<%@ Language=JavaScript %> د. كاظم الموسوي اوروبا- امريكا: تعاون حتى في التعذيب!

 

 

 

اوروبا- امريكا: تعاون حتى في التعذيب!

 

 

د. كاظم الموسوي

 

فضيحة التعذيب الذي تمارسه اجهزة المخابرات الأمريكية، والتي كشف بعضها او جوانب منها تقرير للجنة من الكونغرس الامريكي، (يعرف التقرير باسم "برنامج وكالة المخابرات المركزية (سي آي ايه) للترحيل القسري والاحتجاز والإستجواب"، يقع فى 6 آلاف صفحة، نشر منه ملخص بـ 480 صفحة، وتم بعد مراجعة 6 ملايين وثيقة عن أنشطة البرنامج!.) لم تتوقف عند حدودها الامريكية، بل تعدتها الى كشف تعاون صارخ ومهين من دول اوروبية، تدعي مثل الولايات المتحدة دفاعها عن حقوق الانسان والحريات والديمقراطية. وتتبجح ربما اكثر منها بذلك، ولكن الفضيحة هذه عرّت الجميع وبينت كذبهم وخداعهم لأنفسهم وشعوبهم اولا ومن بعد لشعوب العالم، وللمغرر بهم بسمعة تلك الحكومات والأجهزة. ورغم حجم الفضيحة فثمة من دافع عنها ولم يرغب بتعريتها، او دعا الى التستر عليها وتبريرها بحجج مخادعة ومضللة ايضا، وتحت تسميات كاذبة، من باب حماية الامن القومي وغيرها من الشعارات البراقة التي تستخدم للتغطية على تلك الفضيحة وأخواتها من الجرائم الصارخة وفق القانون المحلي والدولي والأعراف والمواثيق والاتفاقيات الكثيرة الموقع عليها او المتفق معها.

المفارقة ان اغلب هذه الحكومات موقعة على اتفاقيات حظر التعذيب ومنعه وينبغي الالتزام بها اكثر من غيرها، لكنها تقلد الولايات المتحدة الامريكية التي تجاوزتها او داست على توقيعها وموافقتها واستغلالها حجة ضد غيرها في كثير من الأحيان، بل واستخدمت معتقلات خارج أرضها، ومارست فيها انتهاكات صارخة. ولعل بشاعتها التي عرّتها صور التعذيب في معتقلات ابو غريب وباغرام وغوانتانامو، نماذج غير كافية وليست معبرة بشكل كامل عن العقلية التي ادارتها وعن الضمير الذي وقف وراءها وصمت عنها وحاول تمريرها بهدوء خشية من ردود الفعل عليها من اهالي ضحاياها او من غيرهم بعد حين. وكانت تلك الصور والمشاهدات اولى الصرخات الانسانية ضد التعذيب والسجون والسجانين، وكانت الادارات الامريكية وأجهزتها هي التي قادتها وتديرها وتسمح لها وتسكت عليها لحد اليوم. مما سهل جرائم الافلات من العقاب القانوني والأخلاقي والإنساني. ووضحت للعالم من هي تلك الجهات التي كانت تمارس وتكذب وتستهين وتغلف نفسها بغير ما هي طبيعتها الوحشية وعدوانها السافر.

لم تكتف حكومات دول اوروبية في التعاون والتنسيق بينها وبين الادارات الامريكية في قضايا تنتهك حقوق الانسان والديمقراطية والحريات العامة ايضا، كالتجسس على المعلومات الشخصية والخاصة للأفراد او للمؤسسات وكذلك التنصت ومراقبة الهواتف والبريد العادي والالكتروني  والانترنت وبرامج التواصل الاجتماعي وغيرها من التصرفات المخلة بأبسط الحقوق المدنية للمواطن الاوروبي، والتي حاز عليها بعد نضالات طويلة وتضحيات غير قليلة. ومعلوم ان الرضا بما حصل يفتح شهية التنازلات امام غيرها من الممارسات والفضائح والفظائع. لم تكتف هذه الحكومات بكل هذه الارتكابات غير القانونية، بل تعاونت مع الادارات الامريكية كما هي الفضيحة في التعذيب وسياسات الادارات الامريكية وأجهزتها المخابراتية. وثبتت الفضيحة حقائق صادمة عن هذه الحكومات وخداعها في حملاتها الانتخابية او في اداراتها للحكم في بلدانها وشعاراتها المصدرة للعالم. حيث اكدت معلومات موثقة وإثباتات كاملة أن دولا أوروبية ساعدت الاجهزة المخابراتية الامريكية، ومنها وكالة المخابرات الامريكية، في تنفيذ عمليات خطف، وتجسس وتسهيلات اخرى، فيما استضافت دول أخرى ما سمى بنقاط سوداء على خارطة النفوذ الامريكية، كانت معتقلات او غرف تعذيب على أراضيها. كشف بعضها، المحقق الخاص لمجلس أوروبا ديك مارتي، عام 2007، في تصريح له، ان "هناك أدلة كافية للقول إن سجونا أميركية سرية كانت موجودة في بولندا ورومانيا". وأضاف أن "نقل المشتبه فيهم ممن خطفتهم فرق سي آي إيه في أوروبا بصورة غير قانونية يشكل انتهاكا هائلا وممنهجا لحقوق الانسان". وتكتّم الولايات المتحدة والدول الأوروبية، طوال السنوات الماضية، على الادوار والتواطؤ والانتهاكات المتبادلة. لكن بعض الحقائق والصور وصرخات الضحايا عرفت وأعلنت وتسربت وانتشرت بفضل عمل دءوب لمنظمات اهلية ونشطاء حقوقيين ومدافعين فعلا عن الحقوق والحريات وبعض وسائل إعلام والبرلمان الأوروبي ومجلس أوروبا. كما كشفت النقاط السوداء وقائع انتشار معتقلات رسمية مخفية في الغابات والجبال في الدول الاوروبية، وأعمالا تمت في طائرات وسفن وبواخر اوروبية استخدم فيها البرنامج او هي لخدمة الاجهزة الامنية الامريكية وبأوامر منها. ضمت قائمة الدول الأوروبية التي تواطأت وتعاونت باشكال غير قانونية، اضافة الى بولندا ورومانيا، ليتوانيا وبريطانيا والمانيا واسبانيا والبرتغال وايطاليا وبلجيكا والدنمارك وفنلندا وايسلندا والنمسا وجمهورية التشيك واليونان وقبرص وكرواتيا والبوسنة وألبانيا، وفرنسا والسويد.

ادت ضغوط الجماعات المدافعة عن حقوق الانسان والحريات العامة ومحاولاتها لكشف تلك الحقائق ومنع الاستمرار فيها ومحاكمة القائمين بها، دورا في اجبار اغلبية الدول الأوروبية لإجراء تحقيق في دور الأجهزة والمسؤولين الذين ساعدوا "سي آي ايه" في جرائمها. وتميزت السويد، بشكل منفرد، في دفع تعويض لضحايا هذا التواطؤ، وقضاء إيطاليا في إدانة مسؤولين لتورطهم في برنامج المخابرات الامريكية، واعتراف رئيس بولندي سابق بتعاون بلاده مع البرنامج وفضح بعض النقاط السوداء. هذه الردود الوحيدة الى جانب نشاطات محدودة للمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، حيث اوضحت في تموز/ يوليو الماضي تعاون  الحكومة البولندية مع السي آي إيه بإدارة سجن سري تم بداخله تعذيب اثنين ممن يشتبه في كونهم إرهابيين. وما زالت تحقق في دعاوى تواجه دولا اوروبية، منها ليتوانيا ورومانيا، حول ضلوعها في تلك العمليات الاجرامية وصمتها عليها.

تعترف ادارات الولايات المتحدة الامريكية بقيامها في هذه الاعمال الوحشية، ولا ينكرها المسؤولون عن الاجهزة المخابراتية الامريكية. ولم يعتذروا عنها بل يدافعون عنها ويبررونها، بأنها تدور لحماية الامن والغرب ‏بأسره. هذه الفضيحة الامريكية والاعترافات بالوقائع والحقائق تدين كل من مارسها وقررها وأدارها، ويأتي التعاون الاوروبي فيها، عارا مضافا، يقتضي منع الصمت عليه، والمطالبة بالمحاكمة وتطبيق القانون، وعدم الافلات من تحمل المسؤولية الانسانية والأخلاقية والقانونية.

 

31.12.2014

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

  

  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4]  | أرشيف المقالات  |  دراسات  |  عمال ونقابات |  فنون وآداب |  كاريكاتير  |  المرأة |  الأطفال | إتصل بنا       

      

لا للتقسيم لا للأقاليم

لا

للأحتلال

لا

لأقتصاد السوق

لا

لتقسيم العراق

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة

من الكتاب والصحفيين العراقيين   

 

                                                                  

                                                                          

  

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org