<%@ Language=JavaScript %> الدكتور بهيج سكاكيني "اختطاف" الرهائن الاتراك و"والافراج" عنهم لا يعدو عن كونه مسرحية

   

لا

للأحتلال

لا

للخصخصة

لا

للفيدرالية

لا

للعولمة والتبعية

 

                                              

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين                                    

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                            

 

 

"اختطاف" الرهائن الاتراك و"الافراج" عنهم

 

لا يعدو عن كونه مسرحية

 

 

الدكتور بهيج سكاكيني

أثار وصول الرهائن الاتراك ال 49 الذين اختطفهم تنظيم الدولة الإسلامية في مدينة الموصل شمالي العراق في يونيو الماضي، عندما قاموا باحتلال المدينة، بهذه الطريقة الفجائية وبدون مقدمات الكثير من التساؤلات حول ظروف إطلاق سراحهم، وخاصة مع شحة المعلومات وغموض التصريحات التي ادلى بها كل من الرئيس أردوغان، ووزير خارجيته أحمد داود اوغلو. ففي حين تحدث الرئيس أردوغان عن "عملية سرية مخططة ومنظمة بعناية من قبل جهاز المخابرات التركي، والتي استمرت طوال الليل وتمت بنجاح في الساعات الأولى من الصباح"، ذكر رئيس الوزراء أن إطلاق سراح الرهائن كان نتيجة اتصالات دون الإشارة من بعيد أو قريب حول طبيعة هذه الاتصالات، وما اذا كان هنالك أية شروط، او اتفاقية سرية.

ومن الجدير بالذكر أن الرهائن كانوا قد اختطفوا من مقر القنصلية التركية في الموصل ومنهم دبلوماسيون وعسكريون وعائلاتهم، وهم لم يغادروا المدينة كغيرهم بالرغم من معرفتهم بان جحافل المغول والتتار قادمون الى الموصل، وكان ان سبقتهم سمعتهم، من انهم برابرة العصر يقتلون، ويقطعون الرؤوس، ويدمرون الحجر والبشر دون هوادة. وتساءل البعض عندها ما هو سبب بقاء البعثة الدبلوماسية التركية في الموصل دون غيرها.

جرد بسيط للأحداث التي جرت في الفترة القريبة تبين الترابط والعلاقات بين ما جرى وبين عملية أطلاق سراح الرهائن الاتراك المحتجزين في الموصل. من المعروف أن تركيا شاركت في المؤتمر الذي عقد في جدة بتأريخ 11 سبتمبر بوفد رفيع المستوى وبحضور وزير الخارجية الأمريكي كيري وعشرة دول عربية ضمت دول مجلس التعاون الخليجي، والعراق والأردن ولبنان ومصر، وبه أكد المجتمعون على محاربة تنظيم "الدولة الإسلامية" في العراق وسوريا، لما يمثله هذا التنظيم من مخاطر جدية على المنطقة برمتها. وامتنعت تركيا حينئذ من التوقيع على البيان الختامي للاجتماع.

الى جانب ذلك فان تركيا رفضت أن تشارك بشكل فعال في مقاتلة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والدخول في التحالف " الدولي" الذي تمخض عن المؤتمر الذي عقد في باريس بتارخ 15 سبتمبر، بحضور ما يقرب من الثلاثين دولة وبحضور لافت لحلف الناتو، وتركيا عضو فعال في هذا الحلف. وقد رفضت تركيا استخدام أراضيها لمحاربة الدولة الإسلامية في العراق وسوريا، وهي التي تمتلك حدود بطول ما يقرب من 1200 كيلومتر مع كلا البلدين أغلبها مع سوريا (حوالي 900 كيلومتر). كما رفضت استخدام الجيش الأمريكي لقاعدة "انجيرليك" التابعة له كنقطة إنطلاق للطائرات الامريكية لضرب تجمعات التنظيم في العراق. ولم تعطي تعهدات بإغلاق حدودها كاملة أمام المقاتلين من "داعش" أو الدولة الإسلامية كما تسمى الان، وان كانت قد عمدت في الفترة الأخيرة الى التضييق على تنقل المقاتلين في بعض المناطق والمعابر الحدودية مع العراق وسوريا، وذلك تحت وطأة الاتهامات العلنية المكثفة  في الصحف الامريكية والبريطانية مؤخرا على الدور التركي في السماح للمقاتلين من كل انحاء العالم بالدخول الى سوريا من حدودها، الى جانب تهريب السلاح، وكذلك مرور شاحنات النفط العراقي والسوري المنهوب من قبل الدولة الإسلامية لبيعه في الأسواق المحلية وللشركات التركية والعالمية.  واكتفت تركيا رسميا بالتعهد لتقديم خدمات متعلقة بالجانب اللوجيستي والإنساني. ولا شك أن الولايات المتحدة غاضبة من هذه المواقف لأنها تريد لتركيا الانضمام بشكل فعال للتحالف، وخاصة وان تركيا تمتلك ثاني أكبر جيوش حلف شمال الأطلسي، ولديها قوات برية وجوية عالية القدرة والجاهزية والتسليح.

أما السبب المعلن الذي قدم لهذا الموقف التركي المتراخي بحسب الدول الغربية، فانه يعود الى عدم رغبة تركيا في استفزاز الدولة الإسلامية وتعريض سلامة المختطفين الاتراك الى الخطر. ومع ان هذا السبب قد يكون الى حد ما مقبول، فان السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو هل كان تصرف تركيا تجاه هذه المجموعة الإرهابية وغيرها من آكلة لحوم البشر مختلفا قبل عملية "اختطاف" العاملين في القنصلية التركية في الموصل؟ الاجابة طبعا على هذا السؤال هو بالتأكيد لا، كما اشارت وتشير كل الوقائع الميدانية والسياسية المتعلقة بهذا الموضوع.

وليس مصادفة أن يتزامن الاجتياح الذي نفذته اعداد كبيرة من جحافل مغول العصر وبالأسلحة الثقيلة على المناطق الكردية السورية المحاذية للحدود التركية والاستيلاء على ما يقرب من 60 قرية في غضون 48 ساعة، وتهجير سكان حوالي 100 قرية كردية، بحيث وصل عدد النازحين من قراهم الى ما يقارب من 60000 نازح. والذي يبدو أن هذا هو الثمن للإفراج عن الرهائن الاتراك أو هكذا يبدو. ولكن في تصوري ان كل هذه لا تعدو عن كونها مسرحية مدبرة بين تنظيم الدولة الإسلامية والحكومة التركية، منذ ان بدأ "اختطاف" الرهائن الى حين "الافراج" عنهم، فالعلاقات والتنسيق بينهما لم تنقطع ولو للحظة واحدة. والحكومة التركية أرادت أن تستخدم "الرهائن" الاتراك كذريعة لعزوفها عن الوقوف ضد تنظيم الدولة الإسلامية ومحاربتها بالانضمام الى "التحالف الدول والإقليمي"، ودفع الاستحقاقات في هذا الشأن.

ويجب أن نؤكد هنا ان الاجتياح "المفاجئ" للمناطق السورية الكردية والسيطرة على هذه المساحة الكبيرة، يأتي ليخدم المصالح الداعشية والتركية في آن واحد. فهذا التمدد للأراضي التي تسيطر عليها الدولة الإسلامية يأتي ليفتح لها التواصل مع الأراضي والحدود التركية الهامة لنقل المواد التموينية والأسلحة والمقاتلين الى جانب تهريب وبيع النفط المنهوب. بالإضافة الى طبابة الجرحى، وهنالك انباء على ان العديد من المصابين من مقاتلي الدولة نتيجة الاجتياح الأخير يعالجون حاليا في المستشفيات التركية. الى جانب ذلك فأن الدولة الإسلامية بسيطرتها على مدينة عين العرب (كوباني)، والذي أصبح على ما يبدو قريبا، تقضي على البيئة الحاضنة للمقاومة الكردية السورية المتمثلة في وحدات الحماية الشعبية الكردية، الى جانب حزب العمال الكردستاني الذين قاتلوا بضراوة مقاتلي الدولة الإسلامية في الأراضي العراقية، وأسهموا الى حد كبير في تقدم قوات البيشمركة الكردية واسترجاعهم لبعض القرى الكردية في اقليم كردستان العراق. وجدير بالذكر هنا الى انه في بعض محاور القتال كان هنالك تنسيقا واضحا بين مقاتلي حزب العمال الكردستاني والمستشارين العسكريين الامريكان وكذلك المخابرات المركزية الامريكية على حسب ما ورد في بعض وسائل الاعلام، وهي سابقة لا بد من الوقوف عندها وخاصة أن الولايات المتحدة ضمت الحزب على قائمة المنظمات "الإرهابية".

أما الجانب التركي فان مصلحته في أن الاحداث الأخيرة تفتح آفاق له من الممكن استغلالها لمصلحته. ويجب ان لا ننسى أن الأولوية للحكومة التركية كانت وما زالت تتمحور في اسقاط الدولة السورية، وبالتالي فان التعاون مع الدولة الإسلامية وعدم المشاركة في الحرب عليها، يدخل في صلب الاستراتيجية التي انتهجتها تركيا أردوغان منذ سنوات، وهذه الأولوية لم تتغير بعد. وبالتالي فان سيطرة الدولة الإسلامية على هذه المساحات في الشمال السوري يقوي من عضد الدولة الإسلامية، وينهك الدولة السورية والجيش السوري. كما وان استيلاء الدولة الإسلامية على هذه المناطق الكردية يأتي ليقطع التواصل الجغرافي والاجتماعي والعسكري مع أكراد العراق، وهذ يصب في صالح تركيا. مما لا شك فيه ان تركيا منزعجة جدا من التداخل والعلاقات ما بين أكراد تركيا والعراق وخاصة مع دخول حزب العمال الكردستاني في الحرب ضد الدولة الإسلامية مما يعطيه شرعية. وهنالك عدد الدول الغربية تفكر جديا بالتواصل مع حزب العمال الكردستاني، والذي ما زال تحت لائحة الارهاب في تركيا وكذلك في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، على الرغم من المباحثات بين زعيمه اوجلان والحكومة التركية، وكذلك التواصل مع حزب الاتحاد الديمقراطي في سوريا وكلاهما أحزاب ذو ايديولوجية يسارية، اثبتت قدرتها على مقارعة تنظيم الدولة الاسلامية. وهذا ما لا تريده تركيا لان ذلك قد يقوي موقف حزب العمال الكردستاني في المباحثات التي تعطلت بين أوجلان والحكومة التركية، بالإضافة الى اعطاءه شرعية على الساحة الدولية. وتركيا ليست الوحيدة المتخوفة من الاتصالات الغربية مع حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي، حيث أن السيد مسعود البرزاني الذي يتزعم الحزب الديمقراطي الكردستاني يرى أنه هو القائد الحقيقي للأكراد في العالم والذي يقدر عددهم بحوالي 40 مليون كردي، ولا يريد لحزب العمال الكردستاني وزعيمه أوجلان أن يسلبوا الأضواء عنه.

وهنالك نقطة أخرى تسعى الحكومة التركية لتحقيقها من خلال الاحداث الأخيرة وخاصة مع تدفق المزيد من النازحين من القرى الكردية في الداخل السوري والتي تشير آخر التقارير ان اعدادهم قد بلغ 70000 نازح لحين كتابة هذه السطور، ومع التأكيد على ان هذا العدد قابل للزيادة في الأيام القليلة المقبلة، وما يسببه هذا من زيادة الضغط على الجانب التركي مع وجود اعداد هائلة من النازحين السوريين تقدر بحوالي 1.5 مليون نازح، بحسب المصادر التركية. وكان أن اقترحت تركيا إيجاد مناطق عازلة وآمنة للنازحين، وحظر جوي منذ بداية الازمة السورية، وطبعا لم يكن ذلك محبة في ضمان الأمن للنازحين وأماكن اللجوء، بقدر ما كان بغرض تحييد الطيران والغارات الجوية للمقاتلات السورية على المجموعات الإرهابية التي بدأت بالتمركز على الحدود السورية التركية، واستخدامها كنقاط تجمع، وتدريب، وانطلاق الى الداخل السوري، بالإضافة الى تهريب الأسلحة والتجارة الغير شرعية.

واليوم تعود تركيا الى موال ضرورة انشاء منطقة عازلة على الجانب السوري من الحدود، تلك التي لم تتمكن من انشاءها منذ بداية الازمة وذلك لعدة أسباب قانونية، وعسكرية، ومالية، بالإضافة الى عدم وجود أي التزام أو تعهد من جانب "المجتمع الدولي" للمشاركة في تحمل تكاليف انشاء هذه المنطقة والعمل على حمايتها وصيانتها. وتجادل تركيا بأن قيام مثل هذه المنطقة العازلة لن يؤدي فقط الى منع حركة مقاتلي الدولة الإسلامية عبر الحدود التركية، بل أنها ستوفر أيضا ملاذا آمنا للنازحين السوريين. ولقد كشف الرئيس أردوغان للصحفيين وهو في طريقه لزيارة دولة قطر مؤخرا، بأن الجيش التركي يدرس حاليا بعض النماذج الخاصة بإقامة المنطقة العازلة والامور التقنية المتعلقة بإقامتها من حيث المكان والعمق التي ستقام عليه داخل الأراضي السورية. وتقوم تركيا حاليا بمناقشة الفكرة مع عدد من الدول الغربية وخاصة الولايات المتحدة، وتسعى للحصول على شرعية دولية من خلال موافقة الأمم المتحدة على إقامة المنطقة العازلة داخل الأراضي السورية، وهو تعدي واضح وسافر للسيادة السورية. ومما لا شك فيه انه في حالة نجاح هذا المخطط ولا نظن ان ذلك ممكنا في المرحلة الحالية، فان تركيا ومن خلال حلف الناتو، ستسعى الى تطبيق منطقة حظر جوي بحجة حماية المنطقة العازلة، على أمل تكرار التجربة الليبية. وعلى الرغم من المعرفة المسبقة بان هذا درب من المستحيل فان تركيا بإعادة احياء فكرة المنطقة العازلة، ستظهر نفسها بانها تعمل ضد الدولة الإسلامية. وفي حقيقة الامر ان هذا الامر إذا وجد، أي إقامة المنطقة العازلة والحظر الجوي، فانه يقدم خدمة كبيرة للدولة الإسلامية وسائر المجموعات الإرهابية الوهابية العاملة على الأراضي السورية.

في النهاية نود ان نؤكد أن قضية "اختطاف" الرهائن الاتراك وعملية "إطلاق سراحهن" أو تحريرهم" ، وما تبعها من احداث متزامنة تشير الى أن الامر لا يعدو ان يكون أكثر من مسرحية مخطط لها من قبل المخابرات التركية والدولة الإسلامية، لتحقيق مآرب تدخل في صلب الاستراتيجية الإقليمية التركية، والتي ليست بالضرورة متناغمة تماما مع استراتيجية الولايات المتحدة، كما أنها تخدم مصالح الدولة الإسلامية ومن يقف وراءها ويحركها. وسنرى ما ستكشف الأيام القادمة لنا بهذا الخصوص.

الدكتور بهيج سكاكيني

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا