<%@ Language=JavaScript %> د. بهيج سكاكيني لسنا معنيون بإنقاذ الكيان الصهيوني ولا النظام الرسمي العربي من المأزق

   

لا

للأحتلال

لا

للخصخصة

لا

للفيدرالية

لا

للعولمة والتبعية

                                              

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين                                    

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                            

 

 

لسنا معنيون بإنقاذ الكيان الصهيوني

 

ولا النظام الرسمي العربي من المأزق

 

 

د. بهيج سكاكيني

 

 أدانت مؤخرا مفوضة الامم المتحدة السامية لحقوق الانسان نافي بيلاي الغارات الجوية الاسرائيلية وقصف المنازل والمستشفيات في القطاع الساحلي قالته "هذه مجرد أمثلة قليلة تظهر أن هناك امكانية كبيرة في أن القانون الدولي الانساني قد انتهك بطريقة يمكن أن تصل إلى جرائم الحرب"، وأضافت "يجب التحقيق في كل واحدة من تلك الحوادث بطريقة ملائمة ومستقلة. وعن الاستهداف المتعمد لجيش الكيان الصهيوني المدارس التابعة للأنروا في غزة الواحدة تلو الأخرى، والتي التجأ اليها ما يقرب من 200000 مواطن في غزة هربا من القصف الوحشي الإرهابي المستمر على الاحياء السكنية، أدان المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين 'الأونروا'، بيير كرينبول قائلا 'أدين، وبأشد العبارات الممكنة، هذا الانتهاك الخطير للقانون الدولي من قبل القوات الإسرائيلية'، مشيرا إلى أنه تم إخطار الجيش الإسرائيلي بموقع هذه المدرسة 17 مرة ( مدرسة بيت حانون). أما منظمة العفو الدولية فلقد ذكرت بان "إسرائيل ارتكبت جرائم بشعة ضد الإنسانية".

 

أن تأتي هذه التصريحات والادانات الواضحة من مسؤولين في الأمم المتحدة لهو دلالة واضحة على مدى الاجرام والإرهاب الذي ترتكبه قوات الاحتلال الصهيونية يوميا في غزة تجاه السكان العزل من نساء وأطفال خاصة باستهدافها المناطق السكنية وتجمعات الذين نزحوا من أماكنهم طلبا للمأوى والأمن، فأبى النازيون الصهاينة الا أن يلاحقوهم بالموت ويحولون أجسادهم الى أشلاء متناثرة علهم يشبعون بها ساديتهم التي فاقت حتى دواعش هذا العصر وحقدهم الدفين ، فها هي جموع مصاصي الدماء وتتار ومغول العصر وقاتلي الأطفال، يرقصون ويهللون في طقوسهم الهمجية في وسط تل أبيب ويصرخون بأعلى صوتهم "غزة مقبرة العرب" ، "لم يبقى أطفال في غزة" ،" غدا لن يوجد مدارس"، " نكره جميع العرب". لم نسمع أو نرى أن اعترضت الشرطة في تل ابيب لهذه المظاهرة. ولم نسمع او نقرأ ادانة لمثل هذه الصرخات البربرية لا من بعيد أو قريب. كل هذا يحدث فيما يسمى "بواحة الديمقراطية في الشرق الأوسط". ويستذكرني هنا مشادة كلامية مع أحد الفلسطينيين "الليبراليين"، قبل أعوام عدة لقوله ان "إسرائيل دولة ديمقراطية" في اليوم الذي ارتكب فيه مستوطن صهيوني مذبحة الحرم الابراهيمي، وكان ان تسلل الى المسجد والناس يصلون راكعين وفتح عليهم النار من رشاشه فقتل وبدم بارد العشرات منهم وهم ساجدين للصلاة، واتساءل يا هل ترى هل يرى ما نراه اليوم في غزة وماذا يقول عن هذا الكيان الصنيع الان؟ وما إذا كان لا يزال يؤمن بأن هذا الكيان الهمجي ديمقراطيا؟ في استطلاع للرأي قامت به احدى الجامعات في الكيان الصهيوني مؤخرا تبين أن 95% ممن شملهم الاستطلاع أنهم يؤيدون ما يقوم به الجيش الصهيوني في غزة. فأي مجتمع فاشي هذا؟ وهل من الممكن أن تقوم قائمة لأي عملية سلام مع هذا الكيان الإرهابي الذي يرى في قتل الأطفال والنساء الذي يشكلون ما بين 80-85% من الشهداء الذين كانوا الجزء الأكبر من بنك اهداف الجيش الصهيوني؟

أن الوحشية والسادية التي ميزت العدوان البربري الصهيوني على قطاع غزة، لا يمكن تسميته بالعنف كما يحلو للبعض تسميته، بل هي حرب إبادة جماعية ومجازر حرب ضد الإنسانية بكل المقاييس العالمية. لا شك أن الكيان الصهيوني قد فقد ما تبقى له من رصيد أخلاقي له على الساحة الدولية بين الشعوب، كما اتضح من المظاهرات العارمة في أغلب عواصم الدول الغربية في لندن وباريس ونيو يورك وواشنطن وبعض المدن الألمانية وأستراليا، بالإضافة الى بعض الدول الاسيوية مثل باكستان والهند وماليزيا وغيرها. وأبدت العديد من القيادات السياسية الأوروبية امتعاضها من استهداف المدنيين وتوبيخ الكيان الصهيوني وحثه على عدم التعرض للمدنيين. لقد فضح هذا العدوان الهمجي الكيان العنصري بشكل كبير وخاصة مع رؤية جثث الأطفال الممزقة والاشلاء المتناثرة نتيجة القصف الإرهابي المتعمد، الشيء الذي أخرج بعض الصحفيين الأجانب عن طورهم ربما لأول مرة حيث قام البعض منهم بنقل الصور المباشرة التي هزت الضمير الإنساني في كل مكان. ولقد فشل الاعلام الصهيوني بالرغم من حشد كل طاقاته وتكثيف الدعايات المغرضة والملفقة، فشل في عمليات التغطية على الاجرام والمجازر التي يرتكبها جيش الاحتلال، ومحاولاته البائسة لتصوير الكيان الغاصب كأنه الضحية، وأن ما قامت به إسرائيل انما قامت به للدفاع عن نفسها وأمن مواطنيها. لقد كانت الصور التي تنقل من قلب الميدان أقوى بكثير من ماكينة الاعلام المضلل والخطاب السياسي التبريري للإعلام الصهيوني والاعلام الغربي الداعم له.    

 

لقد خسر الكيان الصهيوني الحرب عسكريا وأخلاقيا وسياسيا كما خسر على المستوى الاقتصادي حيث تقدر خسائره وتكاليف العدوان بعد حاول 27 يوما بما يقارب 4 مليارات دولار. وبين هذا العدوان وبشكل لا لبس فيه مدى هشاشة هذا الكيان، العسكرية والأمنية والاستخباراتية والسياسية، وتحول من كيان متعجرف يسعى الى التمدد السرطاني والاستيلاء على الأراضي، وتبني سياسة توسعية الى كيان منغلق، يحارب للبقاء وتأمين جبهته الداخلية وأمن حدوده، وخاصة مع نجاح المقاومة الفلسطينية في نقل جزء من المعركة ولأول مرة في تأريخ الصراع العربي-الصهيوني الى داخل حدود هذا الكيان والنجاح في العمليات النوعية، مما سيؤسس بالضرورة الى عمليات أوسع وأكثر تطورا في أي حرب قادمة. ولقد بات هذا يؤرق مضاجع العدو كما يتضح من الهوس والفوبيا التي أصبحت تنتاب المستوطنين الصهاينة في الجزء الشمالي من فلسطين المحتلة، الذي بات بعضهم يشكو من سماع أصوات تحت الأرض في الليل والنهار، ويتساءل العديد من المحللين الان ما إذا كان حزب الله يقوم بحفر الانفاق لتحرير مناطق في الجليل. ولا شك أن الكيان الصهيوني قد خسر الدور الوظيفي الذي صنع وزرع من اجله في منطقتنا لخدمة المخططات الاستراتيجية للإمبريالية العالمية وعلى رأسها الولايات المتحدة. واليوم نرى هذا الكيان الصنيع وقد بنى جدار الفصل العنصري ونصب أنظمة القبب الحديدية ليحيا منعزلا عن محيطه، وينغلق في غيتو بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، ليؤكد انه لا ينتمي لهذه المنطقة ولا لهويتها أو ثقافتها أو تاريخها أو حضارتها التي تمتد الى تأريخ بدء الحضارات على وجه هذه الارض، وعلى انه جسم غريب سرطاني لا يمكنه الانسجام مع محيطه أو العيش معه بسلام.

لقد أدركت الإدارة الامريكية ودول الاتحاد الأوربي المأزق الذي تعيشه الحكومة الصهيونية والخطر الحقيقي الذي يهدد وجود الكيان الصهيوني، هذا الخطر الذي أشار اليه رجل السياسة الأمريكي المخضرم هنري كيسنجر مهندس السياسة الخارجية الامريكية عندما قال منذ فترة ليست بالبعيدة أن " لن تكون أو لن تتواجد إسرائيل بعد عشرة سنوات". من هنا نستطيع أن نتفهم الحراك الذي ابدته وتبديه الإدارة الامريكية ودول الاتحاد الأوروبي وخاصة فرنسا في محاولة لوقف إطلاق النار ضمن مبادرة تضمن أو تحقق للكيان الصهيوني ما لم يستطيع تحقيقه على أرض الميدان، وخاصة فيما يتعلق بسلاح المقاومة والانفاق والكلام وراء الكواليس يدور حول نزع سلاح المقاومة وجعل غزة منطقة منزرعة السلاح والانفاق، مقابل إعادة فتح المعابر من اجل ضمان حرية تنقل البضائع والأشخاص من قطاع غزة واليه، وتفعيل مهمة المراقبين الأوروبيين الى جانب الامن الرئاسي الفلسطيني، واستعداد الدول الاوروبية لافتتاح خط بحري يربط بين لارنكا وغزة لنقل المساعدات الإنسانية. ولهذا الغرض اكدت مصر على قدوم الوفد الفلسطيني بعد ان كانت قد اعتذرت عن استقباله لان إسرائيل رفضت التفاوض بعد اسر ضابط في الجيش الإسرائيلي، مع وصول وفد امريكي برئاسة نائب وزير الخارجية للشرق الأوسط بيرنز وكذلك وفد للاتحاد الأوروبي. هنالك محاولات حثيثة لحرف البوصلة، وتناول القضية وتصوير الحل كقضية اعمار غزة وتحسين الوضع الاقتصادي والمعيشي لسكانه على مدى السنوات القادمة مع إبقاء الاحتلال الصهيوني، الذي هو جوهر القضية وكل الافرازات التي شهدناها ونشهدها اليوم على كافة الأراضي الفلسطينية.

 

ولا بد ان نؤكد هنا ان المحاولات تجري ليس فقط لإنقاذ الكيان الصهيوني من مأزقه وورطته نتيجة العدوان على غزة، بل انها تأتي أيضا ضمن محاولة انقاذ النظام العربي الرسمي الذي بات يسعى لتحقيق "الهدنة" وبأي ثمن لإعادة احتواء الوضع الفلسطيني، خوفا من إمكانية تشكيله رافعة لتحركات شعبية واسعة في حالة استمرار العدوان على غزة ورؤية المجازر التي يرتكبها جيش الاحتلال يوميا. العديد من الأنظمة العربية الرسمية دعمت العدوان الصهيوني على غزة، ان لم تكن تآمرت بشكل فاعل مع الكيان الصهيوني. والبعض رأى فيها الفرصة الذهبية لتصفية حسابات مع فصيل فلسطيني لوقوع بعض قياداته السياسية في خطأ تاريخي بتغليب انتماءه لحركة الاخوان المسلمين على الوطن فلسطين. ومن هنا رأينا صمت القبور للجامعة العربية اللهم الا من بيان باهت يتيم بعد بدء العدوان لرفع العتب. هذه الجامعة التي فاقت من سباتها العميق، وفعلت من نشاطها الإقليمي والدولي المحموم ضد سوريا وكانت السباقة في الذهاب لمجلس الامن في محاولة لتفعيل البند السابع الذي يتيح ويشرع للناتو والولايات المتحدة شن عدوان عسكريا على سوريا، كما هو الحال على ليبيا وتمزيق الدولة الى كانتونات طائفية ومذهبية وعرقية. لم نرى الهزاز يسافر الى أمريكا او فرنسا لوقف العدوان على غزة، أو أن يدعو الى اجتماع طارئ للجامعة العربية أو عقد مؤتمر قمة عاجل لبحث العدوان على غزة. وما تصريح الملك عبدالله السعودي الان بعد أربعة أسابيع من العدوان الهمجي، والقول بأن إسرائيل ارتكبت جرائم ضد الإنسانية، انما يأتي لذر الرماد على العيون وتجميل الوجه القبيح للنظام الرسمي العربي، بعد التيقن من ان كل المؤامرة على المقاومة الفلسطينية والتنسيق مع حكومة الفاشي نتنياهو لم تنجح في كسر شوكة المقاومة وشعب غزة المقدام والمعطاء والحاضن للمقاومة. كما لم تنجح المساعي الحثيثة لقطر وتركيا على إيجاد الشرخ بين فصائل المقاومة الفلسطينية وعودة الاخوان المسلمين من البوابة الفلسطينية، وتآمر كلا الدولتين لا يقل خطورة عن التآمر الذي تقوده السعودية.

من الواضح أن الدول الغربية ستمثل الكيان الصهيوني وستقوم بدعم شروطه على الرغم من هزيمته، كما عودتنا عام 2006 في لبنان، وستجد من الأدوات كل الدعم بهذا الاتجاه. ولكن السؤال الذي سيبقى مطروحا بإلحاح ماذا سيكون عليه الدور المصري، هل ستتخذ الدور الذي من المفترض ان تقوم به في دعم شروط المقاومة الفلسطينية وتأخذ الفرصة للعودة الى دورها الإقليمي من البوابة الفلسطينية، أم ستبقى مصرة على مبادرتها البائسة، التي في مجملها تسعى الى محاولة فرض الاستسلام على الطرف الفلسطيني تحت العديد من المسميات والوقائع والذرائع التي يسوق لها، والخضوع للهيمنة الامريكية والسير بهذا المنحى المدمر لدورها الفاعل الذي يتطلع اليه الكثيرون؟ هل ستعي مصر أنها مستهدفة من الكيان الصهيوني، وحتى من الأطراف التي تدعمها في العلن ماديا، ولكنها كالدول الغربية لا تريد لمصر أن تتعافى لتأخذ دورها على الساحة الإقليمية والدولية؟ هذه الأسئلة وغيرها سنجد الإجابة عليها قريبا.

 ان المنطقة تعيش في مفصل تأريخي هام، وعليه سيترتب وسيتم رسم الخارطة السياسية المستقبلية للمنطقة، وكعادتها لعبت وتلعب القضية الفلسطينية دورا محوريا في هذا الإطار، وبصورة أكثر وضوحا الان من أي وقت مضى.

 

الدكتور بهيج سكاكيني

 

 

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا