<%@ Language=JavaScript %>  نزار رهك حركة الأنصار الفاشلة (6 )  والأخيرة لم تكن الأنفال هي النهاية

   

لا

للأحتلال

لا

للخصخصة

لا

للفيدرالية

لا

للعولمة والتبعية

حضارة بلاد الرافدين   

    

                                              

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين                                    

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                            

 

حركة الأنصار الفاشلة (6 )  والأخيرة

 

لم تكن الأنفال هي النهاية

 

 

 نزار رهك  

 

كما كان الدخول الى كردستان محفوفا بمخاطر مميتة كذلك كانت الخاتمة والخروج من الشريط الحدودي الذي رسمته لنا قيادة سياسية هدفها الأساسي هو تصفية المتبقي من رفاق الحزب وبتدبير مقصود وبالتعاون مع الحلفاء الكردستانيين . وبالنظر الى تداخل الخطأ التكتيكي مع الفهم الأستراتيجي العام لطبيعة القيادة السياسية والعسكرية لذلك سيكون لي الحق في إختيار أيهما كان هو الأصح لأني أمتلك حقي كضحية في فهم مأسآتي وإن كان الغموض يحيط بما كان قد حصل فالأحداث اللاحقة تفسر هذا الغموض وخاصة موقف هذه القيادة من الأحتلال والعملية السياسية وممارساتها في هذه العملية السياسية وتعمدها إضاعة الأطار الجماهيري للحزب وإتخاذ مواقف أقل ما يقال عنها إنها لا قيمة لها ... أو الأصح تصفويّة النهج والسلوك وإمتداد طبيعي لتصفيتنا الجسدية والمعنوية في حركة الأنصار .

كنا نتابع تطورات الحرب العراقية – الأيرانية  عام 1988في فصيل الدوشكا في الفوج الثالث  قاطع بهدنان حيث نقلنا هناك ولا نعرف لماذا لان الضحايا هم آخر من يعرف سبب التضحية بهم .. كانت الأخبار تتناقل آخر تطورات المفاوضات لأيقاف الحرب .. وكانت بوادر وقف إطلاق النار تلوح في الأفق .. أتذكر مشاعري المليئة بالفرح لنهاية مأساة شعبنا التي دامت أكثر من  ثماني سنوات وتسببت بفقدان مئات الآلاف من شبيبة العراق وأحبته ولم تكن هناك مشاعر أخرى لدى بقية الرفاق .. ولكن طالما إنني أكتب هذه السطور وأتحدث عن المشاعر لذلك الأفضل والأصح أن أتحدث عن نفسي فقط.

لقد كان فرحا مشوبا بالقلق من المستقبل .. لقد شاركنا شعبنا بالفرح وقد كنا نسمع بأحتفالاته في شوارع حاراتنا منذ لحظة إذاعة نبأ أيقاف إطلاق النار ولأيام متتالية وكنا نتمنى أن نكون معهم ونشاركهم هذه الفرحة ..

لقد كذبت قيادة الحزب على الرفاق بأنه كانت هناك خطة طواريء لمواجهة المستجدات بعد إيقاف الحرب العراقية الأيرانية وعودة القوات المسلحة والتي كانت متوقعة من قبل جميع الأحزاب والسكان .

وفي نفس الوقت كنا نرصد الآليات العسكرية المدرعة التي وصلت الى الشارع الذي يربط مدينة زاخو بقصبة كاني ماسي وهذا الشارع هو ما يحيط بنا فأن تمت السيطرة عليه فهذا يعني إننا وقعنا في الكماشة و تعرضنا الى الأبادة المحتمة .. لقد إنسحبت جميع الأحزاب والقوى الكردستانية وعلى رأسهم الحزب الديمقراطي الكردستاني دون إبلاغ قادة حزبنا وإنسحبت معهم عشرات الآلاف من العوائل من سكنة القرى (الأطار الأمني الطبيعي لحركة الأنصار ومصدر تغذيتهم ومعلوماتهم ومجسات الخطر الطبيعية) بمن فيهم عوائل رفاقنا في هذه القرى حيث غادروها مع الآخرين ..

جائني الأمر العسكري بعد التأكد من تقدم الجيش على مقراتنا بأن أنسحب ( مع زوجتي) بأتجاه هذه القرى ونلتحق مع العوائل فيها وعند ذهابنا هناك تفاجئنا بخلو هذه القرى من البشر والحيوانات ولم تكن هناك إمكانية للعودة ثانية الى المقرات فقد كان تسارع الأحداث والقصف المركز على الطرق يفرض علينا البحث عن منافذ خارج إطار الطوق والحصار العسكري وأصبحنا في وضع يحتم علينا إتخاذ القرار المناسب الذي يحفظ حياتنا وتجنب المواجهة المسلحة التي سوف لن تكون متكافئة في جميع الحالات .

وعندما حل المساء جاء أثنان من رفاقنا (أبو روزا وملازم نعمان) لمساعدتنا ومساعدة العوائل الأخرى وكان هناك مسلحين آخرين وعائلتين مع مجموعة لا أتذكر عددها من الأطفال ووجدنا هذه المنافذ وأستطعنا التسلل الى الجانب الآخر من الشارع.

الهدف كان التوجه نحو الحدود التركية واللجوء الى تركيا لتكون هذه هي نهاية الحركة المسلحة (أي نهاية القيم الكبيرة التي كانوا يكذبون علينا بها في أهمية العمليات العسكرية  والغنائم من السلاح والعتاد في العمليات الكبيرة  كتحرير مانكيش أو مطار بامرني أو غيرها ) لقد هربوا بمجرد عودة الجيش العراقي الى مواقعه والمعركة لم تبتدأ بعد ..!! والنتيجة  النهائية كانت إن سلاح الدمار الشامل كنا نحن ضحاياه أيضا وليس الشعب الكردي وحده .. ساحته كانت كردستان ولكننا كنا نحن ضحاياه .. وأنا كاتب هذه السطور العراقي العربي من مواليد بغداد كانت رئتي متورمة من آثار السلاح الكيمياوي والغازات السامة وليس فقط المواطن الكردي الذي يسكن في مناطقنا المحظورة عسكريا ..

كانت أقسى ثلاثة أيام في حياتنا هي المسافة بين شارع كاني ماسي والوصول الى الحدود التركية لقد هرب مقاتلوا الحزب الديمقراطي الكردستاني وتركوا العشرات من العوائل دون مساعدة تذكر .. كنت أحيانا أحمل على كتفي طفلين مع السلاح و بعض الماء الذي إستهلكه الأطفال بعد ساعة من السير سوية.  كنا في أقسى الظروف لم نستغني عن إنسانيتنا ولم نخل بمبادئنا و أمضينا ليلتنا الأولى في العراء وكنا في المساء قد التقينا أحدى العوائل المسيحية من رفاقنا وقد أبدى أحدهم وبألحاح على مساعدتنا بأن يحمل حقائب الظهر التي كنا نحملها على الأكتاف على حيوانه الخاص ولم يكن فيها سوى مستلزمات المقاتلين البسيطة ( فرش الأسنان والمشط وبلوزة صوفية وكسرة خبز يابسة وملعقتين سكر في كيس نايلون وأقلام رسم لزوجتي وحاجيات أخرى بسيطة ومهمة في نفس الوقت) يبدوا إن هذا (الشيوعي!) كان يعتقد إمتلاكنا مبالغ أو ذهب في هذه الحقائب فقد سرق حقائبنا وقال لنا في مساء نفس اليوم بأنه رماها في الطريق وأدار وجهه وغادرنا ..(أقذر إنسان واجهته في حياتي !!)  كنت أستطيع حينها أن أفرغ إطلاقات بندقيتي في رأسه دون أن يحاسبني أحد .. بدلا من تحمل مواجهته طيلة أشهر تواجدنا المشترك في معسكرات اللجوء في تركيا ..لكنني لست من هذا النوع الذي يفكر بالأنتقام والثأر .

 بعد فقدان حقائبنا عانينا كثيرا من البرد وخاصة في الليل فلم نرتد على جلودنا سوى قمصان خفيفة .. وأمضينا أصعب ثلاثة أيام بلياليها وأياما أخرى حتى وصولنا الى المدن التركية وتمكننا ما يقينا من البرد . تصرف هذا الشخص وسرقته لحاجياتنا البسيطة دون إستخدامها هي مثار إستغرابنا حتى هذه اللحظة ..

كيف يمكن لشخص أن يسرق من أجل أذية الآخر وليس بسبب الحاجة .. وهو بحساباتنا رب لأسرة ومن العوائل الشيوعية ... وهو من ألح وتوسل الينا لمساعدتنا في حمل حقائبنا بعد إن وصلت الأم التي ساعدناها في حمل أطفالها وأمتدحتنا أمام الجميع  .. كان يحمل على حيواناته فراشا وأغطية وصحون ..الخ ولكنه رمى بحقائبنا أو أضاعها ...

بحكم تطبعنا بحرب العصابات والعمل السري فقد إبتعدنا عن مواكب العوائل الهاربة وهي ليست موثوقة ويأمن المرء جانبها الأمني .. فلم يزل السلاح بأيدينا ولم نزل في الأراضي العراقية ولم نزل مقاتلين وعلينا البحث عن الطعام والشراب والمخبأ الأمين .. لم نذق الطعام منذ يوم أمس وليس في جعبتنا ماء للشرب فتوجهنا في طريق على يسار الممر العام وحيث القرى المهجرة والتي تتعرض للقصف والطيران .. عسى أن نحصل على بعض مما يسد من جوعنا أو عطشنا .. دخلنا قرية مهجورة وبحثنا في بيوتها الفارغة عن خبز أو أي شيء يؤكل فلم نجد شيئا ..فتركناها على الفور وما إن إبتعدنا بضعة أمتار عن آخر بيت إلا وكانت السمتيات العسكرية تحتنا (وليست فوقنا) حيث كنا أكثر إرتفاعا منها ولو كنا بقينا في القرية لتعرضنا الى نيرانهم التي بدأت تطلق حممها على البيوت الفارغة في القرية وتمشط الطرق التي تصلها من الشارع العام الذي سلكناه يوم أمس. إحتمينا خلف الصخور حتى غادرت وأستمرينا في المسير دون هدف واضح فقد إختفى كل شيء (بعد زيارة السمتيات !!..)  وخير إتجاه كان هو قمة الجبل وبموازات الطريق الوعرة  التي لا نعرف الى أين تقودنا .

لقد نسيت أن أشير الى إن قيادتنا العسكرية في الفوج الثالث كانت تريد إرسال زوجتي لوحدها للذهاب بهذا الطريق وأبقى أنا لمواجهة الأنفال ..!! .

وقد رفضت حينها ترك زوجتي للمجهول وللمخاطر التي كنا نرصدها من موقعنا في مقر الدوشكا .. كانوا أنفسهم لا يعرفوا كيف  يتصرفوا  ولم يكن يعرفوا بعد إنهم لوحدهم في ميدان معركة لن تكون في صالحهم أبدا .. ولم يكن يعرفوا بعد إن غادرتهم جميع القوى الكردستانية و كانت قد وصلت الحدود التركية قبل يومين أو أكثر .. ومن كان يتحدث بغير ذلك فقد كان ولم يزل أهدافه تصفوية  ولا تهمه حياة الرفاق.. وهؤلاء كانوا أول الهاربين وبأيسر الطرق .

في اليوم الثاني حصلنا على الماء من بركة كانت نظيفة بالصدفة وبعدها بخطوات وجدنا تفاحة نصفها تالفا وقد كنا في حالة من الأرهاق لا يمكن وصفها بكلمات قليلة وقد أمضينا ليلتين باردتين دون أن يغمض لنا جفن بسبب البرد والجوع والعطش والقلق  رغم الأرهاق والتعب .. وقد كان صباح اليوم الثالث جميلا لأننا شاهدنا عن بعد بعض الأشخاص في الطريق نحو قمة الجبل متوجهين الى الضفة الأخرى .. توجهنا بأتجاههم وكانت عيني ترصد ماحولي والطريق الذي كنت أعتقد إنه من المحتمل أن يكون ملغّما .. وقبل أن تغيب الشمس وصلنا الى قمة الجبل وسلكنا الطريق الجبلي وعلى الضفة الأخرى صعقنا بآلاف العوائل تفترش مساحة كبيرة من الحدود .. وما أن شاهدونا عن بعد حتى تسارع العشرات أو المئات الينا .. لمساعدتنا وللأستفسار عن الأوضاع في مناطقهم وعن مفقوديهم وإحتمال لقائنا بهم وكانوا نموذجا للطيبة الكردية التي عهدناها بهم وقد سارعوا الينا بالماء رغم ندرته .. وأستضافنا الرفيق

آزاد بامرني طيب الذكر وقاسَمنا لقمة الخبز التي كان قد جلبها لعائلته وأطفاله ووفر لنا البعض الآخر ماءا ومكانا للأستحمام وإحساس بفرح الجميع لسلامتنا .... عدا واحدة ... هي الرفيقة الدكتورة سعاد (كاترين ميخائيل ) قمارة كما كان يسميها المرحوم الرفيق أبوعادل الشايب (والشاهدة الوحيدة على الضربة الكيمياوية التي وجهت الينا في محاكمة صدام حسين).. حيث شقت جموع المحتفين وبدون تحية وحمدا لله على السلامة .. وجهت نقدها لنا (زوجتي الرقيقة وأنا الخشن !!)

وبصوت عال وبصفاقة لم نعتدها بعلاقتنا الشكلية معها وبدون حميمية رفاقية .. صرخت :

(لماذا تركتوا الوطن .. وجئتم الى هناااااااااااااا ؟؟؟؟؟؟؟)

 

 

في الحلقات القادمة .. حزبنا الشيوعي بقيادة المافيا .. إحذروا حملاتهم الأنتخابية

Rahak@t-online.de  

24.02.2014

 

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

 

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا