<%@ Language=JavaScript %> سليم نقولا محسن الأم كاترين، والمتغيرات الدموية في الشرق الأوسط

   

لا

للأحتلال

لا

للخصخصة

لا

للفيدرالية

لا

للعولمة والتبعية

                                              

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين                                    

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                            

 

 

* الأم كاترين، والمتغيرات الدموية في الشرق الأوسط..

 

 

سليم نقولا محسن 

 

قد تختلف الطروحات الاستراتيجية الدولية من حقبة إلى أخرى، وتبعا الأساليب والأدوات المتبعة في تنفيذها، كما تختلف تبعا لها المقولات والتقولات السياسية التي تتناولها، وبما أن أكثر المتحدثين عنها أصحاب اختصاص لهم وجهة نظر يجهدون لإيصالها إلى عامة الناس، ويرتبطون في شبكات الترويج الدعائية، لا يشيرون إلى الحقيقة الصرفة عن حقيقة هذه الأمور وأصولها، ويتركون العماء سائد، إلا أن ما هو ثابت، هو الوضع الجيوسياسي الحيوي والهام للمنطقة المعنية العربية بالنسبة لأطراف الصراع، الذي لا تغيير فيه،  تلك التي تدور على أرضها وبين شعبها الأحداث المتعاقبة، التي غالبا ما تكون تدميرية ودموية..؟

منذ القدم، منذ فتوحات العرب وغزو الفرنجة في القرن الحادي عشر  إلى المغول..

فالمنطقة السورية الشامية بامتداداتها حتى بر مصر ، ما كانت لتنتزعهما السلطة العثمانية وريثة بيزنطة  بقيادة السلطان سليم من المماليك والنفوذ الصفوي أوائل القرن السادس عشر/1516م/ ثم مصر/1517/ وتضمهما إليها دون مبرر وحبا بالفتح والتوسع وهي التي تمتلك العديد من الممالك، لولا وضعهما الجيوسياسي الهام والخطير على الصعيدين الاقتصادي والاستراتيجي والعسكري في المنطقة الشرقية والجنوبية من المتوسط، كممرات عبور لما كان بعرف بطرق الحرير، وفك تحالف المماليك مع الصفويين الإقتصادي والعسكري في الشرق اللذين كانا يؤرقان مجتمعان سلامة السلطنة العثمانية، وينهشان في جسم دولتها، التي كانت تتطلع إلى الاستقرار والثراء،  

لذا قد يبدو قصرا في النظر إضافة إلى قدر من الغباء من أولئك الذين يدعون الخبرة السياسية، أو أنهم يتقصدون أن يظهروا إلى العلن ما لا يضمرونه من ارتباطات خيانية، وأيضا من أولئك الذين قد أصيبوا بذهنية استئصالية وبائية،  والمتمثلة في ذلك الإصرار المحيّر الذي يصدر عنهم، في سوق التكهنات العصبوية الفتنوية الخبيثة رغم المغالطات الفاضحة التي يتقولونها كحقائق مطلقة، تلك التي تفتقر إلى المنطق والعقل وإمكانية ديمومة الاجتماع السكاني المتنوع على الأرض الواحدة، على اعتبار أن المسألة السورية الشامية الظرفية بما فيها العراقية تختلف، وتتعلق بالحرية والديمقراطيات كشأن إنساني يستدعي تدخل الدول الديمقراطية..؟(المعارضات السورية والعربية المسوقة من الغرب علمانية أو ذات وجوه دينية)، علما أن أي ديمقراطية عددية لا تحقق العدل الوطني بين التنوع السكاني، ولا تسمح في حرية الفكر والكلام والعقائد وتقر حق ممارساتها، تعتبر باطلة وليست من الديمقراطية في شيء، كما أن المسألة العربية وخاصة السورية العراقية في محليتهما حسب عرفهم المغلوط ، هما مخالفتان لسياق الاهتمام العالمي السياسي التاريخي  بهما، وأن ما يحدث مسألة داخلية صرفة أو هي صراع بين الأطياف السورية أو العراقية، التي ليس من مصلحتها الصراع ..؟

ولا يمكن النظر إلى استفحال هذه الهجمة الداعشية في الآونة الأخيرة على المنطقة، دون ما سبقها من تحضيرات فوضوية تخريبية تجهيلية طيلة سنين خلطت الأمور وخلخلت بنى الدول، وأنتجت دواعش بأسماء مختلفة في سوريا والعراق وغيرها من دول المنطقة ومنها القاعدة قبل التحولات  اللاحقة التي صبت بقاياها في الداعشية الوبائية، ولا يمكن وضعها خارج سياق هذه التحضيرات، كما كان لا يمكن لها أن تنجز أعمالها، وأن يكون لتشكيلاتها المقاتلة هذه المقدرة في الاستيلاء على مساحات من أراضي الدول المعنية، لو لم يكن لها البيئة الحاضنة المصنعة بحرفية عملانية وإتقان، لتغييب العقل.. واستبداله بالعقل الغرائزي الخاضع تلقائيا في فعله لمنعكس شرطي وشرطيته هذه تلك الغنائمية الدموية التي تستهدف كل من يخالفه الرأي والمسلك؟

فعلى سبيل المثال، لقد غادر طلاب المدارس صفوف مدارسهم المجانية في ريف دمشق والعديد من الأرياف في المحافظات بتحريض من أهاليهم منذ سنوات على بدء الأزمة السورية الأخيرة على اعتبار أنها مدارس تعلم الكفر، كما ساد هذا أجزاء من العراق عقب الغزو الأمريكي الأول وأيام الحصار، واحتلال العراق الأمريكي في نيسان/2003/ ، ارتمى عقبها الشباب الذين أنتجتهم تلك الفترة في حضن البطالة والمجون والبطولات الوهمية من خلال ركوب الدراجات النارية والبهلوانات، والتمرد والإحباط، والتلذذ في الإضرار في مرافق الدولة ومؤسساتها وفهلوية الخروج عن القانون والإفلات من العقاب، ومَن توظف منهم في مؤسسات الدولة استخدم وظيفته لنهب المال العام كغنيمة من الدولة الكافرة، والتخريب والإضرار بالشرفاء من الشعب، وأصبح القوادون وأصحاب دور القمار السرية والمهربين من كبار الوجوه الاجتماعية في المجتمع، ولهم اليد الطولي فيه وفي الدولة، ولا يستثنى في ممارسة هذا السلوك طائفة معينة أو إثنية أو مَن قد حُسبوا كمتعلمين أو رجال الدين.. فليس من مفهوم لدولة العدل لديهم، فلقد ساد الجشع، والاعتداء على الحقوق، وعم النهب..؟

لكن هذه الحالة الوبائية كما تبدو هي طارئة واستمرارها كما ترسم مؤشراتها ضرب في الفراغ، فهي تتصادم مع الوقائع الحياتية الطبيعية وتطوراتها التلقائية في النمو والإنماء، تلك التي تنتج مجتمعات قوامها العدل وتشريعاته وأعرافه والاستقرار والتراكم المعرفي والتقليد الاجتماعي والتخطيط العلمي لبقاء سيرورة الحياة، فمثل هذه الحالات الداعية إلى القتل والنار والهدم واليباس،  لا يمكن أن تنتج ذاتها في أوساط بيئية غير التي أنتجتها، ولا تستطيع تغيير المناخات، وإن تم تخريب بعضا من النمطيات الحياتية في بعض المناطق الحضرية المستقرة لتجعلها بعد حرقها ملائمة لإنتاج عناصر كذاتها الوحشية، فإنها لن تقوى على الاستمرار في معاكسة الحياة وفي مقاومة عناصر الوجود، إلى ما لانهاية، لأنها شذوذ..؟ فلا وجود عنوانه الإنسان، يعيش في أجواء تخريب وجوده، كما أنها لا يمكن تصنيع بيئاتها والأحوال القحطية الملائمة لها في أي مكان قابل لتواجد إنسان عاقل ينمو ويثمر إنسانا،  أو نقل بيئاتها وأمكنتها الظرفية لتعتاش كالفطر السام إلى مكان آخر بأي حال ..؟ فإن فترات جنون المجتمعات لنحر ذاتها بأوامر إلهية، نادرة وضئيلة.. لذا فهي عقيمة وآيلة إلى الزوال..؟

وتأسيسا على ما سيق لا يمكن استثناء هذه الهجمة التكفيرية من كونها أيضا جزء من المخطط الدولي الذي يقوده الغرب الأوروبي الأمريكي بدراية وحنكة منذ ما قبل الحرب العالمية الأولى/1914/ لديمومة استحواذه على المنطقة وثرواتها، والذي ظهر مؤخرا بثوب الشرق الأوسط الجديد..؟  كما نلحظ أن الإرهاب هذا قد عاد إلى التدحرج في إطار ذات المنطقة المستهدفة، التي كانت في ما مضى تابعة للدولة العثمانية،

 فعقب الاستيقاظ الروسي في بداية القرن الثامن عشر وشروع بطرس الأكبر في تحديث الدولة، ومن ثم ما أعقب ذلك من انجازات القيصرة كاترين الثانية العظيمة، التي كانت تولي الأهمية لدمشق وتعتبرها مفتاح العالم، تخوف الغرب الأوروبي من هذا النهوض، فشرع في الالتفاف عليه ومحاصرته من جنوبه العثماني، فعزز من عيونه الاستخبارية وبعثاته لإقامة مراكز له في أراض ومدن السلطنة لخدمة مصالحه التجارية وأغراضه الاستعمارية وما تتطلبه هذه من خدمات في جانب كبير منها خدمات عسكرية لأساطيله وجيوشه، وبالتالي إلى توسيع وتفعيل نفوذه عبر إنشاء فئات ضغط سياسية وعسكرية على اتصال به وتأتمر بأوامره،  لمحاصرة الدولة العثمانية إن دعت الحاجة في إملاء شروط عليها.. أو في تعطيل وإبطال مفعول نشاطات روسيا القيصرية على أراضي السلطنة التي اعتبرت نفسها وريثة القسطنطينية وكرسيها الديني .. وهذا ما حدث ومنها إنشاء الحركة الإسلامية الوهابية التكفيرية في الدرعية في منتصف القرن الثامن عشر..؟

فالدولة العثمانية قد تم تفريغ نمط حكمها السلطاني العادل من محتواه، بعد أن اسْتئصِلت منها الجماعات المؤسسة للدولة: شيوخ الكار والانكشارية والطوائف الخ.. في بداية القرن /19/، ذلك بعد أن غزتها وتفشت في أرجائها الحركات التنويرية ذات الميول الغربية والأصول الماسونية، منذ أوائل القرن ، فلقد ظهر رجال التنظيمات عام / 1839/ يطالبون بالإصلاح، ووضعوا دستورا جديدا للبلاد على الأنماط الدستورية الغربية، لم يؤدي إلى ما هو مأمول منه، ولاقى الكثير من الاحتجاجات، التي مهدت لإعلان تشكيل جمعية الاتحاد والترقي فيها عام /1865/ من قبل أطباء ماسونيين من أبناء السلطنة غالبيتهم من الطائفة اليهودية، قادوا وبدائلهم الدولة العثمانية منذ ذلك التاريخ، ولعل هؤلاء كانوا  في ما يبيتونه: تنفيذ مخططاتهم في تفجير الدولة السلطانية وتفتيتها للحصول مستقبليا على وطن قومي لليهود في فلسطين،  وقد ساقت هذه الحركات المخترقة غربيا الدولة العثمانية من خلال نفوذها وتغلغلها في جسم دولة السلطنة إلى مسارات النظريات السياسية الغربية الحديثة المبهرة ومنها القومية، واعتبرت أن إنقاذ تركيا ونهوضها من تخلفها وترديها يكمن في تبنيها،

 وهكذا أبعد السلطان عن سلطته والبلاد عن مفهوم حكمه، بحجة الدستورية والعلمانية والحرية والديمقراطية التي كانت أسوء، وتسلمت هذه حكم البلاد.. وهكذا انزلقت الدولة إلى تسارع انهيارها، فتسلل النفوذ الغربي وتفشت ظاهرته وتكرست، وفرض شروطه وأملى مصالحه على حساب تخريب السلطنة في كافة النواحي، الاقتصادية والاجتماعية وتدمير هيكليتها السكانية القائمة على تنوع والتعدد الثقافي المتداخل مقدمة لتفكيكها، فعبر حجة الدولة القومية ذات الثقافة الواحدة، من أجل التقدم والحداثة: انشغلت دولة السلطنة منذ ذلك التاريخ في ذبح أبنائها وإبعاد وتهجير كفاءاتها، فلقد تم التقييد على الأكراد وتهجيرهم ومحاولة إبادتهم، كما فعلوا ذلك باليونانيين والأرمن، كما جرت بوحشية همجية ولأسباب متنوعة مختلقة إبادة ما يقارب السبعة ملايين مسيحي في أنحاء السلطنة من مواطنيها من أصل /23/ مليونا مجموع سكانها، وتدمير معالمهم وآثارهم كأبناء للقيصرة كاترين في أعمال لم يزل يفخر بها مَن يحكم تركيا الحالية من سلالات هذه الجمعيات..؟ دون أن تشير الهيئات الإنسانية الدولية إليهم، لإعادة الحقوق المشروعة والممتلكات إلى أحفادهم، أو  يذكر أحدا عنهم شيئا ..؟

 إذن فالدولة العثمانية كانت مجرد صورة زالت ملامحها، عقب الحرب الأولى /1914-1919/ وجرى إعلان تفكيكها وتقسيمها من قبل اللاعبين الكبار، الذين كانوا متفردين على الساحة العالمية آنذاك إلى دول عدة ملحقة، إلا أن أرضها وموقعها بقيا تحت النفوذ ذاته للغرب وارتقاءاته وحاجاته التوسعية، إن لم تتفاقم وطأته على شعبها منذ ذلك التاريخ..  كما أن شعب المنطقة في المقابل لم يزل هو ذاته في تنوعه الإثني والطائفي والعشائري وفي طبيعته الحياتية المجتهدة وفي سلوكه وعاداته وتعايشه مع من يجاوره على الأرض الواحدة..؟

وقد يُستغرَب أن لا يلحظ بعض ممن يدعون التنور المتحمسين للمشروع الغربي الإستيلائي رغم فضائحيته المفجعة وتكرار أسلوبه المأساوي المكروه، الرابط بين ما جرى قديما وما يحدث الآن من صراع: ساحته ذات البقعة الجغرافية كنتائج مباشرة لتداعيات الوضع الدولي الروسي - الأوروبي الأمريكي في أوكرانيا والقرم والامتداد إلى الجنوب، بين رغبة روسيا الحديثة بقيادة الرئيس بوتين وحلفائها لاستعادة مناطقهم الحيوية وحمايتها والحفاظ على كتلهم السكانية المتعاطفة في المنطقة، مقابل المصالح الغربية الأمريكية وحاجاتها الملحة للاستحواذ على كامل جغرافية المنطقة، وإن كان هذا في تخريبها..؟

 فعقب انتصار القيصرة كاترين الثانية الروسية على الدولة العثمانية، وتحطيم الأسطول العثماني أواخر القرن الثامن عشر، جرى توقيع معاهدة كانجاري عام /1774/ التي بموجبها ضمت روسيا القرم المشرفة على الشواطئ الشمالية للبحر الأسود وأطلقت حرية الأسطول الروسي في الموانئ العثمانية، كما استحصلت على حق رعاية المسيحيين.. في الأراضي العثمانية، بما يعني هذا توسع نفوذها عبرهم وامتداده إلى سوريا والقدس وشواطئ مدينة يافا، مما كان هذا لا يرضى الدول الغربية، التي كانت تطمع باحتكار النفوذ لنفسها على أراضي السلطنة التي كانت في حاجة ملحة إليه، منذ أن نمت مصالحها وتوسعت في ما وراء البحار إلى أبعد من بلاد الهند والصين.؟

 عندها جرى تحريك كتل الإسلام التكفيري الوهابي المقاتلة التي أعدتها انكلترا وبنتها على الجهل والأمية والفقر والخرافة والفوضى، وعلى أساسها ركبت ذهنيتها الاستئصالية الغنائمية في أشكالها الهمجية البشعة لرفض الإسلام بكل تنوع  مذاهبه وأيضا الديانات الأخرى الراضية إلى جواره، وهي في مجملها ترجمات عن عيش اجتماعي متوارث مسالم، فمن مهازل ذلك الزمن أنه لم يكن يوجد بحسب مصادر الاستخبارات البريطانية واحدا بالألف من السكان الراشدين يلم بالقراءة والكتابة، أولئك التي نشأت في وسطهم تلك الكتل، فكيف يميز هؤلاء الحق من الباطل، وأن لا يتبنوا الثورة المفترضة ويقبلوا بها طالما أنها تحقق لهم الأطماع، وتأتي بالمكاسب؟،  ومن ثم عمل الغرب وانكلترا على تمويلها بالمال والسلاح والخبرات، ذلك عقب اتفاق الدرعية عام /1754/ بين محمد بن سعود، والإمام محمد بن عبد الوهاب لاجتياح المنطقة...؟

 فانطلقت القوات الوهابية باحتلال ونهب وهدم وتخريب كافة المدن والمناطق في الجزيرة العربية وما يسمى الخليج الآن إلى عمان جنوبا وإخضاعها بما فيها مكة /1803/ والمدينة والرياض وجدة، فهدموا قبور الصحابة فيها، ونهبوا قبر الرسول(ص)،  كما أعملوا القتل بين سكانها وسبوا نسائها وأولادها وأطفالها وأرزاقها غنائم وأسلاب .. كما تم دفع هذه القوات لاحقا إلى احتلال أجزاء من العراق، ووصلت إلى بغداد، وكانت هذه  قد احتلت كربلاء /1801/ وهدمت فيها المقامات المقدسة ونهبتها، كما ساقت أكثر من ستة آلاف من نساء سكانها سبايا إلى الدرعية، وهكذا أيضا فعل الوهابيون بأجزاء واسعة من سوريا فدخلوا حمص ووصلوا إلى قري لبنان، كما وصلوا إلى تخوم دمشق، إلى أن استطاع محمد علي باشا إرسال قواته من مصر بقيادة ابنه طوسون عام/1813/، ثم بقيادته /1815 فاحتل جدة ومكة المكرمة والمدينة المنورة، ثم قيض لمحمد على القضاء على هذه الحركة الإسلامية التكفيرية بقيادة ابنه إبراهيم باشا عام /1816/ - /1818/- الذي لاحق الوهابيين وقبض على ابن سعود الذي أعدم في الآستانة..؟

ربما كان من الخطأ الفادح الذي وقع فيه الغرب الأوروبي، الذي كانت تتزعمه بريطانيا، هو استقدام أقوام صحراوية هوجاء للتغلب على من هم أكثر تحضرا ومدنيتا لإجلائهم عن أراضيهم، فأسوار المدن العثمانية الداخلية كان من وظائفها صد غزواتهم، ربما كانت تستعجل  اقتطاع الجنوب من الدولة العثمانية آنذاك، أو إشاعة الفوضى بين من هم مستقرون من سكانه، لإفقاد قدرة الدولة على السيطرة، وبالتالي بسط نفوذها عليه؟، فالوهابية التي صنعتها بريطانيا بالمفردات الإسلامية، وسلحتها بالمنطق التلمودي اليهودي المتحجر كمرجع في التفكير والمحاججة بعد أن استبدلت في سياقه الشعب المختار بالفرقة الناجية، ليست من الإسلام في شيء، ولا تقوى على الإسلام الذي يعيشه أهل الحضر من شعب الإسلام في المناطق الحضرية المستهدفة، فالصراع بين الصحراويين الأجلاف المتوحشين وأهل الحضر، كان ينتهي غالبا بانتصار أهل الحضر، وكان قد قيض للسلطنة رجل كمحمد علي  مشبع بالمدنية والعقلية الحضرية من مصر، وجيش لا يقل قادته عن ذلك قوامه من أهل بلاد الشام، في القضاء على هذه الظاهرة الوهابية الهوجاء كما أوردنا.. في بداية القرن /19/ ..

إلا أن الخطأ ذاته قد وقع فيه الغرب الأوروبي الأمريكي في بدايات القرن الواحد والعشرين، حين استقدم الصحراويين وأشباههم من أصقاع الدنيا للعب ذات الدور التخريبي في بلاد الشام، أملا في القضاء على المدنية الشامية لسكان بلاد الشام، وإجلاء أهاليها من أراضيهم وديارهم لصالح الفوضى، لتنفيذ مشروعه السياسي الاقتصادي على امتداد المنطقة من أفغانستان إلى شواطئ المتوسط لحصار بلاد الروس والصين عقب أن تغيرت التفاصيل، إلا أن هذا المشروع لن يتحقق، فأهل البلاد لن يتركوا ديارهم ولن يغادروا، كما لم يتركوها سابقا، فبلاد الشام لم تزل عامرة؟، وأن المنطق الذي يتعلمه العاقل من الواقع المعاش والتاريخ، أن هؤلاء الصحراويين في كل أزمانهم قد تعلموا الانحسار وقبلوا بالانكفاء إلى داخل بواديهم وصحاريهم، لأنهم لا يقوون ولا يمكن أن يقووا على الترابط الاجتماعي ومقدراته القتالية المجالدة التي تصنعه المدنيات..    

لا شك أن التقدم التطوري الطارئ علي بلاد العرب قد ساهم نوعا في زعزعة تركيبة المجتمعات واستقرارها تحت عنوان الحداثة، وقد أدى هذا إلى إفراز مجتمعات هامشية على أطراف المدن وأحيانا في قلبها لا تختلف عن الصحراويين، شكلت للصحراويين المتخلفين لدى قدومهم الجديد بيئة حاضنة وأدوات لوجستية ومقاتلة مقابل المال قل أو كثر، إلا أن هؤلاء ليسوا كل أهالي المجتمعات المدنية ولا يمثلونهم ولا يحسبوا منهم..؟ فالعقل المدني العاقل واقعا قد رفضهم في كل ما قدموه من طروحات دينية أو اجتماعية وما شاهد لهم من تصرفات شائنة وانحرافات سلوكية غير مقبولة..؟

 ومع أن بعض المتدينين من الإسلاميين الذين تماهوا مع ما يسمى الثورة بفعل التعصب الثأري بعد أن استسلموا لفعل التكثيف الإعلامي الغربي المضاد وملحقاته، وحسبوا أن فعلهم هو تصحيح وضرورة لاجتثاث الفساد، رغم ذلك فقد قيموهم  ظاهرا على غير ما يبطنون: بأنهم مرحلة عابرة وجيش مستقدم  للسنة مأجور لانجاز المهام، يأملون في إزاحتهم لاحقا بعد أن تستتب لهم الأمور ويحصلوا على ما يبغون.. لكن آمال الغرب الأوروبي وأمريكا وتخطيطاتهم في تعميم الخراب وتصحير المنطقة لتصبح خالية هي غير ما يأملون ويرغبون.. إذ ليس من فساد وخراب بعد الدمار؟

وهكذا يتضح أن المعركة العنفية الدائرة هي دولية مركبة، ساحاتها بلاد الشام، أكانت أحداثها تلك التي جرت في مطلع القرن /19/ أو الآن .. ولا نستطيع أن نساوي بين الغزو التدميري الذي اعتاده الغرب الأوروبي ضد وجود أهل المنطقة وشعوب العالم، متسلسلا في توارثه عن أسلافه برابرة الهون ومتوحشي الفايكنغ، وبين إمبراطوريات سادت، وقدمت حضارات مدنية ورثت بعضها، يحسب قاطني المنطقة الشامية العربية وامتدادها من سكانها، الذين شاركوا في عطاءاتها، ونعني بهم إضافة إلى العرب اليونان والرومان والبيزنطيين والعثمانيين ومن ثم الروس ورثة هذه الإمبراطوريات من القرن الماضي..  

فمواجهة الغزو تحكمه الضرورات الوطنية دفاعا عن الأرض والإنسان والكرامة والعدل والأخلاق، وهذه ليست كلمات فهي عنوان وجود الإنسان المواطن ومبرر وجوده، أما التناغم مع دول الغزو وقواته وخلق الذرائع لتبرير إجرامه، فهو خيانة صريحة لا لبس فيها تستوجب العقاب، وقد انزلق العديد من أبناء المنطقة إليها أو كان لهم دور فيها، إما بسبب ضعف شعورهم الوطني نتيجة انتسابهم للمنظمات غير الحكومية ذات الادعاءات الحضارية والإنسانية المخترقة، التي اشتغلت للاستحواذ عليهم، وأصبحوا بحكم ذلك من الكارهين لشعوبهم وتطلعاتها، أو بسبب ارتباطاتهم العاطفية مع الغرب ودولها التابعة والمبهورين به دون عقل، لكن منهم أيضا الواعين لدورهم كعملاء مأجورين للعدو..وهؤلاء لا خلاف في الحكم عليهم كخونة أرذال، ولكن غالبية الشعب الحضري العائش على أرض المنطقة كان في طبيعته مع الموقف المضاد، أي مدافعا عن الأرض والوطن؟  فصبر أبناؤه على المحن، وقدموا الشهداء، وكانوا عونا لبعضهم في مواجهة الصعاب والأخطار..؟

وما تعرض له شعب المنطقة من الغرب في كل أحقابه، كان فتن داخلية وخارجية وتآمر وحصار، وغزو سافر إما مباشرة أو بواسطة وكلاء، استوجب من الشعب وقفة وطنية مواجهة شجاعة على كل الجبهات، ولا يمكن أن يكون له إلا هذا الإصرار على هزيمة الأعداء،  وهنالك فارق بين من يمثل الوطن، الدولة(الشعب) وسلطة الوطن، وبين الأعداء وإن تعددت الأساليب الدعائية والمبررات التي تقلب المفاهيم ، وتجعل من موقف الخائن المراوغ الموقف الصحيح،

 فما الذي استحصله شعب المنطقة من الغرب الأوروبي سوى توزيع أقاليمه وأراضيه بين الرابحين من دول الاستعمار والمزيد من الرزوح تحت سطوة جيوش الاحتلال.. ووعود وقحة لمزيد من الإرهاب والخضوع والإذلال  من معاهدة سايكس بيكو إلى  وعد بلفور، إلى إقامة دول الطوق الوظيفية المُحاصِرة، من تركيا في الشمال إلى السعودية في الجنوب  إلى إسرائيل في الغرب  إلى الأحلاف المتعددة وقواعد الرعب العسكرية المحيطة في كل مكان..؟

فعدا الحروب التي شنتها إسرائيل على من يجاورها منذ قيامها عام /48/ ، لأجل استمرار النفوذ الغربي الأمريكي وضمان مصالحه لو اقتضى ذلك خراب العمران وإفناء العباد، واجهت المنطقة العديد من الاعتداءات غزو مصر عام/56/ لإسقاط عبد الناصر ومشروعه القومي العربي النهضوي، إلى الغزو الأمريكي واحتلال العراق عام/2003/ ، إلى تهديد معلن أو مبطن وغزو مباشر أو بالوكالة من خلال عصابات القتل المدربة، والحركات التكفيرية وتنظيماتها الإرهابية المسلحة، ومن بينهم جماعات الأخوان، طال كل من مصر وسوريا والعراق والعديد من البلدان، بدعم مالي وعسكري غير محدود  أظهر جليا أدوار هذه الدول الوظيفية المشار إليها ، كما أظهر مجددا دور دولة إسرائيل المشارك للغرب،  ليس في الدعم وتوفير الخبرات والغطاء للإرهابيين والملاذ الآمن وأنواع الخدمات، وإنما أيضا بشن حرب شاملة على الفلسطينيين في فلسطين ربما لاستكمال دور داعش الإرهابي في الشرق الشامي حتى الموصل والشمال..؟

 

15/7/2014

 

 

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا