<%@ Language=JavaScript %> الدكتور بهيج سكاكيني موت مشروع السيل الجنوبي....التداعيات الاقتصادية والجيوسياسية

 

 

موت مشروع السيل الجنوبي....

 

التداعيات الاقتصادية والجيوسياسية

 

 

الدكتور بهيج سكاكيني

 

اثناء الزيارة التي قام بها الرئيس بوتين الى تركيا في بداية هذا الشهر صرح بوتين موت مشروع "السيل الجنوبي" وهو خط أنابيب الغاز الذي كان من المتوقع ان يقوم بنقل الغاز الروسي الى دول الاتحاد الأوروبي عبر قسمه الأرضي المار  ببلغاريا بعد مرور قسمه الأول تحت الماء بطول 930 كلم عبر البحر الأسود في المياه الإقليمية الروسية والبلغارية والتركية. وكان من المفترض ان يزود هذا الخط كل من بلغاريا وهنغاريا والنمسا وإيطاليا وكرواتيا وصربيا، بالغاز الروسي. وعل الرغم من الأهمية الاستراتيجية لهذا الخط بالنسبة الى بلغاريا فان الحكومة البلغارية وتحت الضغوط الامريكية والمفوضية الأوروبية وانصياعها للعقوبات الاقتصادية الجائرة التي فرضت على روسيا بسبب مواقفها المبدئية في الازمة الأوكرانية، قامت بإيقاف كل الاعمال الانشائية المتعلقة بإمداد الخط عبر أراضيها، على الرغم من وصول الانابيب اللازمة لعملية الامداد اليها من روسيا. وكان ان بدا بناء خط الانابيب في ديسمبر 2012 بهدف تزويد اول دفعة من الغاز بحلول عام 2015 (شبكة فولتير الاليكترونية 16 يونيو 2014). وكان الغرض من بناء هذا الخط هو ضمان وصول الغاز الروسي بشكل منتظم ودون انقطاع أو تعطيل الى الدول الأوروبية المعنية وخاصة بعد المشاكل التي سببتها أوكرانيا عام 2009 والتي أدت الى انقطاع توريد الغاز الروسي الى أوروبا لعدة أيام. وبالتالي جاء بناء هذا الخط متفاديا ومتجاوزا الأراضي الأوكرانية، اسوة "بالسيل الشمالي" وهو الخط الذي يزود المانيا مباشرة بالغاز الروسي دون المرور بالأراضي الأوكرانية.

لم تنتظر روسيا طويلا للرد على التصرفات الرعناء الأوروبية المدفوعة من قبل الولايات المتحدة، وخاصة وان امدادات الانابيب لهذا الخط على الجانب الروسي قد استكملت بكلفة بلغت ما يقرب من 5 مليارات دولار. وكانت زيارة بوتين الى تركيا أساسا لهذا الغرض والتوقيع على اتفاقيات جديدة في مجلات الطاقة والغاز الروسي. ومن تركيا صرح بوتين " إذا كانت الدول الاوروبية لا تعتزم ان يتم تحقيق هذا المشروع، فانه لن يتحقق. سنقوم نحن بتغيير مجرى تدفق مصادرنا من الطاقة الى مناطق أخرى في العالم. لم نتمكن من الحصول على الاذونات الضرورية من بلغاريا، وبالتالي لا يمكننا ان نكمل المشروع. لا نستطيع ان نعمل كل هذه الاستثمارات حتى نقف على الحدود البلغارية. وأكمل " هذا بالطبع هو خيار اصدقاؤنا في أوروبا".  

ما تحقق في الزيارة هو التوقيع على اتفاقية لتوسيع السيل الازرق وعلى زيادة كمية الغاز التي توردها روسيا الى تركيا عبر هذا الخط الحيوي بشكل فوري بقيمة 3 بليون متر مكعب لتصل الى ما يقرب من 17 بليون متر مكعب. وستحصل تركيا على خصومات تبلغ 6% من أسعار الغاز المصدر اليها من روسيا. بالإضافة الى ذلك فقد تم التوقيع على مذكرة تفاهم بين تركيا وشركة غازبروم الروسية على بناء خط أنابيب تحت الماء عبر البحر الأسود في المياه الإقليمية التركية، بسعة 63 بليون متر مكعب الى تركيا، وهذه هي سعة " السيل الجنوبي". وكما قال بوتين على الدول الأوروبية التي تريد الغاز الروسي ان تشتريه من تركيا الان. وقد اقترح بوتين على اردوغان على بناء محطة على الأراضي التركية الحدودية مع اليونان حتى يتم إيصال الغاز الى دول جنوب أوروبا.

لا شك ان هذه الشراكة الروسية التركية في مجال الطاقة وتوزيعها إذا ما تمت فإنها ستعمل على تغيير خارطة التحالفات الجيوسياسية في أوروبا ومنطقة الشرق الأوسط، وستشكل تغييرا كبيرا جوهريا جيوسياسيا لتركيا. فعملية توسيع " السيل الازرق" مع إمكانية امداده بالغاز الإيراني للوصول الى الدول الأوروبية، الى جانب تغير مسار "السيل الجنوبي" الذي اعلن عن موته، وتحويل الخط الى الأراضي التركية وبسعة 63 بليون متر مكعب سنويا، سيودي الى توجيه ضربة قاصمة لمشروعين مدعومين من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وهما خط نابوكو الذي لم يتم اغلاق ملفه نهائيا بعد بالرغم من  فشله، بالإضافة الى خط غاز ترانس اناتوليين ( (TANAP وهو الخط الذي من المقرر أن يحمل الغاز من أذربيجان الى تركيا ومن ثم الى أوروبا، والذي من المتوقع البدء ببنائه عام 2015 والانتهاء منه عام 2018 بسعة قدرها 16 بليون متر مكعب سنويا، وهذا اقل مما تحتاجه تركيا أساسا.  وهذا يعني ببساطة أن المحاولات المستميتة من قبل الولايات المتحدة لفك الارتباط بين روسيا ودول الاتحاد الأوروبي في مجال الطاقة وبالتالي اضعاف العلاقات الاقتصادية والسياسية بينهم ستبوء بالفشل على المدى الطويل. وهناك عدد من الدول قد بدأت بالفعل حالة من التململ من هذه السياسة العقيمة التي تعمل ضد المصالح الاقتصادية الأوروبية الى جانب الضرر الذي تلحقه بأمن الطاقة الأوروبي. ولم يفت بوتين التعليق حول هذا فقد صرح مؤخرا " إذا ما حرمت بلغاريا من إمكانية التصرف كدولة ذات سيادة، دعهم يطالبون المفوضية الأوروبية بالخسائر الناجمة عن هذا". ومما لا شك فيه أن بلغاريا هي أكبر الدول المتضررة من الغاء مشروع " السيل الجنوبي"، ولكنها بالتأكيد ليست الوحيدة في ذلك، فقد سبق وان صرح الرجل الأول في "ايني" الشركة الإيطالية المتعهدة بمد خطوط الانابيب ان إيطاليا ستخسر عقودا بمليارات الأورو إذا ما تم تدمير مشروع ساوث ستريم "السيل الجنوبي". ان مثل هذه السياسات تجعل بعض الدول الأوروبية تشعر بان الاتحاد الأوروبي يضع نوعا من الحدود للسيادة الاقتصادية لدوله وخاصة الضعيفة منها، عندما يدخل الاتحاد السياسات المفروضة على دوله من قبل الولايات المتحدة وهي الأقل تضررا من هذه الإجراءات الاقتصادية. وهو ما يفسر حالة تململ بعض دول الاتحاد الأوروبي الذي أشرنا اليه.

ان تمتين الشراكة بين تركيا وروسيا لا يقتصر على تصدير الغاز الروسي عن طريق الأراضي ء التركية بل يتجاوزها الى قطاعات أخرى. فروسيا تعاقدت مع تركيا لبناء اول محطة تركية نووية لتوليد الكهرباء بقيمة 20 مليون دولار، الى جانب ان البلدين بينهما عقود تجارية متبادلة بقيمة 30 مليار دولار سنويا، وقد تعهد الطرفان لرفع حجم التبادل التجاري بينهما الى 100 مليار دولار بحلول عام 2020 (صحيفة زمان التركية 1 ديسمبر 2014). ولا شك أن أردوغان يرى في الشراكة مع روسيا وخاصة في مجال الطاقة واستخدام تركيا كمركز لتصدير الغاز الى الدول الأوروبية بمثابة رافعة أساسية لدورها الإقليمي التي تحاول ان تستعيده من أكثر من باب، هذا الى جانب زيادة أهميتها الاستراتيجية على المستوى العالمي كمركز أو خط ترانزيت لتصدير هذه السلعة الاستراتيجية، بالإضافة الى إعطاء دفعة قوية للاقتصاد التركي. وتركيا تتطلع الى زيادة صادراتها من الفواكه والمنتجات الغذائية وخاصة بعدما أوقفت روسيا الكثير من وارادتها من الدول الأوروبية ردا على العقوبات المفروضة عليها من قبل الدول الغربية. أما روسيا فأنها تسعى لفتح طرق جديدة لصادراتها من الغاز الطبيعي تكون أكثر أمنا ومعتمد عليها غير خاضع للابتزازات الأوروبية والضغوط الامريكية.

وهنالك جانب ذو أهمية في الصفقة الجديدة للغاز الى تركيا وهي ان امدادات الغاز الجديدة التي ستصل الى تركيا سيتم تسديد ثمنها بالعملات المحلية وليس بالدولار الأمريكي المعتمد عالميا في مثل هذه التعاملات. وإذا ما أضفنا الى ذلك التعاملات بين روسيا وإيران ضمن العقود الجديدة التي وقعت مع إيران، الى جانب التوجه الجدي في دول البريكس( تضم المجموعة روسيا والصين والبرازيل والهند وجنوب أفريقيا) الى دفع المبالغ للبضائع المستوردة بين بلدانها اعتمادا على العملات المحلية وليس الدولار، فان هذا سيؤدي في المستقبل الغير بعيد الى تقويض مكانة الدولار في النظام المالي العالمي الذي يستخدم الدولار الأمريكي في تحديد أسعار السلع العالمية وخاصة القطاع النفطي والغاز الطبيعي. ومن الواضح ان روسيا تسعى الى هذا المنحى كإحدى الطرق للتخفيف من تداعيات منظومة العقوبات الاقتصادية الغير مبرر والمفروض عليها من قبل الدول الغربية بقيادة أمريكية واضحة.

في النهاية نود ان نؤكد على أن الغاء السيل الجنوبي الذي يأتي نتيجة للعقوبات التي فرضت على روسيا من قبل الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة التي تضغط على الدول الأوروبية في هذا المجال، وذلك لفك الارتباط الاقتصادي والسياسي مع روسيا وتحويل سياسة التفاهمات مع روسيا الى سياسة قائمة على التصادم خدمة للاستراتيجية الامريكية بالدرجة الأولى والأخيرة، بمجملها ستؤدي الى تغيرات جوهرية في الخارطة الاقتصادية والجيوسياسية الأوروبية والتي قد تنعكس كما تدل البوادر على الساحة الدولية حيث التكتلات الاقتصادية الصاعدة، والتي قد يكون لها اثر مستقبلي كبير على النظام المالي العالمي، الذي بقي مسيطر عليه لما يقرب من 70 عاما من قبل الولايات المتحدة.

 

الدكتور بهيج سكاكيني

10.12.2014

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

  

  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4]  | أرشيف المقالات  |  دراسات  |  عمال ونقابات |  فنون وآداب |  كاريكاتير  |  المرأة |  الأطفال | إتصل بنا       

      

لا

للأحتلال

لا

لأقتصاد السوق

لا

لتقسيم العراق

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة

من الكتاب والصحفيين العراقيين   

 

                                                                  

                                                                             

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org               الصفحة الرئيسية - 1 -