لا

للعولمة والتبعية

 

                                              

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين                    

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                            

 

 

 

انكار الواقع

 

 

حمزة الحسن

 

في أي مكان في العالم يتحول فيه شرطي الى قائد في تنظيم ارهابي يهدد العالم، كما هو حال المفتي الشرعي لتنظيم داعش الملقب بالقحطاني، الذي كان شرطيا في نينوي؟

وفي أي مكان في العالم يتحول فيه لاعب قمار ــــ لوتو ـــ مدمن في لندن الى وزير في وزارة سيادية؟
وفي أي مكان في العالم يصبح آمر مفرزة اعدام في حرب الثماني سنوات مسؤولا كبيرا في وزارة الدفاع؟
أو ان يتحول سائس خيل الى زعيم حزب أو محافظ، ويصبح حدائقي قائداً لتحالف وطني،
بل في فترة قائد جهة انقاذ، ثم في موقع قيادي متقدم؟

لا تسمح الدول الديمقراطية بهذا النوع من القفز على الادوار، لأن ( الدور) مفهوم جوهري في الحفاظ على الانسجام الاجتماعي والسلم الاهلي والاعراف وقوانين المهن.

الدور يقوم بوظيفة حفظ التناسق والايقاع والعدالة، وعبور الادوار، سواء كانت طبيعية أو مهنية، يؤدي الى قلب المعايير، والأخطر الى الفوضى.

ان قلب الادوار الطبيعية كدور الاب والام والاخ والاخت والابناء، أو "التداخل " في هذه الأدوار،
يعني الانحراف في السلوك البشري، وعلى المستوى نفسه، فقلب الادوار الحرفية والمهنية يعني الانحراف في السلوك السوي، بل يقود الى الانحراف العام وانهيار المعايير، والمعيار والدور من ركائز البناء الاجتماعي،
ويؤدي انهيارهما الى تحويل الفوضى الى قاعدة، وسيطرة المعايير الفردية التي تبرر وتحلل وتحرم بناء على التفكير الرغبي، وهي من أخطر علامات سقوط الدول.

لكن لعبة الانكار والتمسك بالادوار القديمة لا تقتصر على الجانب السياسي فحسب، بل تتعداه الى الاقتصادي والثقافي والاجتماعي:

في الحقل الثقافي، مثلا، استطاعت الدكتاتورية أن تخلق نسقاً من المثقفين المكرسين لخدمة السلطة،
وخلقت المناخات والظروف والفرص لكي يمارس هؤلاء أدوارا ثقافية في مهرجانات واحتفالات وطقوس وشكلوا واجهة أمامية أنيقة خارجية للنظام، ومارسوا كل انواع الحياة المرفهة والنشر والعيش الهادئ في سلام وانسجام،
يوم كان اقران واصدقاء لهم يتساقطون في السجون والمنافي بحثاً عن وطن، لكن هؤلاء ، كما حدث مع الشرطي الذي صار حاكما شرعيا في تنظيم متوحش، وكما انتقل آمر مفرزة الاعدام، وسائس الخيل، والحدائقي الى أدوار جديدة، انتقل بعض هؤلاء ــــ بلا تعميم، طبعا ــــ الى أدوار منقحة ومحسنة، في نوع من( انكار) الواقع،
والتحايل النفسي لاستمرارية الدور:

التعايش الحرفي والمهني لعشرات الاعوام يترك بصمات عميقة في النفوس والسلوك ويحتاج الى طاقة نفسية وفكرية وثقافية لكي يقوم بالمراجعة والتأمل، لا المكابرة وقلب المعطف وتبديل الجلد،
لذلك تتطلب "حالة الانكار" ممارسة الدور القديم، وهو دور بلا أية مواهب ولا قدرات ولا كفاءات غير ما منحه النظام والظرف والمرحلة، لكن التعايش الطويل مع أوهام ينقلها الى مستوى الحقائق في نظر هذا الصنف من مستنزفي الطاقة الذين يقضون أوقاتهم من اجل الحصول على كلمة مديح أو ثناء أو تعاطف، حتى لو كان نفاقاً،
وبعض هؤلاء يطرحون قضايا للحوار لكنهم لا يريدون حوارا بل مصفقين ومداحين وطبالين من اجل اشباع حاجة قديمة للجاه والتفوق بعد ان التبس عليهم الزمن، لكي لا ينكشف الخواء الثقافي أمام محاورين جدد،
في زمن مختلف.

منهم من يحتفظ بالغطرسة القديمة، مع ان الزمن تغير، والغطرسة كالتقمص والانكار والاسقاط من اساليب التحايل على الذات والاخرين في ان الاشياء في مكانها،
والزمن لم يتغير، والدور هو نفسه.

لا يمكن بكل تأكيد وضع الكل في خزانة واحدة،
وهناك في قلب المؤسسة الثقافية الحاكمة السابقة كان الساخط والمحتج والحاقد على السلطة والشريف والنظيف والمتضرر،
لكن كل ذلك كان في مناخ من السرية والصمت والحذر في نظام مؤسس على الاكراهات والعقاب،
عقاب الصامت وعقاب المتكلم.

اليوم تحفل مقالات كثيرة في نقد المثقف بمعزل عن تاريخ المثقف،
وطبيعة الظرف العاصف،
وغالبا ما تصدر هذه التوصيفات السلبية للمثقف من مثقفين إما يعيشون في قطيعة معرفية وثقافية أو قطيعة نفسية مع الواقع ويكتبون الانشاء الباهت المتحذلق في قضايا حساسة لكن بكلمات كبيرة مضخمة للابهار،
أو من مثقفي" انكار الواقع" الذين يعيشون تحت وهم السلطة، بعد ان صار فريق من هؤلاء يكتب في كل شيء،
من الطبخ الى الفن، ومن الضجيج الى الدعاية، ومن الغزل الى الحرب، ومن غرامشي الى الرواية.

هذه الكتابة بدل ان تحل مشكلة هذا الصنف، وهو صنف يتراجع مع الوقت بعد أن وجد يقظة عامة وذاكرة حية لا تسمح بهذا اللعب المستمر، هذه الكتابة تعرضه للانكشاف والتورط، وتعري الجانب المخفي من ثقافة انشائية باهتة
من نوع الخطابات التي لا ينفع فيها اصلاح العطار.

ماذا يستطيع مثقف أن يفعل في بلد انقلبت فيه الادوار، وفيه أكثر من خمسين منظمة مسلحة بالدبابات والصواريخ والبنادق والمصارف والاتباع والاراضي والسجون وكل وسائل الاعلام المرئية والمقروءة والمسموعة،
وبعضها في صراع مع دول؟

ماذا يستطيع مثقف أن يفعل في بلد يستطيع فيه أي مشعوذ او محتال ان يقود الناس الى الموت بخطاب ملفق مرتجل، في حين يعجز المثقف من اقناع بضعة أشخاص عن حقائق مشعة؟

المثقف في بلد من هذا النوع هو الحلقة الأضعف، وبصورة خاصة المثقف المستقل، وهو الحائط الواطئ في حوار السلاح والمصالح، ولن تنتج المواعظ أو الوصم أي شكل من أشكال المثقف، لكن على العكس تعمل على تغييبه أكثر عندما تعزل أزمته عن الأزمة العامة، وتريد منه أن يكون سبّاحاً في بحيرة تماسيح، في حين يختفي الوعاظ خلف واجهات وكيانات وتحالفات مسلحة بالمال والقوة والاتباع والصحف والسلاح، ويبقى ظهر المثقف المستقل مكشوفا لكل الرياح والمخاطر.

حسب علم النفس ان الوعظ المفرط والحساب والوصم والتوبيخ والتحقير والتجاهل هي أقنعة متعددة من حالة انكار الواقع:
اذا استطاع شرطي ان يصبح قائدا في منظمة متوحشة، فهو لم يغير الدور بل غير القناع،
واذا بدل حدائقي بلا مؤهلات دوره الى زعيم حزب، فهو قام بالامر نفسه لأن العمل في حدائق الرئيس سلطة أيضا،
واذا استطاع آمر مفرزة اعدام ان يصبح مسؤولا كبيرا في الجيش، فهو لم يبدل الدور بل القناع أيضا.
لكن أن يصبح سائس خيل مسؤولا كبيرا في الدولة، فهو لا يعني الا أحد أمرين:
اما انه ما زال يمارس دور مروض الخيول، أو اننا لا نعيش في وطن بل إسطبل.

 

حمزة الحسن

 

09.11.2014

 

https://www.facebook.com/hmst.alhasn/posts/10152549713532266

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا