<%@ Language=JavaScript %> د. بهيج سكاكيني   المنهل الفكري العنصري و "الاستثنائية" المشتركة للكيان الصهيوني والولايات المتحدة

   

لا

للأحتلال

لا

للخصخصة

لا

للفيدرالية

لا

للعولمة والتبعية

                                              

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين                                    

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                            

 

 

المنهل الفكري العنصري

 

 و "الاستثنائية" المشتركة للكيان الصهيوني والولايات المتحدة

 

 

د.  بهيج سكاكيني

 

مما لا شك فيه ان وجود الكيان الصهيوني بحد ذاته هو تحدى للعدالة الإنسانية ولكل القيم والأعراف الأخلاقية والحضارية. فهو ومنذ نشأته يثبت على ارض الواقع والممارسة اليومية، التي لا تقبل التأويل أو الشك على أنه وبكافة المقاييس، استعمار استيطاني، إحلالي وإقصائي، قام على الاستيلاء على الأرض وسرقتها، وطرد سكانها الأصليين بعمليات تطهير عرقي بكل امتياز، وهذه العمليات ما زالت مستمرة ليومنا هذا، دون أن يحاول الكيان الصهيوني حتى تغليفها للتمويه، فهو يطلق عمليات تطهير عرقي بعناوين تهويد الجليل وتهويد النقب (مشروع برافر)، تهويد القدس وأجزاء واسعة من الأراضي التي احتلها عام 1967، بمصادرة مزيد من أراضي فلسطين التاريخية وإقامة المستوطنات اليهودية السرطانية عليها والاستمرار في توسيعها.

في كل هذه السياسة العدوانية والهمجية والتوسعية لهذا الكيان الغاصب، كانت وما زالت الولايات المتحدة تقدم الدعم الاعمى الغير مشروط، واللامتناهي واللامحدود، الاقتصادي، والعسكري، والمعنوي، والسياسي، والاعلامي، مهما ارتكب هذا الكيان من اعمال إجرامية، وحتى إذا ما ارتقت لجرائم ضد الإنسانية، كما هي الحال الدائرة الان في غزة، ومهما تمادى بسياساته العدوانية. وهذا الدعم لا يعتمد على من يحكم في أمريكا أكانوا من الديمقراطيين ام الجمهوريين، فدعم هذا الكيان السرطاني، صنيع الدول الامبريالية، شكل وما زال يشكل ركيزة أساسية ومحورية في السياسة الخارجية منذ عقود طويلة، ويسعى كل رئيس جديد للولايات المتحدة التأكيد على هذه السياسة والارتباط العضوي والاستراتيجي بين الكيان الغاصب والولايات المتحدة، لا بل عادة ما يتبارى المرشحين للرئاسة أو لعضوية الكونغرس الأمريكي في تأييدهم لهذا الكيان المجرم.

ويتساءل البعض عن أسباب هذا الارتباط الروحي بين إسرائيل والولايات المتحدة الامريكية الذي يجعل من الولايات المتحدة كمؤسسات تشريعية، وتنفيذية، وثقافية، تقف بأغلبيتها مع الكيان الصهيوني، وتتبنى طروحاته ومواقفه دون نقاش أو تساؤل أو تردد؟ ليس هذا فحسب بل بالإضافة الى ذلك تقوم بتبرير كل سياساته العدوانية والعنصرية. نعم ان تأثير اللوبي الصهيوني كبير في الولايات المتحدة، ونعم هذا الكيان وجد لأداء دور وظيفي كحصن متقدم للدفاع عن مصالح الإمبريالبة العالمية. ولكن هذا في تقديري لا يكفي لفهم طبيعة العلاقة بينهما.  وربما هنالك عوامل أخرى تساعدنا في ذلك. وربما من أهم هذه العوامل يكمن في أن كلاهما ينهلان من نفس البئر الفكري العنصري سواء بالوعي أو باللاوعي.

 ألم تقم أمريكا على أنقاض التطهير العرقي لسكانها الاصليين من الهنود الحمر؟ ألم تقم الجيوش الامريكية آنذاك بقتل مئات الألوف من الهنود الحمر وارتكاب المجازر والابادة الجماعية لقرى هندية بأكملها، كما حدث على سبيل المثال في مجزرة ساند كريك في 29 نوفمبر عام 1864حيث قتل ما يقارب من 150 هنديا بدم بارد اغلبيتهم من النساء والأطفال وتم التشنيع بجثثهم. اليس هذا ما يفعله جيش الاحتلال الصهيوني في غزة الان، وما فعله سابقا؟  ألم تقم الجيوش الامريكية آنذاك بتجميع مئات الالاف من الهنود الحمر في "مراكز تجمع" بعد طردهم من أراضيهم، التي اجبروا على تركها قصرا وعدم السماح لهم بالعودة اليها. ألم تقم الحكومات الصهيونية المتعاقبة بالاستيلاء وسرقة الأراضي الفلسطينية وزرع المستوطنات اليهودية السرطانية وحصر الشعب الفلسطيني في كانتونات هنا وهناك؟ ما هو الفرق بين ما فعلته أمريكا مع الهنود الحمر، وبين ما تخططه حكومة الكيان الصهيوني لبدو النقب في مشروع برافر الذي يهدف الى طرد سكان أكثر من 40 قرية "غير معترف فيها" وتجميعهم في منطقة معينة والاستيلاء على ما يقرب من 700 الف دونم من أراضي النقب؟ أليست هذه "مراكز تجمع" شبيهة بتلك التي وضع فيها الهنود الحمر سكان أمريكا الأصليين؟  ليس هذا فحسب بل قامت الحكومات الامريكية المتعاقبة بمحو ثقافتهم بالإضافة الى كينونتهم، وقامت بإلغاء تأريخهم، ففي تدريس التأريخ الأمريكي لا يرد ذكر هذا الشعب الأصيل، وقامت هوليود بتشويه صورة الهنود بوصفهم متوحشين متعطشين للدم والحروب أو "ارهابيون" بالمعنى الحديث لأنهم ببساطة كانوا يدافعون عن أرضهم كما هو حال المقاومة الفلسطينية اليوم.  ولا شك أن هوليود وغيرها من الوسائل الإعلامية استطاعت خلق صورة في اللاوعي والوجدان الأمريكي، بأن العرق الأبيض جاء ليحضر هذه الامة المتوحشة التي تعشق القتل وينقلها الى العالم المتحضر. هذا الربط ربما يفسر أيضا على الأقل جزءا هاما من حقيقة تواجد أعداد كبيرة من المستوطنين اليهود القادمين من أمريكا وخاصة الجيل الشاب في المستوطنات اليهودية التي أقيمت وتقام على الأراضي الفلسطينية التي احتلت عام 1967، وهم من أكثر المستوطنين شراسة ويعتقدون انهم قادمون لأرض الميعاد كما اعتقد أجدادهم، المستوطنون المستعمرون البريطانيون الاوائل الذين استوطنوا الأراضي الامريكية.

وماذا عن الاستثنائية؟ الإدارة الامريكية لا تترك اية مناسبة للتأكيد على هوس ووهم ما يسمى "الاستثنائية" الامريكية. وببساطة فان هذه "الاستثنائية" مبنية على الاعتقاد بأن الولايات المتحدة أمة مباركة ربما من دون الأمم، وبالتالي لا يمكن أن تخضع أفعالها سواء في الحرب أو السلم الى تلك المقاييس والمعايير التي تطبق على بقية الأمم على سطح هذا الكوكب. وبهذا المعنى تصبح المجازر والمذابح للسكان الاصليين التي ارتكبها المستوطنون والمستعمرون الأوائل للأراضي الامريكية، ليست عمليات إبادة جماعية، بل تصبح ربما مهمة الهية ومقدسة. وهذا لا يندرج فقط على حرب الإبادة للهنود الحمر، بل على كل الحروب التي شنها ويشنها كل المنحدرين من سلالة المستعمرين الأوائل. ألم يهلوس الرئيس السابق بوش الابن بمثل هذا، عندما صرح بانه سمع صوت الله عز وجل يدعوه للترشح للمنصب لان لديه مهمة. المهم هذه الاستثنائية تضع الولايات المتحدة خارج القانون الدولي وعدم الخضوع له. لنعود الى الخطاب الذي القاه الرئيس أوباما في حفل التخرج لفوج من الضباط الامريكيين في الاكاديمية العسكرية في وست بوينت منذ فترة قريبة. قال مخاطبا الضباط " أنتم ستأخذون القيادة الامريكية عبر العالم". " ان الولايات المتحدة ستستخدم القوة العسكرية من جانب واحد أو بمفردها عند الضرورة، عندما تتطلب مصالحنا ذلك. الرأي العالمي او الدولي مهم، ولكن الولايات المتحدة لن تطلب اذنا بذلك...". أن عدم الاعتراف او الالتزام بالقوانين الدولية وعدم احترام حق واستقلالية الدول، يعني بأن الرئيس الأمريكي يعطي لنفسه ولأمريكا حق الهي بالتصرف أسوة بالعصور الوسطى. ويذهب ويقول في نفس الخطاب،" انني مؤمن بالاستثنائية الامريكية بكل عرق في بدني". طبعا هذا يعني ان الولايات المتحدة تستطيع أن تتصرف وتعتدي على أي بلد في العالم خارج إطار الشرعية الدولية والأمم المتحدة. ألم تحشد أساطيلها أمام الشواطئ السورية كمقدمة للعدوان عليها خارج إطار الأمم المتحدة والرأي العام العالمي؟ ألم تدمر ليبيا تحت خارج إطار ما سمح له تحت قرار مجلس الامن؟ ألم تعطي نفسها الحق في تدمير العراق وبناه التحتية وارجاعه الى القرون الوسطى وعملت على تقسيمه وأثارت النعرات الطائفية والعرقية؟ ألم تؤدي العقوبات التي فرضت على العراق الى موت ما يقارب من نصف مليون طفل عراقي تحت سن الخامسة وذلك بحسب تقير منظمة الأمم المتحدة اليونيسف؟ ألم تغزو وتدمر أفغانستان تحت يافطة "محاربة الارهاب" الذي أوجدته ورعته الولايات المتحدة؟ ألم تقتل الطائرات بدون طيار الأطفال والنساء في أفغانستان واليمن وترتكب المجازر بحق المدنيين؟ ليس مصادفة أن يكتب جون بيلجر قبل أيام عن عريفة الافغانية التي فقدت زوجها وستة أطفال ذهبوا ضحية قصف بصاروخ موجه من طائرة بدون طيار "بالخطأ". الا يوجد تشابه بين هذه الحادثة والمجزرة التي ارتكبها جيش الاحتلال الصهيوني في غزة بقتل أربعة أطفال كانوا يلعبون كرة القدم على شاطئ غزة، والتي تطايرت اشلاءهم في الهواء "بالخطأ" أيضا؟ والتي تناقلتها وسائل الاعلام لان الإعلاميين كانوا متواجدين بالقرب من مكان المجزرة ؟ لم يحاسب أحد على الجرائم التي ارتكبتها وترتكبها قوات الجيش الأمريكي في أي من الدول التي غزتها الولايات المتحدة زما زالت. ولان أمريكا وشعبها "استثنائي" فان الولايات المتحدة جعلت العديد من الدول التوقيع على الحصانة القانونية لجنودها العاملين في تلك البلدان لأي جريمة يرتكبونها على أراضي هذه الدول. وكما هو الحال مع الجيش الإسرائيلي الذي ارتكب ويرتكب المجازر وعمليات الإبادة الجماعية تحت توجيهات القيادة السياسية في إسرائيل الى جانب قصف المستشفيات، وطواقم سيارات الإسعاف، ومحطات توزيع المياه والصرف الصحي ومحطات الكهرباء، ويقصف المباني السكنية على رؤوس ساكنيها ويقتل الصحفيين بدم بارد. كل هذا لأنه يشترك مع راعي هذا الكيان" بالاستثنائية"، لكونه مجتمع استيطاني احلالي قام على القتل والابادة الجماعية وعمليات التطهير العرقي للسكان الاصليين وما زال، ولأنه يحمل مهمة توراتية الهية كاذبة، كما حملها المستعمرون الأوائل الذين استوطنوا القارة الامريكية، ولأنه يتصرف بمنطق القوة ضاربا بعرض الحائط كل الأعراف والقوانين الدولية والشرعية الدولية والمقاييس والمعايير التي تطبق على كافة الدول، ويأبى أن تطبق عليه هذه المعايير "للاستثنائية" التي يشترك بها مع الولايات المتحدة الراعية لإرهابه. والذي يبدو أنه بحسب الولايات المتحدة وغيرها من الدول الغربية أن الشعب الفلسطيني ليس له حق في الوجود، او الدفاع عن نفسه، فهذه الحقوق تبعا لهذه الجوقة المارقة هي للكيان الصهيوني وحده.

وأخيرا لا بد أن نؤكد ومن خلال الرؤيا التاريخية وتجارب الشعوب، أنه من المستحيل التصالح أو التعايش ما بين المستعمر (بكسر العين) والمستعمر (بفتح العين)، والمضطهد (بكسر الهاء) والمضطهد (بفتح الهاء)، وكما قال المفكر المشهور في فرانز فانون الفرنسي في كتابه الشهير " المعذبون في الأرض"، الذي تحدث فيه عن الثورة الجزائرية أنه من المستحيل أن يتعايش عالمي المستوطن المستعمر (بكسر العين) والمستعمر (بفتح العين)، وأن أحدهما يجب أن يدمر بكامل منظومته ونمط حياته. ولقد حاول الاستعمار الفرنسي تدمير منظومة المجتمع الجزائري، واستمر الصراع أكثر من مئة عام، وانتصر الشعب الجزائري، ودفع ثمن هذا الانتصار، فلا حرية والعيش بكرامة بدون ثمن. نقول هذا للأصوات الانهزامية والمتخاذلة التي هادنت، وتعودت على نمط التعايش والتصالح مع المحتل تحت يافطات وأوهام تحقيق السلام والاستقلال بالكلمة.

 

الدكتور بهيج سكاكيني

 

 

 

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا