<%@ Language=JavaScript %>

   

لا

للأحتلال

لا

للخصخصة

لا

للفيدرالية

لا

للعولمة والتبعية

حضارة بلاد الرافدين   

    

                                              

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين                                    

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                            

 

في العلاقات العربية ـ الإيرانية:

 

الموسيقى تصارع السياسة!  

 

 

مصطفى اللباد

فرّقت السياسة العرب والإيرانيين في العقد الأخير، إلى حدود لا تطاق، حتى أصبحت إيران تُذكر بشكل شبه حصري في سياقات طائفية أو في أطر عدائية. في المقابل، ربطت الموسيقى الحضارتين العربية والفارسية برباط لم تفلح السنون والحراكات في فصم عراه؛ فما زالت مقامات "راست" و"نهاوند" و"سيكا" المتمازجة مع التخت العربي شاهدة على عمق علاقات العرب مع إيران تاريخياً وموسيقياً. لا تناقش هذه السطور صوابية فرضيات سياسية بعينها حيال إيران، التي تمددت إقليمياً في العقد الأخير كما لم تتمدد في تاريخها، بل تستحضر أحد أهم المشتركات والقواسم بين الحضارتين الكبيرتين، أي الموسيقى. استحال التنافس السياسي الإقليمي بين العرب وإيران صراعاً في ساحات الخليج والمشرق العربيين، ومع ذلك لا يمكن توصيف هذا التنافس الضاري باعتباره صراعاً وجودياً لا ينتهي إلا بقضاء أحد الطرفين على الآخر، واستئصال شأفته، ومحو تاريخه. ومرد ذلك الى أن الجغرافيا والتاريخ يثبتان أن حراكات العرب وإيران، لم تفضِ إلى قضاء أحد الطرفين على الآخر برغم كل البقع الداكنة التي يمكن التفتيش والتنقيب عنها في كتب التاريخ. لذلك، وفي غمرة الاحتقان العربي - الفارسي، علينا - نحن العرب - أن نتذكر حقيقة ثابتة مفادها أن إيران تبقى عمقاً للعرب؛ بقدر ما يمتلك العرب من الحكمة والقوة والرؤية لجعلها كذلك. بمعنى آخر، ليست إيران عدواً طبيعياً للعرب، بل جار تاريخي وجغرافي منافس على الأدوار والنفوذ. تطمح هذه السطور الى إلقاء بقعة ضوء على موسيقى إيران، علها تدفع إلى التدبر والتفكر في "استراحة فكرية" لا تعادي إيران ابتداءً، ولكنها لا تسلم لها بما تريد إقليمياً في الوقت نفسه

موسيقى إيران: لمحة تاريخية
ترجع معرفة إيران بالموسيقى إلى زمان مملكة عيلام أي قبل أكثر من ثلاثة آلاف سنة، ومن وقتها يعتبر علم الموسيقى أحد فروع علم الرياضيات، ويكتسب بالتالي مكانة مرموقة في المجتمع الإيراني. وكتب المؤرخ الأشهر هيرودوت أن الموسيقى كانت منتشرة في مملكة الإخمينيين، كما تفيد بعض المراجع أن المطربين المتجولين كانوا محبوبين في فترة مملكة البارثيين. أما في عصر الساسانيين فقد بلغت الموسيقى الإيرانية حداً فاصلاً من التطور، بحيث إن أسماء أهم موسيقييها ما زالت خالدة في وجدان الإيرانيين حتى اليوم مثل: باربد وسركاش ورامتين.
اكتشف باربد، الموسيقي الأشهر في تاريخ إيران، المقام الموسيقي وإيقاع "الدستكاه"، أما في عصر الفتح الإسلامي فقد بزغ نجم الموسيقيين الإيرانيين في الحضارة الإسلامية أمثال أبو نصر الفارابي، وابن سينا، وقطب الدين الشيرازي، وعبد القادر المراغي. وكان الفارابي قد اكتشف، بعد خمسة قرون من موت باربد، تراثه الموسيقي الكبير المكوّن من ألفي نغمة ولحن ما زالت تعيش في الموسيقى الإيرانية. وبعد تحول دولة الخلافة الإسلامية من دمشق، عاصمة الأمويين، إلى بغداد عاصمة العباسيين، برع الموسيقيون الإيرانيون وزاد تأثيرهم في موسيقى المنطقة. وفي عصر الصفويين برع كل من: أحمد قزويني، ومظفر قمي، ومحمد مؤمن وهاشم قزويني في النغم والطرب، وما زالت أعمالهم حاضرة أيضاً في الموسيقى الإيرانية التقليدية. وتعتبر مدينة أصفهان - عاصمة الصفويين - المقر الروحي لوجدان الموسيقى الإيرانية، ففيها حجرة الطرب في قصر "عالي قابو"، وفيها جدارية الموسيقى التي تمثل فرقة موسيقية إيرانية كاملة في قصر "جهل ستون" (الأربعون عموداً).

جولة في النغم الإيراني
ينتهي بك المسير من وسط العاصمة الإيرانية طهران إلى ميدان "بهارستان"، لتتوقف ناظراً إلى مبنى البرلمان الإيراني القديم ومسجد "سباه سالار"، الذي كان مسرحاً للثورة الدستورية في إيران في العام 1905. تترك السياسة على يمينك، وتدلف من الميدان يساراً لتجد محال بيع الأدوات الموسيقية الإيرانية التقليدية، ستمر بجوار ثلاثة منها قبل أن تجد محل «الأستاد فروغي». ويستعمل الإيرانيون كلمة "أستاد" كدلالة على الموسيقار، وهي في حالتنا هذه تناسب المقام تماماً وتنطبق على الأستاد فروغي أقدم صانعي الآلات الموسيقية في إيران. تدخل إلى المحل حابساً أنفاسك وعازماً على شراء آلة السنتور، وهي آلة موسيقية وترية تشبه آلة القانون العربية، ولكنها تختلف عنه في طريقة العزف. وإذ يعزف على آلة القانون العربية عبر تثبيت ريشتين في سبابة كلتا اليدين للنقر بهما على الأوتار، فإن آلة السنتور يتطلب العزف عليها أن تنقر على الأوتار بمضرابين صغيرين من الخشب باستعمال السبابة والإبهام. ولكل من الآلتين موقعها في الموسيقى، فالأولى سلطانة الطرب العربي، والثانية سلطانة النغم الإيراني.
تصطف الآلات الموسيقية بالمحل في نظام دقيق، إلى اليسار آلات العزف الوترية مثل البربط والستار والتار والدوتار والطنبور، وإلى اليمين آلات العزف مثل الكمانجة والغيجك ومعها آلات النفخ الإيرانية مثل: سورناي، والناي، والبالابان، والدونالي، ودوساله. تلحظ أيضاً آلات الضرب مثل الدف، التمباك، وأخيراً وفي الوسط تجد السنتور محتلاً مكانه البهي في محل الاستاد فروغي وفي الموسيقى الإيرانية.
تطور شكل آلة السنتور بمرور الأزمان، فقد نشأت على شكل علبة مستطيلة ذات أوتار معدنية، حتى وصلت إلى شكلها الحالي أي صندوق غير متساوي الأضلاع مصنوع من خشب الجوز وأوتاره من البرونز، وهي متساوية في السمك وعددها 72 وتراً (مع أن كلمة السنتور تعني مئة وتر باللغة الفارسية). تداعب يدا الصانع مضرابي السنتور ليجربه لك قبل البيع، فتهبط وتصعد بخفة على أوتاره متنقلة برشاقة بين أوتاره مطلقة أروع النغمات وأعمقها، في تلاحق وإحكام وانتقال من طبقة إلى أخرى ومن نغمة إلى غيرها، حتى يُخيل إليك وكأن أشهر العازفين الإيرانيين صاروا يحيونك بطريقتهم المفضلة. هنا تلحظ أسلوب فرامرز بايور وبرويز مشكاتيان، وفي هذه القطعة يُخيل إليك وكأن مجيد كياني وحسين مالك قد قاما من رقادهما الأبدي لتحيتك، أما في هذه الجملة المليئة بالعواطف فتشعر وكأن كاظم داوديان ومنوجهر صادقي قد ألفاها لأجلك أنت وحدك. يختتم الصانع جملته الموسيقية الطويلة على طريقة الأستاذ ميرزا على أكبر شاهي: بقوة ورقة في آنٍ معاً. تخرج من محل الأستاد فروغي بأحسن مما دخلته حاملاً معك آلة سنتور من صنع يديه، ممنياً النفس بتعلم العزف على السنتور على خلفية أغاني الموسيقار الإيراني محمد رضا شجريان (الممتنع عن إذاعة أغانيه في الراديو والتلفزيون الإيراني احتجاجاً على فوز الرئيس السابق أحمدي نجاد في انتخابات الرئاسة في العام 2009)، والمطرب الإيراني الكردي المعروف شهرام ناظري، وعاشق السنتور المغني الراحل جمشيد عندليبي.
تبدو نتيجة الصراع بين الموسيقى والسياسة محسومة، فالأخيرة تعبر عن مصالح فئة أو شريحة أو قطاع أو حتى بلد في أحسن الأحوال، أما الأولى فتخاطب الوجدان متجاوزة المصالح الضيقة وتناحر الأيديولوجيا وقافزة فوق الطوائف والحساسيات القومية. أكتب إليكم الآن من القاهرة بعد شهور من جولتي في النغم الإيراني التي ما انفكت نغماتها ترن في رأسي، كأنها حلم سرمدي مخترق للزمان بين باربد وشجريان وعابر للمكان بين القاهرة وطهران
!

 

السفير اللبنانية

http://www.assafir.com/Channel/18/قضايا%20وآراء/TopMenu#!/ArticleWindow.aspx?ChannelID=18&ArticleID=334554

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

 

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا