<%@ Language=JavaScript %> الدكتور بهيج سكاكيني كوبا والتطبيع.....ماذا وراء الأكمة؟

 

 

 

كوبا والتطبيع.....ماذا وراء الأكمة؟

 

 

 

الدكتور بهيج سكاكيني

 

مع ظهور بوادر انفراج وصف بالتاريخي بين الولايات المتحدة وكوبا، بعد تنفيذ صفقة تبادل أسرى تضمنت الجاسوس الأمريكي الآن غروس وثلاثة من السجناء الكوبيين المحتجزين تعسفيا في الولايات المتحدة، يأمل البعض أن تكون هذه بداية النهاية لحصار تجاري واقتصادي فرضته الولايات المتحدة على كوبا منذ بداية ستينات القرن المنصرم. وابقت الولايات المتحدة على هذا الحصار الجائر على الرغم التغيرات التي طرأت على الساحة الدولية والتي كان من المفترض ان تؤدي الى حالة من الانفتاح بين الدول. وعلى سبيل المثال فان الولايات المتحدة قامت بتطبيع علاقاتها مع الصين منذ ما يقرب من 35 عاما بالرغم من حالة العداء بينهما، كما اقامت علاقات مع فيتنام التي أرسلت جنودها عبر البحار لمحاربتها حتى ان وصل تعداد الجنود الامريكيين الذين خدموا في هذه الحرب اللعينة ما يقرب من نصف مليون امريكي. ومع انهيار المنظومة الاشتراكية وتفتت الاتحاد السوفياتي في بداية التسعينات من القرن الماضي ذهب التحالف بين الاتحاد السوفياتي وكوبا، كما أوقفت المعونات والمساعدات الروسية التي كانت تأتي الى كوبا. وبالرغم من ظهور بعض الأصوات في أمريكا التي نادت بفك الحصار عن كوبا آنذاك، الا أن الأصوات التي طالبت بإبقائه كانت أقوى. وهنالك قسم من مراكز الأبحاث الامريكية رأت في وقف المعونة السوفياتية لكوبا والتي كانت تقدر 4.5 بليون دولار سنويا آنذاك فرصة ذهبية للإدارة الامريكية لإسقاط النظام الاشتراكي في كوبا عن طريق زعزعة الاستقرار الاجتماعي واجراء تحويلات في البنية الاقتصادية والسياسية فيها للوصول الى ما يسمى "بالديمقراطية الرأسمالية" ) The Heritage Foundation 10th Nov 1994). وقد كتب جون سويني عندئذ بان " الإبقاء على الحصار سيؤدي الى نهاية نظام كاسترو بسرعة اكبر" وعلى ان هذه النهاية " ستكون اقرب من أي وقت مضى" في ظل انهيار وتفكك الاتحاد السوفياتي.

وبالإضافة الى الحصار التجاري فلقد وضعت كوبا على لائحة الدول التي تدعم "الارهاب" بالمفهوم الأمريكي. ولا بد ان نذكر هنا الى أن هذا البلد الصغير وبالرغم من محدودية امكانياته قد قدم العديد من أنواع الدعم ومنها العسكري لكل من الثوار في أنجولا وجنوب افريقيا وساهم مساهمة كبيرة في تحرر هاتين الدولتين من الاستعمار والعبودية وأنظمة التمييز العنصري.

وعلى الرغم من الحصار التجاري والاقتصادي الخانق واللأخلاقي واللاشرعي والمخالف لكل الأعراف والمواثيق الدولية، ومحاولات التخريب المستمرة من داخل كوبا وخارجها التي مارستها الولايات المتحدة ومخابراتها المركزية على مدى اكثر من خمسة عقود والتي شملت أيضا محاولات اغتيال المناضل فيديل كاسترو، فان كوبا صمدت امام كل هذا، واستطاعت الدولة الكوبية تأمين مستوى عالي من الخدمات التعليمية والطبية لمواطنيها، وذلك بحسب مقاييس لجنة الأمم المتحدة المختصة بهذه المجالات ( The Nation Dec 17th 2014).  هذا بالإضافة الى ان كوبا تصدرت قائمة الدول التي أرسلت الطواقم الطبية لمحاربة مرض إيبولا في القارة الافريقية.  ومن المفارقة انه في الوقت الذي أرسلت فيه كوبا طاقما طبيا مؤلفا مما يقرب من 250 طبيبا وممرضا قامت أمريكا بإرسال 4500 جندي الى نفس المناطق.

لا شك ان الخطوة التي اتخذها الرئيس أوباما بالنسبة الى كوبا هي خطوة جريئة واذهلت الجميع خاصة في أنها جاءت فجائية وربما غير متوقعة الا للذين كانوا على علم مسبق بالمباحثات حول تبادل الاسرى والتي لعبت فيها الفاتيكان والبابا بشكل شخصي دورا كبيرا للوصول الى هذه المرحلة. وبالرغم من ان الخطوة تعتبر دراماتيكية الا ان ما أعلنه أوباما من خطوات بشأن تسهيلات في السفر والزيارات المتبادلة للطلاب والاكاديميين والتحويلات المالية عبر البنوك وغيرها من الأمور لا تتعدى كونها أشياء وإجراءات رمزية للغاية لان منظومة العقوبات والحصار ما زالت قائمة. ولقد أصاب الرئيس راؤول كاستر وعندما صرح " ان هذه الإجراءات لا تعني أن جوهر المسألة قد حل "، مضيفا " ان الحصار الاقتصادي والتجاري والمالي الذي يؤدي الى تدمير اقتصادي وبشري لبلدنا يجب ان يتوقف" )  (New York Times 17th Dec 2014. وهذه الإجراءات أي رفع الحصار والعقوبات على كوبا تحتاج الى ان تتم عبر الكونغرس الذي سيكون تحت سيطرة الأغلبية الجمهورية مع بداية العام القادم وذلك بناء على نتائج الانتخابات التي أجريت حديثا. ولقد أعلن العديد من اعضاءه ان الأغلبية لن تصوت لصالح رفع الحصار وتطبيع العلاقات مع كوبا كما صرح الرئيس أوباما.

ولا شك ان التراجع الأمريكي النسبي الذي انعكس في بعض المقاطع من حديث الرئيس أوباما يعود بالدرجة الأولى الى صمود كوبا شعبا وقيادة وعدم الانحناء والاستسلام والخنوع امام الضغوطات الهائلة والمؤلمة الاقتصادية والسياسية والتجارية التي مورست على كوبا من قبل الولايات المتحدة التي اعترفت أخيرا بان سياسة العقوبات والحصار طيلة 54 عاما لم تحقق لها ما كانت تصبو اليه وهو ببساطة اسقاط النظام في كوبا والمجيء بأدوات وعملاء  في سدة الحكم هناك تتبنى سياسة اقتصادية مبنية على حرية السوق ومنفتحة على الاستثمارات الأجنبية، ودولة تقع تحت هيمنة الولايات المتحدة وصندوق النقد الدولي. ويستطيع المرء ان يستشف هذا من كلمة أوباما الذي القاها بهذه المناسبة حيث ذكر " سننهي سياسة عفا عنها الزمن والتي أخفقت لدفع مصالحنا الى الامام" وفي مكان آخر قال " هذه 50 عاما بينت بان سياسة العزل لم تنفع" وبالتالي " ان الوقت قد حان لتتغير المسار". والسؤال هنا لم تنفع او لم تعمل على ماذا؟ بالطبع المقصود انها لم تعمل او تنجح في تغيير النظام ومن هنا كان لا بد من تغير المسار او بالأحرى الأسلوب. ومن هنا لا بد ان نؤكد ان ما ذكره الرئيس أوباما لا يمس أسس وجوهر السياسة الامريكية تجاه كوبا وان رأى البعض على انها كذلك. وهذا على ما يبدو يأتي مطابقا تماما لتفكير الكثيرون من عناصر المحافظين الجدد الذين أيدوا هذا التغير لهذا الغرض بالتحديد. فقد كتب ماكس بووت في مجلة الكومنتيري (17 ديسمبر 2014) وهو من غلاة المؤيدين لسياسة المحافظين الجدد مقالا عن خطوة الرئيس أوباما. ولم يجد الكاتب خجلا أو احراجا من البوح بان خطوة أوباما ستتيح غطاء مناسبا لزيادة النشاطات التخريبية داخل كوبا تحت دعوات "حقوق الانسان" فقد كتب في مقاله " ان اعادة العلاقات الدبلوماسية على اية حال ستعود ببعض المكاسب للولايات المتحدة، من حيث أنها ستسمح لنا بزيادة الأعضاء العاملين في قسم رعاية المصالح الامريكية في هافانا، وبالتالي زيادة مقدرتنا ( على الأقل من الناحية النظرية) لتدمير النظام من خلال دعوات تعزيز حقوق الانسان".

وهنالك في الكلمة التي القاها الرئيس أوباما بالمناسبة ما يوحي بان الولايات المتحدة ستستمر في التدخل في شؤون كوبا الداخلية وذلك عندما أوضح ان الولايات المتحدة " ستستمر في دعم المجتمع المدني" في كوبا وعلى انه ما زال متعهدا "للحرية في كوبا". وهذا يعني انه سيسعى الى السماح بالمنظمات الامريكية الغير حكومية للعمل من داخل كوبا للإطاحة بالنظام. وللولايات المتحدة باع طويل في هذا المضمار كان آخرها في أوكرانيا عام 2011. وكلنا يذكر الثورات الملونة مثل الثورة البرتقالية في أوكرانيا 2004 والثورة الوردية في جورجيا 2003 والان تتدخل الولايات المتحدة في فنزويلا عن طريق منظمات المجتمع المدني وتحت شعار " حماية حقوق الانسان والمجتمع المدني" في محاولة لقلب نظام الحكم فيها لصالح حفنة من كبار رؤوس الأموال ورجال الاعمال ( الاوليغاركية الفنزويلية) الى جانب بلدان أخرى. ويعتقد الكثيرون ان ما سمي "بالربيع العربي" لم يكن الا نموذج من هذه الثورات الملونة. ويجب ان نشير الى هذه المفارقة بين التعامل مع كوبا تحت شعار " التخلص من قيود الماضي" وتداعيات الحرب الباردة في الوقت الذي وقع فيه على مزيد من العقوبات على كل من فنزويلا وروسيا، مما يدلل مرة أخرى وبوضوح ان التصرف تجاه كوبا لا يمس جوهر السياسة الخارجية الامريكية، فالأهداف الاستراتيجية ما زالت واحدة، وان الذي تغير هو الأسلوب والطرق القديمة لأنها لم تعد تجدي ولم تؤتي بالثمار المطلوبة.

في النهاية نود ان نؤكد على ان التراجع الأمريكي النسبي تجاه العداء نحو كوبا انما اتى نتيجة الصمود الكوبي امام أعتى قوة عسكرية واقتصادية في العالم وبالتالي فأنه اعتراف أمريكا بفشل سياستها امام هذه الدولة الكاريبية الصغيرة المحدودة الإمكانيات الا من الإباء والعزة والكرامة، وبالتالي فهذا انتصار للثورة الكوبية والى كوبا الابية، وما زال البعض منا يردد وسنبقى نردد الاغنية الشهيرة لمراسيل خليفة " يا رفاقي في كوبا الابية...عندي لكم من بلدي تحية...".

 

الدكتور بهيج سكاكيني

21.12.2014
 

 

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

  

  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4]  | أرشيف المقالات  |  دراسات  |  عمال ونقابات |  فنون وآداب |  كاريكاتير  |  المرأة |  الأطفال | إتصل بنا       

      

لا

للأحتلال

لا

لأقتصاد السوق

لا

لتقسيم العراق

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة

من الكتاب والصحفيين العراقيين   

 

                                                                  

                                                                          

  

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org               الصفحة الرئيسية - 1 -