%@ Language=JavaScript %>
|
لا للأحتلال لا للخصخصة لا للفيدرالية لا للعولمة والتبعية |
|||
---|---|---|---|---|
صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين |
||||
للمراسلة webmaster@saotaliassar.org |
" جمهورية آمرلي"
حمزة الحسن
الصورة النمطية الشائعة عن العراقي منذ عام 2003،
لكي لا نذهب أبعد، هي صورة العراقي المنبطح وفوق رأسه بسطال جندي أمريكي،
أو العراقي اللص ــــ لص المال العام أو لص ممتلكات الدولة،
أو العراقي الراكع على ركبتيه وخلفه شبح ملثم يقرأ بيان القتل، أو المعكّل النائم قرب شاحنة من الخوف، أو العراقي المساق الى حفر الموت سواء كان فردأ أو جماعة أو 1700،
مع ان عدد الارهابيين ، اول الامر، لا يتجاوز اصابع اليد الواحدة في نوع من هلع القطيع، وهو هلع يصاب به الجنود في كل معارك التاريخ،
أو العراقي المنتظر مروحية تسقط عليه الطعام والماء، أو المعلّق على جبل ينتظر النجدة،
أو صورة السياسي المناور الذي كل ما تعلمه من السياسة هو فن المناورة والشطارة والاحتيال وليست السياسة كخيار مستقبلي ومشاعر وسعادة منزلية وحرية وانفتاح ووضوح وحكايات ليلية ونعاس اطفال في هدوء الغزلان في العشب، وكل هذه الصور المقصودة لتشويه صورة العراقي في نظر العالم،
وفي نظر نفسه وهو الأهم،
بحيث صار يرى صورة مضادة له في وسائل الاعلام ــــ صورة مكررة للغرز والاقناع.في نوع من احتجاج الذاكرة على بشاعة الحاضر،
بدأت تظهر على المواقع وصفحات التواصل الاجتماعي صور العراقي القديم،
المنقرض،
بالابيض والاسود المشرق بكل الوان المسرات البسيطة:
صار ظهور عربة نقل يجرها حصان هزيل في بغداد،
أو قارب صيد قديم في نهر،
أو طالبات في حديقة،
أو جلسة اصدقاء على شاطئ،
بل ان البعض اذا لم يعثر على صورة سارة راح يبحث في صور الحرب،
عن أيام الخنادق،
في حين اخرج البعض صوره أيام العرس ودفاتره في المدارس الابتدائية،
ومنهم من تذكر المعلم الاول الذي ينزف من الغضب لكي نتعلم حروف الابجدية،
وسكن فريق المقابر بعد ان زالت الفوارق بين المقابر والمنابر،
بين الحدائق والمشانق،
وفريق فتش في سجلاته العتيقة كما تفتش جداتنا عن خصلات الشعر الاولى السود في صناديق مقفلة،
أو خنجر الزوج القتيل الدامي الملفوف في ثوب الموت كذكرى نار مشتعلة،
أو عن صورة ، بالابيض والاسود، يظهر فيها ضاحكاً ، مع أصدقاء،
حتى لو كان هؤلاء تفرقوا بين قتيل ومنفي وهارب ومنتحر،
صارت هذه الصور من الخوارق.لم يجد العراقي من يسعفه من وحشية الحاضر غير الذاكرة،
والذاكرة ــــ حسب علماء التشريح ــــ اذا لم تجد مكوناتها الاولى، البيت والمدرسة والشارع والاشجار والحيطان والروائح والاصوات،
تلتهم نفسها في نوع من الانتحار المخرب،
لأن الذاكرة ليست المادة العضوية بل المحتوى.لذلك جاءت صورة آمرلي من الزمن المضاد،
الزمن غير المتوقع، المنقرض،
من خارج الصورة النمطية المذلة.آمرلي البلدة الصغيرة المحاصرة منذ شهرين تقريبا من وحوش تستنكف منها حتى الوحوش،
ومن ذئاب تخجل منهم حتى الذئاب،
قلبت صورة العراقي المنكسرة والمصنّعة والمكررة في وسائل الاعلام،
ثم داخل النفوس وهو الأخطر:
صورة عراقي أعزل الا من سلاح بسيط وعزيمة وكرامة أمام وحوش خرجوا، تواً، من غابات التاريخ،
وصممت على الموت أو النصر بصرف النظر عن الثمن،
لأن من يحسب حساب الثمن في معركة شرف مهزوم وانتهازي ومشروع استسلام.لكن لماذا صمتت منابر واقلام عن الصمود الاسطوري لآمرلي في حين كانت هذه المنابر والقنوات والصفحات تظهر انسانيتها فقط عندما تقع مجزرة في مكان محدد،
أو يُعتدى على صرصور مثقف في شارع ما،
او تنهار راقصة من غرام خائب في ملهى؟الفرح الانساني ليس ظاهرة منعزلة عن الضمير والعقائد والمواقف والاخلاق،
وكذلك الحزن والألم:
الفرح طبقي وعقائدي وعنصري وانساني ووحشي ومتنوع كالحزن والاسف والوجع،
لأن فرح اللص ليس نفسه فرح بريء يعثر على لقية في طريق،
وحزن المتوحش والنهاز والمنتظر ليس نفسه حزن النبيل والناسك والطفل،
وسعادة القاتل بضحية يسيل منها الدم،
ليست هي نفسها سعادة انسان من وردة يسيل منها الندى في الفجر.لا يمكن عزل المشاعر الانسانية عن شرف الانسان ، لأن" الشرف ليس ثوب حية وينزع"،
ليس موقفا يباع اليوم ويُشترى غداً.عندما قال البسطاء " الحياء قطرة" فهو ما تؤكده العلوم الحديثة أيضا،
فالانسان لا ينحط مرة واحدة، بل يتزحلق بصمت وسرية وهدوء،
والخطوة الاولى ــــ القطرة ـــ من سقوط الحياء تقود الى السقوط الكلي السافر،
حتى لو كان هذا السقوط مبرقعا بالصمت،
لأن الصمت لغة.هذا هو اللغز الذي يجعل العراقي النزيه هو الانسان الوحيد على وجه الارض الذي يمزق ثيابه ويعض على اسنانه ويعوي عندما يجن،
عكس كل مجانين العالم المرحين ، الصامتين، المبحرين من فوق الكراسي في سفن الوهم،
لأنه ظل يقاوم الابتذال والسقوط والانحدار والتدهور والقبح،
وبعد أن يكون قد استنزف كل طاقته،
يقرر الدماغ ـــــ كزر الأمان في منظومات الكهرباء المنزلية ــــ وقف التدهور،
واعلان حالة الطوارئ،
وهو اجراء غريزي وقائي دفاعي ضد مزيد من العذاب ومن الصراع،
كما كان يفعل الانسان البدائي أمام أسد عندما يُصاب بالاغماء لأن الدماغ قرر وقف المشهد وصور الكهوف تدل على ذلك.لكن، على العكس، هناك من لا تتوفر فيه هذه المصدات والمكابس من التدهور،
وهو ينطلق، فرحاً، طليقاً، مسرعاً،
دون الحاجة الى الانزلاق التدريجي،
بلا صراع داخلي لغياب الاضداد، بلا قلق،
لتهشم منظومات القيم الواقية،
ويتساوى عنده فعل القول والبول.جمهورية آمرلي تأسست ليس من يوم نصرها،
بل يوم من يوم قرارها:
حتى لو هزمت آمرلي فستكون " هزيمة بطولية" بتعبير ارنست همنغواي،
لأن الصراع استهلك كل الطاقة ،
ولا تعني هزيمتها نصرا للوحوش،
لأن النصر العسكري في كثير من الحروب اختزن هزيمة أخلاقية أو حربية قادمة.آمرلي هي صورة عراقي أريد له أن يضيع وان يتشوه وأن يفقد الثقة بالنفس والعالم والحضارة والتاريخ وبنفسه،
لذلك كان مطلوباً أن تباد هذه البلدة مرتين:
مرة في وسائل الاعلام لكي لا تصبح رمزاً مشرقاً في هذا الظلام،
وثانية لكي تسحق مادياً.أمرلي صورة عراق مستقبلي أيضاً،
وبشارة أمل، في هذا التضليل الضخم، على ان هزيمة سلطة ما لا يعني هزيمة الحرية،
وانهيار جيوش لا يعني انهيار الكرامة البشرية،
وصراع الساسة على المناصب في الصالات المرفهة ليس هو نفسه الصراع من اجل الشرف في خنادق قتال.هل كانت آمرلي محاصرة، حقاً؟
على العكس، كان العدو المتوحش محاصراً بالذهول والصدمة والعجز،
والأهم،
الأهم،
الأهم،
جمهورية آمرلي كانت تحاصرنا جميعا من الداخل،
تحاصر فينا اليأس والرعب والخذلان وعقلية الربح أو الخسارة.
كانت آمرلي مدرسة علمنا أهلها البسطاء النجباء كيف يمكن أن نعبر المحنة،
كيف نعبر نهر الموت،
لوحدنا،
حتى لو متنا غرقاً،
لأن شرف معارك الحرية ليس في النتيجة بل في الغاية.
حمزة الحسن
عن صفحة الكاتب على الفيس بوك
https://www.facebook.com/hmst.alhasn?fref=nf
تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم
الصفحة الرئيسية | [2] [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا
جميع الحقوق محفوظة © 2009 صوت اليسار العراقي
الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا |
|
---|