<%@ Language=JavaScript %> الدكتور بهيج سكاكيني الاصوات المسعورة وبرنامج إيران النووي (1)

 

 

 

الاصوات المسعورة وبرنامج إيران النووي (1)

 

 

الدكتور بهيج سكاكيني

 

عندما بدأت المباحثات السرية بين إيران والإدارة الامريكية على الأراضي العمانية قبل بضع سنوات والتي ركزت بالأساس حول برنامج إيران النووي وإمكانية وجود هامش من التفاهمات التي يمكن ان تتطور الى توقيع اتفاقية تحت غطاء دولي يضمن رفع منظومة العقوبات الصارمة والخانقة والغير مبررة او بعض هذه العقوبات بالتدريج، لم يكن هذا لإظهار حسن النوايا الامريكية الغير موجودة اصلا، او نتيجة تبدل في الاستراتيجية الامريكية في المنطقة تجاه طهران. بل أنها جاءت نتيجة اقتناع بعض الساسة الأمريكيين الى أن سياسة العقوبات التي فرضت على إيران لم تنجح في لي ذراع الطبقة السياسية الحاكمة في إيران في التماشي والتماهي مع السياسة الامريكية أو على الأقل عدم الوقوف ضد الاستراتيجية الامريكية في المنطقة ومحاربتها ، كما انها لم تمنع ايران من التطور العلمي والتقني والتكنولوجي في العديد من المجالات الحيوية ومن ضمنها العلوم النووية. وهذا التطور جاء على الرغم من الحصار الذي فرضته الولايات المتحدة على إيران والذي لا يفوقه ربما في التاريخ المعاصر سوى الحصار والطوق الذي فرضته الادارات الامريكية المتعاقبة على كوبا. ولم يقتصر نظام العقوبات على الجانب الاقتصادي بل شمل جميع مناحي الانشطة الحيوية حتى وصل الى منع توريد قطع غيار للطائرات المدنية، غير آبهة بما يترتب على هذا من مخاطر للنقل الجوي للمدنيين. وفرضت الولايات المتحدة على الدول الأوروبية ان تلتزم بنظام العقوبات الامريكية سواء التي نجحت في تمريرها في مجلس الامن عندما كانت الولايات المتحدة تصول وتجول دون وجود من يردعها ويقلم رعونتها، أو تلك العقوبات التي فرضتها من جانب واحد على إيران. وكأن هذا لم يكن كافيا في محاولة تعطيل التقدم الإيراني وخاصة في المجالات النووية واستخدامها في المجالات السلمية، فقد عمدت الاستخبارات المركزية الامريكية والموساد الاسرائيلي على اغتيال نخبة من العلماء الإيرانيين العاملين في مجال الطاقة النووية، كما فعلت في اغتيال ما يقرب من 300 عالم وفني عراقي من العاملين في الأبحاث النووية بعد احتلال العراق بأشهر قليلة.

فشلت الولايات المتحدة في وقف التقدم الإيراني في العديد من المجالات الحيوية، وأصبحت إيران بالرغم من كل السياسات ومنظومة الحصار والعقوبات دولة لها فعل وتأثير وازن على الساحة الإقليمية لا يستطيع أي مراقب مهما تكن خلفيته السياسية، الا الاعتراف بذلك. ومن هنا كان ربما على الولايات المتحدة تغيير الأسلوب في التعامل مع إيران وليس تغير جوهر السياسات والاستراتيجية الامريكية تجاه إيران، علها تحصل على ما لم تحصل عليه بالتهديد والوعيد. وهذا ربما ما لم يدركه البعض الذي ذهب بعيدا الى وصف ما يجري بتراجع في المواقف والاستراتيجية الامريكية في المنطقة، أو على ان الولايات المتحدة تريد أن تعيد ترتيب موازين القوى في المنطقة، لأنها بصدد ترك المنطقة أو التخلي التدريجي عنها والتوجه الى محيط الباسفيك والتصدي للصعود الصيني وغيره من التحليلات والنظريات السطحية والغير واقعية، كالتي تضمنت ان الولايات المتحدة لم تعد بحاجة الى دول الخليج او البترول أو الغاز بعد ان تمكنت من استخراج الغاز والبترول الصخري بحكم تطور التقني الذي ساعدها على تحقيق ذلك بحيث وصلت الى مرحلة الاكتفاء الذاتي لمصادر الطاقة كما انها تأهلت لان تتصدر الدول المصدرة للبترول والغاز فيما اذا تمت موافقة الكونغرس على السماح للشركات الامريكية العاملة بالتصدير. كثير من التحاليل تناست حقيقة ان الولايات المتحدة لا يمكن ان تتخلى عن المنطقة لا اليوم ولا غدا لأهمتها الجيوسياسية ولان باطن أرضها يحتوي على مخزون احتياطي هائل من البترول والغاز الطبيعي، ولأنها تشكل سوقا كبيرا خاصة للشركات العاملة في مجال التصنيع العسكري حيث صفقات الأسلحة للدول الخليجية وخاصة السعودية تقدر بمئات المليارات من الدولارات، على الرغم من عدم استخدام هذه الأسلحة.

بعض دول المنطقة لا تريد أن ترى أي زحزحة حتى ولو قليلة في الأسلوب الأمريكي للتعاطي مع إيران، ولا نقول الاستراتيجية في التعاطي مع ايران، وهذه الدول بالتحديد هي السعودية والكيان الصهيوني. كلاهما ولو بدرجات متفاوتة يرون ان هذا قد يكون مقدمة لرفع العقوبات بالكامل عن إيران واتخاذ إيران لدورها الوازن والطبيعي على الساحة الإقليمية والدولية، مما يحقق لها مزيد من فرص التقدم وتزايد وتيرته. كلاهما بنيا سياساتهما الخارجية على ان يكون الصراع بين الولايات المتحدة وإيران هو صراع ليس فقط دائم، بل انه صراع ذو وتيرة عالية ومتصاعدة بشكل مستمر، وإذا ما خفتت حدة الصراع لسبب او لآخر نرى ان السعودية وحكومة الكيان الصهيوني سرعان ما يقومون بتحريك هذا الملف لتأجيج الصراع. هذا يتضح من التهديدات التي أطلقها رئيس وزراء العدو نتنياهو بأن إسرائيل أو على الأقل حكومته لن تعترف بأي اتفاق يبرم ويتم التوقيع عليه بين الدول الست الكبرى وإيران بشأن برنامجها النووي، وعلى ان إسرائيل تمتلك الحق للرد بالطريقة المناسبة والوقت المناسب وبشكل احادي الجانب للعمل على وقف البرنامج النووي الإيراني. وتبين ان حكومته قد خصصت مئات الملايين من الدولارات للتجهيزات والتدريبات اللازمة للتحضير لشن ضربات جوية ضد المفاعلات والمنشآت النووية الإيرانية، ولا يجب ان ننسى ان البرنامج الذي انتخب على أساسه نتنياهو لرئاسة الوزراء اول مرة كان مبنيا على التصدي للبرنامج الإيراني النووي. والجميع يذكر الرسمة السخيفة التي عرضها في خطابه في الجمعية العمومية في الأمم المتحدة حول برنامج إيران النووي، هذه السمة التي أثارت الكثير من السخرية على أدائه داخل الكيان الصهيوني وخارجه. الكيان الصهيوني له مصلحة في الإبقاء على فكرة الخطر النووي الإيراني المزعوم وتضخيمه محليا وإقليميا وعالميا.

فعلى صعيد الداخل الإسرائيلي فان هذا يعمل على كسب المزيد من الأصوات اليمينية والغالية في تطرفها، وخاصة وان جميع الدراسات واستطلاعات الرأي تشير وبشكل واضح أن الشارع اليهودي داخل فلسطين المحتلة ينحى أكثر وأكثر الى التطرف العرقي والديني. وما نشاهده الان من تغير الطابع للكيان الصهيوني باعتباره دولة للقومية اليهودية، والدعوات الى تشجيع فلسطيني داخل الكيان للهجرة الى "الدولة الفلسطينية " المستقبلية بدفع مبالغ لهم وذلك كوسيلة للإبقاء على النقاء العرقي للدولة اليهودية. هل هي النازية تعود في ثوب آخر أم ماذا ؟.

الكيان الصهيوني بحاجة للإبقاء على "البعبع" الإيراني لأنها الطريقة التي تضمن المساعدات والهبات السخية الامريكية التي تصل الى المليارات سنويا على حساب دافع الضرائب الأمريكي، وعلى حساب العناية ببرامج التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية لفقراء أمريكا، ولكي تضمن حصول إسرائيل على أحدث أنواع الأسلحة المتطورة وخاصة بعد ان تمرغت انوف وهيبة "الجيش الذي لا يقهر" على ايدي المقاومة في لبنان وفي غزة هاشم على الرغم من محاصرتها من جميع الجوانب. إبقاء الخطر من "البعبع" الإيراني التي تدعيه إسرائيل ضروري لمجمع الصناعات العسكرية الإسرائيلية والارباح التي تجنيها من بيع وزيادة حصتها في الاقتصاد الإسرائيلي، الى جانب الشراكة مع الولايات المتحدة في تطوير بعض الأسلحة الاستراتيجية.

وربما أهم سبب تراه إسرائيل للإبقاء على هذا الخطر هو الضغط على الولايات المتحدة والدول الغربية للإبقاء على حالة العداء للشراكة الاستراتيجية بين إيران وسوريا وحزب الله وبعض الفصائل المقاتلة الفلسطينية، التي كانت وستبقى الرقم الصعب وحجر العثرة الرئيسي الذي لا يمكن تجاوزه لتحقيق الطموحات والسياسة التوسعية للكيان الصهيوني وقضم ما تبقى من فلسطين التاريخية بالإضافة الى بقية الأراضي العربية المحتلة.

الكيان الصهيوني يرى في أي نوع من التقارب او التفاهمات وان كانت مؤقتة ومرحلية بين الدول الغربية وإيران تهديدا لبرنامجه النووي والترسانة التي يمتلكها من الأسلحة النووية والبيولوجية، التي عاجلا أم آجلا ستوضع على المحك ويثار حولها العديد من التساؤلات وأسباب "وشرعية" امتلاكها في حال توقيع الاتفاقية الدائمة مع إيران حول برنامجها النووي، الذي يضمن وبكل شفافية عدم وجود إمكانية لتطوره الى مراحل متقدمة لصنع الأسلحة النووية والتي أعلنت إيران ولسنوات طويلة مرارا وتكرارا  انها لا تسعى لصنعها أو الحصول عليها. الكيان الصهيوني يخشى ان ترتفع الأصوات التي تنادي بشرق أوسط خالي من الأسلحة النووية وغيرها من أسلحة الدمار الشامل. الكيان يخشى من ان يطالب في مرحلة مستقبلية قريبة او بعيدة بفتح منشآته النووية للتفتيش الدولي أسوة بإيران. ولا ننسى ان إسرائيل هي من الدول التي لم توقع أساسا على اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية، بينما إيران من الدول الموقعة والملتزمة بهذه الاتفاقية.

 

 

الدكتور بهيج سكاكيني

 

30.11.2014

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

  

  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4]  | أرشيف المقالات  |  دراسات  |  عمال ونقابات |  فنون وآداب |  كاريكاتير  |  المرأة |  الأطفال | إتصل بنا       

      

لا

للأحتلال

لا

للخصخصة

لا

لتقسيم العراق

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة

من الكتاب والصحفيين العراقيين   

 

                                                                  

                                                                             

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org               الصفحة الرئيسية - 1 -