<%@ Language=JavaScript %> صباح علي الشاهر أوكرانيا والقفز في المجهول

   

لا

للأحتلال

لا

للخصخصة

لا

للفيدرالية

لا

للعولمة والتبعية

حضارة بلاد الرافدين   

    

                                              

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين                                    

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                            

 

 

أوكرانيا والقفز في المجهول

 

 

صباح علي الشاهر

 

 

تماماً مثلما حدث في أغلب ما سُمي بثورات الحرية، وضُعت المتاريس، وأُحرقت الدواليب، وتوزع الملثمون، حاملين الأسلحة البيضاء، وزجاجات الملوتوف، ثم إقتلعوا حجارة الأرصفة، وأعلنوا حربهم المقدسة، التي كان مبررها هذه المرّة تعطيل الرئيس الشرعي والمنتخب لعملية الإنضمام للإتحاد الأوربي، وامتناعه عن تدشين القطيعة مع روسيا الإتحادية، ثم طوروا الأمر فيما بعد ليكون جهاداً  من أجل الحرية والديمقراطية، وضد الفساد، والتبعية إلى الشرق، مع المطالبة بالتبعية للغرب . 

كان يمكن فهم هذا الأمر لو كانت روسيا الإتحادية دولة إشتراكية، أو شيوعية، لكن روسيا اليوم دولة رأسمالية، لا يختلف نهجها عن نهج دول أوربا الرأسمالية قاطبة، وقد نهجت نفس النهج الرأسمالي الذي أضحى سائداً في أوربا كلها، وهي تتبادل المنافع الإقتصادية، وتنخرط في نظام عالمي جديد، يتحكم في إقتصاديات العالم، وفق الإسلوب الرأسمالي، وليس لديها أيدلوجيا معارضة أو مخالفة للأيدلوجيا الرأسمالية، وهي تنهج نهج إقتصاد السوق، متخلية كلياً على الإقتصاد الماركسي، أو الموجه، وهي شريك مُعتبر، يتنافس مع الشركاء الآخرين بالطرائق ذاتها التي يتنافس بها المتنافسون .

الصراع بين روسيا الإتحادية من جهة، وأمريكا وأوربا الغربية من جهة أخرى، لا يختلف مطلقاً عن تلك الصراعات التي عمت أوربا قبل وأثناء وبعد الإتحاد السوفيتي، صراعات جوهرها المصالح، ومظهرها المباديء، وهي صراعات لن تنتهي، ولن تنتهي طالما ظلت البشرية تحت هيمنة القيم الإنحطاطية لما يُعرف بإقتصاد السوق، وهو التعبير المهذب لإقتصاد النهب والإستغلال والجشع الذي لا حدود له.

لقد غيّرت قوى الهيمنة الأمريكية والغربية، طرائقها في السيطرة على مصائر البلدان، من سياسة كانت سمة من سماتها الإنقلابات العسكرية داخلياً، والتدخل العسكري خارجياً،  والإحتلالات قبل ذلك، من دونما حاجة حتى للتبريرات، فكل شيء يندرج في مصالح العالم المُتمدن، إلى سياسة مبتكرة، أعد لها بشكل دقيق، تعتمد حزمة من المفاهيم البراقة، كالديمقراطية التي أصبحت أمريكا وأوربا حاميتها على نطاق العالم، والتي إستحالت إلى أيدلوجية، وما هي بأيدلوجية، مُطعمة بمفاهيم جميلة وأخاذه، وعلى رأسها الحرية، في عالم أصبحت فيه الحرية الحقيقية أكبر وهم جراء تغوّل رأس المال على نطاق العالم كله، وبخلط للمفاهيم فاضح، يتم إيهام الآخرين بأن كل ما يجري من تدمير ذاتي، إنما هو مُستلزم من مُستلزمات النضال لتحقيق الحرية والعدالة والديمقراطية.

الحرية تعني حريتك، وحرية غيرك في القول والعمل، ومختلف أشكال الأنشطة الإنسانية، والعدالة لك ولغيرك، وللجميع، وفي مثال أوكرانيا، فأوكرانيا مثلما هي  للأوكرانيين الغربيين، فإنها للأوكرانيين الجنوبيين والشرقيين، الروس أو السلافيين، أو المنحدرين من كليهما، والديمقراطية تعني أن الجميع يشاركون في حكم أو كرانيا، وليس الجماعة التي تريد الإندماج في أوربا، وعزل أوكرانيا عن روسيا.

أنه لأمر بالغ السخف أن تدافع أمريكا عن مصالحها في أوكرانيا التي كانت عاصمتها ( كييف) عاصمة الروس قبل أن تظهر موسكو على الخارطة، وأن لا تكون لروسيا مصالح في خاصرتها، والتي كانت وما زالت وستبقى ضمن دائرة نفوذها الحيوي، إلا إذا إنتهت روسيا من كونها دولة عظمى، وهذا ما لاتشير إليه وقائع الحال، بل أن الأمر هو على العكس تماماً، فروسيا وحلفائها إلى بزوغ، وأمريكا وحلفائها إلى أفول، وهذا أمر بات مُدرك من قبل الجميع، وأول من يدركه أمريكا وذيولها من الدول الهرمة، لذا تبدو قضية أوكرانيا بالنسبة لأمريكا والغرب كالقفز في المجهول، ستكون نتيجتها الحتمية بالنسبة لأمريكا والغرب قبض ريح.

لم تعد أمريكا بحاجة لإرسال قواتها لتدمير أي بلد لا تتفق معه، أو يقف بوجه بعض مصالحها، فالذين يتم إعدادهم سراً من أبناء البلد، سيقومون بهذه المهمة، وبأكثر فاعلية من الجيوش العدوة الغازية، ولا بأس من فتح الأبواب أمام أحرار العالم للتطوع للنضال في هذا البلد تحت راية جيفارا العصر الصهيوني ( برنار هنري ليفي ).

هؤلاء الأحرار سيقومون علناً بحرق أفراد الشرطة بالموليتوف، أو قتلهم بالسلاح الحي، وعلى مرأى من العالم كله، فمن حق رواد الحرية الملثمين هؤلاء حرق جنود النظام، أي نظام، تصوروا الأمر معوساً في أي بلد أوربي أو في أمريكا ذاتها، لو أن مُعتصما، أو متظاهرا تجرأ على حرق، أو ضرب حتى شرطي من شرطة مكافحة الشغب، ماذا يمكن أن يحصل له، لقد رأينا كيف دكت سنابل الخيل المتظاهرين الذين تجرأوا على المساس بهيبة رمز نظام الحكم في زمن تاتشر، وحتى الآن هل يجرؤ متظاهر على حرق أبنية حكومية، أو تخريب مرافق الدولة، خل عنك قتل شرطي أو جندي،  سؤال برسم أبطال الحرية الجدد ، الممهدون لعبودية سوداء، هي وحرية الوطن والمواطن على طرفي نقيض.

إرهاب أسود في الساحات والميادين، يعقبه إرهاب آخر في الإعلام، وإرهاب محللين سياسين مُعدين سلفاً، ومُبرمجين، وناشطي حقوق إنسان لا ينشطون إلا بوجه الأنظمة التي لا توالي أمريكا والغرب، ويصمتون صمت أبي الهول عن جرائم إنسانية تقترفها أنظمة موالية للغرب، ثم منظمات مجتمع مدني، عملت على إنشائها بدأب دوائر المخابرات الغربية، وصرف عليها الكثير، وصولاً إلى المنظمات الدولية والإنسانية، وهي لا إنسانية ولا دولية حتى، بل منظمات أسست لحماية نظام هيمنة بضعة دول على العالم كله، لا يتسم بأدنى حدود العدالة والنزاهة والتجرد، وقد أصبح في العناية المركزّه منذ أمد بعيد، وكلما تم الإسراع بمواراته التراب كلما كان الأمر أفضل للأمم والشعوب.

ينبغي عدم القفز على حقيقة أن أوكرانيا اليوم مفلسه، وأن الغرب غير مستعد، لأنه غير قادر، على تقديم المساعدة التي يمكن أن تنتشلها من قاع الإفلاس، وأن أقصى ما يستطيع الغرب تقديمه هو بضعة مليارات لا تغني ولا تسمن، وحتى هذا القليل الذي يمكن تقديمه فإنه مشروط بإتخاذ إجراءات قاسية ستنعكس على الشعب، وعلى أولئك المنتفضين تحديداً، الذين أوهموا بالعداله والرفاه ومغادرة الفقر، حيث سيفقرون أكثر، فإذا أضفنا إلى هذا إحتمال أنفصال القرم والشرق الأوكراني ذو الأغلبية الروسية أو الناطقة باللغة الروسية، والذي يمثل إنتاجه أكثر من ثلثي إنتاج أوكرانيا، حيث يتركز التصنيع فيه ، وإذا عرفنا أن روسيا سوف لن تستمر بتوفير الغاز الروسي بإسعار تفضليه، حيث تقدمه الآن بسعر 65 دولار للطن الواحد، علماً أن سعره في السوق العالمية 265 دولار، أن الفارق في سعر الغاز في هذه الحاله سيلتهم المبالغ التي وعد الغرب بتقديمها إلى أوكرانيا، وبالشروط التي أن تم تنفيذها فإن مولوتوف المتظاهرين سيتجه لأحراق ساكن القصر الجمهوري الحالي .

حقاً هي قفزة في المجهول بالنسبة للغرب وأمريكا، ولكنها نقطة سيتم فيها تكريس تحوّل نوعي في خارطة القوى العالمية، نحن نغذ السير صوب عالم جديد حقاً، فإلى المزيد من القفزات الأمريكية والغربية في المجهول.

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

 

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا