<%@ Language=JavaScript %> حمزة الحسن " ذبّوله الجنطــــــــــة، وهز ذيـــــــــــله"

   

لا

للأحتلال

لا

للخصخصة

لا

للفيدرالية

لا

للعولمة والتبعية

 

                                              

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين                    

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                            

 

 

" ذبّوله الجنطــــــــــة، وهز ذيـــــــــــله" *

 

 

حمزة الحسن

 

في الوقت الذي كانت قبائل باسلة تقاتل الانكليز، في ثورة العشرين، كان شيوخ بعض القبائل وشاة على الثوار،
بسبب" الجنطة ـــ الحقيبة"، وهذا هو مصدر الاهزوجة أعلاه، عندما كان هؤلاء يهزون ذيولهم كالكلاب أمام مكتب الاستخبارات الانكليزي، في انتظار حقائب النقود.

لكن هذه الجنـــــــــطة لم تختف ولا أحفاد هؤلاء اختفوا، ولا هز الذيول اختفى، الذي اختفى هو الذاكرة المطمورة، قصداً، والتاريخ المسكوت عنه، وسيطرة عقلية التغليس والهتاف والمراجل والمرويات الرسمية والحزبية،
لأن النسيان المبرمج ضروري لاعادة انتاج تجارب قديمة على شعب صار مختبرا لكل أنواع تجارب الموت،
ومن شروط الغاء أي شعب الغاء ذاكرته.

قبل احتلال عام 2003 قامت المكاتب البريطانية المتخصصة بفتح سجلات القبائل العراقية، وجرى التحضير لاعادة احياء " المجتمع القبلي" حسب المواصفات والخبرات القديمة، وقاموا باحصاء وفحص ودراسة معمقة للقبائل الموالية للنظام السابق، والقبائل المهمشة والمتأرجحة، والمستعدة لهز الذيول أمام المكتب ـ كان يسمى

 الحفيز ـ أي الأوفيس.

في 15 شباط 2003 نشرنا مقالاً موجوداً حتى اليوم على موقع الحوار المتمدن بعنوان:
( انطلاق وحش وقبيلة مركبة)،
قلنا فيه بالحرف الواحد، قبل نشوب الحرب بأكثر من شهر، ان مخططاً جاهزاً لعودة القبلية.

لم يكن ذلك نبوءة أو توقعاً بل كانت مراكز ابحاث ودراسات قد نشرت صورة النظام القادم لأن( علم المستقبل) مثل اي علم آخر يدرّس في الجامعات والمعاهد بل صار في متناول ربات البيوت والطلاب والمثقفين والكتاب وفي أسواق التبضع، في حين نغرق نحن في علوم الشطح والتسلطن والسلف الصالح، والاختلاف على وقائع التاريخ،
في الوقت الذي نفشل في تشخيص أحداث اليوم، وتحديد مسار الظواهر ونموها وتطورها، لأن اية ظاهرة مثل أي كائن حي يمتلك زمن النمو والولادة والظهور والاتساع والانتشار والهرم والموت حسب الظروف، لذلك تقوم الدول الحديثة بقطع وبتر البيئة الحاضنة لولادة الظواهر الخطيرة قبل الولادة، عبر النقاش العام أو الغاء مناخ نشوء الظاهرة باجراءات اقتصادية أو ثقافية أو أمنية أو صحية أو حملات توعية عامة لكي لا تظل( الفتنة نائـــــــــمة) كما نقول ثم يأتي من يوقظها، وهي في الحقيقة ليست فتنة بل تراكم تاريخ وتراكم ظواهر لم تُحسم عبر التاريخ، سلمياً، لذلك تظهر على صورة انفجار او صراع أهلي بفتيل صغير.

لذلك نباغت كل مرة بكارثة من( فراغ) مع انها كانت تعيش وتتطور وتتصاعد بيننا
في غياب العقل التحليلي والفكر النقدي،
وهيمنة المثقف صاحب الفكر الواحد والزي الواحد والشارب الواحد والعقيدة الواحدة
والرأي الواحد والصورة الثابتة الواحدة للأزمنة الثلاثة،
الذي حاول بناء "التاريخ التخيلي ــــ ايديولوجيا" و"المستقبل التخيلي ـــ يوتوبيا" من خلال ثقافة الوهم.

لم تكن عودة القبلية صدفة أو نتاج فراغ الدولة،
مع ان الفوضى وانهيار النظام العام ينتج عودة التكوينات الاجتماعية الأولى من أجل الحماية والوقاية،
لكن المقصود هنا التوظيــــــــف السياسي لبعض القبائل ـــ ولا نعمم ــــ من أجل تثبيت الأوضاع أو( الاستقرار) وهي مفردة محورة عن مفردات فرض الامر الواقع وشروطه.

كان المخطط ، كما كتبنا ذلك قبل الاحتلال، هو بناء نظام من قبائل محددة عاشت إما بعيدة عن السلطة أو تحت جورها،
وبحكم العقل القبلي، سيكون دورها التقليدي ( المحافظة) على الأوضاع وهي في الاساس تكوينات محافظة،
وترسيخ النظام الجديد،
لأن القبيلة بحكم النشأة والتكوين والتقاليد تتعارض جذرياً مع الحداثة كنسق ثقافي،
ومع التحديث الاداري والاقتصادي والاجتماعي لأنه يقلب التراتبية القبلية في الزعامة ويغير منظومات القيم رمز سلطتها.

لكن المخطط لم يتوقف عند هذا المكون التقليدي المضاد للتحولات الاجتماعية والثقافية والفكرية،
بل يجب أن يُسند ويُدعم من شرائح من المقاولين الجدد الذين تم انتاجهم عبر وسائل كثيرة كــــ ( تسهيلات) السطو على المال والمؤسسات والمصانع والمصارف والممتلكات العامة،
شرط أن يتم ( دمج) هؤلاء مع النظام السياسي الجديد،
وسيكون هدف هؤلاء هو( الاستقرار) الكلمة المهذبة لمفهوم النهب العام،
وعقد التحالف المصيري بينهم وبين بعض شيوخ القبائل،
فليس من مصلحة الشيخ ولا من مصلحة المقاول السياسي أية تحولات جذرية في النظام السياسي لأن ذلك يعني فقدان المركز والجاه بل قد يؤدي في تحولات عاصفة الى ما هو أبعد.

لكي يزيدوا الطين بلة ، كما يقال، اضافوا بدهاء وتخطيط ومعرفة،
مكوناً جديداً من مصلحته الحفاظ على( الاستقرار) حسب المفهوم السلطوي،
وهذا المكون هو دمج كبار ضباط الجيش في النظام السابق في النظام الجديد،
وتاريخ بعض هؤلاء لا يطمئنهم في الخروج عن القواعد المرسومة،
ومن مصلحتهم البقاء تحت هذا التحالف الثلاثي القبلي والسياسي المقاولي،
وهذا التحالف الثلاثي عبر كل عصور التاريخ كان على الضد من الانقلابات والثورات والهبات الاجتماعية،
إلا اذا تعرضت مصالحه للخطر الداهم.

لكي تكون جدران سلطة ما بعد الاحتلال قوية ومتماسكة ومتراصة لا بد من
( اللّبخ)
بلغة البنائين القدامى،
وهي في القواميس القديمة تعني( كثّر اللحم) لكنها تعني في العامية الاكساء لكي يلوح البناء متراصاً:

تم وضع غطاء من بعض رجال الدين ــــ ولا نعمم أيضا ــــ وسيكون دور هؤلاء كما هو دور الشيخ والمقاول السياسي والجنرال،
الحفاظ على الاستقرار،
وقد لعبت هذه المكونات الاربعة دورا معروفا في أحداث العراق منذ عام 2003 وحتى اليوم،
ولكل قاعدة استثناء لكننا، هنا، نتحدث عن اتجاهات عامة وحلقات مركزية وليست أدوارا فردية.

لكن الامور في عراق المفارقات والتناقضات والمباهج المصفحة والعاصفة
لا تستمر دائما حسب أي مخطط،
رغم ان هذه العناصر تبادلت الادوار في السلطة والزعامة والقرار،
وفي بعض مراحل هذه الحقبة تم اقصاء أو اغتيال أو طرد من ركب رأسه من هذه المكونات،
وفي المقابل جرى تقديم ودعم ومساندة الجزء المحافظ والراغب في( الاستقرار) أو الراغب في دعم المشروع الأمريكي.

هنا انقلبت الاولويات في نظام الطاعة المؤسس لهذه التكوينات،
ولم تعد الولاءات أو العداءات للنظام السابق هي المعيار،
بل الولاء للمشروع الجديد، أي بمصطلح بعض أهل القلم( العراق الجديد)،
وجرى دعم بعض شيوخ القبائل بالمال والسلاح والنفوذ،
سواء من سلطة الاحتلال أو السلط العراقية،
حسب نوع السلطة أو التحالف الحاكم،
وقوة ونفوذ بعض القبائل.

مع الوقت جرى التمهيد المتدرج لبناء جغرافيا جديدة تقوم على انقاض الوطن الواحد،
حتى وصل الأمر الى قبائل مسلحة تطلق على نفسها " ثوار العشائر"،
وقبائل مسلحة يًطلق عليها" قوى مساندة" للنظام،
وبين هؤلاء تقف العناصر الثلاثة: جنرالات النظام السابق،
المقاولون السياسيون تحت عناوين وشعارات وتحالفات مختلفة لكن النتيجة واحدة،
وبعض رجال الطوائف.

أمام اربعة خطابات مدعومة بالمال والسلاح والاتباع،
خطاب الشيخ ـــ الفقيه ــــ السياسي ــــ الجنرال،
تم تغييب خطاب المثقف النقدي،
وأُفرغت النخب المثقفة من المحتوى والرأي والموقف،
وهؤلاء أصناف لا يمكن وضعهم في سلة واحدة.

خطاب المثقف النقدي لا يستند على قوة غير قوة الحقائق،
لكن الحقيقة غير المسندة بالقوة تضيع في الضجيج.
المطلوب ، اليوم، ليس قوة الحقيقة بل حقيقة القوة.

لم تعد" الثورة" تغييرا جذرياً ولم تعد تحتاج الى ثوار ونظريات وخطط مستقبلية،
بل يكفي أن تهرب الى أي مقهى في عمان أو غيرها بالعكال واليشماغ،
مع حفنة عاطلين عن الوعي والعمل،
وتعلن انك شيخ عشائر ثوري تطالب بتبديل النظام،
حتى على أنقاض شعب يتآكل وينقرض بشراً وجغرافيا،
من أجل "الجنطـــــــــــة".

كنا نحلم، ومن حق أي انسان أن يحلم لحسابه الخاص،
بوطن جديد ودولة حديثة،
لكن في غياب حركة وطنية منظمة وسلطة ثقافية تقف في مواجهة مع السلطة السياسية كما حدث ويحدث حتى في البلدان العربية،
لم يعد هناك أمامنا غير شرائح قبلية متحالفة مع المال والسياسة والطائفية والدول الكبرى والصغرى.

شرائح فراغية من كهنوت القبائل عاطلة، لأن ذهنية الجنــــطة محفورة في ذاكرتها،
كان يجب أن تزول لأنها غير منتجة سوى العطب، ومنتجة لشيء آخر:
"الدّك والركص، والكأس والكرص".

 

 

حمزة الحسن

12.10.2014

 

عن صفحة الكاتب على الفيس بوك

https://www.facebook.com/hmst.alhasn/posts/10152493336032266

 

 

* (رموا له الحقيبة ، وهزّ ذيله )

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا