<%@ Language=JavaScript %> الدكتور بهيج سكاكيني الاطماع والتفاهمات التركية الامريكية

   

لا

للأحتلال

لا

للخصخصة

لا

للفيدرالية

لا

للعولمة والتبعية

 

                                              

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين                    

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                            

 

 

الاطماع والتفاهمات التركية الامريكية

 

 

الدكتور بهيج سكاكيني

 

الانباء الواردة حول سماح تركيا للولايات المتحدة باستخدام أراضيها لشن الهجمات الجوية على تنظيم داعش في العراق وسوريا، ما زات متضاربة. فبينما أعلن أكثر من مسؤول امريكي رفيع المستوى من رئيس هيئة الأركان ديمبسي الى وزير الدفاع هاغل ومستشارة الرئيس الأمريكي أوباما للأمن القومي رايس، بان تركيا وافقت على استخدام الطائرات الامريكية للقاعدة الجوية انجرلنك، في الحرب على داعش، فان تركيا قد نفت هذه الاخبار وأكدت على ان المباحثات ما زالت جارية بهذا الشأن ولم تحسم الأمور بعد. ومن الواضح بأن الثنائي أردوغان ورئيس الوزراء داود أوغلوا يريدون تحقيق أكبر مكاسب ممكنة من وراء الانضمام الى هذا التحالف، وخاصة بعد فترة بهت الدور التركي الإقليمي والدولي لصالح دول أخرى في المنطقة، وخاصة بعد فشل كل الرهانات على اسقاط الدولة السورية. ليس هذا فحسب بل تولد القناعة عند الدول الغربية بما فيهم الولايات المتحدة ان الأسد باق، وبالتالي بدأت رحلة التأقلم مع هذا الواقع الجديد، ولو على مضض وخاصة الان مع انفلات داعش من السيطرة، وتهديدها بالتمدد الى أراضي عملاء وأدوات أمريكا في المنطقة.

وهنالك بعض الحقائق بالنسبة للموقف التركي، بعضها جاء في تصريحات متكررة منذ بداية الازمة والبعض منها لا يناقش أو يكشف عنه بشكل علني، خوفا من افتضاح أمر النوايا التركية التي تتقاطع في معظمها مع أهداف "الائتلاف الدولي" الغير معلنة، والذي تتخذ الولايات المتحدة من اقامته ومحاربة التنظيم الإرهابي داعش قميص عثمان للعودة الى العراق، ومحاولة جديدة بثوب جديد لإضعاف الدولة السورية، والتحضير لإنشاء "معارضة" جديدة يتم تحضير قوة عسكرية لها من خلال تجنيد الالاف من المرتزقة في معسكرات في السعودية وتركيا وإدخالها الى الأراضي السورية في اللحظة المناسبة بعد ترتيب الأوضاع لذلك.

تركيا ومنذ البداية عملت بكل طاقاتها وامكانياتها على اسقاط الدولة السورية والتخلص من الرئيس الدكتور بشار الأسد، وهذا بالتأكيد ما زال هدفا معلنا لها ولقد وضعه أردوعان على قائمة الشروط للانضمام والمشاركة في التحالف الدولي. ومن الواضح ايضا من أن تركيا كانت وما زالت تقدم الدعم لتنظيم "داعش" وترفض كما هو واضح من الاحداث الميدانية أنها لا تريد القطيعة مع هذا التنظيم، لأنها ببساطة ترى به التنظيم الذي يمكن استخدامه في تحقيق المطامع والمصالح التركية بالدرجة الأولى، ولكن هذا لا يعني أنها توافق على تمدده في كافة الاتجاهات، وتريد ان تضمن حصره جغرافيا في مناطق معينة، قد تدخل في الحسابات الجيوسياسية بحسب المفهوم والمصالح التركية.

من الواضح أن تركيا تريد لمدينة عين العرب ان تسقط بأيدي الدواعش. وهنالك دلائل واضحة في هذا المجال. فتركيا ترفض ان تفتح أراضيها لدخول الاكراد الاتراك للقتال الى جانب إخوانهم في المدينة. ليس هذا فحسب بل هي ترفض عودة البعض من سكان المدينة الذين اضطروا لمغادرتها للعودة للدفاع عن مدينتهم. وهي ترفض أيضا فتح ممر حدودي لإخراج الجرحى للعلاج، الى جانب دخول أكراد من العراق ام من حزب العمال الكردستاني، أو دخول المساعدات العسكرية من أسلحة وذخيرة، وخاصة وأن المدينة محاصرة من ثلاثة جوانب والاشتباكات اليومية على أشدها مما يقرب من الثلاثة أسابيع. ان صمود المدينة مرهون بالتأكيد على وصول الامدادات اللازمة من أسلحة ومقاتلين أكراد الى المدينة المحاصرة، الى جانب المواد التموينية والغذائية. ولقد طلبت الأمم المتحدة من تركيا فتح أراضيها امام المقاتلين الاكراد للتوجه للدفاع عن عين العرب، ولكن هذه الدعوات لم تلقى آذانا صاغية لدى أردوغان ورئيس وزرائه. ولقد قامت الشرطة التركية بقمع المظاهرات التي قامت في العديد من المدن التركية احتجاجا على السياسة الأردوغانية تجاه أكراد عين العرب، ولقد قتل ما يقرب من 30 كردي في مصادمات مع الشرطة التركية. تركيا لا تريد ان تتوحد جهود الاكراد في مجابهة داعش في عين العرب السوري، لأنها تخشى أن في ذلك تقوية لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سوريا، والتي تعتبره تركيا امتدادا لحزب العمال الكردستاني في تركيا، كما انها تريد أن تقطع فكرة إقامة إدارة ذاتية في المناطق الكردية في سوريا تحت راية حزب الاتحاد الديمقراطي الذي يترأسه صالح مسلم الذي يرفض أي تدخل لقوات اجنبية للأراضي السورية، ويعتبر دخول قوات برية تركية الى الأراضي السورية في عين العرب بمثابة احتلال. وتركيا لا تريد أيضا أي دور لحزب العمال الكردستاني في محاربة داعش، كما حصل في العراق في جبال سنجار حيث قام عناصره بإنقاذ العديد من الايزيديين. وترى تركيا ان إعطاء شرعية للحزب سيقوي من موقفه التفاوضي مع الحكومة التركية من أجل تحقيق الحقوق الكردية لأكراد تركيا، من خلال المباحثات التي توقفت بين زعيم الحزب أوجلان والحكومة التركية.

إذا ما عدنا الى الوراء قليلا نلاحظ أن الازمة السورية قد بدأت بعد أيام قلائل من رفض الرئيس الدكتور بشار الأسد على الاقتراح القطري بمد أنابيب عبر الأراضي السورية لنقل الغاز القطري الى الموانىء التركية حيث يتم تصديره بعد ذلك الى الأسواق الاوربية. رفض الرئيس الأسد ذلك بالرغم من المبالغ الكبيرة التي كانت ستقدم لسوريا نتيجة ذلك، بالإضافة الى الوعود بإقامة المشاريع المشتركة واستثمارات قطرية في سوريا تقدر بعشرات المليارات من الدولارات. رفضت سوريا العرض القطري ورأت تركيا في هذا الرفض حرمانها من مصدر طاقة رئيسي لصناعاتها، بالإضافة الى تقوية الدور التركي الإقليمي والدولي في كونها محطة لتمرير مصادر الطاقة الى الأسواق العالمية. ولا يخفى على أحد من المتابعين أن الدول الأوروبية وبدفع وتشجيع أمريكي تسعى الى تنويع مصادر الطاقة وخاصة الغاز وذلك للإقلال من اعتمادها على الغاز الروسي، وخاصة مع أحداث سابقة في اوكرانيا والتي قطع فيها الغاز الروسي عن الدول الأوروبية لفترة، نتيجة الخلافات بين روسيا وأوكرانيا حول الأسعار وتسديد فاتورة الغاز الأوكرانية. بالنسبة لتركيا الإبقاء على داعش في المناطق الجغرافية التي تشكل فاصلا طبيعيا بين ايران وسوريا (وربما هذا ما يفسر تركيز داعش على منطقة الانبار في العراق) سيوجه ضربة قاسمة لخطوط الانابيب التي تنوي ايران مدها عبر الأراضي العراقية ومن ثم الى الأراضي السورية لاستخدام الموانيء السورية لتصدير الغاز الإيراني. وهذا ما سيتيح لتركيا وقطر بحكم علاقتهما الجيدة مع داعش، أن يعيدوا الحلم القديم بمد خطوط انابيب للغاز القطري الى الموانىء التركية، عبر الأراضي التي تسيطر عليها داعش، طبعا مع ضمان حصة لهذا التنظيم الإرهابي. وفي هذا المنحى تلتقي المصالح والاستراتيجية الامريكية مع نظائرها التركية. فالولايات المتحدة سعت وما زالت تسعى بكل جبروتها لضرب الاقتصاد الروسي الذي يعتمد الى حد كبير على تصدير مصادر الطاقة وخاصة الغاز منها الى الدول الأوروبية، في محاولة لكسر او تحجيم الدور الروسي الدولي المتصاعد. وهو أيضا ما يفسر المواقف الامريكية من الازمة في أوكرانيا، التي تحاول بشتى السبل منع التوصل الى أي تسوية بين حكومة بورياشينكو والمقاطعات التي تنادى بالفيدرالية أو الانفصال كلية عن كييف. بالإضافة الى ذلك فان حرمان ايران من امدادات خطوط الغاز الى الشواطئ السورية يعني أيضا حرمان الصين من الحصول على الغاز الإيراني، ولا ننسى أن الولايات المتحدة قد لعبت دورا قذرا في الضغط على باكستان قبل فترة ليست بالبعيدة  في عدم إتمام تمديد خط انابيب الغاز على أراضيها القادم من ايران لتزويدها بالغاز، بحجة أن الباكستان لم تعد لديها القدرة والامكانيات المالية التي تساعدها على ذلك، هذا بالرغم من أن الجزء من هذه الخطوط قد تم بناءها من الجانب الإيراني، وكان من المتوقع ان يستغل هذا الخط  مستقبلا لإمداد الهند والصين بالغاز الإيراني التي تمتلك ثاني أكبر احتياطي للغاز في العالم بعد روسيا. وربما ايران ادركت جيدا مثل هذه المخططات ومن هنا جاء التهديد القوي على لسان المسؤولين الإيرانيين الى تركيا من أنها تلعب بالنار.

وقضية الغاز وعلاقتها بالاستراتيجيات الامريكية والتركية بالطبع ليست الوحيدة، فهنالك المنطقة العازلة ومنطقة الحظر الجوي الذي تطالب به تركيا كثمن مسبق للدخول في "التحالف الدولي" لأطماعها التاريخية في الأراضي السورية وانتهاز الفرصة في المخططات الامريكية الهادفة الى تعديل الحدود في المنطقة وتفتيتها وإعادة رسم الخرائط. فالحرب المزعومة على داعش يراد لها أن تطول للحصول على اكبر فرصة زمنية ممكنة، حتى تتمكن الولايات المتحدة وزبانبتها من تحقيق هدف تفتيت المنطقة الى كانتونات قائمة على الطائفية والمذهبية والعرقية متصارعة فيما بينها. وهنالك نبرة جديدة لرئيس هيئة الأركان الأمريكي الجنرال ديمبسي، الذي يجب أن نتنبه لأقواله وتصريحاته لما لها من أهمية ودلالة، لأنها تعبر جيدا عن سياسة التدحرج التي تتبعها الولايات المتحدة في عدوانها الغاشم على المنطقة. ففي معرض حديثه على احدى المحطات التلفزيونية الامريكية في برنامج ""This Week  وردا على سؤال حول المنطقة العازلة والحظر الجوي قال " هل يمكنني التنبؤ بأن تنشأ ظروف مستقبلية بحيث يصبح هذا جزءا من الحملة (على داعش)؟ الإجابة نعم". هذه بالضبط كلمات الجنرال ديمبسي. ولقد أشار الجنرال ديمبسي بأن انشاء منطقة حظر جوي بالقرب من المناطق الحدودية بين تركيا وسوريا تحتاج مئات من الطائرات الامريكية وتكلف ما يقرب من المليار دولار شهريا للإبقاء على منطقة داخل سوريا آمنة من داعش والطيران السوري (جريدة حريات التركية 13 اكتوبر 2104). ومن المؤكد ان هذه المعلومات والمعطيات تدل على ان القيادة العسكرية في البنتاعون قد درست هذا الاحتمال، ربما لجانب تقديم الفاتورة الى مشايخ الخليج الذين فتحوا خزائنهم لتدمير الوطن العربي برمته، كما هو الحال في سوريا والعراق وليبيا واليمن ومصر. ولبنان. ولقد صرحت مستشارة الرئيس للأمن القومي الأمريكي رايس مؤخرا (نفس المصدر) بان الولايات المتحدة في هذه المرحلة " لا ترى في إقامة منطقة للحظر الجوي ضرورة لتحقيق أهداف الحملة لإضعاف داعش والقضاء عليها لاحقا. ولكننا سنبقي حوارنا مع الاتراك ونفكر بأي مقترحات معينة لديهم". والذي يبدو اننا في مرحلة المد والجزر لكل طرف منهم أي الاتراك والامريكيون ومقايضات حول المكاسب الذي يمكن ان يحققها كل طرف، والوصول الى تفاهمات بينهم بهذا الخصوص، ومن ثم فان عين العرب كغيرها من المناطق يمكنها أن تنتظر لإنضاج هذه التفاهمات بين الأطراف المختلفة في "التحالف الدولي".

بالطبع ما يخطط له ليس بالضرورة انه بالإمكان تطبيقه، فالطرف الاخر غير غافل عما يدور وعما يخطط له. فسوريا وايران وحزب الله وروسيا والعراق يعملان على افشال هذه المخططات وعلى جبهات مختلفة، ان كان على المستوى السياسي أو الدبلوماسي او العسكري، كما يتضح على أرض الواقع. وما زلنا ندعو الى الإعلان عن إقامة حلف بين الدول في هذه الأطراف رسميا مقابل "التحالف الدولي"، فلا شك ان هذا سيتيح لها قدرة أكبر ومساحة فاعلة على التحرك ليس فقط لمحاربة المجموعات الإرهابية وبغض النظر عن هويتها وذلك بحسب القرارات الدولية. فالإرهاب والمجموعات التكفيرية تهدد أمن هذه الدول، بل لوضع سدا منيعا على أطماع أطراف "التحالف الدولي" في المنطقة. 

الدكتور بهيج سكاكيني

 

 

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا