<%@ Language=JavaScript %> محمد الساسي الفكرة والمسار

   

لا

للأحتلال

لا

للخصخصة

لا

للفيدرالية

لا

للعولمة والتبعية

حضارة بلاد الرافدين   

    

                                              

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين                                    

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                            

 

الفكرة والمسار

 

 

محمد الساسي

 

حلت الذكرى الثالثة لانبثاق حركة 20 فبراير، ولم يرافق هذا الحلول سوى حضور خافت للحركة في الشارع، مما أدى بالكثيرين إلى تطارح العديد من الأسئلة من قبيل :

هل انتهت حركة 20 فبراير وأصبحت في ذمة التاريخ وتحولت إلى ما يشبه الصور القديمة التي تذكر بزمن جميل حلم فيه شباب من المغرب بالثورة، بشكل مختلف عن تجارب شباب السبعينيات، وكانوا، فيه، أسياد الشارع، ولوَّحُوا بقبضات أياديهم في مواجهة الاستبداد والفساد وتحدوا تقاليد المخزن وأسسوا لتجربة التظاهر السياسي السلمي الوطني المنتظم، بقرار ذاتي اتُخذ، في العالم الافتراضي، وامتد، بعد ذلك، إلى الشوارع والساحات العامة؟ شباب 20 فبراير فاجؤوا النظام بمبادرتهم الجريئة والعصامية وغير المسبوقة وبسرعة تنفيذ قرارهم، والنظام فاجأ هؤلاء الشباب بسرعة رده على مطالبهم وتقديم تنازل "دستوري"، مفضلاً أن يتحمل كلفة نفسية وأن يقبل بفقد بعض الامتيازات على أمل أن يُبْقِيَ على أكثرها في ما بعد، هاجرًا بذلك عادة ترديد شعار حسني يقول إن النظام لا يمنح أي شيء تحت الضغط !

هل تراجع حركة 20 فبراير يعود –حسب ما قد يقول به البعض- إلى كونها، في الأصل، نبتة غريبة عن التربة المغربية وظاهرة "غير طبيعية" وهامشًا لا يمكن أن يكون له تأثير جوهري على سير المركز، ولا يمكن أن تكون له قدرة فائقة على خلخلة الموروثات وإعادة بناء الذات السياسية المغربية على أسس جديدة؟

هل فشلت الحركة وغادرت الساحة العامة إلى غير رجعة وفقدت كل شرعية؟ وما هي الأسباب الذاتية والموضوعية التي أدت إلى تراجع الحركة ونضوب معينها البشري وطاقتها النضالية وانحسار تأثيرها؟

من الصعب القول بأن الحركة قد قضت نحبها وطُوِيَت صفحتها وانتهى أمرها، فالحركة ليست مجرد مسيرات تقررها التنسيقيات، بل هي، أولاً وقبل كل شيء، فكرة ما تزال متقدة وحية في وجدان قطاع مهم من شبابنا؛ وتقوم هذه الفكرة على رفض الاستبداد والفساد ورفض التطبيع معهما أو اعتبارهما قدرًا مقدرًا ومصيرًا حتميًا، وعلى الاستعداد الدائم للاحتجاج ضد أي مس بالكرامة أو اعتداء على الحرية أو نهب للأموال، وعلى التأهب المتواصل للخروج إلى الشارع، كما وقع في حالة العفو على دانييل كالفان، وعلى القطع مع ثقافة الخضوع والاستسلام.

إن جوهر "مشروع" 20 فبراير هو تدشين زمن سياسي جديد لن تنعم فيه مراكز الاستبداد والفساد بالراحة، ولن تتمكن من تكرار انتهاكات الماضي بدون أن تواجه أشكالاً جديدة من المقاومة والاعتراض، حتى وإن كان هذا المشروع لم ينجح في تجريد تلك المراكز من كافة الأدوات المؤسسية التي استعملتها، في السابق، لتكريس الوصاية والسلطوية والاستغلال والإقصاء والظلم الاجتماعي.

لا يمكن التسليم، هكذا بسهولة، بصواب الأطروحة التي تعتبر أن حركة 20 فبراير لا تشبه عموم المغاربة ولا تترجم عمق أحاسيسهم ولا تعبر عن جوهر حقيقتهم، وأن هناك نوعًا من الرضى السياسي العام يغمر مواطنينا وأنهم يريدون إبقاء ما كان على ما كان ولا يشعرون بالحاجة إلى إجراء جراحة ثقيلة في جسد المغرب السياسي. إذا كان الأمر كذلك، لماذا يقاطع المغاربة، في أغلبهم، الانتخابات العامة؟ ولماذا تكشف مختلف الاستطلاعات المتوالية عن تدني مستوى الشعور بالسعادة، لدى أبناء المغرب، وعن تزايد درجة قلقهم من الفساد والظلم القائمين؟

لقد تراجعت حركة 20 فبراير، اليوم، رغم أن جو انطلاقها كان يوحي بأنها تتوفر على لياقة بدنية تسمح لها بامتلاك شروط الاستمرار وأسباب الحفاظ على الحيوية والفاعلية والإشعاع حتى تحقيق هدف "إسقاط الاستبداد والفساد"، خاصة أن مظاهرات 20 فبراير 2011 جرت في عشرات المناطق الحضرية والمراكز الكبرى، وضمت عشرات الآلاف، وحضرتها رموز من المجتمع المدني ووجوه بارزة في حقول الاقتصاد والفكر والفن، وأن حجم التظاهر تزايد في المحطة الثانية، وأن المسيرات الخاضعة لتأطير نشطاء الحركة لم تنحرف عن سكة السلمية، وأن موجة الترهيب التي وُجِّهت إلى النشطاء لم تنل من عزيمتهم ولم تؤثر على معنوياتهم ولم تكسر صمودهم. لقد عبأت الحركة ما لم يستطع أي حزب سياسي أو نقابة، في الماضي، تعبئته وإشراكه، فعليًا، في دينامية نضال سياسي مباشر، وحققت خلخلة مشهودة في البنيات الحزبية، ودفعت النظام إلى وضع دستور جديد بسرعة قياسية، وشغلت الرأي العام في الداخل والخارج، وقَضَّتَ مضاجع المقررين وجعلتهم يعتبرون أن العمل على إطفاء جذوتها وقطع شرايينها يمثل أسبقية الأسبقيات. وكانت الظروف الموضوعية القائمة تعزز حظوظ نجاح حركة 20 فبراير في تحقيق أكثر مما حققته وفرض المزيد من التنازلات على النظام والاحتفاظ بنفس قوة حراكها في الشارع ونفس قوة تدخلها في صنع الحدث، فهي جاءت في مرحلة اتسمت باستمرار نهج تقليدي في الحكم وعدم حصول الانتقال الذي وعدت بتحقيقه تجربة التناوب، وعدم مبارحة المغرب حلقة الملكية شبه المطلقة، واتساع الهوة بين الشرائح الاجتماعية، واستشراء الفساد في دواليب الإدارة، وفشل منظومة التعليم، وانسداد آفاق تشغيل العاطلين من حملة الشواهد العليا أو من غيرهم، وتكرار بعض تجارب التحكم في المشهد السياسي من أعلى، وتصاعد وعي المجتمع المدني بالمخاطر التي تهدد الاستقرار الاجتماعي، واتساع الشعور، لدى عقلاء البلد، بأن المغرب في حاجة إلى تغيير سياسي جذري وشامل يفتح إمكان تحقيق إصلاح اقتصادي واجتماعي من أجل تجنب الانفجار. ومع ذلك حصل الجزر بعد المد، والتراجع بعد التقدم، والانكماش بعد التوسع، ولكن رسالة الحركة ستظل ماثلة في الأذهان وحاضرة في الأفئدة. النضال من أجل التحرر من ربقة السلطوية سيعرف فصولا جديدة، فقد تستعيد الحركة ظهورها في الشارع، وقد يختار الشباب صيغاً جديدة للنضال بوحي من الفكرة التي كانت أساس صدور أول نداء للتظاهر في فبراير 2011. إن قطاعاً من الشباب المغربي الذي ازداد بعد سقوط جدار برلين وبلغ سن الرشد في ظل عهد الملك محمد السادس، ووجد نفسه، بعد تعلم القراءة والكتابة، سابحاً في يَمِّ الأنترنيت، مبحراً بين القارات، ومندمجاً في قلب حركية التواصل السريع، ومنفتِّحاً على دينامية تبادل الأفكار، قد قال كلمته في 20 فبراير وعبر عن طموحه إلى العيش في مغرب سياسي مختلف عن ذلك الذي عاشت فيه الأجيال السابقة من المغاربة. واليوم، إذا كان هذا الشباب لم يعد يواصل تظاهره السياسي المكثف بالشارع، في إطار صيغة حراك بلغ أوجه في 2011، فإنه لم ينسحب من الفعل السياسي ككل ولم يعتبر أن خوض تجربة 20 فبراير كان خطأ، بل إن لقاءات دراسية جمعت نشطاء من فروع مختلفة للحركة (لقاء الهرهورة في 2 و3 نونبر 2013 مثلاً) سمحت لهم بإخضاع تجربتهم للفحص والتحليل وتحقيب مسارها وتقييم نتائجها والاعتزاز بالانتماء إليها والوقوف على مواطن القوة ومكامن الضعف فيها، وخلص بعضهم إلى التمييز بين المراحل التي عاشتها الحركة خلال عام، أو أكثر قليلاً، من عمرها :

المرحلة الأولى هي مرحلة المسيرات الشهرية وغلب عليها الطابع السياسي، وانطلقت ببذل تنازل من طرف رموز النواة الأصلية لفائدة بعض "الإطارات الداعمة" أملاً في ضمان أكبر حشد بشري في المسيرات، فتَمَّ تعويض شعار الملكية البرلمانية بشعار الدستور الديمقراطي الشعبي.

المرحلة الثانية هي مرحلة المسيرات الأسبوعية و"النزول" إلى الأحياء الشعبية بحثاً عن توسيع قاعدة المشاركين لتأمين مساهمة "الكتلة الحرجة" التي من شأنها منح طابع شعبي للحراك، والانتقال من الشعارات السياسية العامة إلى الشعارات الاجتماعية المصوغة بأسلوب مبسط اعتُبر أن بإمكان العامة فهمه والتجاوب معه. كان بارزاً أن حركة 20 فبراير اعتمدت، أساساً، على مشاركة جزء من الطبقات المتوسطة، أما الجماهير الشعبية الواسعة فكانت مشاركتها رمزية.

المرحلة الثالثة هي مرحلة "دفاعية" أكثر، حاول فيها نشطاء الحركة عزل وتتفيه المسلسل المؤسسي الذي دشنه خطاب 9 مارس بحلقاته الثلاث : الدستور الجديد، والانتخابات المبكرة، وحكومة التناوب الثاني "الإسلامية". كان هدف النشطاء هو مقاومة ومناهضة هذا المسلسل الرسمي وفضح طابعه الصوري وصولاً إلى مقاطعته، شعبياً، وإفقاده المشروعية.

أحست الحركة بأنها دخلت دائرة الاستنزاف والإنهاك، ولوحظ أن بعض الجموع العامة يبدأ ولا ينتهي، وتساءل النشطاء عن دورهم ووظيفتهم : هل مهمتهم هي أن ينوبوا عن الشعب ويتظاهروا مكانه أم إن "الشعب" هو الذي يقرر الخروج إلى الشارع، تلقائياً، ويفرض، بالتالي، على النشطاء أن يضمنوا تأطيره فقط؟

المرحلة الرابعة هي المرحلة التي أعقبت استكمال المسلسل المؤسسي الرسمي، وغدا التفكير، خلالها، متجها، ربماً، إلى محاولة تجاوز هذا المسلسل والتصرف كما لو أنه لم يتم ومواصلة التأكيد على المنطلقات، ذاتها، التي استُند إليها في مرحلة الانطلاق.

أصبحت الحكومة الجديدة أمراً واقعاً وخلفت، لدى جزء كبير من الساكنة، أملاً في تحسن الأوضاع، وبعد تراجع جزء من النخب التقليدية والطبقات المتوسطة عن دعم ومساندة الحركة، أو التظاهر بذلك، بعد 9 مارس، تراجع جزء آخر بعد صعود بنكيران إلى رئاسة الحكومة، وظهر أن المطالبة بإسقاط حكومة "جديدة" يرأسها حزب وفد من المعارضة ويتحمل المسؤولية الحكومية لأول مرة، غير مستساغة في سياق يعتبره الكثيرون واعداً.

المرحلة الخامسة هي التي امتدت إلى الآن، وفيها وجدت حركة 20 فبراير نفسها مطالبة بالتكيف مع المعطيات الجديدة القائمة على الأرض، وتحديد الصيغة الملائمة للتعامل مع التجربة الحكومية الجديدة، وانتظار ما ستسفر عنه من نتائج، وتدبير المضاعفات الناجمة عن انسحاب مكون هام هو جماعة العدل والإحسان من الحركة. أصبح مطلوباً، خلال هذه المرحلة، أن تُؤخذ بعين الاعتبار ثلاثة عناصر أساسية، وهي أن خطة الاكتفاء بتشديد الهجوم على بنكيران قد تخدم، من بعض الأوجه، خصوم الديمقراطية، وأن الرجل لم يرتكب إلى حد الساعة ما يُعتبر، في المنطق السياسي، "خطأ قاتلاً"، وأن هناك غياباً ل"بديل" ذي وزن ومصداقية في الساحة..    

 

 

محمد الساسي

جريدة "المساء"

06 مارس 2014

العدد 2315 الصفحة 09

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

 

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا