<%@ Language=JavaScript %> حميد الحريـزي ديوان)  الشاعر وسفر الغريب(  للشاعر شلال عنوز شلال من ألم ،شلال من أمل

   

لا

للأحتلال

لا

للخصخصة

لا

للفيدرالية

لا

للعولمة والتبعية

 

                                              

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين                                    

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                            

 

 

ديوان الشاعر وسفر الغريب(  للشاعر شلال عنوز

 

شلال من ألم ،شلال من أمل

 

 

بقلم: حميد الحريـزي

 

 

موجز تعريفي  بالمجموعة

صدر للشاعر  المبدع  شلال عنوز  مجموعته الشعرية (( الشاعر وسفر الغريب )) عن دار الضياء  للطباعة في النجف الاشرف  في طبعته الاولى عام 2013 وعلى نفقة  نقابة المحامين العراقيين المركز العام ... .....تغطي المجموعة نتاج الشاعر

خلال فترة زمنية تمتد لعشرة سنوات  ((1999-2009))

تضم المجموعة  ((27)) نصا شعريا بواقع  نص واحد عام 1999 و نص واحد عام ((2000)) و ((10)) نصوص عام ((2001)) و ((2)) نصان عام ((2003)) و ((3)) نصوص  عام ((2004)) و ((6)) نصوص عام ((2005)) و نص واحد عام ((2006)) و ((2)) نصان عام(( 2009))،  ونص واحد بدون تاريخ ، مع خلو المجموعة من أي نص شعري عام 2002 وعام 2007 وعام 2008   تبين لنا  ان للشاعر نصوص  من الشعر العمودي لم يشأ ان  تتضمنها المجموعة ، تصدرت المجموعة  اضاءة  للشاعر الاستاذ عبد المنعم القريشي ((صياد الحروف)) كما  اسماه  شلال عنوز  في احد نصوصه ،مع مقدمة  بقلم الدكتور  تومان غازي ، وكلمة شكر موجزة  بقلم الشاعر  لنقابة المحامين  المركزالعام  لمبادرتها بتبني  نشر  المجموعة على نفقتها......

 

دلالات العنوان :-

لا شك  ان  العنوان  يدل  دلالة  مكثفة موجزة  عن المضمون  الذي يحمله المنجز الادبي او الفكري بين دفتيه، لذلك يراعي الكتاب اهتماما خاصا  بالعنوان  ليكون ذو دلالة  بليغة  ومكثفة على   المنتج ....

عنوان المجموعة ((الشاعر وسفَر الغريب))، يربط بين الشاعر  كذات مبدعة حساسة ، راصدة لمختلف الظواهر والمناظر  الحياتية  ليخرجها اخراجا فنيا  بعد ادخالها في مشغله الابداعي الفني ، بذلك تمتلك سر  جمالها وديمومتها  وتأثيرها بين الناس  ولفت نظرهم  وتفاعلهم  بالسلب  او الايجاب  وحسب  قدرة  المبدع  على تجسيد مشاعره  جماليا مؤثرا ..

والتاريخ يسجل اثر الشعراء في  الاحداث العظام  للبشرية ، فمن  لايعرف دور  الشعر والشعراء في الثورة الفرنسية ، والثورة البلشفية ، والثورة الصينية ، وثورة العشرين العراقية ، والمقاومة الفلسطينية ..... من  لايعرف مالرور، وديستوفسكي ، ونيرودا  ولوركا والجواهري ومظفر النواب  وناظم حكمت .....الخ .

يربط  شاعرنا بين  الشاعر وسفر الغريب ، ليدخل حالة اللا استقرار والتنقل ، لمن للغريب ؟؟ وليس بالضرورة الغريب غريب الوطن  والارض ، بل الغريب فكريا وسلوكيا ، الخارق والمتجاوز  للتقليد والمتعارف ، هذا الذي يشعر بالوحدة والغربة في مجتمع تهيمن عليه القردنة والثعلبة  والخنوع  ومهادنة القبح ، والتاقلم مع الظلم والظالم ، والقهر والاستغلال .... هنا الشاعر هو الروح الحية في جسد مجتمع  يتعفن .

هنا الاحساس بالمرارة والالم  والعذاب لروح حساسة لاتأتلف الا مع الجمال  والعدالة  والسلام  والقيم الانسانية  النبيلة ، فالشاعر والحق والعدل والمسافر الغريب توأمان لايفترقان

((اننا غريبان هاهنا وكل غريب للغريب نسيب))

((الغريب   (( في مجموعة شاعرنا  مرتبط برمز  له بالغ الاثر  على الشاعر  كمثال للتضحية  والفداء والثورة من اجل المباديء والعدالة والمساواة ، واعلاء راية القيم الانسانية العليا  ألا وهو ((غريب كربلاء )) الامام الثائر الحسين بن علي((ع ، فشلال  شلالٌ  من قيم منحازة لهذا المثل، المنارة ، فكربلاء وردت  اكثر من ((16)) مرة بين ثنايا نصوص الشاعر خصوصا  نصوصه ما قبل انهيار الديكتاتورية  في 2003.

نشأة وسط جمال الطبيعة وصدق السلوك

من خلال  الاطلاع على السيرة الذاتية للشاعر   نعرف ان ولادته ونشاته  في بيئة ريفية ، تتسم  بالمال والبساطة والصدق في السلوك ،فالريف يتميز بامتداد فضاء الرؤية ، انبساط المسطحات المائية  وانسيابية الانهار ، وامتداد الحقول  على مدى الرؤية ،  الحرية الغير مقيدة للكائنات الحية  كالطيور  وبقية الحيوانات  وانسجامها المسالم المتآلف مع بيئتها ، هناك لغة تفاهم وتعايش واخوة  بين كل هذه الكائنات والانسان  الذي يمارس سيادته وسلطته عليها بحميمية ومحبة  وتفاهم ، باعتبارها  شريكة حياته  وسبب استمراريتها ودوامها ، فلا غرابة ان تكون لحيواناته اسماءا  كاسماء ابنائه وبناته ، وكأنها جزء من عائلته ، فحزن ابن الريف كبير لموت او فقدان   احدى هذه الحيوانات او موت احد الاشجار او المزروعات  هذا هو شاعرنا المبدع متحدثا عن حياته في الريف.....

((شلال عنوز...هو الطفل القروي المشاكس ,كثير ألأسئلة الذي ولد في غمّاس احدى نواحي محافظة الديوانية في الفرات الأوسط من العراق,وتنفس هواء العراق ممتزجاً برائحة الأرض وعبير العنبر وشدو العنادل,فعانق النخيل وتسامى مع الشموخ وانطلق في الحقول وغنّى للماء والمطر,نما على أهازيج الفلاحين التي تشدو للعشق وبساطة العيش واكرام الضيف فتوهّج مع العنفوان أبيّاً صلباً لايعرف التراجع والانهزام. أكمل دراسته الابتدائية والمتوسّطة متفوّقاً في مدارس غمّاس , وبدأ يقرأ في هذه الفترة أيّ كتاب تقع عيناه عليه وأشتدّ ولعه بالقراءة فقرأ المنفلوطي والحكيم وجبران خليل جبران وجرجي زيدان وجورج جرداق وغيرهم في كتبهم الموجودة في مكتبات المدارس التي درس فيها وحاز على تشجيع معلميه ونمت موهبته الأدبية وبرز في درس الانشاء)).... *

هذا الحال ينقلب   راسا على عقب  في المدينة  وخصوصا في مدينة النجف  التي تعتز باسوارها  خوفا من الوافدين باعتبارهم غرباء دخلاء  ، فالمدينة تقع على حافة الصحراء وقد تعرضت لغزوات همجية من قبل بدو الصحراء،  تتميز النجف بالتواء الشوارع والازقة  وانحسار  النظر بين جدران  صماء  وغياب الخضرة  في بيئة متصحرة ، ناهيك عن كون مدينة النجف لها ظاهر  فوق الارض ومستتر مختفي ((سراديبها وآبارها))، مما ولد شخصية معقدة غير مفهومة تظهر خلاف ما تبطن، دائما تتعامل  بالاحتراز والحيطة مع ((الغرباء))، ناجم هذا عن قسوة غزوات بدو الصحراء وفتكهم  بسكان المدينة واعتدائهم على حرمة ومقدسات  ساكنيها ، كما ان هذا المعمار  جاء كوسيلة وقائية ضد مناخ متطرف حار لاهب صيفا وبارد قارس شتاءا ، وتعرضها لعواصف رملية هوجاء مؤذية, فهذا التصميم المعماري يقلل كثيرا من أذى الغزاة ، وأذى الطبيعة القاسية .....

وفي  الوقت الذي يعيش فيه الريفي حياة  شبه مشاعية  وعلاقات تبادل ومقايضة لسد حاجاته الحياتية المختلفة ، يكون المال والجدال  ومنهج وسلوك الغلبة والاستغفال والمشاطرة سمة اهل المدينة ضمن عمليات البيع والشراء وسلعنة كافة مظاهر التعاملات اليومية بين  الناس   والخاضعة الى مقياس الربح والخسارة ، وهنا تتميز مدينة النجف بهذه الخاصية  بشكل  متطرف  لانها مدينة خدمية  يعتاش سكانها على  توفير حاجيات  الوافدين اليها  من سكنة الريف ومن الزائرين ، فتكون العلاقة  محكومة بقدرة الفرد على الصرف وبذل المال ، أي قيمته ومحبته  والتعامل معه على قدر ما يمتلكه من مال  واستعداد على  الصرف والاسراف والقدرة على الاقتناء من السلع المختلفة .... لذلك  فهناك تعامل يتسم بالتسول الاخلاقي والتذلل لرموز الاقطاع واثرياء الريف، بينما يعامل  الفلاحين والفقراء والرعاة  بالازدراء والتعالي حد النصب والاحتيال والاعتداء  وفق تسميتهم ب ((المعدان))، مبتعدين تماما لمعنى مفهوم   المعدان من مربي الجاموس في قرى وارياف واهوار الجنوب ، اللذين يعاملون بنفس الطريقة من الدونية والتعالي  في بغداد مثلا تحت  تسمية ((الشروكية....((.

فشاعرنا رغم كون عائلته من المدينة  اصلا الا انه ترعرع في بيئة ريفية في غماس  لامتلاك والده مزارع وبساتين  هناك ، فامضى  طفولته وصباه حتى اكمال دراسته  المتوسطة  هناك  فتطبع بطباع ابن الريف ، وتشبع بجمال وبساطة  واستقامة الطبيعة الريفية ، مما سبب له حالة من  التشظي الروحي والنفسي عند انتقاله للمدينة ، والاصطدام بسلوكيات وطباع  ناسها ، مما اشعره  بحالة من الغربة والاغتراب ، والتوق للانتصار  لقيم الجمال  والبساطة والسلام والاستقامة .....

والشاعر المبدع (المسافر( من مواليد 1950 ،  بمعنى انه عاش طفولته وسط مد مشهود للقوى الثورية في عموم العراق في المدينة والريف  وخصوصا مدينة النجف واريافها ومدن وارياف الديوانية  كغماس والشامية والمشخاب ، ومن ابرز هذه القوى( الحزب الشيوعي العراقي)، الذي ساهم بفعالية في نشر الوعي الثوري في كل ارجاء العراق ، وقد كانت النجف والديوانية والشامية من البؤر الثورية وحواضن  الشيوعيين العراقيين ..... بمعنى ان شاعرنا عاش في خضم المد اليساري الشيوعي بعد ثورة تموز 1958 حيث ازدهار العمل والثقافة والادب والفن  بشكل غير مسبوق في العراق ....وعاش الانتكاسة المفجعة بحق الشعب والوطن خلال الانقلاب الفاشي   الاسود في  8-شباط 1963.... وما احدثته  هذه الظاهرة الفاشية من خراب ودمار وقتل وتشريد وملاحقة كل الوطنين  والاحرار في العراق عبر صراع دام بين انصار الثورة من الشيوعين وبين  اعداءها من البعثيين والقومانيين  المتطرفين آنذاك ، وليس غريبا ان ينحاز  الشاب اليافع عاشق الحرية والجمال للفكر الثوري اليساري  متحديا كل  المخاطر  ضمن  روح وحماس الرومانسية الثورية للشباب ، مندفعا منحازا لقيم العدالة والجمال ليس بتاثير الفاقة والفقر ولكن بدافع انساني منتصرا لانسانيته ضد وحشية وحيونة وهمجية الفاشية والتخلف ...

مما سبق نريد ان نؤكد على تعمق  الاحساس  بالتشظي والاغتراب والمعاناة لدى الشاعر   وهو يشهد احداث 1958 واحداث19 63 ومن ثم عودة رموز 1963 في 1968  من جديد بعد مرور عام واحد على عودة العائلة النهائية الى مدينة النجف عام 1967  !

ينحاز هذا الشاب  طالب الاعدادية الى قافلة الادباء والكتاب والمحافل الادبية الشعرية خصوصا في  مدينة  تهتم بالشعر واللغة  رغم تقليديتها ، عسى ان تجد روحه المتمردة المستفهمة  ملاذا لها   في هذه البيئة  الحافلة بالمتناقضات  الفكرية والاجتماعية حد الانفجار والتشظي المريع الصادم  الناتج  مما  سبق ذكرنا  من مميزات  سكنة النجف ، ونتيجة لهيمنة اجواء الخوف من السلطة  وجلاوزتها ورقابتها  الصارمة ، ناهيك عن طابع المحافظة حد التقهقر المتحجر لبعض ((اعلامالثقافة والادب (( تحت مظلة الدين والتدين .. والمحافظة على التقليد وبداية تسيس الدين وولادة احزاب الاسلام السياسي .....

مما  زرع بذور التمرد والتجاوز لدى الشباب النازع للحرية والمتنسم لرياح الحداثة والمدنية  والتمرد من خلال الفكر  الوجودي والماركسي والقومي اليساري ...فكان الجواهري والمحتصر والحصيري  ومكي زبيبه وقبله الخليلي  وكريدي  والمطبعي ...الخ  اللذين ازدهت  وتطورت مواهبهم خارج اسوار النجف  المغلقة... مما جعل  عنوز من السباقين الى كتابة قصيدة التفعيلة  والتمرد على قصيدة العمود  فشهد له بذلك اعمدة النقد الادبي والثقافي امثال الدكتور على جواد الطاهر والدكتور محسن الموسوي وفاضل ثامر ...

((انتقل مع عائلته الى موطنهم الأصلي في النجف وأكمل دراسته الثانوية في اعدادية النجف للبنين, في هذه الفترة أبهرته المدينة الكبيرة النجف) العامرة بمكتباتها الفخمة ونواديها الأدبية الرائعة وأدبائها وشعرائها وهي المدينة التي تتناسل في حقولها الفصاحة والبلاغة وتزدهر في روابيها قمم الابداع, فعكف على التردد الدائم في المواسم الأدبية والأماسي الشعرية التي تقيمها بانتظام الرابطة الأدبية وعشق الشعر وحلّق في عوالمه الرحبة واستمع الى فحول الشعر والأدب , الجواهري والشرقي وعبد المهدي مطر ومصطفى جمال الدين وعبدالأمير الحصيري وزامل شعراءا مبدعين لايزالون يغنون الحركة الشعرية والأدبية وبدأ مشواره الشعري وأرتقى منصة الشعر لأول مرة عام** ((1968

عاش مأساة حروب الديكتاتورية وانكساراتها  وويلات قهرها  وفترة الحصار والحرب الكونية ومن ثم  فترة الانهيار والاحتلال ولازال يعيش حالة الفوضى واللادولة واللانظام  في زمن الدم قراطية  ليشهد  قيام((دولة الخلافة الداعشية((  في القرن الواحد والعشرين ....

ليعيش ((خالي الوفاض))(( ويشهد((ظلم هوازن (( ويستمع الى ((صراخ الحروف))، وتتعلق عيونه ببريق منائر كربلاء  التي هيمنت على اغلب مضامين ورموز نصوصه سواء بالتصريح ((16)) مرة او بالتلميح لمرات ومرات ..... باعتبارها  ارض الغريب وارض الثورة ، ومقام القيم ، ومنبع التضحية  وقبلة الاحرار ، حاضنة الصدق  والوفاء  ومكمن النقاء  والجرأة، حيث طابق الفعل القول ، وتسامت الارواح نحو الكمال والجمال ... بعد ان اكتوت يد وروح الشاعر  بزيف وشكلية  ادعياء الثورية والثقافة والتدين  من كل  الاطياف والالوان  وضج عالمهم بالتناقض والرياء والنفاق  والعقوق والخذلان  ونكران الجميل والانتهازية  والخنوع ....فلم نقرء اية اشارة او ذكر لأي رمز من رموز  الشيوعية واليسار الثوري ضمن نصوص الشاعر سواء قبل السقوط أو بعده ك  ( ماركس ، لينين ، جيفارا ، هوشي منه ، فهد ،سلام عادل  ابن مدينة النجف، سلام خالد، خالد احمد زكي..... ). واذا كان  الامر مفهوما زمن الديكتاتورية ولكنه  يبدو  ان الشاعر  يريد ان يتخلص تماما  من  ماضٍ سياسي ربما اصبح يثقل كاهله في زمن  ووعي متغير ، رغم انه  كان  ثوريا متحمسا في السبعينيات من القرن العشرين كما  ذكر لي حين سألته عن توجهه الفكري والسياسي:-

 

((انا كنت اصغر عضو لجنة قضاء الشامية ابي صخير وتم صعودي للجنة المحلية في الديوانية(( ***.

، فانكفأ الشاعر  نحو الموروث الثوري الديني الذي تجسده ثورة الامام الحسين  في موقعة الطف ، وهذه ظاهرة ليست غريبة او متفردة  للتحول الفكري والانتقال بين ضفاف النهر الواحد في سلوكيات المثقف العراقي ،خصوصا لمن يدرس في طبيعة التحولات  الاجتماعية  والميوعة الطبقية وتداخل  الطبقات في بلد ريعي الانتاج تهيمن عليه ثقافة الاستهلاك ، والتحول من مهنة الى اخرى  خصوصا   في حقبة الحصار الاقتصادي للعراق ، فالعراقي موظف  وبائع مفرد متجول وسمسار عقار استاذ جامعي وسائق تاكسي .... الخ  فليس غريبا ان تتشظى الشخصية  وتتلون السلوكيات  وتتحول القناعات  الولاءات.....بالاضافة الى حدوث الانحرافات الفكرية والسياسية لبعض هذه الاحزاب والحركات مما ادى الى  انفضاض حملة المباديء عنها انسجاما مع  مبدئيتهم وصدقهم في الدفاع عن قضيتهم ، وعجزهم عن تصحيح مايرونه من انحراف  وتحريف ، ففضلوا الاعتزال مبتعدين عن التشهير والتكفير ، كما فعل البعض في الانتقال الى  الخندق الاخر  كما فعل  الشاعر الكبير ((بدر شاكر السياب))   مثلا ..

في ماتقدم استعرضنا  اهم الامور الواجب الاطلاع عليها من قبل الناقد عن الشاعر  قبل ان يبدأ في دراسته النقدية حسب  مايرى الاستاذ الكبير المرحوم (د.نوري جعفر) ولكن السؤال هل كل من يعاني ، يسافر، يعيش في بيئة ساحرة ، او في وسط غني بالثقافة والادب يكون شاعرا؟؟

الجواب طبعا  لا، فمهما كانت الظروف لايمكن ان تخلق شاعرا دون  ان يمتلك الانسان الفرد شيئا من العبقرية ، هذه التي قال عنها رسول حمزاتوف:-

((العبقرية هي اشد ما في الوجود غموضا وسرا ، ولو أن الناس عرفوا في يوم من الايام كل ما في الارض: ماضيها ومستقبلها، وعرفوا كل ما في الشمس والكواكب ، والنار والازهار وعرفوا كل شيء في الانسان  لبقيت العبقرية مع ذلك شيئا لايعرفونه حتى بعد معرفتهم كل شيء****((

شاعرنا المبدع  يمتلك هذا الشرط ، شرط العبقرية  الذي لانعرف سره ، بالاضافة الى ماتقدم من ظروف بيئية واجتماعية ، فكان شاعرا بحق كما سنرى  في جولتنا المتواضعة  بين اهات ونداءات  وصرخات وحكم  وتساؤلات  نصوص شاعرنا الكبير   في مجموعته ((الشاعر وسفر الغريب )). فلنرافق صديقنا  الشاعرالعبقري  المبدع في رحلة مع نصوصه  الجميلة  ومغامراته المنقبة في كهوف الواقع الاجتماعي والثقافي والسياسي العراقي ...

عاشق الحرية وداعية للحب والعدالة والسلام

 

الشاعر  الحر ، ابن الصدق والاستقامة ، من فتح عينيه على  قيم الحرية والمساواة  لايمكن الا  ان يكون عاشقا للحرية ، والدعوة للعدل  و للثورة على الظلم والقهر والاستغلال ، فكان شاعرا ، وصار محاميا .....

((من يطفيء، نور الشمس يختن سرة الزمن، يمطي الكون كيف يشاء)) ص 20 ((ذا النون ))

نعم من يطفيء عين الشمس ، عين الحرية ، عين الحقيقة، لابد ان  يوقف الزمن ، يوقف الحياة  فتتعفن حياة  البشر  في ظل العبودية  والمذلة ، ((يختلط الحابل بالنابل ، يغتال الوهج ، ينقصم الظهر ، تشتبك الأسنة  في اللانور ، يصطاف الحزن في منتجع الرعاف))!!!

هذا واقع مصادرة الحرية ، فتصبح المدن يتيمة، فلا يبقى للارواح المفزوعة المرعوبة  العاجزة المذلة المهانة  الا ان  تطلب رحمة  رب السماء  فاتحا بابا للامل  ولربيع لابد ان ياتي )) العيون تسمرت صوب السماء ، تغازل الربيع ، المتواري ، مبهورة برائحة الفجر))

نعم ان للفجر رائحة  لاتتحسها  الا الارواح التواقة للنور  والحب  والسلام ، انها تمتلك حاسة العنادل  والعصافير  الفرحة  بخيوط شمس  الصباح .....

((صراخ الحروف)) ص92

(لا احد غير الغناء يحترق)

في هذا النص المحمل  بالحكمة والكاشف عن خبايا النفس البشرية، يسلط الشاعر ضوءا كاشفا يعري بنوره  الكثير من الافعال والسلوكيات ويؤشر على طباع وسجايا البشر ...(( في لا احد غير الغناء يحترق)(( في هذا العوان الفرعي الذي يضج بالمعنى الدال على مدى قسوة وبشاعة ووحشية واقع كل شيء فيه موجود عدى الفرح عدى  البهجة ، عدى حب الحياة ، فلا احد غير الغناء رمز المسرة وصدق التعبير ودلالة صدق البوح والتعبير ، الترويح عن النفس وبث لواعج الروح ... هذا الدال المبهج هو الوحيد الذي يحترق...

ثم يعرف لنا الشاعر المبدع سردا شعريا  لحوار ((القصاب)) هذا الدال على الوحشية ، الجزر ، الذبح ، السلخ  الذي لايعرف الرحمة، لايعرف غير السكين وشخيب الدماء سلخ الجلود وتقطيع الاوصال، جز الرؤوس دونما رحمة او شفقة ، انها مهنته  هنا يؤشر الشاعر الاجواء التي يمارس فيها ((القصاب))  الديكتاتور ، الجلاد ، الطاغية طقوس الذبح بناءا على وصية والده ، فمهنة الطغيان وجز الرؤوس متوارثة من جيل لاخر من اجيال الطغاة ، فبماذا ينصحه والدده  وبماذا يوصيه وهو يمارس  مهنته القذرة ؟؟؟

يوصيه ان يمارس مهنته ليلا، تحت ظل الظلام دلالة الجهل  والتخلف وانعدام  البصر والبصيرة ، هو انسب الاوقات للذبح ففي الليل واقع انعدام الرؤيا وغياب الوعي ينعدم القانون ((الليل)) تزداد الذئاب دموية   والجزارون يزداد بريق  مدياتهم.... وهنا يورث القتلة خبرتهم  في تهيئة الاجواء  والظروف  الافضل لممارسة  احترافهم القمع والقتل  حيث انعدام الرؤية  وغياب الوعي ونوم القانون والنظام .....يأتي نفس المعنى في  (( نزف على قارعة الطريق))  وفي ((يحدق في الوجوه ولايراه)) ص76.

في مدن الصمت ، المدن العارية ، في مدن الخنوع والخضوع  والخوف ، جرافات البطش ، جرافات وحشية ، ظالمة ، جرافات المغول  رمز الوحشية ، تستهزيء بالشاعر تستهزيء بالاحساس ، تستهزيء بكل ماهو حي ويقظ، تمد خراطيمها ، قوة بطشها وخرابها ، في العمق المقفر ، عن جثة بن 00النصير ))، والحانوتي يرقص جذلا بدفن جثته ، بدفن جثة البطل  القائد الذي يرقص له الدهر بالتقدير والعرفان والاعجاب ولكن ((الرفاة99 والنائمون هم حاملو الجثة ...!!!

((وانت في مملكة النفايات لاتتمنى الاّ ان تكون نفاية))

في عالم متعفن ، واقع متفسخ ، تتراكم نفايات البشر المسحوقة  انسانيتهم ، المذلة المهانة  يوما بعد  اخر ، يكون غريبا مطرودا  كل  من يمتلك الحس والاحساس ، الجسد النضر  الحي ، النفس النقي ، هذا الذي يبحث عن قيد داره  بين اكداس النفايات ، الذي يفتش عن هويته عن داره بين اكداس العفن ، هذا الباحث الحي يناديه قاضي العفن القادم من غياهب الجمود ، غياهب الصخر  والتحجر ، ان لامكان لك هنا ، ان لم تكن نفاية من النفايات ...

الشاعر  يشعل مصباح الامل ، ينثر عطر الحياة ، يبعثر اكداس العفن ، انه هو من  رمى ((عاقرناقة صالح((   ضرع العطاء والسخاء التي جزرها الجهلة  القساة ، ناكري الجميل ، ادوات الشياطين  القتلة  لمحاربة رموز الخير ....

انا الشاعر ، انا الانسان الثائر ، انا الممتنع على التعفن  والخضوع انا من يلعن الشر وادواته، انا الباحث عن ذاتي وتاريخي ....

((اتعلمين اني متيّم في صيد صلصال العناد ؟((للضحى المصلوب ص80

هذا هو الشاعر المعاند المشاكس الانسان الحر  المتيم في  صيد صلصال العناد  ، هذه المادة النقية المطاوعة لصناعة  اجمل واكمل  ادوات الانسان ،  فما اروعها  حين تصنع  اداة العناد  لدى الانسان الشاعر وهو يقاوم القبح ، هذا الذي  في  ثلاثية ((صراخ الحروف))

... يرسم صورا رائعة في سرد شعري ، او شعر سردي  لوحات بانورامية تحكي وقائع الظلم ، والقهر ، تكشف لنا مصابيح المقاومة والرفض ، صرخة الحروف  هي صرخة المعرفة صرخة بداية التاريخ البشري صرخة العلم والثقافة ، فبالحرف  اصبح العالم منيرا  ، الحروف الدالة على عصر النور  والتنوير  ، الحرف مقطورة التقدم الانساني ......

الشاعر يحكي حياته ومقاومته ووعيه وصبره على الصعاب والعذاب )) قبل ان تاكله العاصفة  و من انت ياهذا(( ص70

((قم ياصديقي وشد الرحال ... ولاتنتظر؟؟ فما زال في رقاص الساعة متسعٌ، حذار من عقربها المسموم ))   نعم انه الزمن ان لم تقطعه قطعك ، ليس هناك متسع من وقت للانتظار  والاصطبار ، وانت العارف ان زمنك اميا   كحركة السلحفاة في زمن السرعة  والجرأة ،  زمنك عانسا ، فاته قطار  العمر  ليبقى وحيدا  غريبا مضيع  ، وان رياضك  من هشيم ، فلا خضرة ولا زهرة ولاثمرة  انه العالم الموحش....!!!!

انها مرارة الشاعر وهو شاهد على ما يجري  في زمن  بطيء الحركة  زمن)) الزحف السلحفاتي)))ص66

(( من يدلني على عين الفجر ، يمسح دمعة الانتظار )) انه الضياع  زمن((الغراب  الخلاسي هو  الذي  باع الليل  لحوذيتنا في الارض الحرام ))

يبقى الشاعر مسافرا غريبا  ، يلاحق الشمس ، يحلم ، يتامل يبكي ، يعتصر  زهرة ايامه لعله  يدرك  مبتغاه  حيث الفرح  والسلام  ولكن دون جدوى  فيصرخ نادبا  الشروق  ان (( ترجل ايها الشروق ، فقد تاه الكبر ، في زحامة الدياجير )) الشاعر وسفر الغريب ص 61

ولا امل يرتجى   حينما ينام الناطور  ، ويشيخ الطريق ((  الناطور  نائم  على الجرف ، ينسج بشاربيه العنكبوت ))

لاامل في الخلاص لأمة لاتستجيب  لنداء الحق  والثورة  ، لامة مستكينة  خانعة  مستسلمة لمدية الطغاة  والجزارين  ف(( عندما صاح الغريب، تمسكوا بحبل الله ، كونوا احرارا ، خرج الشيطان  واحنز  رأسه )) لااحد يسمع رأس الشمس ، رأس  رمز الحرية ، رأس الثورة  (( صاح رأس الشمس: ايها الشاربون ضياء البصيرة  ، الا لعنة الله على ، ذابحي صحوة الفجر )).

شاعرنا مغرم  حد العشق برمز الثورة والكبرياء الامام الحسين  عليه السلام ، مثله كربلاء  التي  لم تفارق اغلب نصوص المجموعة فذكرت  كربلاء  اكثر ((16)) مرة  ، وها هو هنا  في((سلام على الطف))  حيث يؤدي   زيارته  وتجديد بيعته وتمسكه  برمز الطف بالغريب الثائر  (( سلام على الطف في كربلاء ، سلام على  صرخة الانبياء ، سلام على دمعة لم تزل الى الآن تمطر  منها السماء )) ويستمر الشاعر يرسل  سلامه وشجونه لرمز الوفاء  ، على زهو دفق الدماء ، على كركرات الرمال ،  وهي ((تورق   في عنفوان الجفاف رماحا تلّوح للعاشقين صباحا ))  عل قبلة  الثائرين ، .... سلام سلام على كربلاء .

النجف  مدينة  العلم والسلام ، النجف  مدينة  الانبياء  ومرقد الامام

(( من هنا مرَّ ركب هاجر )) ص82:-

((السناء تناسل في ذكواتها البيض، تسبح الرؤى في فضاءاتها تعانق التاريخ الذاهل بالنصر وبالهزيمة .))

نص يسرد تاريخ مدينة  النجف ، علو شأنها ، مقاومتها للظلم والقهر طوال تاريخها  المجيد ، انها مدينة الفصاحة ، مكمن سر الهم العربي  المقاوم لاحلام كسرى  فيها  كميل والمختار ، تنور نوح، ناقة صالح ، صبر ايوب  ((كل اللذين مروا بشعابها اغتسلوا بالشروق ))... هذه الارض التي امر الله نبيه موسى ان يخلع نعليه لانه في الوادي المقدس  هكذا  توصف النجف ..(( الوجود هنا بدءا ومنتهى )) عودة المسيح عودة الامل  عودة الفاروق ، ودرته مطفأة نيران المجوسية ، رغم رايات الردة والباطل مجسدة  في ((قميص عثمان)) نعيش نكبة اغتيال صوت الحق والعدل والايمان ((حيدرة)) حديث الزمان ، قاهر الشجعان ومحراب الايمان  القائل :-    ((والله ملأتم قلبي قيحا ..(( لشدة معاناته من عنت وجهل وانانية وطمع معاصريه من علية القوم ممن لم يتخلصوا من جاهليتهم وتعصبهم العشائري....

هذه المدينة ورثت العلم والادب من الدؤلي والخليلي ومدارس المتكلمين  والمتنبي والجواهري والحصري ..... ولازات مدينة ولادة للادباء والشعراء والمفكرين ..

في(( الضحى المصلوب )) ص80 و (( اعتراف وتجل )) ص 35

الشاعر يحاكي مدينته مهد طفولته وصباه ، ايه غماس مناجاة الذات ، الغربة السفر  امتطاء ((الخيول المشدودة الاعين))و يظل السؤال ((يا ايها الطفل،الحالم المستفز ، انت والامنيات المشدودة بجناح العنقاء  في أي حدب تحط ؟؟)) ولكنه  بعيد عن الاصالة سلك طريقا  ليس من صلب  قناعته  حمل ((صولجانا  مسروقا،هربته الرياح _ ،  لماذا (( اتبعت  التعب راكضا بين شجرة مهملة وجدول عقيم )) انها  مراجعة للذات وربما ندما على   جهد   غير مجد ضمن  فعالية  عقيمة غير منتجة ، يسائل  نفسه ((على أي مرسى سترسو؟؟)) ، في مجتمع لايستجيب  لندائتك واحلامك كما الاموات ((تحشم الاحياء الموتى تستغيث لا شيء غير الصدى، لايمكن ان   تتحول  المعادن الخسيسة الى معادن  نفيسة  متى يصبح الملح تبرا ؟ والعصا أفعى  تأكل ما يأفكون)(( ،  وكأنه القائل  لست انت موسى لتتحول عصاك ، رسالتك الى حية تسعى تقضي على الشعوذة وسحر السحرة الدجالين ، فلا يبقى له الاّ  التعلق بالحلم ، السفر نحو منارة الخلاص كربلاء .....

(( هكذا حدثني العراف)) نص يتمثل قاريئة الفنجان ، منبها  اياه  بانه شقي ،  لا طائلة وراء مقاومته ((ريحا لاتتعب))، سيبقى سلاحك  وسيلتك واداتك في المقاومة ((خلّب))، لاتحصد غير التشرد والغربة  ودمك مسفوك ، وستظل مجافى من قبل  من تدعو لهم  وتنتصر لهم (( ستظل مجافى  من دون وفاء )).(( شقي حدثني العراف ، ستعيش تعيسا يا ولدي)) ص44

في )) ركب النابغة  ص48   ))الشاعر يشكو الخونة  ( حر وزنيم بمافيه عار، لمن خان الزاد الملح الصحبة والمعروف، عار لمن  زور الوثائق الحروف )).... يتالم الشاعر  من خيانة  هؤلاء وطعنتهم  له رغم انه يعرفهم ((لارجال)) ولكنهم  اعتادوا طريق الثعلبة والالتواء، هؤلاء الخونة اللااوفياء  لفظتهم (بانيقيا)) وتبرأت منهم ، انهم خفافيش  ظلام ، بلا زمان ولامكان  ،  رغم كل ذلك سيبقى ((النابغة )) يسير  ماسكا راية الفجر  عبر طريق ((كربلاء)) هذه  منارة الحق والوفاء والتضحية والثبات على المباديء .

في نص (( وحدي ابحث عن  بويب )) وفي نص (( رويدك لاتزال كربلاء) ص53وفي((من يكسر قيدي  ؟)) ص56. يبث الشاعر  همومه الشخصية ومعاناته ، وتوقه للحرية  والسلام  والعيش الكريم ....

توظيف الموروث الديني ،والأسطوري واستحضار المكان والزمان :-

استطاع الشاعر  ان يوظف المروث الديني  لتكون اضافة نوعية  وبلاغية  ترصن من مبنى ومعنى  النص  الشعري ، وليست مقحمة  او زائدة  عليه ، وهذا دلالة كبيرة على سعة ثقافة الشاعر ، وغنى مخزونه المعرفي  بشكل عام  وفي الموروث الديني  بشكل خاص ولا غرابة  في ذلك لمن نشأ نشأته  بين  الادباء والشعراء  وعلماء الدين  في النجف ...

(( ذنون اذ ذهب مقاضيا فظن ان   لانقدر عليه )) ص19

((سبحانك اني كنت من الظالمين )) ص20

(( كمن يحمل اسفارا)) ص49

(( ان اخلع نعليك ..)) ص85.

(( وقعت الواقعة )) ص29

وكذا هي قدرة الشاعر  الرائعة الموفقة تماما في استحضار  الامكنة ، والازمنة ، والاساطير  والاسماء  ذات الدلة المعمقة لمعنى النص مانحة ايّاه  شيئا من روحها ومن صورتها   وهي فرحة في  موضعها من النص  كما اختارها كاتب  قدير وشاعر خبير ...

(( تموز ))،(0 الشمرت والزكرت))، ((بير عليوي)) ((المنصور)) (( ليلى ))، الغائب ، الكوفة ، الثوية ، ميثم التمار ، هارون ، بحر النجف ، سومر ، اكد ، آصف بن برخيّا ، عبقر ، رحلة الشتاء والصيف ، سهيل  ، شهرزاد ، ناقة صالح ، بانيقيا ، النابغة ، بويب ، الفكة ، الفاو ، ماوت , ذي الفقار ، مرحب ، خيبر ، جنين ، مياسة ، صلاح الدين ، القسام ، ليلى ، الحسين ، حيفا ، قلقيليا ، فلسطين ، سليمان ، كسرى ، يوسف ، الخضر ، زكريا ، المهلهل ، ديوجين ، نوح....

هيمنة المتعاكسات والمتضادات  في زمن الديكتاتورية :-

استطعنا ان  نحصي  ((51))  متعاكسة متناقضة((42))منها في  عام 2001، ((7)) في عام 2002 ، ((2)) في عام 2003 مثل :- النهار\الليل ، حياة \موت ، الشيء\ اللاشيء، فيضان\جفاف ، نهاية\ بداية ، القادمون\ الراحلون ، يقضا\نائما، الحيّة \ الميتة ، غناء \ بكاء ....... الخ

، ثم اختفت  هذه المتناقضات تماما  في السنوات التالية من نصوص الشاعر ما بعد التغيير ، مما يجعلنا نستنتج ان الشاعر كان يكتب باسلوب ماقبل التغيير  يختلف عن اسلوبه  ما بعد التغيير، حيث رفع حاجز المنع والردع  السلطوي  على الاقل ، مما اتاح للشاعر والمثقف  والفنان ان يبتعد عن اسلوب التورية والترميز  والدوال الغامضة لكي لايقع في محضور  رقابة الاجهزة القمعية  زمن الديكتاتورية هذا اولا ، وثانيا :- بدأت  تتقلص نسبيا سلوكية الثعلبة والقردنة  والتسول الاخلاقي ، والتصرف  بازدواجية  كبيرة  وتشظي في السلوك امام قهر السلطات الديكتاتورية ، للافلات من شكوكها ودسائسها ، ورقابتها الحديدية على الضمائر والمصائر  للانسان العراقي  الذي كان يؤخذ بالشبهات  ليتعرض للملاحقة والسجن والتعذيب والحرمان من العمل ..... في حين طغت على نصوص ما بعد التغيير حالة من  الاحباط  وفقدان الامل المرجو  في عصر ((الدم  قراطية)) التي كانت حلم كل احرار العراق ناهيك عن الشعراء والادباءكما هو واضح في نص ((ظلم هوازن )) ص 100 في 2009، حدثنا الراوي (محبط)) عن ابيه عن جده .. الاول والثاني والثالث الى ان تنتهي السلسلة التي طولها سبعون ذراعا .... وما بين ظلم اليوم والبارحة ، بون كبير )).وكما هو في ((خالي الوفاض)) ص 99 في 2006 (( اشرب بكاء امانيك هذا المساء .... قبل السقوط وبعد السقوط ... كنت عاشقا للشمس مفتونا با القمم.... تهرأت كل رؤاك في دهاليز القمامة صخب الرحيل وجز الرؤوس)).

وحجم الالم كبير ومفزع حقا  كما ورد في نص(( آه.. كلية القانون)) في 2009  حيث يقول الشاعر:-

(( اتدري.....؟ ان المربي جزار وان الحارس لص ، وان الناقصين دوما يلتقون... حيث  عقدة النقص)). وشواهد اخرى  في (( الرؤوس المشوهة تتحنط العقول )) ص 96 في 2005،و ((للضحى المصلوب)) ص 80 في 2005، و((قبل ان تأكله العاصفة )) ص87 في 2005و (( يدق في الوجوه ولايراه)) ص 76 في 2005و (( من انت ياهذا ؟)) ص 70 في 2004.و (( الزحف السلحفاتي)) ص 66 في  2005 ونظن ان لاحاجة لنا في اقتباس مقاطع من هذه النصوص الدالة على خيبة امل الشاعر والمه لضياع الامل  وذهاب الطموحات ادراج الرياح ، عناوين النص دالة  دلالة واضحة على  ما ذهبنا اليه  فلا نظن ان هناك حاجة للمزيد  من التوضيح .

تجديد اللغة عبر بلاغة المفـــــــــــــــــــــــــردة:-

من يبحر في نصوص شلال عنوز يتوقف كثيرا مبهورا  بجمال الصورة المنسوجة  بكلمات ومفردات  غيرتقليدية تزاوج بينها ، ابتنى لها بيتا من نور ، فرقصت فرحة  بهذا العش الجميل ،أمتلأت بمعناها ، حيث اخرجها من ظلمة المألوف الى فضاء المبهر اللامألوف ، فوهبها حياة طفولة جديدة  بعد ان ادركها الهرم في  كهوف التقليد.... وقد احصينا بعضها حسب  رؤيتنا المتواضعة (( ابتلع الفجر ، الفصول العوانس، يختن سرة الزمن، منتجع الرعاف، مغردة الانعتاق، اسدل الثلج شعره، غنج القمح، خيطا في الافق، تثائب ايها الزمن ، مذبوح الخطى ، هرمت أمانيك ، ركلني الدهر ، ابتلعت وجعي ،مؤتزرا همي ، يوم أرمد، الرقص دخان، دمعة الشمس ، نسج بشاربيه العنكبوت ، عطش تمدد في الظلام ،وجع الضمأ، يشرب من خطاي،مبتلع الصباح ، تكتب في الماء ،زنزانة الصيرفة ، كركرات الرمال ، الرؤوس الصفيح ......)).

في الختام اتمنى اني  تمكنت من  الغوص في بحر شعر وابداع الشاعر المبدع ووضعت يدي ومتعت بصري ونشطت فكري بالصور والمعاني الرائعة  ل ((الشاعر وسفر الغريب))، اتمنى اني  تمكنت من  مواساة  وتبديد وحشة الغريب، ومسكن وجع المتألم  النبيل .....

 

نبذة مختصرة من سيرة الشاعر  شلال عنوز:

 

تم قبوله في كلية العلوم /الجامعة المستنصرية واعتقل لنشاطه السياسي ورقّن قيده من الدراسة,اكمل خدمته العسكرية الالزامية وتخلّى عن النشاط السياسي وعيّن في وزارة الثقافة والاعلام/الدار الوطنية للنشر والتوزيع والاعلان وتقلّد مناصباً ادارية فيها ثم نقل الى وزارة الصناعة والمعادن واحيل على التقاعد عام 1990 بناءاً على طلبه.. أكمل دراسته الجامعية في القانون وعمل في سلك المحاماة ولحد ألآن. عضو في اتحاد الأدباء والكتاب العرب ,عضو في اتحاد الادباء والكتاب في العراق ,عضو مؤسس في اتحاد الادباء والكتاب في النجف ,عضو نقابة المحامين في العراق ,عضو اتحاد الحقوقيين العراقيين,عضو نقابة الصحفيين في العراق,عضو غرفة تجارة النجف منذ عام 1991. كتب ونشر في الصحف والمجلات العربية والعراقية وترجمت بعض اشعاره الى اللغة الكردية. ساهم وشارك في اغلب المهرجانات الثقافية والادبية في العراق ورئيس تحرير مجلة ذكوات الأدبية المتوقفة عن الصدور..كتب الشعر العمود والتفعيلة وقصيدة النثر وله حضور متميز في المشهد الثقافي والادبي في العراق وكتب عنه في كل كتب التراجم التي أرّخت لحركة الشعر والأدب في العراق.. اصدر مجموعتين شعريتين هما مرايا الزهور عام 1999 والشاعر وسفر الغريب عام 2013وله مجموعة شعرية عمود تحت الطبع ومجموعة قصصية ورواية هما تحت الطبع ايضا*****

 

*مقتبس من مقابلة خاصة مع الشاعر ، اجراها الشاعر محمد الدمشقي.

** نفس المصدر.

***  ردا على سؤال من قبلي للشاعر .

**** بلدي رسول حمزاتوف  ص208ط3 دار الفارابي 2006.

**** مقتبس من مقابلة خاصة مع الشاعر ، اجراها الشاعر محمد الدمشقي.

 

2\9\20014

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا