<%@ Language=JavaScript %>  د. بهيج سكاكيني التردد الإسرائيلي في العدوان الموسع على قطاع غزة..... لماذا؟

   

لا

للأحتلال

لا

للخصخصة

لا

للفيدرالية

لا

للعولمة والتبعية

                                              

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين                                    

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                            

 

 

التردد الإسرائيلي في العدوان الموسع على قطاع غزة..... لماذا؟

 

 

 د.  بهيج سكاكيني

ما يقارب من الأربعة اجتماعات للمجلس الوزاري المصغر لحكومة الكيان الصهيوني تمت للان لمناقشة كيفية الرد على خطف وقتل ثلاثة جنود إسرائيليين على ايدي لم تتضح هويتهم بعد. الاتهامات الاسرائيلية وجهت مباشرة الى حماس بالرغم من عدم تقديم أي دليل ملموس لغاية الان من قبل الأجهزة الأمنية الصهيونية. تميزت الأجواء التي صاحبت هذه الاجتماعات في البداية بالعنتريات وارفقت بالتصريحات النارية للقضاء على حماس واغتيال قيادات المقاومة السياسيين منهم والعسكريين والقيام بحشد عسكري مكثف على حدود القطاع بحرا وبرا وقصف جوي مكثف للقطاع. وكانت المؤشرات على الأرض أن إسرائيل بصدد إعادة احتلال القطاع مرة أخرى، كما صرح بعض القادة الصهاينة وعلى رأسهم وزير الخارجية ليبرمان. هذه الأجواء العدوانية الصاخبة خفتت في اخر اجتماع حيث دعى رئيس الوزراء نتنياهو الى ضبط النفس وعدم التسرع في اخذ القرارات او القيام بخطوات غير مدروسة جيدا. الغرابة أن تأتي مثل هذه التصريحات من نتنياهو المعروف بعجرفته وعدوانيته التي فاقت الحدود، والسباق لأخذ القرارات العدوانية لا بل ودفع قادة الجيش الصهيوني للقيام بشن الاعتداءات على الرغم من عدم قناعتهم بالتوقيت أو بإمكانية تحقيق الأهداف المرجوة من الحملات العسكرية. مما لا شك فيه أن تغير اللهجة من لهجة تصعيدية عدوانية بكل المقاييس الى لهجة التروي وضبط النفس كانت لها أسبابها الموضوعية والذاتية في نفس الوقت وهي التي أدت الى لجم هذا الاندفاع العدواني.

مما لا شك فيه أن خطف الطفل محمد أبو خضير من امام بيته وهو متوجها الى الجامع لاداء صلاة الفجر، والتعذيب البربري الهمجي الذي تعرض له وحرقه حيا على أيدي مستوطنين بدم بارد، والتداعيات والارتدادات على الساحة الفلسطينية، لعبت دورا رئيسيا في فرملة الاندفاع الجنوني لحكومة الكيان الصهيوني وفرضت عليه الاحداث الميدانية المتسارعة مراجعة الموقف والتريث وتأجيل ما خطط له منذ زمن فيما يخص قطاع غزة، وخاصة على ضوء المصالحة الوطنية التي ما زالت مبتورة وعرجاء، الى جانب التطورات التي تجري في المنطقة والتي من الواضح أنها في طريقها للحسم لصالح محور المقاومة.

إسرائيل أرادت ان تستثمر اختطاف ثلاثة من جنودها وقتلهم، والحملة الإعلامية المكثفة التي قامت بها دوليا لاستجداء التعاطف معها برفع شعارات شبيهة بتلك التي استخدمت عند اختطاف 200 طالبة في نيجيريا على ايدي المجموعة الإرهابية بوكو حرام " اعيدوا لنا أطفالنا"، وذلك تمهيدا لإقناع الرأي العام العالمي أن إسرائيل باجتياحها لغزة الذي خطط له إذا نفذ، انما يأتي في سياق محاربة الارهاب. جاء اختطاف الطفل محمد أبو خضير وهو متوجها الى الجامع لصلاة الفجر وتعذيبه واجباره على شرب البنزين ورشه بالبنزين بعد ذلك وحرقه حيا، ليشعل الأرض من تحت أقدام المحتلين الصهاينة في انتفاضة عارمة شملت جميع احياء القدس العربية دون استثناء، لتوحد كلمة وموقف المقدسيين قاطبة على اختلاف انتماءاتهم السياسية والاجتماعية، وتسقط مقولة القدس الموحدة التي يتغنى بها الاحتلال، وتبين للعالم أجمع ان القدس محتلة وانه لا تعايش مع المحتل،  هذا بالرغم من كل ما قام به الاحتلال الصهيوني من التغيرات الديمغرافية والجغرافية وطمس المعالم العربية في القدس، والعمل المبرمج على الانحراف الاجتماعي لفئة الشباب المقدسي من توفير الحشيشة وأماكن دعارة وغيرها. لقد شكل هذا بالتحديد مفاجئة كبيرة وصفعة غير متوقعة للاحتلال، الذي كان يعيش تحت الوهم بأنه يستطيع ان يفعل ما يشاء دون ردود فعل بهذا الحجم والزخم واعتقاده بأنه مسيطر على الأوضاع وأن المشاكل يمكن أن تحل بمجرد استخدام مزيد من القوة. يكفي ان نذكر هنا ان الاحتلال اضطر لنشر ما يقارب من 10000 جندي وشرطي لمحاولة السيطرة على الأوضاع المتفجرة.

لم تقتصر حالة الغليان والغضب الشعبي على القدس بل امتدت الى أراضي ال 48، حيث شهدت الناصرة، ومنطقة المثلث بما فيها قلنسوة والطيرة وأم الفحم والطيبة وغيرها من المدن والقرى الفلسطينية مظاهرات واشتباكات عنيفة بين الشرطة الإسرائيلية والمتظاهرين، وما زالت المظاهرات للان وهنالك دعوة للتظاهر العام يوم الجمعة القادم، ومن المؤكد أنه سيكون يوما مشهودا. هذه المظاهرات انما تأتي لتأكيد الهوية الفلسطينية والتحام ووحدة الشعب الفلسطيني بغض النظر عن الانتشار والتشتت الجغرافي الذي يعانيه شعبنا. ولا شك أن الاحتلال أدرك ان أي عدوان على قطاع غزة في مثل هذه الظروف، فان عليه ان يجابه الغليان الفلسطيني الشعبي في ساحته الداخلية وفي المدن الرئيسية وهو بالتأكيد لا يريد ذلك. ولقد أشارت العديد من الصحف والمحللين الى ان ما يجري الان في الأراضي الفلسطينية هو بداية انتفاضة ثالثة. واجتاحت المظاهرات العارمة كذلك قطاع غزة تضامنا مع القدس والضفة واستنكارا لجرائم العدو الصهيوني وتوعدت فصائل المقاومة جميعها بالرد على هذه الجرائم. أما في الضفة نقولها بحرقة ان ردة الفعل الجماهيرية لم تكن بمستوى الحدث لتحركات الجماهيرية التي شهدناها في القدس وقطاع غزة وراضي ال48 اللهم الا باستثناء الخليل، ويحق لنا ان نتساءل لماذا هذا التقاعس؟ وبغض النظر عن هذا فان العديد من الصحف والمحللين السياسيين ذكروا الى ان ما يجري الان في الأراضي الفلسطينية هو بداية لانتفاضة ثالثة، كما تدلل الاشتباكات المستمرة ولساعات طويلة مع جنود وشرطة الاحتلال وتحول الشوارع الى جبهات قتال بكل معنى الكلمة، وتكوين لجان الحماية الشعبية والتصدي لرعاع المستوطنين واحباط العديد من محاولات اختطافهم لأطفال فلسطينيين، واعتداءات على القرى والاحياء الفلسطينية. ومما لا شك فيه أن انسداد الأفق السياسي وتدهور الأوضاع الاقتصادية بالإضافة الى السياسات التعسفية والعنصرية التي اتبعها الاحتلال وما زال على كافة الأراضي الفلسطينية من مصادرة أراضي وعمليات التهويد المستمرة وهدم البيوت، وتضيق الخناق أكثر فأكثر على الشعب الفلسطيني بكل السبل، قد شكلت الرافعة الأساسية الدفينة لحالة الغليان الشعبي، وجاءت الاحداث الأخيرة لتشعل الفتيل.

الى جانب إمكانية تطور الأوضاع الميدانية على الأرض من اشتباكات وصدامات يومية مع جنود وشرطة الاحتلال ووصولها الى حالة شعبية يومية، أي انتفاضة كتلك التي شهدتها الأراضي المحتلة سابقا، فان الاحتلال والحكومة الإسرائيلية تدرك أن بقاء هذه الحالة، أو أي اعتداء على غزة في هذه الظروف، قد يؤسس فعليا على الارض مرحلة جديدة تلغى فيها أوسلو، والتنسيق الأمني، وعدم إمكانية السلطة السيطرة على الشارع الفلسطيني حتى إذا ما استخدمت القوى الأمنية الفلسطينية المدربة بالأساس لهذا الغرض، لأنها بذلك ستظهر انها خائنة لشعبها وقضيته. والاحتلال مدرك جيدا ان هنالك تململ من بعض العناصر داخل السلطة وداخل اللجنة المركزية لفتح، التنظيم المهيمن على السلطة للسياسة التي يتبعها الرئيس عباس في التعامل مع الاحتلال، وخاصة في مجال المفاوضات والتنسيق الأمني مع القوى والاجهزة الأمنية للاحتلال. ومن هنا أتت الدعوات داخل إسرائيل ان على رئيس الحكومة نتنياهو أن يقوم بتهدئة الحال حتى يتسنى لرئيس السلطة ان يقوم بالمثل، والا فقدت إسرائيل الكثير على المستوى المحلي والدولي.

أما العامل الثالث الذي أدى الى لجم الاندفاع المحموم لجيش الاحتلال الصهيوني للعدوان الموسع على غزة، يتمثل برد فصائل المقاومة في غزة على التهديدات الإسرائيلية لشن عدوان واسع على غزة الى جانب استهداف قيادات المقاومة السياسيين والعسكريين منهم بعمليات اغتيال. حيث هددت المقاومة انها سترد على هذه الاعتداءات بقوة وان ردها سيكون مفاجئا للصديق والعدو وذلك لأنها طورت العديد من الأسلحة النوعية وخاصة فيما يتعلق بالصواريخ ومداها، بحيث أصبحت تمتلك صواريخ يبلغ مداها أكثر من 70 كيلومترا. ولقد قامت المقاومة مجتمعة بإطلاق ما يقارب من 110 صواريخ لم تتمكن القبة الحديدية سوى اعتراض ما يقرب من العشرة منها. ولقد قامت المقاومة بعرض شريط يبين التصنيع الحربي لصاروخ ضخم داخل ورشة في القطاع. وقد وجهت المقاومة رسالة واضحة للعدو الصهيوني بقصف مدينة بئر السبع يوم السبت الماضي لتؤكد قدرتها على الوصول الى مناطق بعيدة المدى. ولقد أوردت صحيفة "يديعوت احرونوت" العبرية على موقعها الالكتروني ( 6-07-2014) " ان اطلاق الصواريخ على مدينة بئر السبع مساء أمس السبت، يعد تصعيد خطير في ظل توتر الأوضاع، كما انه كان كافيا ليربك حسابات "المجلس الأمني والسياسي "الكابينت" وخلط أوراقه. وللتدليل على ذلك ذكرت الصحيفة أن رئيس حكومة الاحتلال نتنياهو قال " ان المستويين السياسي والعسكري يجب ان يتعاملوا مع الظروف الراهنة بروية وعدم تسرع".

الى جانب ذلك فقد فقدت إسرائيل ما كان من الممكن ان تكسبه من تأييد من الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة (التي لا تستطيع إسرائيل خوض معركة الا بحصولها على الضوء الأخضر منها) ليس فقط نتيجة تصرف المستوطنين الدواعش مع الطفل محمد أبو خضير، بل أيضا لافتضاح الطابع العنصري والهمجي للمستوطنين الذي حاول البعض منهم اختطاف المزيد من الأطفال الفلسطينيين، وتصرفات جنود وشرطة الاحتلال مع المتظاهرين باستخدام العنف المفرط وخاصة مع ابن عم الشهيد محمد الأمريكي الجنسية الذي تعرض للضرب المبرح الغير مبرر على ايدي شرطة الحدود الإسرائيلية كما ورد في شريط مسجل. الى جانب ذلك ظهور الدعوات على شبكات التواصل الاجتماعي التي تنادي بالانتقام من العرب وقتل العرب، وكذلك رفع شعارات الموت للعرب في بعض مظاهرات في المدن الرئيسية في أراضي ال48، وملاحقة العمال العرب الذين يعملون داخل الخط الاخضر والاعتداء عليهم بالضرب. كل هذه الممارسات تذكرنا بالحقبة النازية وتصرف النازيين مع يهود المانيا وغيرها. كل هذه الممارسات المفضوحة والتي تناولتها شبكات التواصل الاجتماعي في الكيان الصهيوني لم تعد خافية على أحد، على الرغم من محاولة الاعلام الغربي الصهيوني إخفاء هذه الحقائق، او الالتفاف عليها. وهنالك أصوات داخل المجتمع الصهيوني، ادركت ما يدور على ارض الواقع ونبهت الى خطورته . فقد عنونة صحيفة هآرتس الإسرائيلية افتتاحيتها " الكراهية اليهودية للعرب تثبت: إسرائيل يجب ان تخضع لثورة ثقافية". أما رئيس الشاباك السابق يوفال ديسكسن فقد كتب على صفحته في الفيسبوك، بان التدهور السريع للوضع الأمني جاء نتيجة مباشرة للسياسات التي يتبعها رئيس الوزراء نتنياهو والاوهام التي بناها من انه يستطيع ان يسيطر على الأوضاع بالقوة والعنف. أما رئيس الموساد الصهيوني تمير باردو فقد صرح مؤخرا بان "التهديد المركزي على إسرائيل هو الصراع مع الفلسطينيين، وشدد كما فعل سلفه ان على إسرائيل العمل بسرعة من اجل التوصل الى حل الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني.

لا بد لنا هنا ان نذكر بأن هذه التحركات للشعب الفلسطيني العارم في القدس واراضي ال48 وقطاع غزة الذي شهد مظاهرات حاشدة تضامنا مع القدس والضفة وكذلك في بعض مناطق الضفة وخاصة الخليل، انما يأتي في الوقت الذي نشهد فيه حالة تشرذم وانقسامات حادة بين الدول العربية، وانشغال العديد من الدول العربية بمشاكلها الداخلية، الى جانب جامعة عربية متخاذلة ومتخلفة عن الركب القومي العربي واكتفاءها بترديد الشعارات الجوفاء. ليس هذا فحسب بل تحولت تحت تأثير دولارات النعاج الى مطية، واداة طيعة للإدارة الامريكية، وذهب البعض منهم الى مستوى أرقى في الخيانة، وذلك بالتنسيق والتخطيط المباشر مع العدو الصهيوني للتآمر على محور المقاومة ومحاولة تدمير سوريا والعراق ولبنان من الداخل، وحرف بوصلة الصراع مع العدو الصهيوني، والالتفاف على حق العودة للفلسطينيين والمشاركة في محاولات التوطين في بعض الدول العربية وإزالة مخيمات اللاجئين لوأد الحقوق الفلسطينية وقضية شعبنا لصالح الكيان الصهيوني  ان انتفاضة شعبنا في الداخل ضمن هذه الظروف الصعبة تأتي لتضرب بعرض الحائط دعوات المتخاذلين والمتساوقين مع الاحتلال بشكل أو بآخر والمتمسكين بالتنسيق والتعاون الأمني ودعاة التحرر بالحكمة والمنطق والمفاوضات اللانهائية وليس بالسلاح لتحرير الأرض.

وأخيرا نقول ان الهبة الشعبية للشعب الفلسطيني على امتداد الوطن المحتل تضع القيادة الفلسطينية المتنفذة والتي تهيمن وتستأثر بالقرار الفلسطيني أمام مفترق طرق جدي، فإما ان تختار الشعب وتحتضن الهبة الشعبية، والغضب العارم في الصدور العارية التي تتصدى للاحتلال، وتشكل قيادة جماعية حقة تضم كافة القوى السياسية والاجتماعية والنقابية ومؤسسات المجتمع المدني لإدارة الصراع مع العدو الصهيوني، وتوقف كل التنسيق الأمني والتعاون مع المحتل وتقوم بإلغاء اتفاقيات أوسلو سيئة الصيت وما تبعها ، واما ان تتنحى وتعطي دفة القيادة لغيرها. لا يغرنكم ان هدأت الأوضاع الى حين فأن بذور الانتفاضة الثالثة مغروسة وهي بالتأكيد لآتية ولن تجدي دعوات التهدئة التي يطلقها البعض خدمة للمحتل، أو خدمة لجيوب البعض من تجار القضية المنتفعين من بقاء الأوضاع على ما هي.

 

الدكتور بهيج سكاكيني

07.07.2014

 

 

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا