<%@ Language=JavaScript %> د. علي الأسدي علاقاتنا الاستراتيجية ... مع الولايات المتحدة ...؟؟

   

لا

للأحتلال

لا

للخصخصة

لا

للفيدرالية

لا

للعولمة والتبعية

 

                                              

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين                                    

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                            

 

علاقاتنا الاستراتيجية ... مع الولايات المتحدة ...؟؟

 

 

د. علي الأسدي

 

كتب أستاذنا العزيز الدكتور عبد الخالق حسين مقالين متتابعين " خطاب مفتوح الى الدكتور حيدر العبادي " وتلاه بتاريخ 5\9 الجاري بعنوان " مناقشة حول العلاقة مع أمريكا " نشرا في بعض المواقع الصحفية. فقد تابعت مقالاته بانتظام وتابعت أيضا بعض التعليقات المشاكسة التي تسيئ لأصحابها وكان لي ردي المناسب على بعضها مؤنبا وليتهم يأخذوا درسا في الاخلاق من أدب ونزاهة استاذنا عبد الخالق حسين.

 

قبل أي شيئ أحيي صراحة الدكتور التي يندر وجودها في زمن تعرض فيه للبيع أخلاقا ومبادئ سياسية وصداقات وعلاقات قربى وجيرة وكثيرا لا يحصى من القيم التي أصبحت تجارة مبتذلة في بلاد الرافدين. ما دفعني للتعليق ليس استغرابي من دعوته لبناء علاقات استراتيجية مع الولايات المتحدة فهذا يصب في خدمة البلدين ، لكن هذا لا يعتمد علينا بل عليها أيضا بما يخدم سيادتنا ومصالح بلدينا وشعبينا في التقدم والرخاء والسلام. فرأيه هذا ليس جديدا اذ كان الدكتور يدفع بهذا الاتجاه منذ ظهر الحديث عن تحرير العراق في عام 2001 أو حول ذلك التاريخ حيث كنت اتابع كتاباته بانتظام. كنت أتمنى أن يكون رأي الدكتور عبد الخالق حينها صائبا لكنه للأسف أخطأ التقدير. وأتمنى هذه المرة أن يصيب وأن يتحقق ما يصبو اليه في الرسالة التي وجهها للرئيس المكلف حيدر العبادي ، لكن التمني شيئ وتجربتنا السابقة مع الولايات المتحدة والواقع المعاش في بلادنا بسببها شيئا آخر.

 

كنت أعتقد أن الدكتور قد غير رأيه بعد أن كان معي شاهدا على الفشل المستمر منذ عشر سنوات الذي رافق الحكومات العراقية المتعاقبة التي لم تغب أصابع الأمريكيين أبدا عن اختيار قادتها والاشراف على سياساتها وادارتها علنا تارة ومن وراء الستار تارة أخرى منذ عام  2003. وكنا خلال كل تلك الفترة نراقب " بصبر أيوب " الأداء السيئ والمنجزات الشحيحة لتلك الحكومات يحدونا الأمل مرغمين على ابداء التفاؤل ببناء اقتصادنا واستقرار بلادنا السياسي لصالح رخاء شعبنا لكننا كنا كمن ينتظر تحت شمس شهر أب اللهاب سقوط المطر. وكانت تساؤلات الناس في السنوات الأولى من الاحتلال توجه للسلطات الأمريكية مباشرة " وينهم لعد ، أشو كلشي ما شفنه ، طلع الحجي كل زمط ".  كانت  هذه ردود فعل الناس الطيبين في الشارع  بعد أن نفذ صبرها التي ربما سمعها الدكتور في الخارج ولم يعشها حقيقة ليشعر بعمق المعاناة التي كنا نعبرعنها. الناس الذين عاشوا عذابات الحياة بدون كهرباء ودون وقود للتدفئة والضوء والسيارات لتليها أزمة الماء الصالح للشرب والخدمات البلدية المهمة كرفع القمامة ومياه الصرف الصحي وغيرها كثير لم يكن لهم اي خيار. فالاحتجاج لم يعد أسلوبا ملائما لاشعار الحكومة والأمريكيين في وقت تتصاعد المعارضة ضدهما من قبل الارهاب المسلح تحت عنوان معارضة الاحتلال بينما كانت جثث ابناء الشعب تتطاير في كل الاتجاهات بفعل ما سمي معارضة الاحتلال اضافة الى  شعور داخلي كان يمنعنا من ذلك تحت تأثير الانتظار فغدا ربما افضل من اليوم وهكذا لحد اليوم.

 

كل هذا كان يجري بوجود الأمريكيين بكامل قواعدهم العسكرية وقواتهم المسلحة ولم تخلو دائرة من مستشاريهم وفنييهم ، والأهم من ذلك أن السلطة العراقية من رئيس جمهوريتنا الى رئيس وزرائنا خاضعون مباشرة لنفوذ الأمريكيين بما يعني ان لللأمريكيين كامل الصلاحيات لادارة الدولة بالاتجاه الصحيح ، فهل فعلت..؟؟  الاجابة : لا بالطبع. والدليل هذا الذي نراه أمام أعيننا.  فالبلاد بدأت بالعودة الى الخلف ولم تتقدم خطوة واحدة الى الأمام ومع ذلك كنا نطمأن بعضنا بأنها حالة متوقعة لكنها عابرة وان العام القادم سيشهد الاستقرار وتبدأ عملية التنمية الاقتصادية وسيقضى على البطالة وعندها تتحسن الحياة المعيشية ويبدأ الرخاء.

 

فلا أحد منع الولايات المتحدة من القيام بدورها للنهوص بالعراق منذ اليوم الأول من وجودها بدءا من عهد الحاكم غاردنر و في فترة مجلس الحكم ابان ولاية بريمر،  ولم تبدأ كذلك حتى بعد تعيين حكومة عراقية بقيادة اياد علاوي وبعده ابراهيم الجعفري. ففي هذه الفترة تكون قد انقضت ما يقارب الاربع سنوات دون أن تبدو في الأفق اي علامات تشير الى تقدم على الأرض يعطي لمحة ولو ضئيلة بأن العراق يخطو على طريق اليابان أو المانيا. واذا كان تفسير عدم قيامها بتلك المهمة يعود للنشاطات الارهابية التي منعتها عن ذلك في بغداد فان بقية العراق في الوسط والجنوب لم يشهد الا القليل من النشاط الارهابي ومع ذلك لم نشهد ثورة عمرانية أو زراعية كتلك التي اشار لها الدكتور في مقاله الأخير. فثورة زراعية في مجال الاعناب والتمر أسهل كثيرا في بلادنا من ثورة زراعية في قطر لأن المناطق قي بلادنا زراعية بالأصل حيث تتوفر مياه الري الطبيعية لا مياه الآبار الارتوازية أو مياه البحر المحسنة. لكن شيئا من هذا لم يحدث فلماذا ...؟؟

 

الناس اليوم عزيزي دكتور لم تعد تطمح لتحذو حذو اليابان بل انخفض سقف مطالبها الى القبول بالوضع الذي كانت عليه في عهد النظام السابق بكل مساوئه السياسية ، وهي اشارة الى خيبة أمالهم مما كان يجري في ظل حكومات هي نصبتها واشرفت على أدائها. فبغداد التي دخلوها في التاسع من نيسان 2003 كانت من أجمل وأنظف وأبهى مدن المنطقة بدأت منذ الاحتلال بالتحول الى معرض للخرائب والمياه الآسنة والمزابل ومجمعات مدن الصفيح. وعندها بدأت الناس تشعر بالندم على حسن الظن بالولايات المتحدة الذي عبروا عنه قبل الاحتلال وفي السنوات الاربعة الأولى المشئومة منه. لقد تحسنت حياة الناس نسبيا مقارنة بسنين الحصار فتلك فترة لايقاس عليها.

 

لأن زيادة دخول الناس لم تأتي من اقتصاد حقيقي صناعي وزراعي ،  بل من اقتصاد طفيلي يعتمد على المضاربة والمهن الهامشية وعلى زيادة الاستخدام في القطاع الحكومي المدني والعسكري والشرطة والأمن وهذه كلها خدمات لا انتاجية والعاملون فيها مستهلكون بغالبيتهم. وبهم ارتفعت نسبة البطالة المقنعة في مجمل القوى العاملة الى حدود لم يجد الموظفون المعينون في تلك القطاعات مكاتب تكفيهم وقاعات يمارسون اعمالهم منها وكانوا سببا في تصاعد التضخم النقدي مما ادى الى تآكل الدخل الحفيفي للمواطنين. دون ان ننسى الفساد المالي وانتشار الرشى في دوائر الدولة وهي ظاهرة تفشت اثناء فترة الحصار ابان النظام السابق وتضاعفت بدرجة غير متصورة اثناء الوجود الأمريكي .

 

ليس لنا أية تفاصيل عن العلاقات بين الحكومة والولايات المتحدة ومتى بالضبط عرضت للمناقشة مسألة بقاء قوات أمريكية ، لكن المعروف انها عرضت ذلك عند مناقشة الاتفاق الاستراتيجي بينها وبين الحكومة العراقية في نهاية ولاية الرئيس الأمريكي جورج بوش وكان واضحا حينها ان هناك اتفاقا قد تم على التزام الولايات المتحدة بحماية العراق من العدوان الخارجي عند حصول اي تهديد. وتنفيذا لوعد الرئيس أوباما الانتخابي باخراج القوات الامريكية من كل من افغانستان والعراق الذي بناء عليه انسحبت قواتها عدا تلك القوة التي بقيت لحماية الدبلوماسيين في سفارتهم في بغداد ويقدرون بالآلاف لا بالمئات.

 

وكان معروفا حينها ان الولايات المتحدة قد انسحبت تحت تأثير الراي العام الأمريكي الذي كان يطالب بانهاء الاحتلال تحاشيا لمزيد من الخسائر في الجنود والأموال التي كلفت الولايات المتحدة حوالي 5 آلاف قتيل. وكان السفير الامريكي كروكر قد انتقد قرار حكومته بالخروج من العراق ملمحا بأن للولايات المتحدة  مصالح كبرى كانت تستدعي البقاء في العراق حفاظا عليها وانها تعجلت بقرارها. وما ظهر في وسائل الاعلام حينها ان الولايات المتحدة أبدت عن رغبتها لابقاء قوات في العراق بشرط منحهم حصانة من المحاكمة في حالة ارتكابهم مخالفات قانونية عراقية لكن حكومة المالكي رفضت منح تلك الحصانة والا كانت ستكون للولايات المتحدة قوات وقاعدة عسكرية لولا شرط احترام السيادة العراقية الذي لم تكن الولايات المتحدة مستعدة لاحترامه.

 

وأشك أن لا يتفق الدكتور عبد الخالق مع موقف الحكومة العراقية في عدم منح القوات الامريكية الحصانة التي طلبوها وهو دليل على حرص وطني. في الآونة الأخيرة بدأت وسائل الاعلام الامريكية تحت ضغط الصقور من المحافظين الجدد بزعامة جون ماكين اثارة موضوع عدم وجود قوات وقاعدة عسكرية أمريكية في العراق وتوبيخ الرئيس الأمريكي على عدم اصراره على ابقاء ذلك الوجود محملين الرئيس العراقي نوري المالكي مسئولية ذلك. ولعل هذا ما جعل الرئيس أوباما يضغط باتجاه  اقصاء المالكي من منصبه بالحجج التي ساقوها أخيرا وهي مفتعلة تمهيدا لعقد اتفاق جديد مع الرئيس المكلف يسمح بعودة للوجود العسكري الامريكي يشبع رغبة اليمين الأمريكي ويوقف الى حدود ما لهجة التأنيب التي يمارسونها ضده في مناسبة وأخرى  وبعد كل حدث سياسي داخلي أو خارجي.

 

الآمال التي يعلقها الدكتور عبد الخالق على اتفاق استراتيجي مع الولايات المتحدة يجيز لها الاحتفاظ بوجود عسكري بالعراق ينقله الى مصافي الدول المتقدمة ويضمن به حماية أمنه من ارهاب داعش وما شابهها يجافي واقع التجربة الفعلية التي نحن شهود عليها. فالاتفاق الاستراتيجي بين بلدينا كان نافذا ، لكن الولايات المتحدة لم تلتزم به وتجاهلت بكل صلف طلب حكومة المالكي بتقديم مساعدة عسكرية جوية وفق بنوده لايقاف وحوش داعش عن تهديد أبناء شعبنا في المناطق التي احتلتها والتي ذهب ضحيتها الآلاف في الأيام الأولى لاقتحامها مدننا الآمنة.

 

 إن حماية سيادة العراق وازدهاره الاقتصادي ورخاء شعبه ممكنة فقط اذا اتفق العراقيون على أن يتفقوا والا فلن تنفعهم بوارج الولايات المتحدة وحلفائها. ولهذا يتطلب منا مناقشة كافة موضوعات الخلافات التي تفرق حاليا بيننا بكل صراحة ووضوح وبدون حرج أو تردد بحضور ممثلي الشيعة والسنة والمسيحيين والأيزيديين والصابئة المندائيين والشبك والكرد والتركمان بسنتهم وشيعتهم دون استثناء لأي مكون مهما كان اتجاهه السياسي من أقصى اليسار الى أقصى اليمين. وأن يأخذ المشاركون في المناقشات عهدا بأن لا ينهوا اجتماعاتهم قبل اتفاق نهائي على كل شيئ مختلف عليه حتى ولو استمرت الاجتماعات عاما أو أكثر. وليعرف المجتمعون مقدما أنهم وحدهم بدون وسطاء وبدون اتفاقهم على مصير بلادهم هو نهاية العراق أرضا وشعبا وتراثا وممتلكات ومقدسات وذكريات واذا كانوا يحبون العراق حقا فلن يحبه أحدا مثلهم أو أكثر منهم أو أفضل منهم. وليأخذو بالمثل الشعبي العراقي " ما يحك جلدك  أحسن من إيدك ."

 

الولايات المتحدة لم تعِد بناء اليابان نيابة عن شعبها بعد الحرب ، ولم تعِد الولايات المتحدة بناء ألمانيا نيابة عن الألمان أنفسهم ، ولم تبنِ الولايات المتحدة بقية أوربا نيابة عن شعوبها. البناء واعادة بناء ما خربه المحتلون نتحملها نحن ، وبلادنا التي خربها المحتلون سنعيدها أجمل وأجمل مما كانت بتعاوننا المشترك. وقد فعل شعبنا ذلك بعدما خربوه بصواريخهم في حرب 1990 بفترة قياسية ما يعني أننا قادرون على تعويض ما خسرناه في الزمن الضائع.

 

رجائي الأخوي للصديق الطيب الدكتور عبد الخالق حسين أن يوجه جهوده وخطابه الى قوى شعبنا للتوحد وحل مشاكلهم التافهة التي لا معنى لها التي أضحكت شعوب العالم من نزاعاتنا غير المجدية وغير المثمرة وغير الجدية حولها. وأن ينفض يديه كليا من العون الأمريكي ومن الأمريكيين الذين ليس لهم صاحب ولا صديق. تذكر ماذا فعلوا بصدام وحزبه وهم الذين دعموه وثبتوه في الحكم لأكثر من ثلاثة عقود من السنين. وهل نسيت حسني مبارك والقذافي وشاه ايران ورئيس الفلبين وغيرهم وغيرهم ، الم تقل في مقالاتك أن السياسة مصالح وأنه ليست هناك صداقات دائمة بل مصالح دائمة. وها هو بوتين أنظر كيف يحاصروه لحد كسر عظامه وهو الذي لسنتين قبل هذا كان صديقهم الصدوق لا يخالفهم على شيئ ولم يعد يهمهم كونه رئيس دولة نووية وحليفهم في الحرب النازية التي لولا السوفييت لكان العالم غير الذي نعيش فيه اليوم ، لكن الأمريكيين تناسوا ذلك.

 

أشكر استاذي عبد الخالق على سعة صدره آملا أن لا أكون قد أثقلت عليه بوجهات نظر لم يألفها ربما من صديق بعيد اغتنم فرصة وجود الكهرباء ليستكمل مقاله الذي استغرق أياما بلغت درجة الحرارة فيها 42 درجة مئوية. الف تحية له متمنيا له دوام الصحة والعطاء لخدمة بلادنا العزيزة.

 

علي الأسدي 7\9\2014

 

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا