<%@ Language=JavaScript %> الدكتور بهيج سكاكيني الاصوات المسعورة وبرنامج إيران النووي (2)

 

 

الاصوات المسعورة وبرنامج إيران النووي

 

 (2)

 

 

الدكتور بهيج سكاكيني

 

بدأت العلاقات السعودية الامريكية تسوء منذ الإطاحة بالرئيس مبارك في مصر على أثر المظاهرات المليونية التي عمت شوارع القاهرة والاعتصام في ميدان التحرير وانتشار حركات الاحتجاج على سياسات النظام الاقتصادية والاجتماعية على مدى ثلاثة عقود تم فيها تدمير الاقتصاد الوطني المصري، ونمو طبقة سياسية واجتماعية طفيلية حققت غناء فاحش عن طريق ارتباطها بالنظام المصري. لم تستطع الإدارة الامريكية على الرغم من استثمارها الكبير في نظام مبارك والجيش المصري منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد المذلة ان تفعل أي شيء أو تتدخل لحماية النظام من السقوط امام هذا التحدي الجماهيري الغير مسبوق في المنطقة العربية، بالإضافة الى الاستجداء السعودي للإدارة الامريكية بالتدخل لحماية نظام مبارك. كانت هذه هي الصدمة الأولى التي تلقتها السعودية في الفترة السابقة، والتي جعلتها تدرك كم من السهل على الولايات المتحدة التخلي عن "حلفائها" وادواتها وعملائها في المنطقة وسرعة التأقلم مع الواقع الجديد. وربما الصفعة التي تلت ذلك هي الاستعداد والاندفاع الذي ابدته الإدارة الامريكية للتعامل مع تنظيم الاخوان المسلمين الذي لم ينحصر في مصر بل شمل المنطقة برمتها، حيث بدأت الإدارة الامريكية بنسج الخيوط والتفاهمات مع التنظيم تحت المظلة التركية وكان المهندس لهذه التفاهمات أردوغان الذي كان يشغل رئاسة الوزراء في تركيا.

أما "الشعرة التي قصمت ظهر البعير" على حسب قول المثل العربي هو اكتشاف السعودية ان الإدارة الامريكية كانت قد فتحت قناة سرية للتفاوض مع إيران حول برنامجها النووي دون علم السعودية بذلك، بالرغم من ان المباحثات السرية جرت على أراضي دولة خليجية عضوا في مجلس التعاون الخليجي الا وهي عمان. وقد تمخضت المباحثات عن توقيع الاتفاقية المرحلية بين الدول الست الكبرى وإيران. ولقد بذلت السعودية كل جهودها وطاقاتها الدبلوماسية وعلاقاتها الدولية وخزائنها المليئة بمليارات الدولارات في محاولة تعطيل التوقيع على الاتفاقية. واستطاعت أن تكسب فرنسا ورئيسها ووزير خارجيتها الى جانبها عن طريق عقد صفقات لشراء أسلحة فرنسية بأكثر من عشرة مليار دولار، لتوظيفها في الاقتصاد الفرنسي المتهالك والتي ما زال في وضع مترنح منذ الركود الاقتصادي 2008 الذي أصاب القارة الاوربية. وكادت الاتفاقية المرحلية على الانهيار قبل التوقيع بلحظات نتيجة للتدخل الفرنسي الذي جاء وزير خارجيتها في اللحظات الأخيرة بشروط تعجيزية جديدة بناء على تفاهمات فرنسية إسرائيلية سعودية. وكان من المفترض ان تؤدي المباحثات التي جرت مؤخرا على التوصل والتوقيع على الاتفاقية النهائية بين الدول الست الكبرى وإيران والتي يترتب عليها رفع العقوبات المفروضة على ايران بشكل نهائي أو وضع جدول زمني لذلك بعد وضع اللمسات الأخيرة على بنود الاتفاقية التي قيل انه تم انجاز ما يقرب من 90% من تفاصيلها. كان الجو الإعلامي والمناخ السياسي يدلل على كثير من التفاؤل بتوقيع الاتفاق لغاية آخر يوم. ولكن التوقيع على اتفاق نهائي لم يتم بل تم الاتفاق على تمديد المباحثات الى ستة أشهر أخرى. ولا شك ان هنالك عدة عوامل أدت الى هذا التراجع اغلبها ربما يتعلق بالداخل الأمريكي، ولكن لا شك أن العوامل الخارجية  وعلى الأخص الضغوطات من قبل إسرائيل والسعودية قد لعبت دورا في هذا.

ولا بد ان يتساءل المرء عن الأسباب الكامنة وراء هذه النزعة العدائية السعودية التي تصل احيانا الى حد الهوس والجنون. ولا شك ان أحد هذه الاسباب يكمن في الهوية السياسية وبنية الدولة الى جانب الإمكانيات والطاقات في البلدين والى أي حد تم استخدامها. فالفوارق والهوة الكبيرة بين البلدين تكشف عورات النظام السعودي وتعريه أمام شعبه وخاصة المحرومين منهم ليس فقط من النواحي المادية ولكن في المشاركة في صنع القرار حتى لو كان مجزوء. فالثورة الإسلامية الإيرانية استطاعت وفي فترة زمنية قصيرة نسبيا بناء دولة قوية وتطوير قدرات وطاقات البلد من ثروات طبيعية وبشرية واستثمارها في مختلف المجلات الحيوية ومن ضمنها البحوث العلمية والطبية والنووية الى جانب العلوم والصناعات العسكرية. ولقد حققت الجمهورية الإيرانية الإسلامية نجاحات مذهلة بالمقاييس الغربية والدول المتطورة في هذه المجالات وعلى جميع الأصعدة، حتى وهي تعاني من حصار اقتصادي وتقني خانق من الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة. كما استطاعت أن تبني نظاما سياسيا وبغض النظر عن المحدودية التي ينتقدها البعض على هذا النظام فان الانتخابات العامة تشكل حجر زاوية للمشاركة في اتخاذ القرارات السياسية والمصيرية. على الطرف الاخر السعودي نرى نظاما متخلفا بكل المقاييس حيث قام وما زال هذا النظام قائم على حكم عائلة ال سعود على البلاد والسطوة على مقدرات البلاد والعباد وإدارة البلد كما تدار العشيرة او القبيلة، مع تنفيذ حكم الإعدام بقطع الراس بحد السيف إذا خالف او تهجم أو انتقد "ولي الامر". فالجميع دون استثناء يجب عليهم الخضوع والخنوع التام لمشيئة ولي الامر والامتثال بقراراته، وويل لمن يخرج عن هذا.

أما ثروات البلاد فالعائلة المالكة تتصرف بها وكأنها أموالها الخاصة. أما ما يصرف على العباد والبلاد فانه يصرف من باب ومفهوم ان رئيس العشيرة او شيخ القبيلة مسؤول عن أحوال رعيته. وولي الامر يستخدم "المكارم الملكية" هنا وهناك حتى يكسب ود كل من له تأثير اجتماعي او ديني في الرعية، حتى يبقي سيطرة عائلة ال سعود على البلاد والعباد. وبالرغم من مدخول البلاد من القطاع النفطي والتي بلغت في السنوات الأخيرة ما يقرب من 700 مليار دولار سنويا، فان المملكة لا تمتلك بعد نظام صرف مائي فاذا ما امطرت الدنيا تجد السيول والسيارات العائمة فوق سيول المياه المتدفقة وتدمر البيوت ويغرق العديد من الناس. هذه المناظر البسيطة تدلل على الكثير بدون تعليق وفذلكات فكرية. هذه الفوارق بين البلدين وما تحقق من احراز تقدم هناك ومن إبقاء حالة التخلف هنا حيث ما زال يدور الجدل على السماح للمرأة بقيادة السيارات وتأثير ذلك على مبايض المرأة وخصوبتها، بدأت تقلق عائلة ال سعود  وذلك لان هذه بالتأكيد فوارق كبيرة بدأ يشعر بها العديد من الأجيال الصاعدة السعودية، التي تخطت وتجاوزت الخلافات والانقسامات المذهبية والتزمت الدين الوهابي التي بمجملها أسسها وجذرها حكم ال سعود في منظومة فكرية وثقافية وتعليمية ودينية على أكثر من سبعة عقود في محاولة لإدامة حالة الانغلاق الفكري والاجتماعي وبالتالي سهولة السيطرة وادامة حكم ال سعود.

السعودية تتطلع الى إيران الان كدولة متقدمة تكنولوجيا وتمتلك جيشا قويا وامكانيات عسكرية ضخمة متطورة تشكل قوة ردع قوية يحسب لها ألف حساب في حال الهجوم عليها، بالإضافة الى انها كدولة أصبحت تشكل قوة إقليمية فاعلة ووازنة لا يمكن تجاهلها في إيجاد الحلول للملفات الإقليمية. وكما أن نشؤ وتنامي الدور الروسي والصيني على الساحة الدولية أدى الى تآكل منظومة القطب الواحد الأمريكي على الساحة الدولية، فان تنامي إيران وتطوير قدراتها في العديد من المجالات، اسقطت الهيمنة والتسلط السعودي على الكثير من الملفات في المنطقة، وخاصة بعد السبات العميق للدور المصري.من هنا نرى أن السعودية فقدت صوابها عندما بدأت السجادة تسحب من تحت أرجلها، لبروز فاعل إقليمي قوي باعتراف اممي غربي وخاصة من قبل الولايات المتحدة، التي ارتأت انه لم يعد ممكنا تجاهل إيران، ومن هنا بدأت المفاوضات والمباحثات لإيجاد اتفاقية حول برنامجها النووي ورفع العقوبات عنها.

ومن هنا بدأت السعودية تستنجد بفرنسا وتتحدث عنها كحليف استراتيجي يمكن الاعتماد عليه، وتقيم علاقات مع الكيان الصهيوني، وتحاول ترتيب البيت الخليجي الممثل بمجلس التعاون الخليجي الذي عصفت بين أعضائه الخلافات وخاصة بين قطر من جانب والسعودية والامارات من الجانب الاخر، وتقوم بإشهار العصا لمن عصا من دوله. بالإضافة الى طرح فكرة الوحدة الخليجية التي تحفظت عليها الكثير من الدول الخليجية ، وكذلك الدعوة الى تكوين جيش من الدول الخليجية قوامه 100000 جندي، تحت قيادة سعودية لمحاربة "داعش وايران"، . والمأساة والمهزلة التي تظهرها هذه الدعوة هو ان كل المليارات التي صرفت لشراء الأسلحة الامريكية بمئات المليارات من الدول الخليجية مجتمعة على مدى سنين، وظهور الامارات والسعودية كخامس دولة في شراء أسلحة على المستوى العالمي، فان هذه الدول لا تمتلك جيشا بالمعنى التقليدي للجيش. ليس هذا فحسب بل أنها عمدت على استئجار جيوش دول اجنبية "للحفاظ" على أراضيها من أي عدوان كما حدث مع السعودية التي قامت استئجار فرق من الجيش الباكستاني مع بقاؤها لمدة عشرة سنوات على الاراضي السعودية، بعد نجاح الثورة الإيرانية تحت حجة ان إيران ممكن ان تعتدي على السعودية. ومع وجود خطر داعش على المملكة فها هي المملكة تستنجد حليفه القديم الباكستان والجديد في مصر بحماية حدودها فيما اذا تعرضت للهجوم من قبل الدواعش وذلك بحسب نشرة "انتليجنس أونلاين" الاسبوعية الاستخباراتية الفرنسية عدد 716.

ولقد عمدت السعودية وخاصة في السنوات الأخيرة الماضية الى تصوير الصراع مع إيران وكأنه صراع ديني مذهبي وكثر الحديث عن الهلال الشيعي والصراع السني-الشيعي، الى الحد الذي نجحت فيه السعودية الى حد ما في العديد من الدول العربية الى حرف الصراع الرئيسي في المنطقة الإسرائيلي-العربي الى صراع سني – شيعي، وذلك من خلال وسائل الاعلام مخصصة وموجهة في برامجها لهذا الغرض بالتحديد الى جانب شراء العديد من الأقلام المأجورة ورجال الدين الذين ارتضوا بيع ضمائرهم. ومن يدقق في طبيعة الصراعات في المنطقة يرى انها سياسية بامتياز وان حاول البعض لإلباسها عنوة وزورا الثوب المذهبي والطائفي.

ويجدر بنا أيضا ان نشير أن الاقتصاد يلعب دورا في تأجيج الصراع مع إيران، فالسعودية سعت وتسعى لإضعاف إيران اقتصاديا من خلال الإبقاء على العقوبات المفروضة عليها ولإبقاء حالة العداء لها على الساحة الدولية. فايران تشكل منافس قوي في القطاع النفطي للسعودية في الأسواق العالمية وخاصة في مجال الغاز الطبيعي الذي أصبح أكثر أهمية من البترول لأسباب بيئية على الأقل، وايران تمتلك ثاني اكبر مخزون عالمي من الغاز بعد روسيا. الى جانب ذلك فان إيران تتبوأ مكانة مرموقة في مجموعة الدول المنتجة والمصدرة للبترول .OPEC وللتدليل على الحرب التي تشنها السعودية في هذا المجال فقد قامت المملكة بتقديم هبة لباكستان بقيمة 1.5 بليون دولار امريكي، لمنع باكستان من تنفيذ الاتفاقية مع ايران بشان إيصال الغاز اليها عبر خط انابيب يمتد من الأراضي الإيرانية الى داخل أراضيها. فبعد الحصول على هذه "المكرمة الملكية" أعلنت الحكومة الباكستانية أنهاء العمل على بناء انابيب غاز على أراضيها لاستكمال الخط القادم من ايران، مشيرة أن ذلك لم يعد ممكنا لان ايران تخضع لنظام عقوبات دولية ( اسيا تايمز 21 مارس 2014 ). ولقد جاءت الهبة في الوقت الذي كانت فيه باكستان قد عجلت من مباحثاتها مع روسيا والصين للحصول على صفقة يتم من خلالها تمويل خط الانابيب الإيراني المار بأراضيها، بالرغم من الضغوطات عليها من قبل الإدارة الامريكية.  وقبل فترة وجيزة قامت السعودية ببيع نفطها بأسعار مخفضة جدا مما أحدث انخفاض شديد في أسعار البترول العالمية، حيث انخفض سعر برميل البترول من ما يقرب من 110 دولار الى دون 80 دولار في الأسواق العالمية. بالإضافة الى ذلك فقد رفضت السعودية في الاجتماع الأخير لمنظمة الاوبيك ان توافق على المقترح المقدم بتخفيض إنتاج دول الاوبيك في محاولة لمنع مزيد من التدهور في أسعار النفط العالمية. كل هذا يتم بالتنسيق مع الولايات المتحدة والتي تسعى من خلالها الدولتين وضع الضغط السياسي على كل من إ يران وروسيا بملفات إقليمية ودولية لم تعد خافية على أحد والحد من القوة الروسية والإيرانية على الساحتين الإقليمية والدولية.

 

الدكتور بهيج سكاكيني

02.12.2014 

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

  

  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4]  | أرشيف المقالات  |  دراسات  |  عمال ونقابات |  فنون وآداب |  كاريكاتير  |  المرأة |  الأطفال | إتصل بنا       

      

لا

للأحتلال

لا

للخصخصة

لا

لتقسيم العراق

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة

من الكتاب والصحفيين العراقيين   

 

                                                                  

                                                                             

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org               الصفحة الرئيسية - 1 -