<%@ Language=JavaScript %> أحمد الناصري شهداء أم ضحايا؟!

   

لا

للأحتلال

لا

للخصخصة

لا

للفيدرالية

لا

للعولمة والتبعية

 

                                              

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين                    

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                            

 

 

شهداء أم ضحايا؟!

 

 

أحمد الناصري

 

أعرف إن الموضوع حساس ومؤلم في نفس الوقت، يثير الكثير من الأسى الأسئلة، ويفتح الكثير من الجروح والملفات الغامضة والشائكة والمتروكة. لذلك سوف أناقشه بهدوء وموضوعية ومسؤولية عالية وكبيرة، تنفيذاً لوصية الشهداء، في أن نتذكرهم ولا ننساهم ونحفظ أحلامهم وذكراهم وآمالهم وكلماتهم الأخيرة ووصاياهم، كي نرى من خلال كل ذلك الحقيقة المتعلقة بالحياة والموت، ومصير رفاقنا، وظروف وأساليب جرائم القتل الفردي والجماعي الذي تعرض لها شعبنا ورفاقنا على يد الفاشية الغاشمة، وفي الحروب الداخلية والخارجية، القومية والطائفية، التي ما زالت مشتعلة ومتنقلة، وكلها حروب رجعية عبثية، ضد الوطن والناس، ضد الحياة وقودها الأبرياء...

الكتابة هنا تمجد بطولة ونهاية الشهداء ومواقفهم، لكنها تبحث في تفاصيل أخرى عن ظروف استشهادهم وتصفيتهم...

 قضية الشهداء قضية إنسانية كبيرة، تستقر في عمق عقول وضمائر وأرواح البشر والمجتمعات، وتشغل عائلات ورفاق وأصدقاء ومعارف الشهداء، كما تشغل الرأي العام الوطني والمجتمع والناس، من النواحي السياسية والاجتماعية والمعنوية والعاطفية والقانونية، وفيها دروس ومعاني كبيرة وجميلة، رغم طبيعة المأساة والخسارة الفادحة، بسبب عدد الشهداء الكبير، ومحاولة معرفة الجهات التي قتلتهم وصفتهم، وأساليب القتل والتصفية، ومعرفة أماكن دفنهم وإخفائهم. لقد مرت سنوات طويلة، ووقت طويل نسبياً، كأنه دهر، دون حل هذه المشكلة المحزنة والثقيلة، بينما تنتظر الأمهات والآباء والحبيبات عودة الغائبين من المجهول.

أنها هي ملفات ضخمة، تحتاج إلى جهد ومتابعة استثنائية دائمة. وقد تابعت الموضوع بشكل دائم وكتبت عن أغلب أصدقائي الشهداء، بجهد فردي يعتمد على الذاكرة والمعلومات المتناثرة عن الشهداء الذين أعرفهم (حتى نبهني صديق بأنني سأتحول إلى كاتب مراثي ولم أكترث لهذه النصيحة واعتبرتها غير دقيقة رغم معرفتي بقصده الإيجابي) وقد دعوت للتوثيق والكتابة المنظمة عن الشهداء، وعن كل تفاصيل حياتهم ومناقبهم ومواقفهم وغيابهم المفجع.

أننا نمتلك تاريخ طويل وقوافل من الشهداء، مقابل قليل من الذاكرة والتسجيل والتوثيق، والتعويض عنها بذاكرة شفوية مشتتة ومبسطة، بل انتقائية أحياناً، بينما المطلوب الكتابة عنهم ولهم وللناس وللتاريخ والأجيال القادمة، كي تعرف حقيقة ما جرى لهم كما هو، وليس من خلال النقل المتقطع والمتباعد! فكم كتاب مثلاً صدر عن التاريخ والتجارب والشهداء؟ أنها شحيحة إلى درجة مخيفة ومعيبة، وهي تكشف عدم الاهتمام بهذه القضايا، بل التهرب منها.

من البداية أوضح بأنني لست ضد الاحتفال بالشهداء وتذكرهم وتكريمهم وتسجيل مآثرهم وتضحياتهم، وقد قمت بهذا الواجب نحو الشهداء الذين أعرفهم وأعرف ظروف استشهادهم، لكنني ضد (المناسباتية) والانتقائية في هذا الموضوع الإنساني والاجتماعي والأخلاقي والسياسي الكبير، وضد غياب تقاليد إنسانية عميقة للاحتفال بهم وتذكرهم وتمجيدهم، وتسجيل أدق التفاصيل عنهم، وكيفية استشهادهم في المعتقلات والمعارك السياسية والعسكرية، وعدم نسيان أو تناسي أحد منهم، وأن لا يخضعوا للمساومات والصفقات والتحولات السياسية المتقلبة. عندها تصبح قضية الشهداء مبدأية وحقيقية، وليست موضوعاً للإعلام السياسي والحزبي الضيق والموسمي، تستخدم حسب الحاجة للدعاية العابرة والضيقة!

الموقف من الإنسان ووجوده والشهادة والصراع، قضية استثنائية من قضايا الحياة، يفرضها طرف ما أو موقف خطأ على الناس، كي يصادر حقوقهم ومصالحهم ويقرر وجودهم  الطبيعي وحياتهم بطريقة معينة، وهذه مشكلة كبيرة وقديمة، جرى حولها الخلاف والصراع لتحديد شكل وطبيعة أسلوب العيش.

 فالإنسان بن هذه الحياة العاقلة وعنصرها الواعي، الطبيعي والفاعل والأساسي، الذي يجسد وجودها على الأرض، من خلال علاقته مع الأشياء والموجودات الأخرى.

الإنسان، هنا وبذلك، يكون قد احتل الحجر الأساس في الوجود ومركزه، وفق كل الأسس الإنسانية الأولية، حتى تكونت السلطة، كقوة قمعية، فوقية وخارجية، تمثل مجموعة صغيرة (منفصلة وفي أحيان كثيرة معادية) من الناس، تقف ضد غالبيتهم، وضد الإنسان الفرد في حريته وتكوينه ومتطلباته ووجوده الطبيعي، الذي يتعارض مع سلطة أو مجموعة ضيقة من التنظيمات التي تمتلك وتسرق وتستولي على شروط القوة، وتقرر شكل وموقع الوجود الاجتماعي للفئات الأخرى. وقد أنقسم كل شيء حول هذه المواقع، من حيث الوعي والعادات والسلوك وصولاً إلى المصير والوجود، على عكس الوجود الطبيعي للإنسان وبقاءه في أرض هي أرضه ووجود هو وجوده. فكيف تصل الأمور إلى مسألة المصير والوجود نفسه، حيث تتجاوز تلك السلطة على حق الوجود الطبيعي، بالقتل الفردي أو الجماعي، بواسطة الحروب والقمع والتعذيب أو الكوارث والمجاعات بقصد الابادة الجماعية؟

 

للأسف، لدينا شهداء وضحايا كثر خسرناهم في معارك خاسرة بسبب القصور الفكري والسياسي الفادح، ونقص الخبرة، والقصور في تقدير الوضع والخطر القادم من قبل أفراد وقيادات متخلفة عن تقدير الأحداث وقراءة ما قد يحصل في تلك الصراعات والمواجهات السياسية والعسكرية، كما حصل في مذابح 63 وبين أعوام 69-71 والحملة الإرهابية عام 87 وفي تجربة الجبل وضحاياها ومحصلتها أمام أعداد الشهداء وفي مقدمتها مجزرة بشتآشان المنسية والمسكوت عنها والأعداد التي سقطت في محاولة إعادة التنظيم الفاشلة والمخترقة من قبل النظام أبان الثمانينيات ومطلع التسعينيات! النتيجة، هناك مئات الشهداء لم تذكر أسمائهم ولا مرة أو ذكروا بشكل عابر...

حصلت معارك مواجهات ومجازر سياسية وعسكرية، لم نقدر فيها قوة العدو وأساليبه ولا طرق مواجهته الناجحة، لذلك كانت الخسائر باهظة وغير مبررة، ومنها محاولة إعادة بناء تنظيم الداخل، العشوائية والمخترقة من قبل النظام، والتي كانت نتائجها لا تساوي ولا تقترب من الخسائر والتضحيات الباردة والسهلة في (مذبحة تنظيم الداخل)... هناك من يتهرب من فتح هذه الملفات، كي لا تتحدد دوره ومسؤوليته وأخطاءه، ويراهن على الوقت والنسيان والتهرب من قول الحقيقة، في ظل فوضى عامة عارمة، وغياب التقاليد الإنسانية والثورية، وتراخي رفاق وأصدقاء الشهداء في موقفهم!

تسجيل وتوثيق قصص ودروس الشهداء قضية إنسانية وأخلاقية وقانونية، كي لا يتحولوا إلى مجرد ضحايا باردة يلفها النسيان وتطويها صفحات جديدة لضحايا جدد!

 

 

08.11.2014

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا