<%@ Language=JavaScript %> حمزة الحسن احتلال صامت وانيق، وهادئ

   

لا

للأحتلال

لا

للخصخصة

لا

للفيدرالية

لا

للعولمة والتبعية

 

                                              

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين                    

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                            

 

 

احتلال صامت وانيق، وهادئ

 

 

حمزة الحسن

 

لكي لا ينزعج العراقي هذه المرة من رؤية الدبابات، والجيوش الامريكية في الشوارع،
واحتراماً للمشاعر والعقل المحلي، ولأن العراقي تعود على القرارات الصاخبة في الحرب والسلام،
سواء تعلق الأمر بفوز في كرة القدم، أو فوز مطربة في مسابقة عالمية، أو قرارات اعدام او تكريم أو بداية أو نهاية حرب، أو حفل زفاف أو حفل رصاص في استقبال ضيف أو وداع ميت، أو حتى ولادة بقرة،
فهذه المرة تمت مراعاة القيم الوطنية المحلية والهواجس والحساسيات من وجود احتلال صاخب على الأرض،
باحتلال مختلف تماما وغير معهود هادئ وانيق وصامت، ظهر اول الأمر في السماء وهو أمر اعتاد عليه الناس من أيام الحظر الجوي، بحيث صار حضور أو غياب الطائرات الامريكية لا يعني شيئاً.

لكن هذا الاحتلال( المطمئن والمنقذ) لا يمكن أن يحصل بلا عدو، وعدو يزحف، وشرس، يقفز بلا توقع من مكان الى آخر ، ويحلق في الفراغ، ويسوق الناس، محاربين أو غيرهم، الى حفر الموت.

الاحتلال الصامت والهادئ والزاحف كأفعى العشب، مراعاة للاذواق العامة، بلا صخب، قد وقع بالفعل،
فهناك في مصنع تقشير البصل( السفارة الامريكية في بغداد) أكثر من ثلاثة الاف من كل أنواع الخبراء ، من التاريخ العراقي الى الطبخ، ومن الفولكلور الشعبي الى خبراء الحرب الاهلية، ومن علماء النفس والاجتماع والاديان، الى جنرالات حرب وعلماء الحرب النفسية، بل حتى اساتذة في الشعر والمقاهي والاغتيالات.

لذلك لن يشعر العراقي بأية اهانة للكرامة الوطنية حسب التوصيفات المعروفة، ومنها تفضيل الشكل على المحتوى،
وتقديس التقاليد على العلم، كما في كتاب تعريفي من جامعة اكسفورد عن خصائص عامة بين العرب،
وهو معروف في الغرب عن العقل العربي عموماً، ولن يشعر ان احتلالاً قد وقع اذا تمت مراعاة شروط الهيبة والشكل والمظهر، والصمت والزحف والتدرج، في نوع من الدهاء والمكر والخبث لم يألفه العراقي الذي أدمن على العنف السلطوي الفج والمباشر.

بناء على قراءة دقيقة مجهرية للعقل المحلي من خبراء " تقشير البصل"، فهذا التدرج الذي من الصعب اكتشاف الان بداية حقيقية له، لكن يمكن وضع تاريخ احتلال الموصل والمدن الاخرى كبداية، قد بدأ بتدفق القوات الامريكية على مراحل:

قبل شهر تقريبا وصل خبراء( لتقييم الوضع) لكي لا ينزعج أصحاب الرؤوس الساخنة من عبارات عن قوات عسكرية، ثم وصل بعدهم ( جماعات تنسيق) بين الجيش العراقي والطيران،
ودخل الرمادي او الاطراف 100 من ( المستشارين) لكي لا يجفل العراقي من كلمة عسكريين،
ويقلب الطاولة على صاحبه في المقهى أو النادي الثقافي، وتجرح ربة البيت يدها بالسكين وهي تعد الطعام،
وهناك 600 من فرقة المشاة الأولى في الطريق،  مع ان العدد الحقيقي غير معروف،
وللعلم، ليس أكثر، هناك وحدات خاصة بريطانية تسرح وتمرح في بلاد الرافدين طولاً وعرضاً،
بالاسلحة الفتاكة المحمولة وهو أمر تؤكده مصادر عسكرية بريطانية على انه عمل تقليدي بالنسبة لقواتهم الخاصة، خليط من المخابرات والزمر المتنقلة المقاتلة، مع عشرات الوحدات الخاصة من مختلف دول العالم حتى العربية التي قد لا ترى الا بمجاهر النجوم البعيدة.

مراعاة أكثر لتصريحات المسؤولين العراقيين بعدم الحاجة لوجود قوات برية على الأرض،
فجماعة تقشير البصل في البنتاغون 2 في بغداد، صرحوا بكل هدوء وبلا صخب ان داعش أوشكت على احتلال مطار بغداد لو لا الأباتشي الامريكية، وعند نفي أي مسؤول عراقي لهذا الخبر المزعج المخل بالشكل والمظهر والهيبة، يصرح مسؤول أمريكي بكل الهدوء أيضاً إن داعش على أبواب بغداد،
فكيف يحدث أن يحصل هذا وبغداد قلعة الاسود كما صدق العراقي ام كلثوم،
بعد أن صار سبع اليوم علفه تبن؟
بل حتى التبن ما " يصح".

ولكي لا يخرج ( المارد العراقي من القمقم) ويكسر الزجاج،
اذا تعرض العراق للخطر، ولا أدري لماذا هو محبوس ولا يخرج كل هذه السنوات،
بعد ان صار المواطن يظهر في وسائل الإعلام المرئية وهو في الثياب الداخلية يساق الى الموت،
ومتى يخرج هذا المارد بعد ان خلعوا كل ملابسه واكتشفوا انه يحمل مسدساً على الجلد،
وعندما سألوه : لماذا لم تستعمله؟ أجاب: انتظر ساعة الضيق،
لكي لا يخرج هذا المارد ويكسر كل شيء في طريقه، اذا انكسرت الزجاجة، ووجد طريقاً،
كان الجواب الامريكي بالهدوء نفسه:
القوات العراقية لا تستطيع وقف داعش، وتحتاج الى تدريب، ووصلت فعلاً (فرق تدريب)،
وان( المارد ) العراقي في القماط ويحتاج الى سنوات لكي يخرج ويكسر الزجاج ويحطم الاسفلت ويكتسح كل شيء،
بما في ذلك من أخرجوه من القمقم.

لا يفرّق العراقي من كثرة الأحداث والكوارث والخداع الضخم، بين جلسات استماع في الكونغرس للجنة الأمن القومي، مع كبار ضباط الجيش الامريكي، وبين تصريحات اعلامية لموظفي وزارة الخارجية:

في جلسات الاستماع امام لجنة الامن القومي،
لا يستطيع أي جنرال أو وزير أو مسؤول أن يبيع الماء في حارة السقائين، لأن ( اللجنة) تمتلك أدق المعلومات الاستخباراتية عن القضية المعروضة، وهامش الكذب يصل حد الطرد من الخدمة أو السجن في حالات،
وأكثر من مسؤول وقف أمام اللجنة التي نرى مشاهد مسربة سريعة جداً، كان يصاب قبل الحضور وخلاله وبعده باعياء وأرق، في حالة المناورة والتنصل من مسؤولية ما،
لذلك عندما يقول رئيس أركان الجيش الأمريكي في واحدة من هذه الجلسات وقد سُرب جزء من النقاش،
ان داعش كادت أن تحتل المطار،
وهي متواجدة على اطراف بغداد،
وفي الجلسة المغلقة قال حتما أوسع وأدق وأخطر من ذلك،
فليس هدفه هو اثارة غضب المارد العراقي،
بل وضع الادارة العليا الامريكية أمام خيارات وقرارات وتصورات ومعلومات ميدانية اضافية،
وهو غير معني بمن صنع داعش والاهداف من ذلك،
فليس هذا من واجب جنرالات الجيش الامريكي،
لأنهم أدوات تنفيذ قرارات سياسية تختص بالأمن القومي أو المصالح العليا.

صناع القرار السياسي يعرفون ان وجود داعش على أطراف بغداد سواء على شكل مجاميع للصخب،
والغارات المباغتة،
أو على شكل حشد كبير،
هو أمر حيوي لادامة الرعب، اولاً، وللعودة المتدرجة الهادئة،ثانياً،
وليس لايقاظ المارد النائم:

تحت أقصى حالات الفزع يتدفق الجيش الامريكي،
بكل هدوء وصمت،
فلم يعد القضاء على داعش من الجو ممكناً،
كما يقولون، بل يحتاج الامر الى تدخل بري،
والى( حرس وطني) ممول من دول الخليج،
مالاً وسلاحاً في مناطق الجانب الغربي من العراق،
وحددوا عدد الوية الحرس، وبالطبع الضباط، والمعسكرات، ونوع الاسلحة الثقيلة،
والمشروع سُيعرض على البرلمان للتصديق في حفل للفرجة.

كل هذا والمارد النائم يصرخ من خلف القضبان الزجاجية ـــ لماذا من زجاج؟ ــــ يرفض ولم يطلب ولا يرغب وجود قوات برية أجنبية،
لكنه ، حسب تصريح السيد العبادي نفسه( يطالب المجتمع الدولي بمساعدات أكبر) لمواجهة داعش،
وهذه المساعدات ليست فرقاً موسيقية تعزف الحاناً مزعجة لكي تنفر منها داعش وتخلي الشوارع والمدن،
كما هو حال فرقة موسيقية مزعجة لتفريق المتظاهرين في إحدى بلديات ايطاليا،
ولا غاز الضحك السويدي لتفريق المتظاهرين،
بل هو طلب قوات مسلحة دولية،
وهذه لا تقيم قواعدها في الغيوم بل تحتاج الى ارض،
لكنها تتدفق باحتراس وحذر ومراعاة للمشاعر العامة،
حتى تأتي اللحظة التي يُكبس فيها المارد النائم في القمقم،
بثياب النوم ولا يجد زجاجاً لكي يكسره لأن كل شيء تكسّر.

لماذا نراوغ ونلف ولا نبصق الحصاة ولا نعترف بالحقيقة،
ولا نسمي الاشياء كما هي في قضايا مصيرية تتعلق بالثوابت الكبرى كالسيادة والثروة والأرض والمستقبل والأمل،
ونترك مجال الحيل والمناورات لقضايا أقل شأناً؟

لماذا لا نعترف للناس ان احتلالاً بطيئاً متدرجاً وهادئاً يجري تنفيذه على مراحل،
وان وجود ضباع داعش على أسوار بغداد ليس الا الهدف المركزي من ذلك،
بصرف النظر ان كانت عاجزة عن احتلال بغداد أم لا؟

وضع الناس تحت هذا الفزع والتخويف الحقيقي أو المبرمج،
وتعطيل حياة طبيعية وتنمية ومشاريع وخدمات وعواطف وغرائز ومشاعر واحلام،
واستهلاك الثروة في نفقات حرب مستمرة،
هو أفضل الطرق لقبول الغرقى بأي منقذ سواء كانت سفينة قراصنة،
أو سفينة سياح أو سفينة ضباب يصنعها الوهم والخطر.

اخطر ما في الاساطير المخيفة ،
قدرتها على انتاج سلسلة من الأوهام والتصورات بل الأمراض الحقيقية،
وهو سر ديمومة الاسطورة في التناسل في الخيال العام،
خاصة اذا كانت الاسطورة مسلحة ومرئية ومتنقلة ومتوحشة،
من نوع داعش.

المشكلة الأكبر متى يخرج هذا المارد،
حتى لو جاء على شكل سكران
وكّسر "الفرفوري"،
بعد أن وقع العراق تحت احتلال فعلي هادئ وصامت و"منقذ"؟

عدا فيتنام لم تخرج أمريكا من بلد أحتلته من المانيا الى اليابان حتى اليوم،
ورب الكعبة.

 

حمزة الحسن

16.10.2014

عن موقع الكاتب على الفيس بوك

https://www.facebook.com/hmst.alhasn/posts/10152502998767266

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا