%@ Language=JavaScript %>
|
لا للأحتلال لا للخصخصة لا للفيدرالية لا للعولمة والتبعية |
|||
---|---|---|---|---|
صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين |
||||
للمراسلة webmaster@saotaliassar.org |
إبتزاز تركي أم توزيع أدوار؟
الدكتور بهيج سكاكيني
قبل فترة زمنية ممتدة منذ انعقاد مؤتمر جدة والذي دعت اليه السعودية "لمحاربة" داعش في العراق وسوريا والذي ضم عشرة دول عربية تضمنت دول مجلس التعاون الخليجي بالإضافة الى مصر والعراق وتركيا وبحضور وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، وكذلك مؤتمر باريس الموسع الذي عقد بغرض اقامة "التحالف الدولي" لمحاربة تنظيم داعش في العراق على وجه الخصوص وكذلك في سوريا، والى حين انعقاد الجمعية العمومية للأمم المتحدة في 25 سبتمبر الجاري، كان الموقف التركي رافضا للدخول في أي تحالف إقليمي او دولي لمحاربة "داعش" او الدولة الإسلامية، كما عبر عنه كل من الرئيس أردوغان الى جانب رئيس الوزراء التركي أحمد أوغلو. وأعلنت تركيا انها ستقوم فقط بتقديم الدعم اللوجيستي، الى جانب الدور الإنساني من خلال تقديم الخدمات للاجئين السوريين والاكراد المقيمين في مخيمات النزوح على أراضيها. ليس هذا فحسب فقد أعلنت تركيا انها لن تسمح باستخدام للطائرات الامريكية باستخدام القاعدة الجوية الامريكية في "انجرلينك" لضرب تجمعات داعش في العراق او سوريا. ولقد أثار هذا الموقف كثيرا من الاستياء والاستغراب الغربي بين دول حلف الناتو والولايات المتحدة، وخاصة وأن تركيا هي دولة من هذا الحلف، ولديها أمكانيات عسكرية متنوعة ومتقدمة، كان يعول على استخدامها في محاربة تنظيم "داعش" بريا. وعندها، بررت تركيا عدم مشاركتها في التحالف في خوفها على سلامة المواطنين الاتراك الذين تم "اختطافهم" من قبل تنظيم "داعش" من القنصلية التركية عند الاستيلاء على مدينة الموصل العراقية.
أما الان وقد تم "الافراج" عن الرهائن الاتراك المختطفين من خلال مسرحية كنا قد أشرنا اليها سابقا، يخرج علينا الرئيس أردوغان فور عودته من نيويورك، حيث شارك في جلسات الجمعية العمومية للأمم المتحدة ليعلن ان موقف بلاده حيال تنظيم "داعش" قد "تغير" بعد "الافراج" عن المختطفين الاتراك وان الاحتمال قائم لانضمام تركيا الى التحالف الدولي، وعلى ان بلاده على استعداد "لأي شكل من أشكال التعاون بما في ذلك السياسي والعسكري" لمحاربة تنظيم "داعش".
لم تأتي هذه التصريحات الجديدة للقيادة التركية من فراغ، أو نتيجة تغير حقيقي في الموقف التركي وتعاونه الموثق ودعمه للمجموعات الإرهابية العاملة في سوريا أو العراق. هذه التصريحات أتت نتيجة الانتقادات الشديدة التي وجهت الى القيادة التركية في دعمها المتواصل للمجموعات الإرهابية وخاصة جبهة النصرة وداعش وفتح حدودها للمقاتلين الأجانب المتوجهين للقتال في سوريا، وعمليات تهريب السلاح عبر أراضيها، وإقامة معسكرات التدريب "للمجاهدين" قبل توجههم الى الساحة السورية وإقامة المستشفيات الميدانية للإرهابيين. ولسنا نحن من نقول ذلك أو نلقي التهم جزافا بل هذا ما يقوله أقرب المقربين من تركيا، ووسائل اعلامها ومحققيها. فالسفير الأمريكي السابق في تركيا قد صرح بتأريخ 12 سبتمبر " بان تركيا قد عملت مع المجموعات المنتمية الى القاعدة مثل جبهة النصرة واحرار الشام". كما اشارت الصحف التركية الى ان تركيا ضالعة في تمويل داعش وذلك عن طريق دخول الشاحنات المحملة بالنفط السوري والعراقي وبيعه الى تجار اتراك. بالإضافة الى ذلك بينت التحقيقات التي أجرتها كل من صحيفتي "واشنطن بوست" و "وورلد تربيون " الأمريكيتين، بأن الحكومة التركية قد "بسطت السجادة الحمراء لتنظيم داعش" وأن "داعش" العراق في الانبار تسلمت كميات كبيرة من الأسلحة والمعدات العسكرية عن طريق تركيا. ومؤخرا أكد بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة في جلسة مجلس الامن المخصصة لمحاربة الارهاب بان تركيا كانت معبرا لأكثر من 13 ألف إرهابي أجنبي الى سوريا. والحقائق تطول في هذا المجال. ولقد تعرضت تركيا لضغوط كبيرة جدا في الأمم المتحدة من قبل الدول الأخرى وخاصة الولايات المتحدة في ضبط حدودها ومنع المقاتلين من التنقل بهذه السهولة وتمرير السلاح، كما وطلب البعض منها كفرنسا معلومات استخباراتية بشأن المقاتلين الفرنسيين الذين دخلوا الى سوريا عن طريق تركيا، وذلك في الزيارة التي قام بها مؤخرا وزير الدفاع الفرنسي. تحت هذا الضغط الهائل الدولي الذي تعرضت له تركيا وافتضاح أمرها والكشف بالوقائع والحقائق عن دورها وضلوعها في تقديم كل الدعم للوحوش الذي قرر "المجتمع الدولي" "محاربته" كما يدعي في العلن، لم يعد مقبولا أن تبقى او تظهر تركيا دولة حلف الناتو والحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة التي تتزعم ما تدعيه "التحالف الدولي لمحارة تنظيم داعش" في العراق وسوريا، تغرد خارج السرب علنا متحدية البيت الأبيض المايسترو الكبير. ومن هنا نستطيع ان نتفهم لماذا أتت التصريحات الأخيرة للسيد أردوغان. ولكن هذا بالتأكيد ليست القصة كاملة.
الرئيس أردوغان الذي يتميز بانتهازية فائقة وبرجماتية واسعة طالما أنها تحقق حلمه العثماني بان يكون السلطان الجديد الذي ما زال يعشش في مخيلته، تناغم مع الضغوطات وابدى استعداد بلاده للتعاون والدخول في "الحلف الدولي" ولكن بشروط ضمنها في الفاتورة التي قدمها "للمجتمع الدولي" كثمن للانضمام في "التحالف الدولي".
أول هذه الشروط هي إقامة منطقة عازلة داخل الأراضي السورية وذلك "لحماية" النازحين من السوريين والاكراد. ولقد أعطيت توجيهات للجيش التركي مؤخرا لدراسة مثل هذا المشروع وتحديد ماهيته وتكلفته وعمقه في الأراضي السوري. والذي يبدو أن المنطقة العازلة التي تنادى بها تركيا داخل الأرضي السورية تتراوح بين 5 الى 40 كيلومتر تبعا للمنطقة الحدودية وعلى طول الشريط الحدودي الي يمتد الى ما يقارب من 900 كيلومتر. ومن المؤكد ان ذلك سيتبع تلقائيا بفرض حظر جوي، فالجيش التركي صرح انه القوات تركية البرية لن يكون في مقدورها تامين هذا الشريط الحدودي والمنطقة العازلة دون غطاء جوي. وللتعجيل في الامر فان البرلمان التركي سيناقش مشروع تقدمت به الحكومة الحالية الذي يتيح للجيش التركي العمل خارج الأراضي التركية. والمنطقة العازلة والحظر الجوي هو حلم تركي قديم جديد. فلقد نادى اردوغان عندما كان رئيس وزراء بإقامة منطقة عازلة ومنطقة حظر جوي منذ بداية اندلاع الازمة السورية، وحتى قبل وصول دفعات كبيرة من النازحين السوريين الى الراضي التركية، حيث إقامة تركيا مناطق بأكملها مجهزة بأحدث التجهيزات لإيواء النازحين قبل نزوحهم لتشجيعهم على النزوح، لتحقيق الغرض التركي باستغلال الازمة لإسقاط الدولة السورية وقيادة الرئيس بشار الأسد، وإقامة نظام يسيطر عليه تنظيم الاخوان المسلمين. لم ينجح المشروع آنذاك وكان هنالك عدم موافقة على إقامة المنطقة العازلة والحظر الجوي من قبل الدول الغربية. ولم ينسى الرئيس اردوغان ووزير خارجيته احمد اوغلو في الكلمة التي القيت في الأمم المتحدة من تذكير الدول الغربية بالمقترح التركي السابق، ووضع اللوم عليهم بعدم الموافقة لان ذلك بحسب الادعاءات التركية أدى الى نشوء "داعش" واخواتها. ومع السماح لتمدد "داعش" في الشمال السوري والاستيلاء على أكثر من 60 قري كردية بالتآمر والتنسيق مع تركيا، وتهجير ما يقرب من 140000 كردي الى المناطق الحدودية مع تركيا، ها هي تركيا تعود وتطرح مجددا انشاء المنطقة العازلة والحظر الجوي كشرط لدخولها في "التحالف الدولي".
ثاني هذه الشروط هو موقف "التحالف الدولي" من الرئيس بشار الأسد، بالإضافة الى ما سيؤول عليه الوضع في العراق وخاصة بعد ابعاد رئيس الوزراء المالك ودحر "داعش"، فالأمور في العراق لم تحسم بالشكل النهائي بعد. يجب أن لا ننسى ان تركيا أردوغان قد رمت بكل ثقلها على الساحة السورية منذ البداية، مستخدمة طاقاتها السياسية والاقتصادية والعسكرية بأمداد "المجاهدين" بالأسلحة والتدريب وحرية التنقل عبر حدودها لإسقاط الدولة السورية بالتعاون مع قطر، وذلك ضمن ما سمي بالربيع العربي والذي كان من المفترض ان يؤدي الى سيطرة الإسلام السياسي على المنطقة بقيادة السلطان العثماني الجديد أردوغان الذي كان يسعى لإقامة الخلافة الإسلامية من خلال احياء الدولة العثمانية، بمباركة وتأييد من الولايات المتحدة. سقط المشروع ووجه اليه قبلة الموت مع التغيرات التي شهدتها مصر بسقوط مشروع الاخوان المسلمين في البلد الام ومركز تنظيم الاخوان العالمي، بمجيء السيسي بعد تدخل الجيش المصري مرة أخرى في مسار الاحداث في مصر. هذا الحلم الأردوغاني-القطري ما زال قائما على الرغم من الضربة القاسمة التي وجهت اليه، وأردوغان الانتهازي يرى انه من الممكن ان يحيي المشروع من بوابة "داعش" والانضمام الى "التحالف الدولي"، فهو لا يريد أن يخرج من المولد بلا حمص كما يقال. من المؤكد أنه لن يخرج محققا حلمه الكبير، ولكنه يأمل ان يحصل على شيء خاصة بعد أفول الدور التركي وتحجيم دوره بعد أن عادت السعودية لاعبا أساسيا في المنطقة والتفاهمات الامريكية السعودية الجديدة، والتي من خلالها وضعت السعودية بصمتها في الاحداث في المنطقة، والتي من خلالها تراجع الدور القطري بشكل واضح. ان تعامل تركيا مع "داعش" أو "النصرة" على الرغم من وضعهم على لائحة المجموعات الإرهابية، نابع من كونهم المجموعات الأكثر قدرة على قتال الجيش العربي السوري، وبالتالي فان تركيا تسعى الى استخدامهم كأدوات ضمن استراتيجيتها على الساحة السورية لإسقاط الدولة السورية ورحيل الرئيس بشار الأسد. ومرارا حاولت تركيا من خلال الثنائي أردوغان-أوغلو اقناع الغرب بانه إذا ما رحل الأسد فان التطرف في سوريا سيختفي، وبالتالي فانه لا يجب ان يكون هنالك مخاوف او محاذير من زيادة القدرة القتالية والسيطرة من المجموعات المتطرفة العاملة على الساحة السورية، لان هذه المجموعات الوحيدة القادرة على احداث التغيرات الميدانية في ساحة القتال، وذلك إذا ما قورنت ببقية المجموعات الصغيرة الغير فعالة، او ذو التأثير المحدود للغاية على ساحة الميدان. ومن هنا نستطيع ان نتفهم التخلي العملي لتركيا عن "الجيش الحر" تقريبا مع انها كانت تقدم الدعم الكبير له في البداية وتعتبره اليد العسكرية المقاتلة للمجلس الوطني السوري في البداية ومن ثم للائتلاف السوري المعارض. ومن هنا لا نرى أن تصريحات أردوغان الأخيرة او رئيس وزرائه يجب ان تؤخذ على محمل الجد، فتركيا لا تريد ان تسقط ورقة "داعش" او غيرها من التنظيمات الإرهابية لانها جزء من مكونات الاستراتيجية التركية فيما يخص الساحة السورية، اللهم الا اذا امكنها تحقيق مآربها دونهم، وهذا لم يتضح لغاية الان على الأقل.
ثالث هذه الشروط التي وضعتها تركيا للانضمام الى "التحالف الدولي" هو عدم تسليح الاكراد. لا شك ان تركيا منزعجة جدا من تدافع الدول الغربية من الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا في ارسال الأسلحة الى اكراد كردستان منذ بداية دخول "داعش" على الموصل وتهديد المناطق الكردية. ومما يزيد من هذا الانزعاج التركي هو انضمام مقاتلي حزب العمال الكردستاني للمقاتل الى جانب قوات البيشمركة في إقليم كردستان العراق, ولقد ابلى مقاتلوا حزب العمال الكردستاني بلاء جيدا في مقاتلة "داعش" او الدولة الإسلامية مما أتاح لأكراد العراق استرجاع بعض القرى التي كانت قد سيطرة عليها "داعش" واستطاعوا نجدة الايزيديين الذين حوصروا في سنجار ونقلهم الى المناطق الكردية بسلامة، وهو ما شهدت لهم القوى الغربية، والتي يفكر بعضها الان بالاتصال بقياداتهم وإقامة العلاقات معهم على الرغم من ان حزب العمال الكردستاني موضوع على قائمة الارهاب. وربما كان التآمر التركي او على الأقل غض النظر على تمدد داعش للمنطقة الكردية في شمال سوريا "عين العرب" أو "كوباني" بالكردية والاستيلاء على أكثر من 60 قرية هنالك، يأتي ردا تركيا غير مباشر على الدعم الغربي لأكراد العراق، الى جانب قطع التمدد الجغرافي للمناطق الكردية والاستفادة من عمليات النزوح لإقامة المنطقة العازلة. ولا يقتصر دعم مقاتلي حزب العمال الكردستاني على البيشمركة في أقليم كردستان العراق، بل يتعداه الى أكراد سوريا حيث يشكل مقاتلي حزب العمال الكردستاني القوة الرئيسية في مقاتلة تمدد "داعش" الى منطقة الاكراد في الشمال السوري، الى جانب مقاتلي الاكراد السوريين في وحدات الحماية الشعبية. وقد أدى عدوان "داعش" على كوباني بتغطية تركية واضحة الى تدافع العديد من الاكراد في تركيا لعبور الحدود لنصرة بني جلدتهم. هذه الحمية القومية الكردية باتت تؤرق القيادات السياسية التركية الحالية، وخاصة مع تعثر المفاوضات مع أكراد تركيا وبالتحديد مع الزعيم اوجلان وتراجع تركيا عن تعهداتها والضغط على اوجلان، الى جانب التهديدات التي أطلقتها القيادات العسكرية لمقاتلي حزب العمل الكردستاني مؤخرا من العودة الى السلاح وانهاء حالة الهدنة المعلنة مع تركيا التي بدأت مع انطلاق المحادثات مع زعيم الحزب اوجلان، وذلك اذا لم يلتزم الجانب التركي بتحقيق المكتسبات التي وعد بتقديمها لأكراد تركيا. هذا الاندماج والتعاون بين اكراد العراق وتركيا وسوريا الذي كان نتاج الهجمة الداعشية على المناطق الكردية، يثير حفيظة القيادة السياسية الحالية في تركيا، لأنه قد يكسب شرعية دولية لحزب العمال الكردستاني في تركيا، الذي من شأنه تقوية الحزب في موقعه التفاوضي مع الحكومة التركية. هذا بالإضافة الى ان تركيا تريد منع أكراد سوريا بالحصول على أي موقع أو موطىء قدم في التأثير على الساحة السورية خارج المظلة التركية. ولقد حاولت تركيا احتواء أكراد سوريا بإطلاق الوعود سابقا لهم بحمايتهم من المجموعات الإرهابية العاملة على الحدود التركية وعدم التعرض لهم، هذه الوعود التي لم تفي بها تركيا في السابق ولا الان كما اتضح مؤخرا.
في النهاية نود ان نؤكد على ان الأهداف التركية تتلاقى مع اجندات "التحالف الدولي" الى حد كبير ان لم تكن متطابقة ومكملة لها، وان ظهرت خلافات فإنها لا تعدو عن كونها خلافات حول توزيع الأدوار والسبل الى تحقيق هذه الأهداف، الى جانب الاثمان والمكاسب التي يسعى كل طرف لتحقيقها لنفسه وبالتالي يحاول رفع سقفها ما امكنه ذلك، لضمان مصالحه الذاتية وتحقيق مآرب سياسية واقتصادية.
الدكتور بهيج سكاكيني
تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم
الصفحة الرئيسية | [2] [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا
جميع الحقوق محفوظة © 2009 صوت اليسار العراقي
الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا |
|
---|